|
جمجمةٌ تغلي 2
حشرات أي أمل؟! – مادام اجترارُ الحكايات المسلِّية والانصياعُ تمامًا لطغاة يلعبون بمادة باردة، كي تبقى البشريَّةُ هي دائمًا مَن يدفع الثمنَ دماءً ملتهبة تمتصُّها حشراتُ شهوةٍ متخيَّلة، عاجزةً، تربض في الظلِّ كعناكب تعيش منذ ألف عام.
طفيليون، مجرَّدون من جسد الحياة، يجرِّدون العالمَ من روح العشق والإخاء، جزَّارون مَهَرَة، يقصِّبون جسدَ الحياة الحيَّ، كي يرقِّعوا حياةً بالية، مهترئة.
إثارات إثارات، نبوءات يوميَّة، نبوءات مستهلَكة، نبوءات كاذبة، تعمل دائمًا على موتي، فموتك، أيُّها الإنسان! 26/10/1997
الحيوان الذي ينظر حقًّا صارتِ الروحُ علامةً، وصار الجسدُ شهوةً، والفكرُ فصامًا بين النقائض – حقًّا هناك مَن يريد هذا.
الحيوان الناطق مات – أو هذا ما ينبغي كي يكونَ المستقبلُ كلُّه للحيوان الذي ينظر، ينظر مشدوهًا، أبلهًا، كَمَنْ يستمني تخيُّلاتِه ولا يعرف ما ينبغي أن يقال.
كأنَّ كلَّ حلمٍ إنسانيٍّ تحطَّم كي يُعاد بناؤه كآنيةٍ مزخرفةٍ من العصور القديمة. كأنَّ كلَّ حلمٍ بحريَّة الإنسان المفكِّرة، بحريَّة الإنسان الحرَّة، صار مسخًا مجردًا لانعكاسية الحيوان. كأنَّ كلَّ الشعراء الذين نادوا بخلودك، أيَّتها البشريَّة، يموتون الآن! 25/10/1997
هذه القشعريرة 1 هذا السأم مثل هذه العزلة التي لم تعدْ تُطاق، بعد أن لا معنى لصعودٍ منفرد لكي تُقرَع أجراسُ السماء. إنَّ كاتمات صوت الإنسانيَّة بعدد آذان البشر، وهذه القشعريرة الدفينة أحسُّها منذ تلك السنوات المهجورة، بعد أن صار الله الذي يحب، الذي أدركه بمُثُلي المطلقة، ذريعةً للقتل والحرمان. إنَّني أحسُّه في داخلي يبكي حاجةً رهيبةً لعزاءِ ذلك الإنسان الذي كنت – أو ينبغي أن يكون – جاهلاً بالعبودية والعهر، عاريًا، مستترًا بالعري، بسيطًا وغامضًا بساطةَ هذه المرأة وغموضَها، عاشقًا جسدي، جسدَها العاشق، مفكِّرًا بما تفكِّر به، متماهيًا وإيَّاها بهذه الصورة التي هي واقع وحلم، والتي بارَكَها الله، وأنساها، ربَّما من أجل أن نحياها حرَّةً ومن غير شَبَه، بعيدًا عن هذا السأم، بعيدًا عن هذا التكرار المنعكس عن مرايانا المحطَّمة، بل بعيدًا عن كلِّ هذه المرايا التي لا تكف – ونحن نحاول امتلاكَها عبثًا – عن أن ترينا إخفاقاتنا الأبديَّة!
2 هذه القشعريرة التي هي إعلان غياب، شوقٌ ترسَّب طويلاً، طويلاً جدًّا، حتَّى إنه يحسُّ الآن وحسب جليدًا حارقًا يكوي جسدي ويُخمِدُه. كأنَّ حياتي – هذه التي تنطفئ كلَّ يوم يمرُّ – ساحةٌ للقتال مجهولةُ الأعداء والأصدقاء. كأنَّني مدمَّرٌ كإله، وأحتاج لترياق امرأةٍ أسطوريَّة حقًّا حتى أحيا بعد كلِّ هذا في صحَّةٍ وسلام!
3 إنَّها تعود، دائمًا تعود، هذه الأفعى، هذه القشعريرة في طريق الظهيرة. كم هي جبانة وغبيَّة! إنَّ كلَّ ما اتصفتْ به شريرٌ أبدًا، ولم يكن سوى مَحْوٍ لكلٍّ معرفة نبيلة. إنَّها لا تقود إلاَّ إلى أماكن ضيِّقة، رطبةٍ ومظلمة. إنَّها تقبع في داخلي كتميمةٍ ملعونة، ولا تدعني أتقدَّم خطوةً أخرى، مشرقًا وحرًّا، إلى المرأة التي أحب، إلى القصيدة التي أُبدِع، إلى الحريَّة التي هي وحدها معرفة الله وصلاتُه! 11/10/1997
ميزان حين الشرُّ شَرِهًا يأكل بملاعق الذهب، والخيرُ محرومًا يتشرَّد في الطرقات، حين الشرُّ قويًّا يملك ميزان العدالة، والخيرُ سجينًا يُدان بأعتى الجرائم، حين الشرُّ متغطرسًا يرتقي السلالم، والخيرُ مكسوفًا يهبط إلى الأقبية، حين الشرُّ قميئًا يقيم طويلاً، والخيرُ فتيًّا يطلب الرحيل، حينذاك، يا ألله، أنت لن تكون موجودًا على هذه الأرض، أبدًا لن تكون لا حجَّة للعبوديَّة من أجل الطغيان، لا قدرًا للفقر من أجل اللصوص، ولا كتابًا للجهل من أجل المكيدة، أبدًا لن تكون إلا نورًا للروح والجسد، نورًا يحسُّ ويعرف، مثلما حين أنظر ولا تنكسر عيناي، مثلما حين أشمُّ ولا يضيق صدري، مثلما حين أسمع ولا تضجُّ أذناي، مثلما حين أتذوَّق ولا يتقزَّز لساني، مثلما حين ألمس ولا تقشعرُّ مسامي، مثلما حين أحب فأراك في قلبي، مثلما حين أتحرَّر فأراك في روحي، مثلما حين أراك ولا أضلُّ.
رؤياك وجودي منذ خروجي من فناء العدم وانطلاقي في براري الشمس. 25/4/1997
مجلَّدة أنوارٌ ترتجف في خطوات روحي المشرَّدة بلا حركة. الأنوار الأنوار... زمهرير استغاثاتي، صرخات ضحايا تسَّاقطُ فوق مجلَّدة التاريخ، بلا تأريخ، الزمن حين يمرُّ مخلِّفًا كوارث بلا عدالة ولا عِبَر، معاودًا مسيرتَه المظلمة، بينما على صخور كلسيَّة أتشبَّث، وظهري إلى الهاوية. غليان جمجمتي برؤى الحرية والتقدُّم لا ينقذني، وحيدًا بلا بطولة ولا أمجاد، وخلفي المدينة – لا المدنيَّة – لم تزلْ تحن، مطمئنَّةً، إلى بلادتها اليوميَّة كلَّ يومٍ – كلَّ يومٍ المصيرُ ذاته، بلا هوادة! 1999
بطريق كهزيع أخير كنت أداري الموتى كيلا يشدُّوا شِباكَهم أكثر، تاركًا جناحيَّ مرخيَّيْن على كتفيَّ كخرقتين باليتين، وكنت أهجس بتماسُكٍ حتميٍّ مادامت روحي أقوى على المرض، بل كان الموتى يحاولون إهدائي حلاوةَ السموم كي أتركهم يقتفون آثار كلماتي ككلاب محترفة. شيء من المكائد كان يتطلَّب قلقَ الاحتراس، لكنَّ أعصابي أُعطِبَتْ – ولم يزالوا على حالهم، موتى، لا يعرفون الارتقاء! 1998 *** *** *** |
|
|