1 - إله التكوين
في قراءتنا للفصول الأولى التي تفتتح الكتاب المقدس العبراني في سفر التكوين،
نجد أنفسنا في لب إشكالية الكتاب، وهي إشكالية لا تسير نحو الحل كلما توغلنا
فيه، بل نحو مزيد من التعقيد، لأنها تنبع أصلاً من إشكالية الإله العبراني
نفسه. فهذا الإله لا يتمتع بشخصية واضحة ومستقرة يمكن التنبؤ بسلوكها وردود
أفعالها، كما هو حال آلهة الشرق القديم الأخرى، وإنما بشخصية قلقة وانفعالية
ينبئ سلوكها عن تناوس بين صفات ألوهة عليا مهيبة وجليلة وكريمة وسمحاء، وصفات
ألوهة حقودة ومحبة للانتقام ومجانية في غضبها. هذا الطابع الشديد التركيب للإله
التوراتي ناشئ عن طبيعة تاريخه. فلقد وفد الإله يهوه إلى مناطق فلسطين الزراعية
قادمًا من المناطق الجبلية الصحراوية في الجنوب. وقد حفظ لنا المحررون
التوراتيون موروثات قديمة تنبئنا عن أصله. فلقد جاء من سعير وآدوم (القضاة 5:
4)، ومن تيمان ومن فاران (حبقوق 3: 3)، ومن سيناء (التثنية 33: 2). وسعير
الواردة في هذه النصوص تقع في المنطقة الجبلية الواقعة في الطرف الشمالي الغربي
من صحراء العرب. أما فاران فتقع في المنطقة الشمالية الشرقية من صحراء سيناء،
وأما تيمان وآدوم فتقعان في المنطقة الجرداء الوعرة الواقعة بين البحر الميت
وخليج العقبة.
ما
أن نفخ الله الروح في النفس البشرية حتى بدأت مسيرة البحث عنه واكتشاف
معالمه وخصائصه وطبيعة الطريق أو الطرق المؤدية إليه. لقد كان الإنسان
دائم البحث وكانت محاولاته في إطار هذا القلق المعرفي الروحاني ممتدة
إلى كل نواحي الحياة التي يحياها، ذلك أنه لم يستسغ أن يعيش على أعتاب
فراغ روحي سينعكس على حياته الاجتماعية بشكل جليٍّ. لذلك بدأ الإنسان
البدائي ما قبل التاريخ في استشعار وتحسس الطبيعة المحيطة به أملاً في
فهم نواميس الكون وعناصر الوجود المادي من حوله، ثم من أجل معرفة من
ينظم هذا الكون ومن يقف وراء تشكله وضبطه وتوجيهه.
هذا
المقال هو مقاربة لمعنى الدرويش الذي لمسته واقعًا، وحاولت فيه أن
أعبِّر عن الصورة التي تشكَّلت لديَّ من خلال زياراتي لمقامات الأولياء
والموالد المصرية، وتتبعتُ ما كُتب عن معنى الدرويش في الأدبيات
العربية، سواء في المجلات والدوريات أو الكتب وعبَّرت عن ذلك في لغة
أدبية وأرفقت بالهوامش ما يساعد الباحث أو القارئ على تتبع المعنى في
مظانه التي تيسَّرت لي وجاء المقال على الصورة التالية:
الدَّرْوِيشُ هو: الزاهد أو الفقير أو الصوفي أو المسكين أو الجوَّال أو
المتسوِّل أو النَّاسك. بهذا تقولُ أغلب المعاجمُ في شرح معنى الكلمة في اللغة،
وتردُّ أصلها إلى اللسان الفارسي. ويعرفها الناس في كثيرٍ من البلاد بهذا
المعنى، ففي الحضر والبادية وفي الحجاز ومصر والسودان والشام وإيران وتركيا لا
تخرج الكلمة عن هذه المعاني، ويغلبُ ارتباطها بالفقر
والحكمة ومعرفة أمور الطب ويطلبهم الناس وقت الشدَّة كي يستريحون بحملهم عنهم
مشاكلهم وما يؤرقهم في حياتهم، كونهم مجاهيل ما يُسرد لهم من تفاصيل التعب لن
يُنشر أو يحكى في سياق آخر. فالدرويش يذيب ما ألقي إليه من أحمال الآخرين بمجرد
إخراجها مهما ثقُلت، ويستطيعُ بيديه البيضاء وقلبه الخالي من الدنيا أن يرسم
البسمة على قلوب التعساء.