|
رحلتنا المشتركة نحو
الحرِّية "مَن
لم ينجُ من الإرادة لا إرادة له." جلال الدين الرومي، ديوان شمس تبريز، 13 "حيث
يكون روح الربِّ تكون الحرية." القديس بولس،
الرسالة الثانية إلى الكورنثيين، 3: 17 "لا
تَضِلُّوا! فإن الله لا يُسْخَر منه: وإنما
يحصد المرء ما يزرع." القديس بولس،
الرسالة إلى الغلاطيين، 6: 7 "إنما
الحياة تناغم بين توترات متضادة." هيراقليطس "فمَن
لم يصدُق نفسَه لن يرى الحق." باراكِلْسُس "...
النظام سيد الأشياء قاطبة؛ وما الفوضى إلا
اسم لذلك الجزء من النظام الذي يجلب علينا
الألم." ت.هـ. هكسلي مقدمة أمنية
الكائنات الإنسانية في التحرر – سواء كأفراد
أو كمواطنين – أمنية عالمية حارَّة؛ لكننا –
ويا للسخرية! – نبدو وكأننا نمعن في تحديد،
وحتى في تدمير حريتنا، ذلك الشيء عينه الذي
نتغالى به أيما تغالٍ. لا بل إننا، في حين قد
نعرف ما نريد أن نتحرر منه، لسنا على بيِّنة
مما نريد الحرية من أجله. هناك أيضًا السؤال
الملحُّ اليوم حول ما يمكن لحرية المجتمعات
الأفراد أو لتقرير مصيرها أن يمثِّله في
منظومة عالمية متواكلة interdependent.
ومناط المشكلة الأخيرة هو، على ما يبدو، فهمٌ
غير صحيح لماهية الحرية الحق. ومع
ذلك، ثمة إرث غني من الحكمة حول طبيعة الحرية
الحق ومعناها، نقع عليه بالأخص في الكتب
المقدسة للأديان العالمية وفي التعليقات
الخالدة على الحرية بقلم فلاسفة وعلماء من
أرفع المستويات، وتعود إلى أزمنة وأمكنة
واسعة التنوع. ولنتذكر بأن الأديان العالمية
معنيَّة مركزيًّا بوسائل بلوغ الحرية – التي
تطلَق عليها تسمياتٌ من نحو: "الانعتاق"،
"الفداء"، موكشا، ساتوري، ونيرفانا. إن
ما تقوله هذه المنقولات لا يقل صحة اليوم عنه
فيما مضى. ثم إنها تتلاقى على عدد من القضايا: 1.
على الفرد أن يكتسب حرية
الإرادة بجهده الذاتي. 2.
الحرية لا تنفصل عن الضرورة
أو النظام الباطن. 3.
تنطوي الحرية دائمًا على
حسٍّ بالوحدة مع الآخرين فيما يتعدى
التباينات. 4.
الحرية لا تفترق عن
الحقيقة، أو – بقلب الآية – من شأن الحقيقة
أن تحررنا. الحرية: المتناقضة الجوهرية نميل
إلى التفكير في الحرية بوصفها تتوقف على
عوامل ظرفية أو خارجية، لكن هذه القضايا
تدلنا على الداخل، مشيرة بالأحرى إلى أن
الحرية حالة وعي وأنها تتوقف علينا نحن.
إنها فعلاً شيء ينبغي الفوز به، شيء ينبغي
بلوغه بالتناسب مع صيرورتنا أصدق، أو أكثر
توالفًا مع النظام أو القانون الباطن أو
الميتافيزيائي أو الخُلُقي المستديم، وأكثر
انسجامًا معه. والحرية
أو التحرر الاجتماعي–السياسي والاقتصادي،
بدوره، يتوقف (على المدى الأطول على الأقل)
على مستوى وعي جماعة المواطنين السائد. ما
نقترحه، بعبارة أخرى، هو أن الكائن البشري
ليس حرًّا حرية كاملة بدايةً، لكنه قادر بالقوة
على التحول الذاتي باتجاه حرية أكمل. تلكم هي
مسلَّمة مختلف المنقولات الدينية وعلم النفس
الغربي على حدٍّ سواء. كلُّ دين عالمي يصف
طريقًا أو صراطًا إلى الانعتاق الذاتي، هو
عبارة عن جملة من التعاليم أو القوانين
النفسية–الروحية أو الخُلُقية. وإنه، فوق
ذلك، لذو مغزى أنه في حين أن كلَّ دين يصوغ
تعليمه في لغة خاصة به، فإن الأديان يتوافق
بعضها مع بعض في أوامرها ونواهيها: فالتعاليم
المشتركة تتضمن الحاجةَ إلى اللاتعلق أو
الزهد الشخصي، القيمةَ الفائقة لكلِّ كائن
إنساني، وحدةَ الحياة كلِّها، أخوَّةَ
الإنسانية جمعاء، الرحمةَ، اللاعنفَ، وقدرةَ
كلِّ شخص على السموِّ إلى حالة حياة (ذهنية،
خُلُقية، وروحية) أرقى بكثير من الحالة
الراهنة. وبالإمكان
التعبير عن المشكلة المتعلقة بالحرية
الداخلية كما يلي: فمن ناحية، كلٌّ منَّا واعٍ
لذاته وقادر، على ما يبدو، على التصرف بحسب
إيعازاته الذاتية؛ ومن ناحية أخرى، نشعر
بأننا مقيدون ومحدودون بطبعنا. نشعر بأننا
أحرار وغير أحرار معًا. ذلكم هو الشرط البشري
الشامل والظاهريُّ التناقض. المقترَب الثيوصوفي للحرية سوف
يستقصي هذا البحث مسألة الحرية من مقترَب
لاثنوي، وبالأخص، من مقترَب ثيوصوفي. فخلافًا
لنظرة "إما وإما" الأرسطية، لا ترى
الفلسفة الثيوصوفية الحرية بوصفها متعارضة
مع القانون الباطن أو الضرورة، بل بوصفها لا
تنفصل عن القانون الباطن الفاعل أبدًا، لا بل
تتوقف عليه بالفعل في تحقيقها نفسه.[1] إننا
لسنا محدودين بطبعنا نفسه وحسب، بل ملتحمون
بما لا يقبل فكاكًا في شبكة الحياة بأسرها.
غير أن ثمة هنا أيضًا لَبْسًا: فمن ناحية، لا
شيء يوجد خارج سلسلة الحياة؛ ومن ناحية أخرى،
يُبدي كلُّ شكل من أشكال الحياة، كلُّ خلية
حية ضئيلة حتى، نوعًا من الفطنة الخاصة به.
بقول آخر، يتوقف كلُّ شكل من أشكال الحياة
حيويًّا على بيئته، لكنه، مع ذلك، ذاتي
الانتظام self-organizing،
وبالفعل، ذاتي الصنعة autopoietic. كوكب
الأرض، بالطبع، راسخ في المخطط الأوسع
للأشياء. فإذا أدرجنا الحرية في السياق
الأوسع للكون بأسره، ماذا نجد؟ يمكن لنا أن
نصف كوننا على هذا النحو: كونُنا، بالتلازُم
مع كلِّ ما يوجد فيه، كلٌّ واحد، متواكل، ذاتي
الانتظام، ذاتي التطور. وهذه ليست نظرة
باطنية esoteric
إلى الكون؛ إذ لقد أصبحت الآن تتقاطع مع إدراك
علماء عديدين وغيرهم من المفكرين. يستتبع
ذلك أن طبيعة كوننا نفسها تجعل الحرية ممكنة،
لكنها ظاهرية التناقض جوهريًّا. فالكيانات،
على المستويات كلِّها، ذاتية الانتظام
ومتواكلة في آنٍ واحد. وهكذا
نتوصل إلى رؤية أن الاستقلالية – وهذا من
قبيل المفارقة – تتوقف على العلاقة! العلاقة،
إذن، عامل حاسم في سَبْر طبيعة الحرية.
وبمقدار ما تخضع العلاقات جميعًا لنظام من
نوع ما، فإن استقصاء الحرية الطبيعية والحرية
الإنسانية، بصفة خاصة، يتطلب سَبْرَ النظام. النظام الأصلي غير المحدود تذهب
الثيوصوفيا إلى أن كلَّ وجود متأصِّلٌ في
نظام غير محدود لا يتجزأ وخاضعٌ له – نظام
واجب الوجود، ولا يمكن الإحاطة به. وجدير
بالملاحظة أن التعاليم الدينية تتطابق مع هذا
المفهوم، وإنْ يكن تلميحًا. إن عقيدة كرما
karma
الهندوسية–البوذية، على سبيل التخصيص،
تفترض مسبقًا نظامًا غير قابل للحدِّ يسجِّل
على نحو ما أفعالنا، وحتى نوايانا، ويربط
فيها بينها. وهناك تعليم مسيحي موازٍ مفاده أن
المرء يحصد ما يزرع؛ وهذا أيضًا ينطوي على
نظام روحي مستديم. ولعل بالإمكان القول إن
المبادئ الخُلُقية والمناقبية كافة تندرج
تحت النظام الباطن. لعل
بإمكاني أن أشير هاهنا إلى أن موقفي اللاثنوي
يفترق عن موقف (العديد من) أولئك الفلاسفة
الأكاديميين اليوم الذين يبخسون
الميتافيزياء حقَّها. فأنا أقول، على العكس
منهم، بأن الميتافيزياء مكوِّن لا غنى عنه
للفكر الفلسفي.[2]
وموقفي يختلف كذلك عن موقف مفكِّري ما بعد
الحداثة التفكيكيين deconstructionists
أولاء وغيرهم من مدارس الفكر ممَّن يستنكرون
العلاقة بوصفها معادية للحرية. أما كيف يمكن
لهم أن يروا مثل هذا الرأي بوجود كوننا ذي
الروابط اللانهاية فهذا ما لا أعرفه. أنماط النظام المختلفة ضمن النظام
الأصلي الواحد إننا
الآن نختبر ونرصد أنماطًا أو أنواعًا مختلفة
من النظام. ولا بدَّ أن هذه جميعًا تندرج في
النظام غير القابل للحدِّ المسلَّم به؛ إذ لا
بدَّ أن يحيط بها ويربط فيما بينها وبين غيرها
من أنواع النظام الأخرى الممكنة؛ لا بدَّ أن
ينطوي في ذاته على الممكنات الموجودة
والمقبلة كافة – ومن هنا يستطيع المرء أن
يفهم لماذا يسمِّيه فلاسفة الباطنية أحيانًا
"الفراغ الممتلئ" plenum
void. واحد
من أنماط النظام المرصود هو النظام الآلي أو
الخطِّي linear،
كما تمثِّل له الآلة. الفيزياء النيوتُنية
قائمة على مثل هذا النوع من النظام.[3] غير أنه غير
قابل للتطبيق على المستوى ما تحت الذري، حيث،
بحسب الفيزياء الكوانتية، يمكن أن تتحول
القُسَيْمات ما تحت الذرية بعضها إلى بعض
وتتواصل كذلك آنيًّا عبر الزمكان. يُبدي
النظام العضوي أو البيولوجي نمطًا آخر كذلك
من الدينامية – سيرورة غير عَكوسة تنمو
الأشياء فيها ضمن بعضها بعضًا. والنظام
النفساني نمط آخر بعدُ. والصواب أو المنطق،
بما هو الكيفية الرائسة لدى الفلاسفة بالأخص،
نمط آخر من النظام أيضًا. وفيما يتعدى الصواب reason
تربض الكيفيتان الحدسية والروحية. وهاتان لا
تستلزمان المنطق أو تتوقفان عليه، بل هما
طريقتان فوريتان للمعرفة. تقابل
أنماط النظام المختلفة، كما نرى، مناهجنا
للتحرِّي عنها، بما فيها الفيزياء
والبيولوجيا وعلم النفس والفلسفة والدين.
وكما حاولت في غير مكان أن أبرهن،[4]
فإن هذه الجادات المختلفة إلى الفهم هي، من
حيث المبدأ، متناغمة ومتكاملة. وهذا أيضًا لا
يتساوق إلا مع مسلَّمة نظام أقصى لا يتجزأ.
غلاف كتاب لمكوف مبدأ
الكلِّية وحدة الأضداد من
القضايا الأخرى ذات الصلة باللاثنوية – وهي
منطوية في تسميتها نفسها – قضية وحدة
الثنويات، أو أشفاع الأضداد، كالروح
والمادة، الكلِّي والجزئي، الخير والشر،
النور والظلمة، الحادث والقديم، على سبيل
المثال لا الحصر. وتذهب الثيوصوفيا إلى أن
زوجَي الأضداد اللذين يتخلَّلان الحياة يوجد
أحدهما بمقتضى الآخر – أي أن كلَّ زوجين من
أزواج الأضداد قطبان للوجود يعيِّن أحدهما
الآخر ويقتضيه على التبادل. أكثر من ذلك،
تبيِّن الثيوصوفيا أن تفاعلهما وتكاملهما
هما الوسيلتان اللتان لا غنى عنهما لإمكان
حدوث أيِّ شيء بنَّاء وخلاق. فلنورِد
بضعة أمثلة على اللقاء الخلاق بين الأضداد:
تنتج الكهرباء من خلال اتحاد الإلكترونات
الموجبة والسالبة؛ النباتات والحيوانات
والبشر الأفراد تولد من التحام القطبين
المذكر والمؤنث للخلايا التناسلية؛ تنتج
إيديولوجيا جديدة من إيديولوجيتين موجودتين
أو قديمتين. ونحن
كذلك قطبية – جزئيون وكلِّيون معًا: جزئيون
من حيث مزيج مواهبنا وحدودنا واستعداداتنا
إلخ؛ كلِّيون من حيث كوننا أعضاء في الجنس
البشري وفي الكوسموس المتجلِّي الأوسع.
وكلِّيتنا يجب أن تعلِّل إمكان اختبار الوحدة
مع الكائنات والكيانات فيما يتعدى التباينات
كافة. لقد حصلتْ لغالبيتنا، من حين لآخر،
اختبارات تعاطف واتحاد – مع شخص آخر، مع مشهد
طبيعي، مع أعمال فنية، مع بلورة، زهرة، حيوان.
فكما يقول وليم بليك، يمكن لنا أن "نرى
العالم في حبة رمل". في
مثل هذه الاختبارات يكتشف المرء، فيما أعتقد،
شيئًا من قبيل المفارقة: كلما استطعت أنا –
الكائن الجزئي، الفريد – أن أتواحد مع كائنات
أخرى، كان امتلائي وتحقُّقي أعظم. فمن
الامتلاء أن أدرك، على سبيل المثال، أنني
كائن إنساني، أولاً وقبل كلِّ شيء، ولست
امرأة وحسب. ومن الباعث على الرضا العميق،
بالمثل، أن أكون قادرة على تجاوز الدين الذي
ولدت عليه – أن أدرك أنه ليس إلا واحدًا من
المنقولات الروحية العالمية المرموقة التي
يتمِّم بعضها بعضًا والتي تشير فيما يتعداها
إلى الحقيقة المتعالية، غير الموصوفة.[5] ومن
الجلِّي أن لهذا المنظور منطوياتٍ بعيدةَ
المدى من أجل مجتمعنا البشري الحالي
المتواكل، لكن المرير التجزئة والتنازُع. (سوف
نلقي فيما بعد نظرة على بعض هذه المنطويات.) إن
بنياننا الإنساني، كما بيَّنتْ هـ.ب.
بلافاتسكي، مؤسِّسة الثيوصوفيا المعاصرة،
يزودنا، من خلال مَنَسْ manas
(الذهن)، بإمكان الجمع بين "السماء والأرض"
– أو بين اللانهائي والمنتهي. وبصورة
أعم، كما لحظتْ أيضًا، كلا قطبي كلِّ ثنوية
ليس إلا مظهرًا للحق الواحد الذي يجتمعان فيه. التطور باتجاه حياة أرقى رأينا
أن حرية الإرادة شيء ينبغي بلوغه بالجهد
الذاتي أو التطور الذاتي؛ وبقلب الآية، ينبثق
معنى الحرية الأتمُّ في السياق التطوري. فلنفحص،
إذن – وإنْ فحصًا موجزًا – عن المقصود
بالتطور بما هو كذلك. وسيكون من المفيد أن
نقارن بين النظرة الثيوصوفية إلى التطور وبين
نظرة آخر ما توصَّل إليه العلم. كتاب
بلافاتسكي العقيدة السرية، الذي تعود
طبعته الأولى إلى العام 1888، هو، من أحد
الوجوه، تأمل هائل في التطور. إذ لم ترَ
بلافاتسكي التطور كسيرورة آلية أو فيزيائية
محض، بل كتفتُّح "من الداخل إلى الخارج".
فعندها أن تطور المادة مسبوق بانطواء involution
الوعي في المادة، وهو سيرورة موصوفة كانطواء/انبساط.
ففي مذهبها أن "الانطواء يعني الحركة من
الوحدة إلى التنوع؛ والانبساط هو تحقيق
الوحدة في قلب التنوع" (المرجع 10، 1992، ص 322). لقد
رأت بلافاتسكي التطور كرحلة في الوعي تشارك
فيها الكائنات جميعًا معًا – رحلة تستغرق
دهورًا باتجاه حياة أرقى، باتجاه تحقيق أعمق
فأعمق للوحدة. ومن
الملفت للنظر أن العلم يتوصَّل إلى نظرة
تتشابه ونظرة بلافاتسكي من وجوه عديدة، وأن
هذه النظرية الأجد تنهل من العديد من المناهج
العلمية وتروق لها (انظر المرجع 4، 1980). والتطور،
بحسب هذه النظرية الأجد، غير الاتباعية بعد،
سيرورة ديناميَّة إجمالية تحيط بالمنظومات
الكوسمية والبيولوجية والاجتماعية. وبصفة
أخص، تولِّد السيرورة توليدًا مستمرًا هذه
المنظومات أو الكلِّيات التي تشكِّل
متَّصلاً ديناميًّا من الكلِّيات المتصاعدةِ
الشمول والقدرة أبدًا، القابلة للوصف
كتراتبية hierarchy
متفاعلة ومتداخلة من مستويات التنظيم. فكما
يصرح المنظِّر المنظوماتي إرفن لاشلو، "تبدأ
السيرورة بالهادرونات واللبتونات
والكواركات؛ وتستمر مع الذرات والجزيئات
والخلايا؛ وتمتد تحت شروط مناسبة (كالشروط
المتوفرة على الأرض)، وصولاً إلى المتعضِّيات
والإيكولوجيات والمجتمعات" (المرجع 5، 1987،
ص 27). يذكِّر
هذا المتَّصَل المرموق الذي يصفه العلم
المرءَ بكلمات القديس بولس: جميعنا أعضاء
بعضنا بعضًا. التطور،
بلغة هذه النظرية، سيرورة تشارُكية،
تخالُقية، مفتوحة النهاية، ذات اتجاه إجمالي
(أو متعالٍ) نحو تشكيل كلِّيات ذات تنظيم
متعاظِم التعقيد ومقدرة وظيفية أرقى. التمايُز والتكامل ينبغي
علينا أن نفهم كيفية نشوء كلِّية جديدة. إن ما
ينطوي عليه الأمر هو تكامل جديد بين الكيانات
المتنوعة الموجودة. ثم يتبع التمايزَ تكاملٌ
جديد عند المستوى التالي من المتَّصَل. فكما
عبَّر عن ذلك آرثر كوستلر ذات مرة، فإن
التمايز المتبوع بالتكامل هو سيرورة بلوغ نوع
جديد من الوحدة بعد حيدة عبر التنوع. فلنعطِ
بضعة أمثلة: تتخصص الخلايا (تخصصًا هائلاً)،
ثم تصير مندمجة في نسيج؛ والمتعضِّيات أو
المخلوقات تتضافر لتشكيل جماعات؛ والجماعات
المتنوعة تشكِّل منظومة إيكولوجية ecosystem
(والتنوع الحيوي biodiversity،
كما بتنا نتعلم من جراء المشكلات البيئية،
حيوي من أجل إيكولوجيا مزدهرة)؛ والمنظومات
الإيكولوجية تشتمل على الكرة الحيوية biosphere؛
والكرة الحيوية لكوكب الأرض من الاتحاد بحيث
إنها قورِنَتْ بخلية واحدة. وإن
ما يهمنا نحن أهمية بالغة، بالطبع، هو الذروة
القائدة لهذا المتَّصَل المرموق – الكائنات
الإنسانية والمجتمع الإنسان حصرًا. إننا
نتساءل: ألا يستطيع المجتمع الإنساني أن
يتشكَّل في كلِّية جديدة؟ ألا يستطيع أن
يتطور باتجاه المستوى التالي، الأشمل،
الأكثر تكاملاً، من مستويات الوعي؟ لماذا
ينبغي على السيرورة التطورية التي استغرقت
مليارات السنين أن تبلغ مفصلها الحالي،
وتنتهي عند هذه النقطة، والكائنات الإنسانية
والمجتمع الإنساني، على هذا الكوكب على
الأقل، مازالت أبعد ما تكون عما يمكن لنا أن
نتخيلهم يصيرون؟ الواقع
أن المجتمع الإنساني قد تضافر فعلاً في
كلِّية جديدة شديدة التعقيد؛ أي أن سياسة
العالم قد استُدرجَتْ إلى منظومة عالمية
تتفاعل الآلافُ المؤلَّفة من عناصرها
وسيروراتها، بحيث إن المجتمعات الإنسانية
باتت متواكلة ماديًّا، إيكولوجيًّا،
اجتماعيًّا، خُلُقيًّا – وضع يؤثر فيه كلُّ
شيء في كلِّ شيء آخر ويجعلنا مسؤولين بعضنا عن
بعض. هذا
التواكل الشامل للكوكب إلى حدٍّ لم يُختبَر
من قبلُ هو، بنظري، نموٌّ كرمي/تطوري عظيم
الشأن. إنه كرميٌّ karmic
في كوننا نحن الذين جلبناه (على الأقل بالعامل
البشري) وفي كونه الآن يتحدانا تحديًا عميقًا
بطريقة قد تؤدي فعلاً إلى تطور للوعي. وهو
كرميٌّ عبر الطريقة التي يشد بها أبعاد
حياتنا كافة بعضها إلى بعض، بما فيها الأبعاد
الفيزيائية والنفسانية والخُلُقية. وهو
كرميٌّ في كونه يفضي إلى العلاقة. أي
أن المشكلات الشاملة التي نواجهها، كالتدهور
البيئي، والنخبوية elitism،
والفقر، والعرقية، والعسكرة، والعنف، وهشاشة
الاقتصادات، وهلم جرا، تعود إلى عيوب في
العلاقة – العلاقة بين الصناعة والبيئة، بين
الحكام والمحكومين، بين الأغنياء والفقراء،
بين الشمال المصنَّع والجنوب الأقل تنمية،
بين الجماعات الإثنية، بين العروق، بين
الفصائل السياسية. والعلاقات معيبة في كونها
تنتهك مبدأ الكلانية wholeness.
يمكن لنا أن ننتهك الكلانية كما يحلو لنا،
ولكن من جراء النظام الباطن الذي لا ينقطع، لا
يمكن لنا أن ننتهكه بدون عواقب وخيمة.[6] نحن
في الوقت الحاضر متواكلون تواكُلاً مكثفًا،
لكن انقسامنا مرير – منقسمون حول قضايا قديمة
وحديثة تتعلق بالعرق واللون والعقيدة
والإيديولوجيا. وهذا يمثل معضلة عميقة –
معضلة كوكبية تهدد الحياة نفسها. وهي، كما قال
العديد من المراقبين المهتمين، غير قابلة
للحلِّ إلا بتغيير أساسي في الوعي لدى عدد
حرج منَّا على الأقل. الحياة،
كما رأينا، متواكلة من أولها إلى آخرها. ما من
كيان، ما من جماعة، ما من مجتمع بوسعه أن يكون
جزيرة في حدِّ ذاته. على كلِّ واحد أن يوازِن
بين أمنيته الطبيعية في تقرير مصيره وبين
اتكاله الطبيعي، سواء بسواء، على جيرانه، لا
بل على الجماعة الكوكبية ككل، وعلى اهتماماته
العملية المشتركة معها.[7] الحرية
والديموقراطية السياسية والاقتصادية ليستا
أقل عدم انفصالية عن النظام أو الضرورة
الباطنين من حرية الإرادة الفردية. كما أن "السوق
الحرة" ليست قطعًا الهدف النهائي للـ"حرية".
إنها أداة عملية، لكنها لاأخلاقية amoral.
وهي تتطلب، بالتالي، إطارًا من المؤسَّسات
والقوانين المدنية المناسبة. المركزية الأنوية والمركزية الكونية إن
ما تشي به مختلف أجزاء الكتلة السوفييتية
السابقة، بما فيها روسيا نفسها، لهو مفيد
جدًّا في هذا السياق. فلدى تحرُّر جماعة
المواطنين من الشيوعية اكتشف المواطنون بأنه
يمكن للحرية أن يُساء استعمالُها. لقد كانوا
يعلمون بأنهم يريدون التحرر من
التوتاليتارية، ولكن في أعقاب زوال
الاستبداد انطرح السؤال: ما هي الغاية من
الحرية؟ إن
العديد من أولئك المواطنين، شأنهم شأن العديد
منَّا هنا في أمريكا، تلتبس عليهم الحرية
بالمركزية الأنوية egocentricity.
إنهم يميلون أكثر، مثلنا تمامًا، إلى الغلوِّ
الشديد في الانغماس في أنفسهم منهم إلى
الاهتمام بالخير العام. ولكن التطور، كما
رأينا، سيرورة متواصلة؛ ولدينا بالقوة
القدرةُ على التحول الذاتي. (وكون هذه
الإمكانية حقيقيةً بيِّنٌ في الأسوة التي
يقدمها لنا الحكماء والقديسون والمخلِّصون
عبر التاريخ.) لقد
قارن فيلسوف التكاملية Integralism،
المرحوم هريداس تشاودهوري (المرجع 2، 1974)، بين
الفرديتين الأنوية التمركُز egocentric
والكونية التمركُز cosmocentric،
فقال إن الأولى هي نتاج الجهل وهي، بالتالي،
غير حقيقية بمعنى من المعاني، في حين أن
الثانية موسومة بحسِّ من القرابة الروحية مع
الكون بأسره، بشعور بالمسؤولية حيال الخليقة
الحية برمَّتها، بحسِّ تكريس النفس لصلاح
الكون. وهذا الفرد الكوني التمركُز يتجاوب مع
العالم في كلِّيته بفضل تحقيق داخلي لكلانية
الكينونة. النزاع الإثني والعرقي حسب
المرء أن يستدعي إلى الذهن التنوع الهائل
المنبسط في كلِّ المجالات – في الطبيعة (في
النبات، الحيوان، فِراسة الوجوه الإنسانية،
ألوان البشرة، القيافات، إلخ)، في الثقافة،
في الفنون، في نظريات العلم والفلسفة، في
المنقولات الدينية – حتى يرى بأن التنوع واقع
يتخلَّل الوجود ككل. التباين والتكامل، كما
رأينا، مبطونان في السيرورة التطورية –
سيرورة مافتئت على ما يبدو تتواصل منذ بدء
الزمان. التاريخ البشري يبيِّن أن تخالُط
الدماء والثقافات واللغات والمنقولات
مابَرِحَ يتواصل. وهذا التلاقح كان سيرورة
مُغنِيَة؛ وهي بالطبع سيرورة غير عَكوسة
بالكامل. وهذه السيرورة تتسارع اليوم بفضل
القدرة البشرية المتزايدة على التنقل
والاتصالات الجماهيرية. وإنه لواقعٌ اليوم أن
أعدادًا لا حصر لها من الأفراد مولودون من
والدين مختلطين – حتى إن أفراد الأسرة
الواحدة يمكن لهم أن يختلفوا في لون بشرتهم. والتجربة
الأمريكية مفيدة للغاية: ثقافتنا، فنوننا،
علمنا، ومهاراتنا من كلِّ الأنواع متشربة
بمساهمات أفراد موهوبين من الأصول العرقية
والإثنية كافة – سود، قوقازيين، لاتين،
آسيويين، إلخ. التنوع، في الواقع، هو قوتنا.
ومع ذلك فإننا، في أمريكا أيضًا، نشهد
تكرارًا عاليًا من الاستقطابات حول قضايا
العِرق والجنس والإجهاض والدين والسياسة
والاقتصاد. لكني
أعتقد أن الناس مقبلون تدريجيًّا (وهاهنا
أيضًا، الاتصالات الجماهيرية قوة في توسيع
منظور الناس وتعميقه) على رؤية أن الاستقطاب
حول أية قضية هو من قبيل العبث والحماقة
والتدمير. فكما يحاجج هذا البحث، يُعبَّر عن
الحقيقة، من وجهة نظر الكلانية، من خلال وحدة
الأضداد، وليس من خلال الأطراف. يشير
العالم–الفيلسوف رافي رافندرا، فيما هو
يناقش كرما، بأن أهمَّ أسباب استرقاق
الإنسان ليست خارجية، بل كامنة فينا – بأننا
سجناء عاداتنا ومخاوفنا وأحكامنا المسبَّقة
وأهميتنا الذاتية. إنه يقول إنه "... حينما
يُرى قانون كرما من منظور الشخص الكلِّي،
يمكن له أن يدل الشخص المستعد للقيام
بالرياضات المطلوبة لتنقية إدراكاته على
العُقَد التي ترغمه في حياته على التصرف على
نحو ما يتصرف، حتى ضد إرادة ذهنه السليم
وفهمه، وبكيفية حلِّ هذه العُقَد والتغلب
عليها" (رافندرا، المرجع 8، ص 347). قانون كرما،
على حدِّ قوله، هو: "كما يكون المرء كذلك
يفعل؛ وكما يفعل المرء كذلك يصير." (ص 346) من
الشارحين المنوِّرين الآخرين للحرية المرحوم
اللاما أناغاريكا غوفندا، الذي كتب بأن تعبير
المرء عن الحرية هو تعبيره عن طبيعته الحق،
وبأن طبيعة المرء الحق محيطة بكلِّ شيء
وكلِّية. إن خلاصة الحرية، بنظر غوفندا، هي
صحوة على كلِّيتنا – على طبيعتنا الحق
المحيطة بكلِّ شيء. لقد كتب: "لا فرد من
الأفراد موجود في طبيعته هو وحسب، مستقلاً عن
عوامل الحياة الأخرى كافة... وبما أنه يتعذر
إيجاد بداية أولى لأيِّ فرد أو لأية ظاهرات
داخلية أو خارجية، فهذا يعني أن كلاً منها
يحوي كلِّية الكون في أساسه. أو، إذا شئنا أن
نعبِّر عن الأمر من وجهة نظر الزمن، يمكن لنا
القول إن لكلٍّ من هذه الظاهرات، ولكلِّ فرد
بخاصة، ماضيًا لانهائيًّا، وهو، بالتالي،
قائم على لانهاية من العلاقات، لا ولا يمكن
لها تستبعد أيَّ شيء وُجِدَ يومًا أو من شأنه
أن يوجد. لذلك فإن للأفراد جميعًا... ،
وبالتالي، للكون كلَّه أساسًا مشتركًا؛ وهذه
الكلِّية تصير واعية في خبرة الاستنارة، التي
يستيقظ فيها الفرد على طبيعته الحق المحيطة
بكلِّ شيء" (غوفندا، المرجع 3، 1976، ص 10). أليس
هذا إفصاحًا بديعًا عن المقصود بالكلِّية؟ ولعلنا،
لكي نُتِمَّ هذا الاستعراض الوجيز، نستدعي
رؤية بلافاتسكي الفريدة في إحاطتها بالطبيعة
والمعنى والغاية النهائية لرحلتنا التطورية
الطويلة. وإننا لنجد تصريحًا عنه موجزًا،
لكنه بديع الأمانة، في بحث (غير منشور)
للعلامة الثيوصوفية إميلي ب. سيلون، التي
توفيت مؤخرًا: "إن لولب الانطواء/الانبساط،
على ما يقال، يتصاعد من كمال غير واعٍ (الوحدة
غير المتمايزة)، إلى نقص واعٍ (الصراع من أجل
الذاتية والتعبير عن الذات)، إلى كمال واعٍ (حالة
الوحدة التامة الوعي، كما مثَّل لها البوذا
والمسيح). وبذلك فإنه فقط من خلال خبرة
محدودية الانتهاء، والحياة المتجسِّمة،
والتغلب على هذه المحدودية، يمكن لذلك الوعي
أن يتحرر من وهم انفصال الذات والعالم، العقل
والجسم، فيفوز بذلك بالاستنارة." المجتمع الكوكبي القادم لئلا
نفقد الإيمان بالمستقبل الإنساني، ونحن نسمع
كلَّ يوم عن طُرُق البشرية في تدمير ذاتها،
وعن عجزها ظاهريًّا عن السيطرة على التحيز
العرقي والإثني، وعن إخفاقها حتى الآن في وقف
الهمجيات والقتل، يُستحسَن أن ندرك أن هذا ما
هو إلا جزء من الصورة الكاملة. إذ إن هناك
أيضًا أدلةً توحي بأن الوعي المجتمعي مستمر
في التطور على الرغم من، أو ربما استجابةً
بالدقة للانحطاط وللذَّرْذَرَة atomization
المزريين اللذين نشهدهما. إليكم،
في خطوطها العريضة، بعض التطورات الإيجابية
والمترابطة: -
الاعتراف الواسع الانتشار
بكوننا نخلق عالمنا، يرافقه حسٌّ متنامٍ
بالمسؤولية. -
حركة في صميم الناس نشطة من
أجل التغيير الاجتماعي. -
كون العديد من أعضاء
المِهَن السياسية والاجتماعية والاقتصادية
وغيرها من المِهَن ذات الصلة تعمل على قدم
وساق لتبيِّن لنفسها ولبقيتنا معنى الارتياح
الإنساني. -
الطلوع المرموق لفكرة،
لمثال، أو لمبدأ الكلانية في معظم، إن لم نقل
في جميع المناهج الحديثة. (وقد وثَّقتُ هذه
الظاهرة ذات المغزى في غير مكان.[8]) -
العصر الإلكتروني الحالي
الذي، بالتزامُن مع هذه العوامل الأخرى،
يروِّج لتلاقي الأفكار والمعرفة على مستويات
الحياة كافة. -
الطلوع التدريجي لخليقة ethos
كوكبية جديدة تنطوي على فكرة العالم كجماعة
واحدة. ولعلنا نتوقع أن نرى، بهذا الصدد،
المزيد من تطور الأمم المتحدة (وهي ما تزال
منظمة حديثة السن، منظمة تعكس العالم)؛
ولعلها ستصير أداة أفعل في تعاطي المشكلات
العالمية للبشرية (والمحافظة على مشاعاتها،
من نحو الغلاف الجوي) التي تتخطَّى إمكانات
الأمم–الدول الأفراد ووسائلها. -
التطور الخارق للقانون
الدولي في نصف القرن المنصرم، بوصفه مرتبطًا
بالنقطة السابقة. فإدخال المزيد من الشرعية
على المستوى الدولي من أجل إزاحة الفوضى
الحالية يتصادى مع الخليقة الكوكبية الجديدة. -
وثيق الصلة بذلك أيضًا
التوقُ الواسع الانتشار إلى الديموقراطية –
بما هو توق إلى السيادة الذاتية. -
الاهتمام المتزايد بحقوق
الإنسان. فقد انعقد أول مؤتمر دولي حول حقوق
الإنسان في غضون ربع القرن الماضي في فيينا
مؤخرًا. فحقوق الإنسان همٌّ مطروح عند
تقاطعات النقاش الدائر اليوم حول
الديموقراطية والتنمية والثقافة والدين. -
عقد مؤتمرات عالمية،
بمشاركة واسعة وشاملة، بقصد الانصراف إلى
الاهتمامات الإنسانية الشاملة والحيوية (من
نحو مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة
والتنمية، المعروف كذلك بقمة الأرض، المنعقد
في البرازيل في العام 1992؛ ومؤتمر حقوق
الإنسان في فيينا السابق ذكره، وبرلمان
الأديان العالمية في شيكاغو، المنعقدين
كليهما في شيكاغو في العام 1993). -
انبثاث مفهوم المعرفة cognition.
فبحسب كتاب حديث الصدور (فاريلا وطومسون
وروش، المرجع 11، 1993)، "تنتقل الفطنة من
كونها المقدرة على حلِّ مسألة ما إلى المقدرة
على ولوج عالم مشترك من المغزى" (ص 207). -
وفوق ذلك كلِّه، ربما، كون
العديد منَّا قد كبر عن أدياننا الطائفية وعن
محلِّيتنا الثقافية وبدأ ينمِّي فيه أيضًا
حسًّا بالوحدة فيما يتخطَّى اختلافات اللون
والجنس والجنسية والانتماء.
صورة الأرض من الفضاء
الخارجي: من رموز عصرنا الروحية الكبرى إلى
وحدة الإنسانية هذه
التطورات، مجتمعةً، تشير، فيما أطرح، إلى
دفعة نحو رؤية أوسع، أكثر توحيدًا، وأصدق. يذكِّرني
هذا بنبوءة للثيوصوفي دين رودهيار. فقد كتب في
العام 1977 أن فترة مدتها 500 سنة، بدأت في حوالى
العام 1900، سوف يعقبها بحثٌ لاكتشاف وسيلة
جديدة للتكامل الكوكبي. ولسوف تتصادى مع
ذبذبات المُناغَمة، مع ذبذبات الجمع بين
الأضداد، ومع الحب الذي يؤالف بين الأقطاب
على الأصعدة كلِّها. وحتى تنجح يجب أن تصرف
وتدفع إلى الخلف الذَّّرْذَرَة والانهماك في
الذات المدمِّرين للذات والكارثيين، اللذين
من شأنهما أن يبلغا أوْجَهما في القطيعة
التامة واللامبالاة (تصريحات أدلى بها قبل
سنوات من وقوع الجريمة المروعة المتمثِّلة في
التطهير العرقي). لقد
لحظ رودهيار بأن الناس، حتى الساعة، قد
تَكَوْكَبوا معًا بالدرجة الأولى على أساس
الجذور الثقافية المشتركة، اللغة والمنقول
المشتركين، التجذُّر في الماضي الجمعي – أي
على أساس التشابُه sameness.
وبالمقابل، فإن النمط الطالع من أنماط
المجتمع سوف يعمل على مستوى أرقى من الوعي
والشمولية. وأعضاؤه سوف يستشرفون مجتمعًا
إنسانيًّا أكثر تناغمًا، تنجم عنه طريقة
جديدة للتواصُل أكثر تعاليًا، ويساعدون على
تكوينه. لقد
أقمنا الدليل على أن طورًا جديدًا ثوريًّا قد
بدأ بالفعل. وإن إنجازنا الأعظم سوف يكمن
قطعًا في التوالُف معه وتعهُّده بالرعاية. نخلص
إلى القول بأن زبدة الفهم الثيوصوفي للحرية
هو التالي: نحن جميعًا، من حيث ندري ومن حيث لا
ندري، راكبون في رحلة وعي مشتركة، غايتها هو
استيقاظنا التام على كلِّ أحد وكلِّ شيء،
فيما يتعدى جميع الفوارق، وعلى وحدتنا معه.
وبما أنها رحلة مشتركة، فما مِن أحد منَّا
يمكن له أن يكون حرًّا حقًّا إلى أن نكون
جميعًا أحرارًا. *** *** *** ترجمة:
ديمتري أفييرينوس المراجع الببليوغرافية 1.
Blavatsky, H.P. 1888 (1979). The
Secret Doctrine. 3 vols.
Madras, Adyar: Theosophical Publishing House. 2.
Chaudhuri, Haridas. 1974. Being,
Evolution, & Immortality. Wheaton,
Illinois: Theosophical Publishing House. A Quest Book. 3.
Govinda, Lama Anagarika. 1976. Creative
Meditation and Multi-Dimensional Consciousness.
Wheaton, Illinois: Theosophical Publishing House. A Quest Book. 4.
Jantsch, Erich. 1980. The
Self-Organizing Universe. Elmsford,
New York: Pergamon Press. 5.
Laszlo, Ervin. 1987. Evolution: The
Grand Synthesis. Boston
& London: Shambhala: New Science Library. 6.
Lemkow, Anna F. 1990. The Wholeness
Principle: Dynamics of Unity Within Science, Religion, and Society.
Wheaton, Illinois: The Theosophical Publishing House. A Quest Book. 7.
Midgley, Mary, 1993. Can’t We
Make Moral Judgments? New
York: St. Martin’s Press Inc. 8.
Ravindra, Ravi (ed.). 1991. Science
and Spirit. New York:
Paragon House. An ICUS Book. 9.
Rudhyar, Dane. 1977. Culture,
Crisis, and Creativity. Wheaton,
Illinois: Theosophical Publishing House. A Quest Book. 10.
Sellon, Emily B., and Renée Weber. 1992. “Theosophy and The
Theosophical Society,” in Modern
Esoteric Spirituality. Antoine
Faivre and Jacob Needleman (eds.). New York: Crossroads. 11.
Varela, Francisco J., Evan
Thompson, and Eleanor Rosch. 1993. The
Embodied Mind: Cognitive Science and Human Experience.
Cambridge, Massachusetts: MIT Press. ·
آنا ف. لمكوف مؤلِّفة كتاب مبدأ الكلِّية:
دينامية الوحدة ضمن العلم والدين والمجتمع
(1990). وقد عملت سابقًا في أمانة سر الأمم
المتحدة في مجال التنمية الاجتماعية–الاقتصادية.
يلذ لها استكشاف المقاربات التكاملية إلى
العلم والدين والشؤون العالمية. [1]
لقد بقي السجال الأرسطي للحرية مقابل
الحتمية، كما نعلم، غير محسوم طوال قرون؛
وهو، بنظري، غير قابل للحل لأنه يخفق في
الإحاطة بعدم الافتراق بين الحرية
والقانون. [2]
الميتافيزياء، كما تصرِّح الفيلسوفة ماري
مِدغلي (المرجع 7، 1993، ص 169-170)، "هي شرط لا
بدَّ منه لكلِّ فكر متمدِّد. فتعاطي المرء
مع الميتافيزياء تعاطٍ مع البنية التصورية
لصورة المرء عن العالم، مع خارطة عامة
لكيفية وجود العالم وللكيفية التي يمكن له
أن يكون عليها. وتشتمل العقائد
الميتافيزيائية بوضوح على أشياء ضرورية،
كنظرات حول الضرورة السببية... حول واقعية
الأشياء الفيزيائية وإمكانية المعرفة، حول
الطريقة الصحيحة في التفكير في العقل
والمادة، الزمن والمكان، ونظرات – بالغة
الأهمية في نظر غالبيتنا – حول الطبيعة
الإنسانية والمآل الإنساني. إنها
الافتراضات المسبقة الأعم لفكرنا، التي من
دونها يبقى تجميعًا ميؤوسًا منه ولا شكل له
من النتف المتباينة... ." [3]
ينبغي هنا أن نشير إلى أن الحتمية الآلاتية
طرحت تعقيدًا جديدًا في مشكلة الحرية/الحتمية
القديمة جدًّا في الفلسفة الغربية، لكن
الفيزياء نفسها فيما بعد دحضت الآلاتية
كنموذج عالمي. غير أن الفلسفة الغربية، في
صراعها مع الشرط البشري الظاهري التناقض
الذي يبدو حرًّا ومقيدًا في آنٍ واحد،
مازالت تستعمل منطق "إما وإما"
الأرسطي، فتبقى، بالتالي، غير قادرة على
حسم هذا السجال. فما لم يُفهَم أن الحرية لا
يمكن بلوغها إلا بطاعة النظام لا يمكن له أن
يُحَلَّ. وعلى الغرار نفسه، من غير المجدي
البحث عن منفذ للهرب من الحتمية باللجوء
إلى "المصادفة"، كما حاول بعض
المفكِّرين أن يفعلوا بحلول الفيزياء
الكوانتية. إذ إن هذا الموقف تفوته أن
الحرية لا يمكن أن توجد من غير نظام. [4]
وخصوصًا في كتابي مبدأ الكلِّية [المرجع
6]. [5]
هذا الموقف مبرهَن عليه في مبدأ الكلِّية،
الفصول 11-16. [6]
لذا فإن فوضانا كلَّها – وهذا من قبيل
المفارقة – تعبيرات ذات مغزى عن النظام!
وذلك ليس مضمون كرما وحسب، بل كذلك
مضمون الـإي تشنغ، أقدم كتب الحكمة
الصينية. والملفت للنظر نوعًا ما هو أن هذا
التبصر قد طفا من جديد بطريقة جديدة في
نظرية الشواش chaos theory. [7]
لقد بات لإلزام تقاسُمِ كوكب صغير واحد
وَقْعٌ كبير على المشهد العالمي – بما في
ذلك تأسيس الأمم المتحدة قبل حوالى خمسة
عقود، ووجود حوالى 20000 من المنظمات الدولية
غيرها، التي منها حوالى 18000 منظمة غير
حكومية. ففي العام 1909 كان مجموع أعداد
المنظمات الدولية 176 فقط. [8]
مبدأ الكلِّية
[المرجع 6]. |
|
|