الموضوع والخطة
تهدف هذه المحاضرات لإظهار الزمان، ليس كحدث ذات معزولة ووحيدة، وإنما كعلاقة
الذات مع الآخر.
ليس في هذا الطرح ما هو سوسيولوجي إذ لا يتعلق الأمر هنا بالقول كيف يتقطَّع
الزمان، ومن ثم كيف يُعاد ترتيبه بفضل أفكارٍ نستعيرها من المجتمع، أو، بشرح
كيف يسمح لنا المجتمع بتكوين تمثُّلٍ عن الزمان. لا يتعلق الأمر بفكرتنا عن
الزمان، وإنما بالزمان ذاته.
للدفاع عن هذا الطرح، يجب أولاً تطوير فكرة العزلة، وثانيًا، تأمل الفرص التي
يقدمها الزمان إليها.
الإنسان
وعي بالذات. إنه واع بذاته، واع بحقيقته وبكرامته الإنسانيتين. وهو بهذا يختلف
اختلافًا جوهريًا عن الحيوان الذي لا يتخطَّى مستوى مجرد الإحساس بالذات.
والإنسان يعي ذاته في اللحظة التي يقول فيها - لأول مرة - أنا. وإن فهم الإنسان
بفهم "أصله" يعني فهم أصل الأنا الذي يكشف عنه الكلام.
والحال أن تحليل الفكر أو العقل أو الفهم، إلخ، وبصفة عامة، تحليل السلوك
المعرفي التأمُّلي المنفعل لكائن أو "لذات عارفة" لا يكشف لنا أبدًا لماذا ولا
كيف تنشأ كلمة "أنا"، وبالتالي لماذا وكيف ينشأ الوعي بالذات، وأقصد حقيقة
الواقع البشري. فالإنسان المتأمِّل "ينغمس" فيما يتأمُّله. والذات العارفة تضيع
في الموضوع المعروف. لذا فإن التأمُّل يكشف عن الموضوع لا عن الذات. الموضوع،
لا الذات، هو الذي ينكشف لنفسه في عملية المعرفة وعن طريقها. والأفضل أن نقول
إنه ينكشف كعملية معرفة. إن الإنسان الذي ينغمس في الموضوع الذي يتأمُّله لا
يستطيع أن "يعود إلى ذاته" إلا عن طريق رغبة كرغبة الأكل على سبيل المثال.
فرغبة موجود (واع) هي التي تجعل من هذا الموجود "أنا" وتكشف عنه كذلك عندما
تدفعه أن يقول "أنا". الرغبة هي تحول الوجود المنكشف لذاته بواسطة ذاته في
المعرفة (الصادقة) إلى موضوع ينكشف لذات بواسطة ذات متميزة عن الموضوع ومعارضة
له. فالإنسان يتشكَّل وينكشف - لنفسه وللآخرين - في رغبته وعن طريقها. والأفضل
أن نقول إنه، كرغبة وكرغبته هو، يتكوَّن وينكشف كأنا، كالأنا المخالف اختلافًا
جوهريًا للاأنا والمعارض له معارضة جذرية. الأنا (الإنساني) هو أنا الرغبة. إنه
أنا راغب.