مدخل إلى النقاط: النقطة "واحد": الكمالي
هيلين بالمر
الفصل الخامس:
مدخل إلى النقاط
تكمن أفضَلُ طريقةٍ لفهم كيفية تفاعل الأنماط فيما بينها، أولاً في
قراءة الثلاث نقاط ذات النوى للمثلَّث الداخلي: ستة – ثلاثة – تسعة،
وفيما بعد نتجاوز تغيرات النقاط ذات النوى إلى تتابع: واحد – أربعة -
اثنان – ثمانية – خمسة – سبعة. وفي دروس التاسوعية، نقوم في تحقيقات
الجدوال
Panel[1]
(كل جدوَل هو عِبارة عن نموذَج من التحقيق تخضَعُ فيه عيِّنَة واحِدةٌ
من الأشخاص لمُقابلات مُكرَّرَة فترةً معيَّنةً من الزمن)
على
أساس تمثيل هذا الترتيب، لأنه باتِّباع الخطوط، بوسع الحضور أن يرَوْا
بسهولة أكبَر كيف يتغيَّر كلُّ نمط بتحرُّكِه نحوَ الفعل أي نحوَ نقطة
الضغط (الرهَق العام)Estress
. ولقد نظَّمتُ الفصول وفقًا
للترتيب الرقمي للأنماط من واحد إلى تسعة، وذلك ببساطة لسهولة
المرجعية.
يبدأ كل فصل بصياغة للمُعضِلَة السيكولوجية (النفسية)،
والسيرة النموذجيَّة للعائلة، ومناقشة المسائل الأساسية التي تُشغِلُ
بالَ هذا النمَط. ويتضمَّن أيضًا مُوجَزًا حول كيفية نزوع النمَط إلى
التصرُّف في العِلاقات الحميمة من جهة، ومع السلُطات التراتبية من جهة
أخرى.
تشكِّلُ لي أهميةٌ قصوى الفقرات التي تتناوَل كيفيَّةَ إعارةِ كلِّ
نمطٍ لانتباهِه، والطرق الحدسية الاعتيادية لكلِّ واحِدٍ من هذه
الأنماط. فممارسات الانتباه تبدو لي جسرًا بين الفكر والحدس، ووسيلة
قديرة بالنسبة لنا في الغرب أن نبدأ على استعادة الاتصال مع ذلك الذي
يصِفُه الموروث القدسي بالسِّمات المُمَيَّزَة للجوْهَر. فلقد قابلتُ
أفرادًا كثيرين خاضُوا تجارُبًا مع الحدس، أو مع جوهرِهم الخاص، وقد
وثِقوا بحدسيَ الخاصِّ كوَسيلةٍ للتغلغل في آليَّات هذا النطاق الحميم
للبسيكه[2]
(النفس) الإنسانية. وإنني أنظر إلى هذه الفقَرات المتواضِعَة حولَ
الانتباه والحدس في هذا الكتاب كعملٍ تمهيدي تجاهَ فهمٍ أكثر اكتمالاً
لصفات كينونتِنا هذه.
وبالرغم أن كلَّ نَمَطٍ يملُكُ استعدادًا نَوْعيًا مُسبَقًا كملَكَةٍ
حدسية محدَّدَة، فإنه لمن الأهمية بمكان التذكّر بأن كلَّ واحِدٍ منا
لَدَيْه الإمكانيّة لتجسيد كل هذه الأنماط الحدسية. وإنكم على سبيل
المثال، سوف تستطيعون اكتشاف ما يحصَل بالنسبة للنقطة الأكثر اعتيادية
لكم حيث تكمنُ نقطةُ شعورِكم بالأمان، أو بعبارةٍ أخرى بالنسبة للطريقة
التي هي نَمَطيَّة لأشخاص يتماهَوْن مع نقطتِهم للفعل، وهي نقطةُ
شعورِهم بالضغط (الرهَق العام). فكل واحدٍ منا فريدٌ في الطريقة التي
يتعلم فيها كيف يتعامل مع حياتِه، ولكننا بفحصِنا للطريقة التي نوجِّه
انتباهَنا من خلالِها، ونقوم بدَعمِ الراصِد الداخلي، فإذاك بوسعِنا
الاكتشاف بأنه غالِبًا ما نكون على اِتِّصَالٍ مع المعلومة الحدسية
التي تؤثِّرُ على قراراتِنا وعلاقاتِنا تحت أشكالٍ لا نفهمُها.
الجوانبُ الأكثرُ تطوّرًا لكلِّ نَمَطٍ توصَفُ في مُفرَدَتين، الأوْلى:
وهي حول الإمكانية العقلية العليا، والثانية: هي حول الفضيلة
الانفعالية. قد يختلِط وصفُ مظاهِر جَوْهَر الكينونة الإنسانية بسهولة
مع أفكار حول كَيْفيَّةِ إمكانية تجسيد صِفاتٍ كهذه، والحال هذه
فالجَوهَرُ هنا لن يكونَ أكثرُ من امتدادٍ للأنا الشخصي. والحقيقة، هي
أن صفات الجوهر تصبح سهلة البلوغ عندما نجِدُ أنفسَنا في حالةٍ
متغيِّرة للوعي، والتي لا تكون خاضِعة لتوجيهٍ من قِبَلِ الأنا
المفكِّر/الحسِّي. فلدى هذه الصفات المميزة علاقة ضعيفة مع وعيِنا
الاعتيادي، ولسوء الحظ، تستطيع هذه العلاقة المذكورة قبل قليل، أن
تُوَلِّدَ بسهولَة مفاهيم مُبتَذَلَة حول التصرف المحتمل لأشخاصٍ
متطوِّرين.
تكمُنُ الخطوةُ الأولى نحوَ التجسيد الملموس لصفةٍ مُمَيَّزَة
للجَوْهَر فيدعم الراصِد الداخلي، وتكمنُ الخطوةُ الثانية في السيطرة
على مستويات كثيرة من التأمل، وممارسات الطاقة، أما الخطوة الثالثة
فتقوم على دمج الصفات المُمَيَّزَة للجَوْهَر في شخصية ناضِجَة.
أَضَفتُ أيضًا بعضَ المواضيع التي بإمكانِها مُساعَدَة أفرادِ كلِّ
نمَطٍ على التطوُّر، وحول المسائل الخاصَّة التي يجب إدراكها، وأيضًا
حول تغيُّرات الأنماط التحتية لكل نمط.
طُوِّرَت كلُّ هذه المواد التي تتعلَّق بموضوعِنا هذا، أثناء دروس
التاسوعية والمُقابلات التي قُمتُ من خلالِها بتحقيق الجدول
Panel،
وذلك على مدى آخِرِ اثني عشر عامًا، مما جَعَلَ من الكتاب تأليفًا بين
قصص آلافٍ من التلاميذ الذين شاركوا في العمَل.
كل فصلٍ يحتوي على:
-
مُجمَلُ المُعضِلَة
-
السيرة النموذجية للعائلَة
-
مسائل النمَط الأساسية
-
نماذِجُ العلاقة الحميمَة
-
مثالٌ عن عِلاقَةِ زوجٍ بين نَمَطَيْن
-
علاقة النمَط مع السلطة التراتبية
-
مثال عن التفاعلية التراتبية بين نمطين
-
أسلوب الانتباه
-
الأسلوب الحدسي
-
الأوساط التي تجذب النمَط
-
الأوساط التي ينفر منها النمَط
-
مشاهير ممثّلون عن النمط
-
السِّمَةُ العقلية العليا
-
الفضيلة
-
الاستحقاقات
-
الأنماط التحتية
-
ما يساعِدُ النمَط على تطوّرِه
-
أمور على النمط أن يدركَها
***
الفصل السادس: النقطة "واحد": الكمالي
المُعضِلَة
كان البعضُ منهم صبيانًا وبناتًا صغارًا طيبين. تعلَّموا التصرُّف
بشكلٍ لائق، واتِّخاذ المسؤوليات على عاتقِهم، وعلاوةً على ذلك كلِّه،
تعلَّموا أن يكونوا صالِحين أمام مرأى الآخَرين. ولكنهُم يتذكَّرون
أمرًا يشكِّلُ لهم مصدرَ ألمٍ، ألا وهو أنهم غالِبًا ما كانوا عُرضَةً
للانتقاد، وبالنتيجة، تعلَّموا تدريبَ أنفُسِهم بقسوة لكي يتجنَّبوا
أخطاءً تلفتُ انتباه الغَيْر. ويظنون بطبيعية قصوَى أن العالَمَ كُلَّه
يشارِكُ رغبتَهم في الكمالية الذاتية، وغالِبًا ما يخيب أملُهم ممَّا
يرَوْنَه كعَيْبٍ أخلاقي عند الآخَرين.
يُحتوَى منظور الكمَالي في صورةِ الأسلاف الأميركيين المتزمِّتين،
والذين كانوا عمَّالاً أشاوس، وذوي استقامَة، ومتحمِّسين، ومستقلِّين،
ومتيقِّنين بأن الفِكر والطيبة النقية والبسيطَة بإمكانِهما التغلُّب
على الجانب العاتِم (المُظِلِّ)[3]
للطبيعة الإنسانية. إن "الكماليين" متيقِّنون بأن الحياة قاسية، وبأنه
للحصول على الشعور بالهناء ككل، فلابد من العمل على الذات لتحقيقه،
وبأن الفضيلة هي ثوابهم الخاص، وبأنه يجب تأجيل الشعور باللذة حتى
يكونوا قد أنجزوا ما عليهم.
يدركُ الكماليون بشكلٍ عام أنَّهم يَرفُضون الشعور باللذة. فهم قلِقون
جدًا إزاء ما "يجب عليهم أن يفعلوه"، وإزاء ما "يجب أن يكون قد تم
إنجازه"، الأمر الذي يجعلُهم نادِرًا ما يتساءلون عمَّا يريدونه من
الحياة. فمنذ أن كانوا صِغارًا حُظِرَت عليهم رغباتُهم الطبيعية،
دافِعين بهم إلى التعلُّمِ على تجميدِ رغباتِهم، وعلى تركيز انتباهِهم
على الشيء الصحيح لكي يقوموا به.
ثمة دائمًا فسحةٌ للكمالية، و"الكمالِيُّون" قهريُّون إلى أقصى حد،
ويمكِنُهم استخدام جزء كبير من ساعات راحتِهم، وهم يجاهِدون في جعْلِ
أنفسِهم أشخاصًا أفضل. فالجلوس في الباص الذي يقلُّهم إلى عملِهم يعني
مَثَلاً ممارسةَ سلسلةٍ من التمارين الموضعية، أمَّا وجبةُ الغداء
فهِيَ مُرادِفةٌ بالنسبة لهم لعشر علكات للَّقمة، وتعني لهم ساعةُ
الاستراحة القيامَ بأمرٍ بنَّاء، وتدريبي.
يُعبِّرُ "الكماليُّون" عن عَدَم قدرتِهم على العيش إلا مع ذلك النوع
من الناقِد الداخلي القاسي كي يتمكَّنوا من معرفةِ ما إذا اقترفوا
إثمًا فظيعًا. وعلى هذا النحو فهم يصغون بشكلٍ طبيعي إلى صوت قاضٍ
كجزءٍ من تفكيرِهم الخاصِّ، وعلى الرغم أنهم يعرِفون بأن هذا الصوت
يكمُنُ مصدرُه في قرارةِ أنفسِهم، فبإمكانِه اجتياحِهم بقوة، كما لو
أنه آتٍ من مصدرٍ خارجي. يحاكم الناقِدُ الداخلي عمومًا أيَّ فِكرٍ أو
فعلٍ لـ "الكمالِيِّ". وعلى سبيل المِثال، إذا كان "الكمالِيُّ" يقوم
بعِظَةٍ، فمن المُمكِن للناقِد الداخلي أن يُقدِّمَ باستمرار تعليقاتٍ
حولَ أدائِه: "بإمكانِك أن تكونَ أكثر دقة عند إبدائكَ هذا الرأي، وإن
صوتَك يبدو كما لو أنه صادِرٌ من أنفِك (خيشومي)، ولا تتهرَّب من
الموضوع". فالخوف من التعرض للانتقاد في الطفولة، جَعَلَ البعض من
"الكمالِيين" يطوِّرون نظامًا من الرقابة الداخِليَّة أصبحَت تسيطِر
اوتوماتيكيًا (ذاتية الحركة) على الفكر والكلمة والفعل.
يربط "الكماليُّون" ناقِدَهم الداخِليَّ المتطلِّب في توقف ذواتِهم عند
ما هو أسمى، أو ما هو أفضل من أفكارهم الاعتيادية، وعلى الرغم أنهم
يُدرِكون بأن هذا الناقِدَ الداخلي يتأصَّلُ في داخِلِ فكرِهم الخاص،
فهم يميلون للإصغاء إلى تعقيبِه الداخلي الفاضل، كما لو أنه صادر من
صوت بيانو ما لذلك الوجود الأسمى.
يؤكِّد "الكمالِيون" بتواتر أن أفكارَهم الخاصَّة تحاكمُهم بسبَبِ
شعورِهم بالغضَب، أو بسبَبِ شعورِهم برغبات جنسية، وبأنهم في الساعات
التي يُصبِح فيها صوتُهم الداخلي ناقِدًا بإفراط فإنهم يُظهِرون
استياءً عميقًا ضدَّ أولئك الذين يُظهِرون إخلالاً بالقواعِد، بدون
أدنى إشارة توحي بندمِهم عمَّا فعَلُوه. ويسعى الكماليون لكي يكونوا
ضمن مستوى علوِّ الضغط الناجِم من خلال متطلَّب نوعية الناقِد
الداخِلي، وإذا شعروا بأنهم مُجبَرون على أن يكونوا طيِّبين، ففي الوقت
نفسِه يجِدون أنفسَهم يحاكِمون داخِليًا أولئك الذين يُخالِفون
القواعِد.
إن الناقِدَ الداخلي مندمِجٌ إلى حد كبير في طريقة تفكير الكماليين
الذين يستطيعون فقط حسبانَ الأشخاص الآخَرين كُلَّهم يعيشون أيضًا في
سيلٍ جارِفٍ من الأفكار المُحاكِمَة. وعندما يختار الآخَرون اللذة على
حساب الاستقامَة، فإن "الكمالي" يستمرُّ بالاعتقاد منفرِدًا بأنهم
يخادِعون عَمدًا.
يتركَّز انتباه الكمالي إلى حدٍّ كبير على مسألة ما هو ملائم للقيام
بالعمل، أو على مسألة ما يجب القِيام به، الأمر الذي لا يترك فسحةً
عقلية لكي تتفتَّح في وعيِه رغباتِه الخاصَّة. وبالتالي، فهم مستاؤون،
وتصِفُ كلمةُ الاستياء شعورًا مُزمِنًا بالغضَب. ومن الممكن أن يتمَّ
وصف الاستياء كدرجةٍ من الاختلاف بين الرغبات الحقيقية التي نُسِيَت أو
أُهمِلَت، وقهرية العمَل الشاق لإرضاء متطلَّبات الناقِد العقلي.
يؤدِّي تأجيل الشعور باللذة إلى إحساس "الكمالي" بأنه يتصرَّف بالشكل
السليم. وسيحتلُّ كلٌّ من التنزُّه واللهو مكانهما المُعتبَر بعد توظيف
الحياة في الاتجاه الصحيح، وبعد أن يكون قد أدَّى واجباتِه بشكلٍ
تامٍّ. ساعاتُه مُبَرمَجَة وأغلقَت عليها كل العناصِر الضرورية لحياةٍ
متوازِنة بشكلٍ كامِلٍ: ساعة للموسيقا، وفترة للتمارين، وأخرى لزيارة
صديق مريض، ووقت مديد من أجل الدراسَة. وتتم السيطرة على الوقت من خلال
واجبات جدول أعمالِهم، ومن خلال ما يشبِه العلاقة بين غُرَفٍ صغيرة
مُغلَقةٌ بإحكام بين ما "يجب فعله"، وما "أحتاج إلى فعلِه"، الأمر الذي
يلغي عمليًا وقتهم الحر حيث يمكِنُ لحاجاتِهم الحقيقية أن تظهَرَ.
وصَفَت شابَّةٌ "كمالية" رغبتها بالدخول في مدرسة للفن:
كنتُ أطمَحُ لذلك كثيرًا، فبقيتُ خرقاء لمدة سنتين في الصفوف
التمهيدية، وفي كل خطوة أنوي فيها اتخاذ قرارٍ كان يتوَجَّبُ عليَّ أن
أكونَ كامِلةً إلى درجة كبيرة، وفي الحقيقة لم يكن بوسعي التوصُّل إلى
تسجيل نفسي كطالِبة في هذه المدرسة. فأولاً، ترتَّبَ عليَّ إجراء ضبط
لرغبتي في رسم عقائدي السياسية، لأنني كنتُ أنظُرُ إلى ميولي التعبيرية
باعتبارِها ردود أفعال تفاعلية لوجهة نظري السياسية اجتماعيًا. وكان
يتوجَّبُ عليَّ فيما بعد اختبار حبِّي للطبيعة وللهواء الطلق بالنسبة
لاختياري دراسة الفن كانشغالٍ مُلازِمٍ للجلوس. وأعَدتُ النظَر في
قناعاتي الدينية التي كانَت تحثُّني على تبئير المواضيع الدينية
النوعية. وكانَت رؤيتي للعالَم تحتاج إلى إعادة النظَرِ فيها لكي
يَتُمَّ إصلاحها، وجرى ذلك كلُّه قبل أن أستطيعَ إملاءَ مجموعةٍ من
أوراق التسجيل.
لقد كانَت تُعِيرُ هذه الطالِبَة للفن انتِباهَها دائمًا إلى ناقدِها
الداخلي قبلَ أن تتمكَّنَ من التركيز على انفعالِها، وعلى توقُّعاتِها،
وعلى واقع الرسمِ أنه بالنسبةِ لها مصدرٌ للسرور. ففي الماضي المتزمِّت
للولايات المتَّحِدَة، كان الرقص والألعاب ممنوعة لكونِها تشكِّلُ
فُرَصًا للشعور باللذة والهوى اللذين يفلتان من رقابة الناقِد الداخِلي
للأشخاص.
تتأصَّل رؤيَةُ العالَم بالنسبة للكمالي على افتراضٍ أنه بالنتيجة
يوجَدُ حلٌّ واحِدٌ فقط، ومخرَجٌ واحِدٌ صحيح لكل ظرف. فـ"الكماليون"
يكرِّسون أنفسَهم لهذا الطريق الصحيح، كما لو أنه تعبير عن طبعِهم،
بدون أن يهتمُّوا في الكثير من الإغراءات التي بمقدور الطرق الأخرى أن
تتمتَّعَ بها. إن تواجُدَ طُرُقٍ صحيحة متعدِّدَة، أو بأن الصحيح
بالنسبة لشخصٍ يُمكِنُ أن يكونَ غيرُ صحيحٍ بالنسبة لآخَر. وبالتالي
يُمكنُ للدرايَة بالنسبة للكماليين بهذا كلِّه، أن يفتحَ الأبواب إلى
الشواش (الفوضى). أفلعلَّ امتلاك الأشخاص إذْنًا بأن يعملوا بما فهموه
جيِّدًا، يُحصِّنُهم من تدمير الشر لكل شيء جيد؟
تتركَّزُ محاكماتُ "الكماليين" عمومًا على الغضَب والجنس لأن هذين
الدافِعَيْن كانا قد حُظِرَا عنهم أثناءَ الطفولة. ومن الطبيعي، أن
"الكمالِيين" لا يُدرِكون أنفسَهم عندما يكونون غاضِبين. حتى عندما
يضغطون بشكلٍ مرئي على عظم فكِّهم السفلي، وتنكمِش شِفاهُهم، كما لو
كان ذلك من أجل إبقاء كلمات الناقِد تحتَ السَّيْطَرَة، فهم لا
يُدرِكون غضَبَهم، لأنهم يُجمِّدون إدراكَ أيِّ انفعالٍ "سيئ".
فـ"الكمالي" ذو وجهٍ قانٍ، وناقِد بشكلٍ فعَّال، وربما لا يُدرِك بأن
غضبَه يشفُّ أثناء كلِّ نقاش، وعلى ذلك فهو قادِرٌ على الاستسلام إلى
التفاعل (التشارك في العمَل)، مُعتقِدًا ببساطة أنه يقوم بالتصريح عن
بعض تقديراتٍ مُهِمَّة.
ينظُرُ "الكماليون" إلى الغضب كشعور سيئ، ويتوَصَّلون إلى قبول
استيائِهم الخاصِّ فقط بعد أن يتيقَّنوا بشكلٍ مُطلَق بأنهم على صواب.
ومع ذلك، عندما يكونون متأكِّدين من وجهة نظرِهم، فهم يحصَلون على
مَدخلٍ إلى تدفُّقٍ هائل لطاقة جسمانية. وينسحِبُ الناقِدُ العقلي
عندما يكون لـ"الكمالي" اليقين بأنه على صوَاب، وإذاك تبدو مناقشة
الغضب المكبوت وقد انطلقَ من عقالِه في اللاوعي. فمع "الكماليين"
المتطوِّرين، قد تُستخدَمُ هذه الطاقَة على مستوى عالٍ من أجل غاياتٍ
بنَّاءة. وغالِبًا ما يكونون في المقدِّمَة للدفاع عن قضايا إنسانية
يخدِمونَها بدونِ أدنى اهتمام لغاياتٍ شخصية على عكس الطريقة التي
يَعمَلُ فيها الآخَرون من أجل راتِبٍ يحصَلون عليه أو صيتٍ ذائعٍ
يحرزون عليه. ومع "الكماليين" غير الناضِجين فإن الانجِذابَ نفسَه
لقضيَّةٍ عادِلَةٍ تخدُمُ القصدَ من إنشاء مِنبرٍ للفضائل من حيث
يتَّهِمون الآخَرين بسلوكيَّاتٍ سيَّئة.
يعيش "الكمالِي" في بيتٍ منقسِمٍ، حيث يعيش ناقِدٌ في الطابِقِ الأعلى،
ولا يُدرِكُ هذا الناقِد إلى حدٍّ كبير سيول المشاعِر الجارِفَة على
نحوٍ دَوْري، حيث تغمر هذه السيول أقبيةَ المنزِل. وإذا ارتفع هذا
المدُّ من الأهواء على نحوٍ مفاجئ، فمن المرجَّح لـ"الكمالي" أن يقومَ
بتفريغِ المشاعِر التي لا يتحمَّلُها، وذلك بتبئيرِه التصرُّف السيئ
للشخص الآخَر، أو بإثمال نفسِه، أو بتعاطيه المُخدِّرات لتنويم ناقِدِه
الداخلي. فالثمَل، ومنافذ للغضَب، أو فترات من النشاط الجنسي المُكثَّف
هي وسائل "الكمالي" لإطلاق الضغط الذي يتجمَّع دوريًا، بسبَب إنكارِه
لحاجاتِه الخاصَّة.
تُطبَّقُ صورةُ المنزِل المنقسِم على الكماليين الذين يُرسِّخون علاقةً
من نوع "فتحة – بوابة صغيرة" بين الناقد العقلي وسيل الانفعالات التي
تبقى أسيرةً في مصائد قبو اللاوعي. فـ"الكمالِيُّون" مع "فتحة – بوابة
صغيرة"، هم أشخاص يُطَوِّرون حلاً لحياةٍ مزدوَجَة بسبَبِ مُشكلةِ
العيشِ في منزلٍ منقسِم. ويطوِّرون مزاجَيْن مُختَلِفَيْن، واحد لأجل
"حيث أكون معروفًا"، وآخَر لأجل "إنني بعيد عن هنا حيث لا أكون
معروفًا". إنهم مسؤولون ومُحتَرَمون في الوسَطِ المُحيط حيث هم
معروفون، ولكنهم يُصبِحون أكثرَ استرخاءً، وأكثرَ إغواءً جنسيًا في
جوٍّ بعيد عن العائلة والأصدقاء. إن الحلَّ بوجود هذه "الفتحة –
البوَّابَة الصغيرة" بين الطابق العلوي والطابق السفلي في المنزل
المنقسِم كما سبق وذكرنا، يستطيع أن يُمثِّلَ شكلاً غيرَ مؤذٍ كالذهاب
لإمضاء عُطَلٍ في مكان حيث لا يكونون معروفين فيه، وليس لديهم فيه أدنى
مسؤوليات، أو من الممكِن أن يُشاهَد "الكماليون" في توافقات غريبة
الأطوار مثل تلك التي لأمينة مكتبة/"مومس"، أو مبشِّر/"لصٍّ".
الوسيلة الأخرى للتفريج عن توتر العيش في منزل منقسم هو التسامح. فإذا
استطاع الكمالي قبول الخطأ، فإن الناقِدَ الداخلي يزول من تلقاء نفسِه،
و"الكمالِيُّون" قادِرون على أن يُحِبُّوا هفَوَاتِهم الخاصَّة تحت
ضوءٍ أكثر رأفةً. وبصريحِ العِبارة فإن موضوعَ التسامح المركزي يكمُنُ
في قبول الخطأ بدون إذلال النفس ومعاقبتِها، وإن إشراطَ "الكمالِيين"
هو الانتظار. فهم الأشخاص الأكثر صبرًا، والأكثر بِنَاءً في التاسوعية،
وكذلك الأمر عندما يتعلَّقُ الأمرُ بإصلاح خطأ ما، على أن يستطيعوا
القبول بأنهم قد اقترفوا الخطأ. وهم قادِرون كذلك على الشعور بلَذَّة
عملٍ قد تم القيام به على أكمَلِ وجهٍ مُمكِن، مع امتنان يجعَلُ
أجسادَهم تشعر بالارتفاع كما لو أنهم في طيَرانٍ للملائكة. ويُمكِنُ
لحسِّ الكمال أن يتمَّ تحريضُه من خلال أشياء بسيطة: منزِلٌ نظيف،
وجُملةٌ مركَّبَةٌ بشكلٍ مُتقَن أو في حديث لحظةٍ حيث يكون كل شيءٍ في
مكانِه بشكلٍ كامل.
يشتمِلُ قلق النقطة "واحد" على:
-
تُصبِحُ النماذِجُ الداخِليَّة للإصلاح متطلِّبَةً على نحوٍ متزمَّت.
-
حاجَةٌ قهرية للتصرُّف استنادًا إلى ما يبدو صحيحًا.
-
القِيامُ بالشيء المتيَقَّن.
-
الاعتقاد بفوقية أخلاقية الأدب الخاصَّة بهم. وبأنهم أفضَلُ الناس.
ويقوم عشرة بالمائة من النخبة بالشيء الصحيح.
-
صعوبةٌ في الاعتراف بالحاجات الحقيقية التي ليسَت على توَافُقٍ مع
قواعِد النزاهَة.
-
مُقارَنَةٌ عقليةٌ مع الآخَرين: "إنني أفضَلُ أو أسوأ منهم؟". قلقٌ
إزاء انتقادِ الغير لهم: "هل هم يحكمون عليَّ؟".
-
المُمَاطَلَة في اتِّخاذ قرار بسبَبِ الخوف من اقتراف أخطاء.
-
إنهم مصلِحو العالَم. ويقومون بتحويل الغضب الناجِم عن عدم إشباع
حاجاتِهم إلى ذلك الشيء الذي يبدو على أنه هدف خارجي شرعي.
-
ظهور شخصيّتَيْن: الشخصية الجدية التي تعيشُ في المنزِل، وتظهَرُ تلك
التي تحب المرح بعيدًا عن المنزِل.
-
تقومُ طريقة توجيه الانتباه على أساس إصلاح الأخطاء والتي قد توَلِّدُ:
·
قدرة هائلة على الانتقاد.
·
الوَعي بعمق قوة الكمال في أي وضعٍ مُعطَى، ضِدَّ ما هو بالمُقارنة
معه، يتميَّز الخطأ فيه كإدراك من الدرجة الأولى. "فكِّرْ في الكمال
الذي يُمكِنُ تحقيقه".
سيرة العائلة
يحكي "الكماليون" بشكلٍ طبيعي أنهم تعرّضُوا للانتقاد أو للمُعاقَبَة
بقسوة عندما كانوا صِغارًا، وفي النهاية أصبحوا مهووسين في محاوَلَتِهم
لِكَي يكونوا طيبين كأحدِ أشكالِ تجنُّبِهم للمشاكل. فما يبدو أن وضعَ
العائلة هذا هو الذي يُسَاهِمُ في إنجابِ أبناءٍ مُطيعين، ولكنها
تُجبِرُهم بأن يُسيطروا على تصرُّفِهم، منضَويًا بذلك في دواخلِهم
الصوت الناقِد للوالِدَين.
يُنتظَر من كثيرين أن يتَّخِذُوا على عاتقِهم باكِرًا المسؤولية
الراشِدة، وهم ينتقِلون في حالاتٍ كثيرة مما هم عليه، ليكونوا
كالوالِدَيْن، ولكي يُحقّقُوا التوازنَ المفقود بسبَبِ راشِدين غيرِ
ناضِجين ضِمْنَ العائلة.
كان والدي يريدُني أن أصبِحَ كاتِبًا، ولكن عوضًا أن يكون كاتبًا فقد
أصبحَ رب أسرة، وفي الحقيقة كان يكره حياتَه. ووَجدتُ أنه كان يخصُمُ
علينا من المصروف لعَدَمِ تحقيقِه لحُلُمِه في أن يصير كاتِبًا، وكان
يشعر بالضيق مما دُبِّرَ له في حياتِه. وكانت والدتي مريضة مُعظَمَ
الوقت، وكانا ينتظِران مني أن أتّخِذَ على عاتقي مسؤوليَّةَ الأطفالِ
الصغار. وكان الوَسَط المحيط في المنزِل متوَتِّرًا، كما لو أن الجميع
عليهم أن يسيروا طوالَ الوقت على رؤوس أصابِعِهم لكي لا يُغضِبُوا
الوالِدَيْن، وكنتُ أعتقِدُ دائمًا أنه كان لديَّ زيَادَةٌ من الأشياء
يتوَجَّبُ عليَّ القيام بها.
وذاتَ صيفٍ، أتذكَّرُ أنهم عندما طلَبوا مني تنظيف جدران المنزل كله،
فجأةً تمزَّقَت بين يديَّ عشبةٌ ضمنَ حَوْضٍ للزينة في الصالة، وأنا
أنظر من خلال النافذة إلى الأطفال وهم يتلهَّوْن هناكَ خارِجًا.
ووجدتُني ساخِطًا جدًّا بسبب وَضعِهم العناية بالجميع على كاهلي، حتى
رأيتُني أتنزِع من المشابك (الخطَّاف) حوض العشبة للزينة الثقيل بدون
أن أدرك البته كم من الغضب كنتُ أشعر به في داخِلي.
كان شعورُه مليئًا بتوقّعَاتٍ فائقة، ولكن بدونِ أن يحصلَ على أيِّ
مُكافآت. فاعتقدَ صديقُنا بأن الفضيلة تُكافئ ذاتَها بذاتِها، ولذلك
فالكماليون لوَّامون لأنفسِهم تجاهَ أي تصرُّفٍ سيئ، وبدون أن يصيروا
متميِّزين من خلال تضحيتِهم لكونِهم طيبين. وأن تكون شخصًا كامِلاً
يتطلَّب حرمانًا كبيرًا، ويتطلَّبُ رقابةً داخِليةً صارِمةً. وفي
النهاية، فسرور المُكافآت قد تُحجَبُ لصالِحِ سرور السيطرة الذاتية.
فهذا الراوي ناجح كثيرًا جدًا، ولكنه قلق بشكلٍ مزمن، ويصِف كيفية
الطريقة التي يُسَيْطِرُ فيها على لذَّتِه الخاصَّة.
خلال سنوات المدرسة، كنتُ أقوم بتحفيز نفسي على الدراسَة وأنا أعِدُ
نفسي فيما إذا قمتُ بالدراسة بوَرَعٍ أثناء الأسبوع كله، فبإمكاني
الذهاب لألعب كرة السلة صباحَ يوم السبت، وبعدما أنهيتُ كل شيء يتعلق
بأعمالي الدراسية حين مجيء يوم السبت، ولكنني عِوَضًا عن ذهابي للَّعِب
فكَّرْتُ: "حسنٌ جدًا، لقد قمتُ الآن بواجباتي المدرسية، وهذا كان
الهدف من العهد الذي قطعتُه على نفسي. فإذًا عِوَضًا عن الذهاب لكي
ألعب كرة السلة، سوف أقوم بتنفيذ مهمَّتين أخرَيَيْن لطالما كنتُ قد
أجَّلتُهما منذ وقتٍ طويل. فإذا أنجزتُ هاتين المهمّتيْن، إذاك سوف
أذهَب للَّعِب. أما في حال العكس، فلأذهَبَ". كنتُ أقومُ بالترفيه عن
نفسي كاستحقاق لي، ولكنني غالِبًا لم أكن أستمتِع به، على الرغم أنني
كنتُ أستحقُّ ذلك.
عندما يقوم "الكمالِيون" بحرمانِ أنفسِهم، يتكوَّن لَدَيْهِم مستوى
نقدي من الضغط الذي يجعلُهم يُطلِقون الاستياء بطريقةٍ أو أخرى،
ويظَلُّ غضبُهم الخاص خفيًا عنهم. ويصِف هذا المُهندِس المعماري كيف
كان يُطلِقُ عدوانيّتَه المكبوتة.
كنتُ في البيت فتىً طيّبًا، ولم أكن أجد أيَّ سبَبٍ مُقنِعٍ بالنسبة
للغضَب الذي كنتُ أشعُرُ به من قِبَلِ والِدَتي أو في المدرسة. كان لدي
أخٌ متخلِّفٌ عقليًا يُضايِقُني، ولكنني كنتُ أحاوِلُ حمايته، وكانت
والدتي أيضًا ضعيفة البنية، وتناهَت إلى انحطاطِ كاملِ قواها. والحقيقة
أنني كنتُ كبيرًا، وقويًا، وسويًا، وكانوا مع ذلك يجعلونني أشعر بالذنب
بسَبَبِ أيِّ نوعٍ من التسلية التي كنتُ أسمحُ لنفسي بها.
أطلقتُ غضَبي إلى الخارج جاعِلاً من نفسي كالمتوحِّش، ولكنني لم أعلم
مُطلقًا أنني كنتُ بالفعلِ غاضِبًا. وكانَت الرغبة في تحطيم الأشياء
تستولي عليَّ، وصرتُ أتخيَّلُ نفسي وأنا أكسر ألواحًا زجاجيةً، وكنتُ
أنتهي في وقتٍ متأخّرٍ من الليل لأجد نفسي ذاهبًا إلى وراء أحد الأبنية
المهجورة، وأنا أحمل مطرقةً (مهدَّة) معي. فقد كان الأمر مدهِشًا على
نحوٍ مُطلَق.
شغف بالغضب المُحِق
عندما ينتاب "الكماليون" الغضَب، ففي الحقيقة لا يكونُ لديهم أدنى وعيٍ
لهذا الغضب. وقد تكونُ عقولُهم أداةً حادَّةً من خِلالِ أفكارٍ
انتقادِيَّة، تُنقَل عبرَ لغةٍ جسمانية مُتَوَتِّرَة، ومن خِلال واقِعِ
كونِهم مشغولين في إصلاح تصرُّفات الأشخاص الآخَرين كلِّهِم، ولكنَّ
هذا يحصَل في حال كونِهم لم يصِلوا بعد إلى نقطة الانفجار. وقد يعتقِدُ
"الكمالِيُّون" بأنّهم "يُبَدِّدون طاقتَهم" عندما يشعرون "بالقليل من
الإزعاج" أو عندما يقومون "بأعمال كثيرةٍ في يومٍ واحِد فقط".
ثمَّةَ إغراء كبير بالنسبة لهم لتعبيرِهم عن الغضَب كوَسيلةٍ للدفاع عن
قضيةٍ عادِلَة. وإذا كانَت وُجهةُ نظرِهم صحيحة، فقد يجري تعبيرُهم عن
الغَضَب بدون أيِّ ملامَةٍ ذاتيةٍ لكونِهم قاموا باحتضانِ مشاعر سيئة
كالغضب على سبيل المثال. وإنه لمن أجل هذا السبَب، يُجذَبُ
"الكماليُّون" نحوَ آراء متزمِّتة تقدِّمُ مِنصَّةَ إطلاقٍ آمِنةٍ
لغضَبٍ مُحِق، وذلك باسم قضية عادِلَة.
وفي الواقع تُسبِّب القضية العادِلَة إحساسًا هائلاً يجبرُ "الكمالي"
على أن يكونَ طيِّبًا، بينما يظل الآخَرون على جهلٍ بتضحيَتِه
وإصرارِه. يعتقِدُ "الكمالِيّون" أنه من الظلم ألا يوجَد في هذه الحياة
تعويض أو مكافأة عن النزاهَة والمجهود اللذين يقومون بهما. وبما أن
"الكماليين" قد عوقِبوا بسبَبِ رغباتِهم الخاصَّة أثناء طفولتِهم،
فالنتيجة هي أنَّهم فقدوا الاتصال بما يريدونه في الحقيقة، ولكنهم
حسَّاسون بعمق تجاهَ ما يعتقِدون بأنه ضروري القِيام به. ولهذا فقد
يشعرون بغضب شديد من الأشخاص الذين يُخالِفون القواعِد، ولكنهم لا
يُصرِّحون بذلك علانِيِةً، إلا إذا كانوا متيَقِّنين تمامًا بأنهم على
حق. ولسوف يُكبَتُ داخِليًا هذا النوع من الغَضَب غير المقبول، بحيث
يَحلُّ محلَّه على الفَوْر سبَبًا منطقيًا للشكوى. وها نحن نقدِّمُ
مجملاً للأساليب المُهذّبَة ظاهريًا التي تروي فيها إحداهُنّ نمطَها
"الكمالي" عن حالة الغضب التي اعترَتها وَسَطَ زحمةِ السير.
يُغضِبُني ازدحام السير بشكلٍ لا يُصدَّق. فعلى الأقل إذا احترم الجميع
القواعد، لكان ممكنًا لي أن أحتمِل هذا الوضع، ولكن في إحدى المرَّات،
وجدتُني وقد أصبحْتُ غاضِبةً جدًا لدرجة أنني انطلَقتُ إلى مباشرة
الفعل. فقد أحسَسْتُ بأننا جميعًا عالِقون في أزمةِ سيرٍ خانِقَة، فإذا
ما حاوَلَ أحدُهم اِقتِناصَ فُرصةٍ ما لصالحِه، فعلى الجميع أن يُعانيَ
بسبَبِ فعلتِه الخرقاء هذه. لا بل يطفح الكيل عندي خصوصًا عندما يتجاوز
أحد السائقين مَطْلَعَ المخرج من الازدحام، وهو يريد أن يعبُرَ قبلَ
دورِه. وحينئذ تكون ردة فعلي هي خروجي من رتل السيارات دافِعةً بسيارتي
متحدِّيّةً إيّاه بشكلٍ واضِحٍ من خلالِ محاذاتِه بسيَّارتي.
تجريد "الفتحة، أو البوابة الصغيرة" من قدرتِها على الكبت[4]
يتأصَّلُ غَضَبُ وأَلَمُ الكمالي في واقِعِ أن حاجاتِه الشخصية لم
يستطِعْ إشباعَها. وكُبِتَت رَغَباتٌ مشروعة، واُستُبدِلَت بلائحةٍ من
الواجِبات. ويسبِّبُ الحُرمان غضبًا مُزمِنًا، يستعِرُ دائمًا ومن جديد
تحتَ مظهَر تصرُّفٍ مُهذَّب. يُزعِج "الكماليّون" خصوصًا أولئك الذين
يمثِّلون الجانِبَ المُظلِم (المُظِلّ) من ذواتِهم، لأن هؤلاء يجسِّدون
الرَّغَبات التي لم يكن لهم دِرايَة كيف يصِلون إلى قبولِها كموجوداتٍ
في ذواتِهم.
نتذكَّرُ في سياقِ حديثِنا آنفًا أن "الكماليين" يعيشون في منزلٍ
منقسِمٍ. ويُهَيْمِنُ على اِنتباهِهم ناقِدٌ عقلي يُجمِّدُ إدراكَ
المشاعِرِ غيرِ المقبولة. وإذا ما هدَّدَت "الكمالي" رغباتُه الحقيقية
بأن تفيضَ من اللاوَعي، فإذاك يتحوَّلُ الناقِدُ إلى معاقِبٍ في
محاولةٍ لإيقافِ فَيَضانٍ من ردود الفِعل. وفجأةً، فإن أيَّ خطأ طفيف
يتَّخِذُ أهميةً ساحِقةً بالنسبة إليه. ويُجذَبُ انتِباهُه على نحوٍ
وسواسي إلى الخطأ الذي هو بحاجَةٍ إلى الإصلاح. "يجِبُ عليك فعل هذا،
ومن الواجب عليكَ أن تتصرَّفَ على ذلك النحو". ونجِدُ عند الكمالي
أمرًا ما يجعله يرى ثمة عيبٍ ما في كل وجه جميل، ولدى كلِّ مكانٍ خلوة
ركنه المغبرُّ، ويترك كل غروب شمس في نفسِه رغبةً لم تتحقَّق.
ومن أوقاتٍ لأخرى، يعثُرُ "الكمالِيون" على واسِطَةٍ لإجراء تسويةٍ
بينَ الناقِدِ العقلي، وبين ضغط حاجاتِهم الخاصَّة، أو بعبارة أخرى،
فهُم يعيشون حياةً مزدوَجةً. وعلى هذا النحو سوف نعثرُ عندهم على حياةٍ
شعبية مُحتشَمَة حيث يتمّ اتَّباعُ القوانين والقواعِد، وحياة خاصة
ثانية حيث يُشاهَدُ فيها تخيُّلاتٌ محظورة.
قالَت إحداهنَّ:
أثناءَ مراهقتي في مدينة نيويورك، كنتُ أُحِبُّ الذهَابَ إلى أحياء
مُختَلِفَة، ورؤيَتي فيما إذا كان بمقدوري أن أصبِحَ فتاةً إيطالية، أو
يهودية، أو فنَّانَة في قرية غرينويتش
Greenwich.
أحبَبْتُ آنذاك أن أتحَوَّلَ إلى شخصيةٍ أخرى، لأنه لم يكُنْ ثمَّة أي
قلق إزاءَ ما يُفكِّرون به تجاهي حيثُ يكون بإمكاني التفوّه بأشياء لن
يكونَ بوسعي حتى المجازفة بأن أفكِّرَ بها في المنزِل.
أوَّلُ مرّةٍ رَحَلتُ فيها إلى أوروبا، كان تحرُّرًا كامِلاً بالنسبةِ
لي. فلا أحدَ هناك يعرفُني، وكان والِدايَ بعيدَيْن عني، وكانت الأبنية
الصغيرة قصورًا حَجَريَّةً، وكانت قطعة النقد تبدو لي كما لو أنها
لبنكٍ عقاري.
وبينما كنتُ أسافِرُ، بدأتُ القِيامَ بممارَسَةِ دور شخصيَّاتٍ
مُختلِفةٍ، مثلما كنتُ أقومُ بذلك في مدينة نيويورك في الماضي. دَخَلتُ
من دون أي وجهةٍ في قِطارٍ، وتركتُ إحدى شخصِيَّاتي تمتصُّني لدرجةٍ
أنني بدأتُ الشعور بها كما لو أنني مُهَيَّأةٌ لكي أُصبِحَ هذه
الشخصية. وإذاك كنتُ أنزِلُ في إحدى المُدُن، وأُمضي أيامًا أكون فيها
شخصية أخرى. وكانَت تماهياتي الأكثَر قوَّةً مع نمطين من الشخصية،
الأولى أسميها شخصية "مضيفة الطيران"، والثانية "المومس". أما كمضيفة
طيَران، فقد كنتُ أُرَفِّهُ نفسي بالتعرُّفِ على الأشخاص وأنا أتكلَّمُ
ثلاثَ لُغاتٍ، وأتحدَّثُ عن الأماكن كلِّها التي قمتُ بزيارتِها. أما
شخصية المومس، فقد كنتُ أجدُني أتجوَّلُ سعيًا وراءَ المال وأنا
مرتدِيَةٌ الثياب الأقلَّ احتشامًا، وماشية بحذاء ذي كعبٍ ِعالٍ.
ولكنَّ المُثيرَ في الأمر أنني في الواقع كنتُ محتجَبة عن رؤية
الآخَرين، وفي الوقت نفسِه كنتُ أجلس هناك في البار (الحانة) عندَ
الطلَب، تاركةً شخصية المومس تهيمِنُ عليَّ، من دون أن يتعرَّفَ أحدٌ
على اسمي الحقيقي.
الكمالية
يُعبِّر "الكماليون" عن ألمٍ شديد إزاءَ انتقادِ الآخرين لهم، لأنهم
شعروا بالظُّلمِ سابِقًا بسبَبِ أحكامِ الآخَرين عليهم. يكاد يكون من
الصعبِ جدًا على "الكماليين" أن يمدحوا أحدًا، لأن هذا النوع من المديح
يجعلُهم يشعرون بأنفسِهم صغارًا أمام من يمدحونه. وقد تطوَّر قلقُهم
إزاء الإصلاح في مرحلة مُبَكِّرَة عندما كانوا ذلك الطفل الذي يشعر في
ذاتِ نفسِه مُجبَرًا على التصرُّف وفقًا لنماذج تصرُّف الراشدين. ويأخذ
قلقهم بالظهور على نحو ما يجب عليهم اختياره من ثياب وحديث لائقَيْن،
وفي انتباهٍ لأدقِّ التفاصيل، وفي مناقشةٍ يجري من خلالِها تحليل
المشاكل إلى عناصرِها الأساسية، وفي نزوعِهم للعثور على عيبٍ فيما
يعتبره الآخَرون على أنه عمَلٌ متقَن. ومن منظور "الكمالِيّ"، أنه
بإمكانِه الفوز
بالتهنئات فقط من خلال تصويت قوي من قبل "الكمالي" لنفسِه، ومن خلال
تنفيذِه الكامل لكُلِّ مرحلةٍ تجاهَ هدَفٍ مُحَدَّد.
كنتُ أكسَبُ معيشتي أثناءَ دراستي في الكلية من خلال عملي كدهَّان.
وكان يومي مليئًا بالالتزامات بشكلٍ كامِلٍ. وكنتُ أضغطُ على نفسي
دائمًا لعمَلِ كلِّ شيء، والقِيام به على أكمَلِ وجهٍ ممكن. ولم يكن
باستطاعتي الذهاب قبل أن تكون مُهمَّةُ اليوم قد تم إنجازها بإتقان.
وفي الوقت نفسه، فيما كنتُ أُعيدُ دَهْنَ الجِدار للمرَّةِ الثالثة،
كنتُ أجدُني أكره خطأ اُقتُرِفَ في سقف الصالةِ الأخرى، وتغيُّبي عن
التواجُدِ في المنزل مع عائلتي لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، وفضلاً عن ذلك
كنتُ أُضيعُ أيضًا ساعاتٍ من الدراسة. وكان كل شيء يبدو مهمًّا في حالِ
أصبح الجِدارُ جاهِزًا بشكلِه الصحيح. ومن جِهَةٍ أخرى، لم يكن يتبقَّى
لي مزيدٌ من الوقت لقضائه مع عائلتي، وما يبقَّى لي من الوقت، كان يجذب
انتباهي لقضائِه في إنجازي لدروسي.
كيف يُمكِنُ لـ"الكماليين" أن يحقِّقوا إصلاحَ ذواتِهم الخاصَّة، إذا
ما قارنوا أنفسَهم بأفضلِ نماذجٍ للكمال التي لن يكونَ بمقدورِهم
بلوغها؟ فالشاب الدهَّان يُقارِنُ نشاطًا مُتقنًا مع النشاطات الأخرى
كلها التي كان عليه أن يتنازل عنها. حتى ولو كان عليه التمكُّن من
تلبيتِها كلِّها وبإتقان، فمن المُرجَّح أن يتطلَّب من ذاتِه أكثر
فأكثر.
من مرةٍ إلى أخرى، يقول "الكماليُّون" إن الناقِدَ الداخِلي، وقد
أصبَحَ مترسِّخًا جدًا في سياقِهم العقلي لدرجة أنهم يراقِبون أفكارَهم
الخاصّة في بحثٍ عن محتوياتٍ وأخطاء مزعِجَة.
خلالَ بضعةِ سنوات، كنتُ مخطوبًا لامرأةٍ كانَت تسعى لكي تُصبِحَ
مسؤولةً عن تعليمٍ مسيحي. وكان لدي اهتمام خاص بهذه المجموعة. وفكرتُ
أن أجِدَ واسِطَةً لرَوْحَنَةِ حُبِّنا بمراقبة مضمون أفكاري. فبدأتُ
تزويدَ عقلي بأفكار نقية. وأصبحتُ مُوَاظِبًا جدًا على التحقُّقِ من
أفكاري لكي أرى ما إذا كان وراءها حوافز خفية. كان الأمر كما لو أنني
أستاذ يُوَزِّعُ ميداليات ذهبية: "هذا فكرٌ جيّد، وذاك فكرٌ سيئ". لم
أكن أخطو خطوةً واحِدةً بدون فحصٍ لماهية أفكاري والحوافز التي تكمن
وراءها. وتوجَّبَ عليَّ أن تكون مواقفي كلها لائقةً مع تلك المرأة،
وأيضًا توجَّبَ عليّ أن أحقِّقَ مواقفي هذه في الساعة وفي المكان
المناسِبَيْن. وغالِبًا حينما أقوم بمعاشرةٍ معها كنتُ أراقِبُ أفكاري
لكي أُحافِظَ على نقاء نوايايَ.
إن قلقَ المرء في أن يكونَ طيِّبًا يتضمَّنُ وسواسًا في تجنُّبِ كُلِّ
ما هو سيئ. وإن عادةَ هذا الشاب في استبدالِ أفكارِه بأفكارٍ أخرى
أفضل، كانت تسرق منه في الواقِع كلَّ إمكانيةٍ لاكتشاف ما كان يريدُه
فعلاً من علاقتِه. وبمحاوَلَتِه العثور على طريقةٍ صحيحة في العلاقة
المُتبادَلَة لم يكن يسمح له ذلك بإتاحَةِ فسحةٍ عقلية كافية لكي
تظهَرَ مشاعِرَه الحقيقية.
طريق صحيح أوحَد
إن السماحَ لرغباتٍ حقيقية باكتسابِ مدخلٍ للوعي يُشَكِّلُ أمرًا
مرعِبًا بالنسبة لأولئك الذين كان شعورُهم بالأمان أثناءَ طفولتِهم
يتعلَّقُ برقابةٍ ذاتية صارِمَةٍ. يحصُرُ الكمالي نفسُه في افتراضِ
أنَّ ثمَّةَ حلٍّ صحيح أوحَد بالنسبة لأيِّ وضعٍ مُحتمَلٍ. وذات مرَّة
يَعثُرُ على حلٍّ صحيح، فالأشخاص الذين يكونون على رأيٍ مُخالِفٍ، لابد
له أن يُرِيَهُم نورَ الصواب، ولابد لهم أن يبتَغُوا الاتِّفاقَ معه.
إن إدراكَ الكماليين بأن ثمة أشخاص آخَرين لا ينضوون تحتَ لواءِ
فِكرتِهم يؤدِّي لشعورِهم بالصدمة. وفكرتُهم ترى أسلوبًا صحيحًا أوحَد
لعَيشَ الحياة وفقه، كما أن الفكرة التي تتضمَّن وجود عدَّة طرُقٍ
يُمكنًها أن تكونَ جميعُها صحيحة، فهي تبدو بالنسبة للكمالي كما لو
أنها فِكرةٌ تدعو للفوضوية. إنها لرؤيةٌ أساسية بالنسبة للكمالي حينما
يُدرِكُ هو أو هي بأنه قد توَصَّل إلى التصرُّفِ بأسلوبٍ أخلاقي بشكلٍ
معقول دون أن يكونَ سلوكُه تحتَ رقابة ناقِدٍ داخِليٍّ، ودون أن يكون
لـ"الفتحة – البوَّابة الصغيرة" - (بين الطابق العلوي والطابِق السفلي
في المنزل المنقسِم كما أوردنا أعلاه في مثالِنا عن حالة الكمالي
الانفعالية) - لدَيها أيُّ قدرة على كبت الانفعالات والأحاسيس الجنسية
وتسريبِها لاشعوريًا. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يُصبِحَ مهووسًا
بالرغبة، أو ماجِنًا من خلالِ إفراطِه في تساهُلِه مع نفسِه.
قُمْتُ بكبتِ حسِّيَ النقدي لِمِدَّةِ أعوامٍ طويلة، لخوفي من أن
أُسبِّبَ إزعاجًا للأشخاص المهمِّين في حياتي. لم أكن أجدِ البته أيَّ
شيءٍ بنَّاءٍ في الإشارة إلى الأخطاء في سلوكية الأشخاص، فقد كنتُ
أريدُ حمايتَهم من النوع الانتقادي الذي كنتُ أُطبِّقُه على نفسي. إذاك
بدأتُ أُدرِكُ أنه لم يكن في تصرُّفي الانتقادي هذا أيَّ شيءٍ صائبٍ أو
خاطئ يُمكِنُه أن ينطبِقَ على الجميع بشكلٍ مُطلَق. وهكذا فهِمتُ بأن
فكرةَ الصوابِ نسبيةٌ، يُمكِنُ النظَر إليها من خلالِ أشخاصٍ يُجاهِدون
من أجل القيامِ بأفضل ما بوسعِهم على أساس منظورِهم الشخصي للظروف.
وهذا ما لطَّفَ كثيرًا حُكمي على الأشخاص.
فإذا توَصَّلتُ إلى وصفِ المُشكِلَة من وجهةِ نظَرِ شخصٍ آخَر،
فبإمكاني أن أنتقد كثيرًا على قدر ما أريد، لأن الأشخاص يُدرِكون بأنني
أعرِفُ كيف أستطيع النظَر إلى الأشياء من خلالِهم، وعلى رغم انتقاداتي،
فقد كانت كلماتي بنَّاءةً أيضًا.
مماطَلَة وقَلَق
يضَعُ اِتِّخاذُ القرارات الصراعَ بوضوح بين رغباتٍ غير معترَفٍ بها،
والحاجة بأن يكونَ المرءُ صالِحًا، وإذَّاكَ فإن اتِّخاذَ قراراتٍ
يُشكِّلُ معضِلةً حيث أن اختيارَ ما هو خالٍ من أيِّ عَيْبٍ يمكنُه
إغضاب الكماليين، لأنهم ببساطة لن يحصَلوا عليه البته، وفي الوقتِ
نفسِه يَجعلُهم اختيارُ المرغوب قلِقين إزاءَ احتمال اقترافِ الخطأ.
ينمو قلق الكمالي بمقدار ما تتحوَّلُ الغاياتُ اللذائذية إلى إمكانيةٍ
قابلةٍ للتحقُّق. فمَا يُقلِقُ الكمالي هو أن يكونَ مُثيرًا للشُّبْهَة
في نظَر الآخَرين، وأن يفقُدَ فضيلةَ أخلاقيَّةِ العمَل، وأن ينزِلَ
إلى مستوى الرِّعاع الذين يتَّخِذون في نظَرِ الكمالي ما لا
يستحِقُّونَه، وما لم يحصَلوا عليه هُم بأنفسِهم. وهذه الأنواع من
القَلَق المتنازِعَة في داخِلِه تُصبِحُ أكثرَ اِقتدارًا عندما
يتوَجَّبُ على الكمَالي اتِّخاذ المسؤولية على عاتقِه في التصرُّف
وفقًا لرغبةٍ ربما لا تلقَى مُوافقَةَ الغَيْر.
عندما ينمو القَلَق، يستسلِمُ الكماليون للإصغاء إلى انتقاداتٍ
مُضمَرَة حيث لا يوجَدُ في الحقيقة أي اِنتقادٍ. وتبدو لهم أحاديثٌ
بريئة تتداخَل مع إيحاءاتٍ سلبية تجعَلُهم يُعانون بسبَبِ اعتِقادِهم
الوَهمي بأن الآخَرين يحكُمون عليهِم سرًّا. وفي هذه اللحَظات، التي
يكون فيها الكماليون أكثَرَ اِقتِناعًا بأنهم مُحتقَرون، فمن المفيد
لهم إلى أقصَى حدٍّ أن يقوموا بمقارنة آراء الغير مع الحقيقة.
العِلاقات الحميمية
تكمن الرغبة الأكثَر عُمقًا للكمالي في شعورِه بأنه محبوبٌ، حتى لو لم
يكن كامِلاً. فالحب الذي ينالُه ليس سوى تسوية ينال فيها الحب مُقابِلَ
حُسْنِ تصرُّفِه في الماضي، الأمر الذي يجعَل الكمَاليين يشعرون أنهم
لا يستحقّون الحُبَّ، ويكتشفون النقصَ في دواخلِهم، ويصير صعبٌ عليهم
الاعتقادَ بأن شركاءَهم يستطيعون أن يحبُّوهم على ما هم عليه،
ويقبَلُون سواءً الجوَانِبَ الجيِّدَة من شخصيّتِهم، أو الجوانِبَ
السيِّئة من طبعِهم.
يُبالِغُ الكمالي في عيوبِه الصغيرة بمقدار ما تتعمَّق حميميَّتُه.
فيتساءل، ماذا لو أصبحتُ غاضِبًا؟ وماذا لو لم توافِقْ شريكَتي على
تذوُّقي للفن؟ وعلى هذا النحو يعيش الكماليون على افتراض أن أمرًا ما
في أسلوبِهم، أو في عاداتِهم الشخصية، سوف يُنفِّرُ الشريكَ منه. وهكذا
يصِلون إلى الحميمية بتوتُّرٍ ناجِمٍ عن مُراقبَةٍ صارِمةٍ لذواتِهم في
محاولةٍ منهم لإبقاء جانبِهم العاتِم (المُظِلّ) خفيًّا. وتتفاقَمُ
حالتُهم الداخلية من التوتر بسَبَبِ اعتقادِهم بأنه لا يمكنُهم استحقاق
الفوز باللذَّة والسعادة إذا ما ظهَرَت صفاتُهم السيئة، لأن الشريكَ
سوف يبتعِد عنهم حينئذ.
يُصبِحُ الكماليون في أوَجِّ توَتُّرِهم، سريعي التأثُّر جدًّا إزاءَ
الرفض حينما تتوفَّرُ لهم الفُرصة لمُحَاكمَةِ شريكِهم من خلالِ
دفاعِهم الذاتي. وإذَّاكَ سوفَ تَحصَلُ مشاجَراتٌ تتغذَّى من خِلالِ
اليَّقين بأن الشريكَ سوف ينتهي مُبتَعِدًا، إذن، لماذا لا ينتهي ذلك
فورًا قبلَ أن يعلَقَ الناسُ بعضَهم مع بعضٍ؟ وبشكلٍ عامٍّ، لا يُدرِكُ
الكمَاليُّون شِدَّةَ غضَبِهم الخاصِّ، ولا الطُّرُقَ اللاشفهية التي
ينقُلون من خلالِها أحكامَهم غيرَ المنطوقِ بها، ولا الوَاقِعَ
بتفوِّهِهم أحيانًا بانتقادِهم للشريك في حدَّةٍ مُؤلِمَة جدًا بمقدارِ
مضمون الانتقاد نفسِه.
يسعَى الكماليون إلى علاقةٍ كامِلة، الأمر الذي يَجعَلُ من الصعوبة
بمكان قبولَهم للصفات المتميَّزة الجيَّدة والسيئة التي من الطبيعي أن
تتواجَدَ على نحوٍ مشترَك في الشخص نفسِه. كما أنهم يسعَوْن إلى تكريس
أنفسِهم للميزات الفاضِلَة التي يجلبُها الشريكُ للعِلاقَة، وينزعون
على هذا النحو لوضعِها في قاعدة، ويتسامَحون عن أيِّ ضُعفٍ للطبع،
والعمَل على التجاهل لخليطٍ من الميزات الإيجابية والسلبية للشريك.
وذات يوم يرَوْن الجانِبَ الطيِّبَ لأحَدٍ ما، فالكماليون قادِرون على
ألاَّ يتخلُّوا ببساطَةٍ إطلاقًا عن الأمل في إصلاح الجانب الآخَر غير
المرغوب به إلى هذا الحد. ويحسَبُ الكمَاليُّون بأن الجِدار الدِّفاعي
للأحكام العقلية تزولُ لأوقاتٍ طويلة عندما يكونون مُغرَمين ببعضِهم
بعضًا.
وإذا ما فقدُوا الاتصالَ مع ما يُريدونَه من العِلاقَة أو بدأوا في
شعورِهم بأنهم مُهدَّدون أو انتابَهم الشعور بالغيرة، فالكماليون
يلجأون للانتقاد بشدَّة لزلاَّت طبع الشريك. وهم يحتاجون إلى تفريغِ
عذاباتِهم المكبوتة، ويشرَعون في السيطَرَة على أفعال الشريك، ويقومون
بمحاولاتٍ غاضِبَةٍ لإحاطةِ الشريك ضِمنَ إطارٍ لن يكونَ بوسعِه الخروج
منه، وإجباره على التصرُّف كما يحلو لهم.
من السلبي بالنسبة للعِلاقات الحميمة، أن يشعُرَ الكماليون بأن الشريك
يسبِّبُ لهم إرباكاتٍ أو أنه يخالِفُ بشكلٍ واضِحٍ قواعِدَ السلوك.
وإذاك يُصبِحُ الكماليون حانِقين باندِفاعٍ، وعاجِزين عن استعادة رؤية
الآخَر على أنه شخصٌ طيِّبٌ. وسوف تُبعَث وتظهَرُ استياءاتٌ قديمة
مرارًا وتكرارًا، وتظلُّ واضِحةً لِلعَيَان، لطالما من الضروري تفريغ
الغضب للشعور بالانفراج تمامًا.
ومن الإيجابي بالنسبة للعلاقات الحميمة، أن يتفاعَلَ الكماليون على
الفَوْر مع أشخاصٍ لدَيْهِم القُدرة على الاعتراف بخَطَئِهم الخاصِّ.
فتزول عاداتُهم العقلية بمُحاكمةِ الآخَرين من تلقاءِ ذاتِها، وإذا كان
مُمكِنٌ القبولَ بالخطأ، فإنّهم يُصبِحون أوفياءَ بشكلٍ خاص إذا ما
أدركوا إصرارًا ومجهودًا، ونوايا حَسَنة عند شُركائهم.
يكمنُ قَلَقي الأعظَم فيما يُمكِن للأشخاص الآخَرين أن يُفكِّروا به
عني. وعندما ألتقي إحداهنّ لأوَّلِ مرّة، فإن صفاتِها البارِزَة هي
التي تؤثِّرُ بي فِعلاً. وبوسعي رؤيتها كشخصٍ ذكيٍّ جدًا. أو مطَّلِعَة
جدًا، أو دَمِثَة الأخلاق، أو أي شيء آخَر. ومنذ أن أقَعَ في حُبِّها،
فآنئذٍ لحسنٌ جدًا أن تبدو على نحو ما أراها فيه. وعندما أشعر بحاجَتي
للدفاع عن نفسي، أو عندما أشعر بأنني لستُ على سجيَّتي بسبب تضخيمِها
لذاتِها كثيرًا مُقارِنةً نفسها بي، فإذاك أبدأ بمواجهة تحديها لي حتى
أصِل للتعادل بالنتيجة فيما بيني وبينها على أقل تقدير.
مِثالٌ عن عِلاقَةِ الزوج
العِلاقَة بين اثنين "كماليَّيْن"، الزوج الكمالي
غالِبًا ما يُشكِّلُ "كمالِيّان" زوجًا، لأنهما يتَّفِقان من حيث طريقة
العَيْش الصحيحة. ويُحبَّان الأخلاق، ومهارة الآخَر في عَمَلِه،
ويعرِفان الاختِلافَ بين ما هو مُجرَّدُ دهاء، وبين ما هو عبارة عن
صفات أساسية للإنسان كالنزاهَة، وقوة الإرادَة. كما يَعرِفُ الزوجان
التنعُّمَ بعيشِ حياةٍ واقِعيَّة، ومستقِلَّة، ومتمركِزَة على احترام
الصحَّةِ الجسمانية، وحول الحصول على الربح بنزاهَة، وعلى قيمة
المكاسِب التي يحقِّقانها على عِدَّةِ مستويات. إن إمكانيَّتَهما في
تقدير هذه الصِّفات المذكورة أعلاه، والتي تُعتبَرُ أساسية ومتميِّزَة
لأنها تُقدِّمُ لهما حجر الزاوية للاستقرار في الصِّراع من أجل البقاء.
أما إذا أصبح أحَدُ الشريكَيْن يشعُرُ باللاأمان في العِلاقَة التي
لطالما كان يرغَبُ بها، فإذاك تبدأ بالتكوُّن مشاعِرٌ من العذاب. ولا
يتغلغَل الكماليون بسهولة في حاجاتِهم الخاصَّة، ولاسيما إذا لم تكن
هذه الحاجات على توافق مع مستويات تصرُّفِهم الأخلاقي العالية المستوى
على نحوٍ لا يُصَدَّق. ففي علاقة حميمة قد يؤدِّي هذا إلى تبكيت الغضَب
لكونِه شعورًا سيئًا، وإلى الشعور بالعجز أيضًا أمامَ مشاعر الغيرة
لأنها خاطئة، أو ببساطة إلى كبح أحاديث حول أشياء تحتاج للتغيير. فإذا
لم يستطيعوا التطرُّقَ إلى مشاعر كهذه، فإن هؤلاء الكماليين حتى ولو
كانوا يرصُدون ذواتَهم فلا شك أنهم سوف يدركون أنهم غاضِبون كفايةً
لدرجة يمكنُهم فيها رمي صحون الطعام إلى الأرض، ولكنهم للأسَف ربما لن
يكتشفوا الظروف الحقيقية التي تجعَلُهم غاضِبين.
إن كمَاليًا لا يرصُدُ نفسَه، قد يكون غاضِبًا بشكلٍ واضِحٍ، ولكنه لن
يتَمتَّعَ بوعيٍ لتعليقاتِه التي تصبِحُ لاذِعةً، وذاتَ طابَعٍ
اِتِّهاميٍّ. وسوف تكون ذاتُ قيمةٍ عظمى إذا ما استطاعَ أحَدُ
الشريكَيْن إدراكَ الإشارات التي تدُلُّ على بدايَةِ ظهور الغَضَب عندَ
الآخَر، لأنه يستطيع آنئذٍ التَّدَخُلَ لِكَيْ يُحَدِّدَ مَوْقِعَ مصدر
الكبت. إنه اِمتِحانٌ للحميمية فيما إذا قَبِلَ الكمالي مُساعدةَ
شريكِه في التعرُّف على حاجاتِه المخبوءة. وببساطَة، الإصغاء إلى ذكرِ
ما يرغَبُه الشريك عِوَضًا عمّا يجِبُ فعلُه، إنَّما يشعرُ به الآخَر،
لا يكون إلاَّ عبارة عن صوتِ ثِقَةٍ يَصدُرُ عن كمَاليين من أجلِ
أولئِكَ الذين كانوا يُعاقَبون أثناءَ طفولتِهم عندما يُذعِنُون إلى
حاجاتِهم الخاصَّة.
وإذا لم يكن لديه وعيٌ للغضَب الذي في داخلِه فلسوف تُتاحُ له الفُرصَة
لكي يتراكم، وسوفَ يبتعِدُ الشريكان عن بعضِهما بعضًا، مُتَّفِقَيْن
ضِمنيًا، ولكن مُرغَمَيْن على ذلك عِندَ بِدايةِ مُناقَشَةٍ ما، أو من
المُحتمَل أن أحَدًا منهما سوف يستخلِصُ نتيجةً مفادها أن الذنبَ هوَ
بسبب عادةٍ ما قد هَيْمَنَت طويلاً على الشريك، ولازالَت تُلاحِقُه.
وقد يكون غَضَبُ الكمالي مُرعِبًا، لأنه بُركانيٌّ، وعمومًا لا يتناسَب
مع مُعطَيَات الوضع الحقيقي. ويَغلي الغضَبُ مجدَّدًا، وبشكلٍ مستتِر
حتى بعد جدالٍ، فيظهَر غضبُه هذا كشعورٍ بالاستياء يُرافِقُه دائمًا،
ولا يُستنفَدُ إطلاقًا بالشكل الكامِل مع مرور الوقت. ويكمُنُ سبَبُ
ذلك في شكوى شرعية تُزوِّدُه بصمَّامِ إفلاتٍ ضروريٍّ لمُناقَشَةِ
رَغَباتٍ أُخرى مكبوتة. وإلى أن تُشبَعَ هذه الرغبات سوف يتواجَدُ
دومًا إحساسٌ بالغَضَب من معاصي العالَم، ويتكوَّنُ في العِلاقات
خِلافٌ بسيطٌ مع الآخَر، إلى أن يطمَئِنَّ أحَدٌ منهما بأن الآخَر لن
يَتَخَلَّى عنه بسبَبِ أمرٍ ما يظُنُّ الشريكُ أنّه يستَوْجِبُ اللومَ
عليه.
وبما أنه يُنظَرُ إلى الغَضَب كشعورٍ سيئ، وعمومًا يجري كبته، فالتعبير
المُباشَر عن الغَضَب ليس أكثَرُ من إشارةٍ للشعور بالأمان في
العِلاقَة. ولا ننسى أن الكَمَاليّين يُعَبِّرون عن شعورِهم بالهَزيمة
عندما يشعرون بالغضب، لأنه بالنسبة لهم فهذا يعني أنهم فَقَدوا
سيطرتَهم على ذاتِهم لصالِحِ اِنفعالٍ سلبي. ويقولون أيضًا إنه فيما
إذا أصغى الشريك لنوبة غَضَبٍ حتى النهاية، ولم ينسحِب، فبوسعِهما
الشعُور بالحب الذي يكُنُّه الواحِدُ منهما للآخَر. وذاتَ يومٍ يُصبِحُ
فيه الغَضَبُ مقبولاً، فالدوافِعَ الأخرى المحظورة، تُصبِحُ هي بدورِها
مُتاحٌ التعبير عنها، كتِلكَ التي للإبداع الفنِّي، والشهية الجنسية.
وبالنسبة للكماليين فالانفتاح على الأحاسيس الجنسية قد ينبئ بانفتاحٍ
مُوَازٍ للتعبير الخلاَّق. وعندما يتوقَّفُ الحظر عن نِطَاقٍ محدَّدٍ
ممنوعٍ للحياة الانفعالية، ينسحِبُ الناقِدُ العقلي، وتُصبِحُ قُدرةُ
اللاوعي كلها في متناولِهم.
وعندما يُقبَلُ الغَضَبُ عندَهم، فإننا نسمعُهم، يُصرِّحون مرارًا
بأنهم يستطيعون رصدَ ذواتِهم عند حدوث الغضب، وبدايةَ تشكُّلِ الحالة
العقلية له. وهم يعرِفون غالِبًا بأن الحالَةَ تتكوَّن بسبَبِ إهمالِهم
لحاجاتِهم الخاصَّة. والكماليون الواعون لأنفسِهم، يَستخدِمون الغضب
كتذكير لهم من أجل تحديد وإشباع رغباتِهم الحقيقية. وعندما تُشبَعُ هذه
الأخيرة، فالحالَةُ تبدأ بالتقهقر بشكلٍ عامّ إلى درجتِها الحقيقية،
وتتخلى عن هيمنتِها على الانتباه بشكلٍ استحواذي.
العلاقات التراتبية
يسعى الكماليون نحوَ الهيئات المسؤولة التي تكون صالِحة قبل كل شيء،
وإذا كان مُمكِنٌ الوصول إلى هيئاتٍ مسؤولة كهذه، فالكماليون ينقلون
قراراتهم بطيبة خاطر إلى شخصٍ آخَر. إلا أن قلقَهم إزاءَ الإصلاح
يجعلُهم حسَّاسين تجاهَ الأخطاء والمظالِم المقترَفَة من قِبَل
السُّلُطات. ويُطالِبُ الكماليون الهيئات المسؤولة بأن ترسِّخَ
توَجُّهاتِها لكي يعرِفوا ما ينتظرُهم بالضبط، ويشعرون بالأمان أكثر مع
تعيينات واضِحَة للمسؤوليات. فإذا نُظِرَ للرئيس كأحَدٍ قادر وعادل،
فبوسع الكماليون إذَّاكَ أن يتَّخِذوا على عاتقِهم المسؤوليات، وإذا لم
يكن الرئيس كذلك، فإنهم ينزَعون للتصرُّف بفطنة ولتحويل الشعور بالذنب
لكي لا يجدونهم على خطأ. ويكسَبُ الكماليون ثقةً بمؤسَّسة من خلال
اللجوء إلى سلسلةٍ من الانتقادات، ولاسيَّما بخصوص التفاصيل،
والإجراءات القانونية. ومسائل الانتقاد الصغيرة هذه تتوجَّه إلى تشكيل
صورةٍ أفضَل عن الوَضع، وإلى ترسيخ مجالاتٍ واضِحَة حول الشعور
بالمسؤولية، ولكنهم سوف يُظهِرون رقابةً مزعِجةً لدقائق الأمور.
وتُقمَعُ لديهم التهنئات والأداء المتكامِل حتى تزول كليًا آخِرُ
علامَةٍ للخطأ.
إنه لمن الأهمية بمكان بالنسبة لهم ألا يجري تغيير القواعد اعتباطًا.
فالكماليون يعمَلون وفق الضوابط، وإذا تم تغيير طرق العمل، فبوسعِهم
الشعور بحذاقة أنهم سوف يكونون عرضةً للانتقاد. كما أنهم يهتمُّون
كثيرًا بتقدير واحترام مستوَى أداء الآخَرين لكي يحفِّزوهم على العمل
بشكلٍ جيِّد. وسوف ينسحِبون إذا ما شعروا أنهم ملتزِمون، أو إذا
توجَّبَت عليهم المبادرة بالخطوة الأولى، واتِّخاذ قرارٍ فيه مجازَفَة.
وسيعمَلون بتصميمٍ كبير، إذا ما اعتقدوا أن الآخَرين يفعَلون ما
بوسعِهم من تلقاءِ أنفسِهم. أو إذا تمكَّنوا أن يُلهَموا من أجل قضيةٍ
لا اِلتِبَاسَ فيها.
قد يتوَاجد تراكم للشعور بالإحباط عندَهم، ويُصبِحُ هذا الأخير واضِحًا
بالنسبة لزملائِهم بالعمل، ولكن ليس بالنسبة لهم هم أنفسهم أي
الكماليين. فإذا لم يتم الاعتراف بأدائهم الجيد من قِبَلِ الهيئات
المسؤولة، فمن الممكن إذَّاك أن يُركِّزَ الكماليون أنفسَهم على أحَدِ
مجالات الخطأ المشروع، ولكن غير الواضِح للعَيَان، لكي يعملوا على
تفريغ توترهم.
من الإيجابي أن يكون للكماليين قُدُراتٍ مُنظَّمَة ممتازة، وبوسعِهم
الشعور بالسرور الحقيقي في تنميةِ مهاراتٍ مهنية. وإذا كانوا متيقِّنين
بشكلٍ مُطلَق بأن منظورَهم صحيح، فلسوف يَعرِفُ الكماليون كيف
يتَّخِذون وقفةً انفراديةً ضدَّ أيِّ معارضة. وذات مرة، عندما يقتنِعون
بأنهم على صواب، يصبحون غير قابلين للهزيمة، لأن ناقِدَهم الداخلي
ينسحِب من تلقاء ذاتِه، فلا يقلقون بعد إزاء الأخطاء أو بما يفكِّرُ
الآخَرون تجاهَهم. ويركِّزون بحزمٍ على طريقٍ صحيحٍ أوحَد، ويأخذ
الكماليون بالعمل بدون كللٍ حتى إتمامِه.
من السلبي خشية الكماليين أن يُعارضوا علنًا الهيئات المسؤولة بسبب
خوفهم من الانتقام، ومن احتمال إصدارِهم حُكمًا خاطئًا. وينزعون لإساءة
الظن إزاء الهيئات المسؤولة، ولكنهم يتوقَّعون من المسؤولين الإصلاح
عبرَ أداءٍ جيِّد، وأن يقدِّموا مكافآت مستحَقَّة. وهم ينتقِدون نقاطًا
هامة لبرنامج ما، لكنهم سيُعانون صعوبةً في اقتراح حلٍّ بسبب خوفِهم من
المجازفةِ في وقوعِهم بالخطأ. ولا يشعرون أنهم على طلاقتِهم في
تشارُكِهم بعمل يتطلَّب منهم تسامحًا كبيرًا إزاء اختلافات الرأي،
مفضِّلين منظوماتٍ متوقَّعَة.
نموذَجٌ عن علاقة تراتُبية:
"الواحد" و"الخمسة"، "الكمالي" و"الراصِد"
إذا كان "الخمسة" رئيسًا، فمن المُرجَّح أن يُراقِب من خلف أبواب
مُغلقَة، متصرِّفًا كما لو أنه أساسٌ للقرار، وتارِكًا المآل والنتيجة
للآخَرين. فالراصِدون قادِرون على اتِّخاذ قرارات على درجة عالية من
الخطورة، لأنّهم لا يتورَّطون انفعاليًا، ولكن لديهم صعوبة فيما
يتعلَّق بالاجتماعات، والمواجهات الضرورية لحمل هذه القرارات إلى حيِّز
التنفيذ. فالراصِدون يقيِّمون تواصلَهم مع أشخاص قادِرين على جعل
الأشياء تحدُث في العالَم، وسوف يلجأون إلى الدبلوماسية إذا ما وُضِعَ
"الكمالي" في نِطاقِ الخُبرة.
لدى النمَطَان نزعةٌ للنقد الذاتي الداخلي، وهما يستطيعان الاستفادة من
هذه السِّمَة المُمَيَّزَة من أجل تحسين مستوى المؤسَّسَة التي يعمَلان
بها. وكلاهما يتقاسمان الكراهيةَ بأن يكونا محكومَيْن من خلال عِلاقاتٍ
تراتُبيّة غير عادلة، ويدعَمان إلى أقصى حد تحرير المؤسَّسَة من
الرقابَة الظالِمة.
أما إذا كان "الكمالي" هو الرئيس، فإن قراراتٍ هامَّة سوف تؤول إلى
التأجيل، وخصوصًا إذا كانت المجازفات فيها كبيرة. ويَتوجَّهُ انتباهُه
إلى مهمّاتٍ ثانوية، وسوف يكون وقتُه مليئًا بإجراءاتٍ مُعَقَّدَة إلى
أقصى حد، وسوف يزداد التوتر بقدر ما تنتهي المُهَل المُحَدَّدَة. أما
الموظف "الراصِد" فلن يدعَ نفسَه تُضلَّل من خلال أيِّ تعقيدٍ غير
ضروري، وسوف يشعر بنفسِه مُنهَكًا بسبب المغالاة في التفاصيل، وسوف
يقاوِم أيَّ مُحاوَلةٍ للإشراف عليه ومُراقَبَتِه من جهة "الكمالي".
فيظَلُّ "الراصِدون" مرتبكين بشكل خاص مثل أولئك الذين يستخدِمون
الغضَب من أجل سيطرتِهم على موقف ما. وقد تحصَل أزمةٌ إذا ما ضَغَطَ
الكمالي لكسبِ سيطرتِه على الوضع. فـ"الكمالي" يريد قواعدَ وتقارير عن
سير العمل، و"الراصِد" سينغلِق على نفسِه، وسيقول القليل جدًا، ويصبح
بعيد المنال جدًا، وبقدر ما يُمكِنُه ذلك. وكلٌّ منهما سيحاول السيطرة
على الموقف، ويرسِّخ حدودًا، فـ"الراصِد" وهو يُقلِّل إلى أدنى درجةٍ
مُمكِنة التواصل والإنتاج، بينما "الكمالي" يعمَل على تكثيف
المُراقَبَة، ويعزو الذنب إلى هذا وذاك.
ومن المُمكِن تسهيل الوضع بشكلٍ كبير فيما إذا استطاع "الكمالي"
التنازلَ عن السيطرة، وطلَبَ المساعدة، جاعلاً من الراصد يقوم بدوره
الاستشاري. ولكن بشرطِ ألاّ يضغط عليه لكي يُنتِجَ، فإذَّاكَ ينفتح
"الراصد". ومن المُمكِن لـ"الكمالي" أن يُساعَدَ من خلال عنصرٍ خارجي
يعترِفُ به شرعيًا، ويُسوِّغُ قلقَه المُتراكِم، وغيرَ المُعترَف به.
وإذا كان مُمكِنٌ قبولَ القلق دون أن يشعُرَ "الكمالي" بالخطأ، فإذاك
يزول الغضَب، والطبيعة المعقَّدَة للإجراءات زيادَةً سيجري تلطيفُها.
وتصبح الأولوِيَّاتُ واضِحَةً على الفَوْر.
كيف يعير الكماليون انتباهَهم
"الكمالي" متعلِّقٌ بعادَةِ قِيامِه بمُقارناتٍ عقلية. إنها عبارة عن
أسلوب إعارة الانتباه للأفكار والأفعال المحكومة أوتوماتيكيًا (ذاتية
الحركة) وفق معيارٍ مثالي لكمالية الوضع. مسرح الكمالي الداخلي لعملية
اتخاذ قرار يحمِلُ صورةَ مشهَدِ
محكَمَة. وكلُّ رأيٍ يُحمَلُ عقليًا أمام حضرة المحكمة، حيث يُهاجَم
رأيُه، ويُدافَع عنه، وفي النهاية يُحكَمُ عليه بإجراءِ تصحيحه.
عندما أجلِس لأتأمَّل، فإنني أُدرِكُ على الفَوْر ثرثرةَ الناقِدِ في
رأسي. وفترةً قصيرة من هدوء عميق وإذاك أسمع: "ينقَصُكَ عمقًا" أو
أفضَل مرةٍ تأمَّلتَ فيها كانَت في آخر مرة". وهنا تبدأ المجادلة:
"إجلس على نحوٍ يكون فيه ظهرك أكثر استقامةً". "إنك لا تبذل مجهودًا
كافيًا"، "ولكنني أبذل..".
يتجزَّأ عقلي بين التهجُّمِ والدفاع، كما لو أنني لا أملك صوتًا
فعَّالاً في الوضع الذي أنا فيه، وفقط أتوصَّلُ إلى سماع الأصوات في
رأسي حتى يتغلّب جانِبٌ أو آخَرٌ. وكل فترةٍ من الهدوء في التأمّل يجري
انقطاعها بسَبَبِ تعليقاتٍ عقلية حتى أستطيع من حسن الحظ تحرير نفسي من
أفكاري.
يعاني "الكماليون" أيضًا من عادَةِ مقارَنَةِ مُستوياتِهم الخاصَّة من
التحقيق على امتداد الوقت. هل كان هذا التأمل مفيدًا؟ هل تحسَّنَ
تأمُّلي أم أنه تراجَعَ؟.. فلديهم حاجَةٌ مؤلِمةٌ للتحقُّق من
تقدُّمِهم الشخصي حتى يشعروا بأنفسِهم هادِئين بالنسبة إلى مسيرتِهم
المتواصِلَة نحو التكامل الذاتي، الأمر الذي قد يُوَلِّدُ أيضًا
إحساسًا بأنهم ليسوا أبدًا على مستوى علو أهدافِهم.
ينجمُ هذا الأسلوب في إعارة الانتباه أثناء مُمارسَةِ التأمُّل، عن
العقل الذي يُحاكِم أو العقل النقدي، وإلى درجةٍ ما، فإننا كلنا
نحاكِمُ تقدُّمنا الخاص بالمقارنة مع معاييرٍ من نوعيةٍ عالية، ولكن
الكماليين يَعيشون مع التأمل الداخلي الذي يمتدُّ أيضًا نحوَ
مُقارنَتِه بشكلٍ مزمنٍ مع أشخاصٍ آخَرين. إن الكمالي كَمَنْ في أرجوحة
حديقة للأطفال منضوية داخليًا. فهناك طفل يصعَد، بينما الآخَر ينزل.
وعلى هذا النحو يصعَد الكمالي لكي يربح مالاً أكثَر، ولكنه ينزل لأن
لديه نواهٍ أكثر، فهو في الأعلى في تلك النقطة، وهو في الأسفل في هذه.
وحوارُه الداخلي ينحو في هذا المسار: إن وجهَه جميل، ولكن جسمه أفضل.
فالقيام بمقارنات عقلية غالبًا ما تكون عامِلاً أوتوماتيكيًا (ذاتي
الحركة) وغير متعرَّف عليه في عملية إدراك أحداث الحياة اليومية،
ولاوعيَه لهذا العامل الأوتوماتيكي هو سبب هام لمعاناتِه. يدرك
الكماليون أوتوماتيكيًا ما هو صواب أو ما هو خطأ في أي حالة معطاة، وهم
مناصِرون لمنظور يُرَى من خِلالِه طريقٌ صحيحٌ أوحَد فقط. كما أن
انتصار شخص يجعلُهم يشعرون بالهزيمة.
وعندما يبدأ الكماليون ممارسةَ الرصدِ لذواتِهم، فإنهم يُدرِكون ربما
ولأول مرة، إلى أي مقدارٍ انطبَعَت فيهم عادَةُ القيام بالمقارنات.
وكذلك الأمر بالنسبة للعقل الذي يُحاكِم فهو بدون أدنى شك مصدرٌ
لمعاناتِهم، وبوسع "الكماليون" أن يظلوا محفَّزين لتعلُّم التأمُّل لكي
يُبعِدوا عنهم الأفكار الانتقادية.
يستطيع الكماليون تغيير أسلوب إعارة انتباههم، مُصلِحين هذا السقف من
الإسمنت العقلي في اللحظة التي يظهَر فيها. وفي كل مرة يحِيدُ فيها
الانتباه إلى تقييمٍ تفصيلي للنقاط الإيجابية والسلبية لشخصٍ آخَر،
ويتوَاجَد لديه الإحساس بأنه عندما يكون هذا الشخص في الأعلى، والكمالي
في الأسفل، فلديه الفرصة لتحييد انتباهِه إلى أرضية حيادية.
الأسلوب الحدسي
يتأصَّل حدسُ الكماليين على هيئة سِمَةٍ يتميَّزون من خلالِها بطريقة
إعارة انتباهِهم. فعادةً ما يُدرِكون أخطاءً وإخفاقاتٍ في أيِّ وضعٍ
مُعطَى أمامَهم، الأمر الذي يقتضي امتلاكَهم أيضًا وعيًا لإدراكٍ من
مستوى ثانٍ لكمالية الوضع.
يعترِفون بالحالات الأكثَرِ كمالاً لأيِّ وضعٍ كان، لأن الأفكار التي
تحاكِم، تُشكِّلُ مجموعةً و"يشعرون بالإصلاح من خلالِ الجسد
خاصَّتِهم". وثمة إحساس جسماني بالنزاهَة والشعور بالهناء حينما يوجد
حل صحيح وبشكل محدَّد. وإذا وُجِدَت كلِماتٌ لوصف هذا الإحساس، فلسوف
يكون أمرًا مثل "لن يكون بمقدوري أن أكونَ أكثرُ كمالاً". ويُدرَك
الإحساسُ بالنزاهَة لدى أولئك الذين اعتادوا أن يكونوا متوتِّرين
جسمانيًا وانتقاديين عقليًا. فالإحساس الجسماني أكثر أمانًا من خلال
مقارنة عيوب وأخطاء وضعٍ يتميَّز على أنه في تناقض واضح. يقول
الكماليون، إنه عند شعورِهم بإمكانية تكامل وضعٍ راهِنٍ، فبإمكانِهم أن
يظلوا قلِقين بشكلٍ يائس حتى يُصلِحوا الأخطاء. ويقولون إنهم يدرِكون
ما هم عليه من ناحيَةِ طبيعةٍ انتقادية بإفراط، وعندما يَفقدون
الاتِّصالَ مع هذا الإحساس بالكمال من المستوى الثاني، فهم يصبحون
متلهِّفين، وقلقين في البحث عن الإصلاح في المستوى الأول.
لديَّ لَحَظاتٌ من الذهول أثناء مجريَات اليوم، والتي أسمِّيها بلحظاتي
القصيرة من الإبيفاني[5]،
إنها تلك الساعات التي يكون كل شيء فيها هو شيء واحِدٌ فقط، ويغادر
الديَّان..
بإمكانِنا أن نكونَ بسطاء جدًا بقدر ما يكون التوازن كاملاً على ورق
الحسابات، أو الصحيح يدخل في تحديد مصطلح، أو حتى رؤية مفاجئة للطبيعة
تجعل أفكاري تتوقف لتوِّها، وتمنحني شعورًا بالفرح. وإذاك فالأخطاء
والعيوب تتخلَّى عن وجودها، ويتَّخِذُ كلُّ شيء مكانَه المُلائم، وثمة
إطلاق لمشاعر جيدة على امتداد ساعات. وبوسعي أيضًا الشعور في جسمي
الخاص صوابية قرار ما. كما يُمكِنُني البقاء قلِقًا خلال أسابيع
محاوِلاً اتِّخاذ قرار، ولكنني في النهاية سوف أعرِف ما الذي سأقوم به
لأن الشعور بالهناء في جسدي هو الذي سوف يُرشِدُني للاتجاه الصحيح،
بالرغم من أن عقلي قد لايزال مشوَّشًا.
الأجواء الجذَّابَة
تتضمَّن الأجواء الجذَّابَة وظائفَ تستلزِمُ تنظيمًا، وتفاصيل شديدة
التدقيق. كالتعليم، والمحاسبة، وإعداد المؤسسات، وتحضير يتطلب وقتًا
مديدًا. ويحِبُّ الكماليون وظائفَ تتعلَّقُ بآداب السلوك، والمراسِم،
وتصرُّفاتٍ اجتماعية شكلية. وهم باحثون، ونحويُّون، وواعِظون. كما أننا
نجدُهم في الأديان والمؤسَّسات التي تتطلَّب التزامًا صارِمًا
بالقواعِد. وهم متديِّنون مُحافِظون، ويساريون على الطريقة الحزبية،
ومدافِعون غير اعتياديين عن أخلاقية الأغلبية. ينجذِبون إلى وظائف حيث
يكون قد تمَّ الإقرارُ بالإجراءات القانونية. وهم مفوَّضون عن آداب
السلوك، وحكّام، ويشكِّلون فرقة الاحتشام.
الأجواء غير الجذَّابَة
تتضمَّن الأجواء غير الجذَّابَة وظائف تقتضي مجازفة الوقوع في الخطأ
عند اتخاذ قرار أو تتطلَّبُ مستوى عالٍ من المسؤولية الشخصية من أجلِ
قرارات معارِضَة. ومُشاركات في عمل يتطلَّبُ قبولَ وُجُهات نَظَرٍ
متبادَلَة، أو أنه يتطلّب تسامُحًا كبيرًا تجاهَ الآراء المختلَفة.
ومشاركات في عمل حيث يجب أن تؤخذ القرارات على قاعِدَةِ معلوماتٍ
مُتقلِّبَة أو جزئية، وليس على قاعدة إيعازات يُعبَّرُ عنها بوضوح.
كماليون مشهورون
أشهرُهم، إيميلي بوست
Emily
Post،
وهي مؤرِّخة الآداب الملائمة، والسلوك، والأخلاق. ويتكوَّن مجموع
قرائها من أناسٍ يَدعمون العلاقات اللبِقَة، وهي تعرِفُ بدورِها كيف
تنحِّي جانِبًا هيَجاناتِها الانفعالية حتى تهتم بطرائقها، وتنتهي
لتقديم وجه تلوح عليه معالِمُ السعادة عندما يحين موعِدُ العَشاء على
سبيل المثال.
وآخَرون مثل: رالف ڤالدو إمرسون:
Ralph
Waldo Emerson
ماري پوپينس
Mary
Poppins
وجورج برنارد شو
George
Bernard Shaw
شارلز ديكينز
Charles
Dickens
وجيري فالڤيل
Jery
Falwell
مارتن لوثير
Martino
Lutero
الكمال كصِفَةٍ عليا للعَقل
يُعاني الكمَاليُّون لأنهم يُقارِنون عادَةً الطريقةَ التي تبدو فيها
الأشياء على ما هي عليه، مع "الطريقة الكامِلَة التي يتوجَّبُ فيها أن
تكون عليه". فهم واعون باستمرار للتناقض بين كيفية الطريقة التي يكون
عليها أمرٌ ما، وكيفية الطريقة التي يتوَجَّبُ عليها أن يكون. إنهم
يعيشون مع نمَطٍ دافِعٍ لا يُقاوَم لإعادةِ الاتساق ثانيةً مع الحقيقة
الاعتيادية للكمال. فالعالَم بالنسبةِ لهم هو إما أبيَض أو أسوَد. إنه
كامِلٌ أو لديه عيبٌ لا يُحتمَل. والكماليون يُعانون بسبَبِ رغبتِهم
بكمالٍ ثابِتٍ ودائم، فيَبدون كما لو أنهم أطفال رائعون للغاية،
ويُصبِحون بشكلٍ مفاجئ غير مرغوب بهم لأنهم تراكضوا للَّعِبِ في
الوَحل.
يتكوَّنُ الكمَالُ الحقيقي من خلال توازن عناصر إيجابية وأخرى سلبية
حيث تتوافق فيما بينها الوقتَ كلَّه. والإدراك بأن شروطَ الكمال
تتغيَّر من لحظةٍ إلى أخرى هي رؤيةٌ راديكالية (تطرُّفية) بالنسبة
للكماليين الذين يعملون انطلاقًا من فكرةٍ مفادها أن ثمة طريقةٍ صحيحةٍ
واحِدَة فقط لكي تُعاشَ الحياة من خلالِها. وكل مُنتَجٍ كامِلٍ ومنجَز،
توجَّبَ عليه المرور من خلالِ مراحل أظهَرت حالاتٍ من المُجازَفَة
والتواقُت السيئ، كائنًا بالتالي ذا فائدة عظمى بالنسبةِ للكماليين أن
يرَوْا ما تبدو ربما أنها أخطاء هائلة، ليسَت في الحقيقة متَّصِلة إلا
بنتيجة العمَل من أجل الوُصولِ إلى هدف صحيح، وإنهم مسؤولون فقط على
القيام بأفضل عمل يستطيعون إنجازَه في أي زَمَن مُعطَى.
تكمنُ الفكرة بأن الاختبار والأخطاء هي مسافاتٌ ملازِمَةٌ على الطريق
لحدُوثِ الكمال على القاعدة التي تقوم عليها رؤية عالَمِ الكمالي. ولكن
السماح بهامشٍ للخطأ أو لما هو حتى أسوأ بالنسبة لوجهات النظر
المعقَّدَة فهذا بالنسبة للكمالي ليس أكثَر من دعوةٍ للجنون. فيبدأ
الكماليون منذ الطفولة بالعمَل تحتَ افتراضٍ غافلٍ بأن الفكر الصحيح
والعمل القاسي سوف يقودان إلى مكافأة عادِلَة، وبأن السيئ سوف يتم
التعرُّفَ عليه ويُعاقَبُ عليه. والواقِعُ بأن العمَلَ القاسي
يُوَلِّدُ المزيد من العمل القاسي، لا يبدو فقط أمرًا غير عادل، وإنما
يشير أيضًا إلى أن ثمَّةَ أشخاصًا آخَرين يعملون لخدمة غايات لذائذية
في الحياة ليسَت بقصدِ إشباع للمطالب الرادِعَة لناقِدٍ داخِلي صارِمٍ.
ولكي يستطيع كماليٌّ التوَصُّلَ لأن يقول: "ما هو صائب بالنسبة لك، ليس
بالضرورة أن يكونَ صائبًا بالنسبة لي"، فمن الضروري حدوث وثبةٍ كمومية[6]
في النموِّ الشخصي.
يُعَبِّرُ الكماليون عن صدمتِهم على نحوٍ طبيعي لأنه يتوجّبُ عليهم
القبول بأن الفضيلة والسلوك الحَسَن لا يقودان بالضرورة إلى المكافآت
والشكر. والأكثَرُ من ذلك، فالتخلِّي عن الفِكرة بأنه يمكن العيش
بطريقةٍ صحيحةٍ وحيدة فقط، لهو أمرٌ مرعِبٌ جدًا بقدرِ ما يفقدون آخِرَ
دِفاعٍ ضدَّ القِوى اللاواعِية للهوى والبغضاء.
فضيلةُ السَّكينَة
يوصَفُ الكماليون بأنهم مُفعمون بطاقةٍ ليس لديها مخرَجٌ. ويُصرِّحون
بأن الاستياء يظهَر كأمواج نارية تجتاح جسدَهم. هذا الاستياء يبقى
عالقًا في حُنجُرَتِهم. ويستخدِمون صوَرًا كتلك التي لـ"زجاجة تم
تحريكها، وهي موشَكةٌ على إطلاق السِّدادَة (الفلّينة)" أو "أنهم
يكادون يختنقون من خلال صرخة لا يجِدون لها سبيلاً إلى إطلاقِها".
وبقدر ما أن الناقِدَ الداخلي يُحَاكِمُ أكثر المشاعِر حقيقيةً، فكذلك
أيضًا سوف تتكوَّن طاقةٌ أكبَر في الجسَد، تبحثُ عن صمام (سِداد)
للانفلات. فالغضَب يبدو كما لو أنه مُعبّأ في زجاجةٍ، ومضغوط عليه من
خلال "فلّينة"، فهذا شكل لوصف المعضِلَة لأن الكماليين يستطيعون جعل
الطاقة تتصلَّب جسمانيًا في الوقت نفسِه حيث يشدون على الحنجرة، وعظم
الفك السفلي، ويصبحون عاجِزين عن الكلام، وطَلَبِ المُساعدة، أو إطلاق
صرخة غضَب.
إن توجُّهَ الكماليين الواضِح نحوَ التأمُّل، ونحوَ العِلاج يعني
بالنسبةِ لهم التعلُّم أنه ذات مرة يُقبَلُ فيها ما ندعوه بالانفعالات
السلبية، فهذه الأخيرة تزولُ آنئذ أهميَّتُها المبالَغ فيها. ويروي
الكماليون بأن الأفكار المُحاكِمَة أو الناقِدَة ليسَت أكثر من إشارة
ممتازة بأن أحد الدوافع الحقيقية في حالة انحصار إزاء الوعي. ودلالَةٌ
أخرى هي أن موجَةً من الاستياء تنساب من خلال الجسم، وبدون أن تحدُثَ
في العقل بسَبَب التوتر.
والسكينة في الواقِع هي التأثير الأوتوماتيكي (تلقائي الحركة) الموازي
للسماح بأن تبلُغَ كل الدوافع الانفعالية إلى الوعي بدون أن تُرَدَّ
على أعقابِها. ويكمن توازن كل لحظة في أن يُسمَحَ بالتحرُّكِ عبر الجسد
تفاعل الانفعالات كلها والمشاعِر الإيجابية والسلبية بدون أن تُكبتَ من
قِبَلِ الأنا العاقِل.
وعندما يسمَحُ الكماليون لأنفسِهم في الشعور بالغضَب فإنه يُصبِح في
مُتناولِهم كمية هائلة من الطاقة التي تبقى مكبوتة في الجسم على نحوٍ
اعتيادي. كما أن تفريغ التوتر يجعلهم يشعرون ولو بشكلٍ مؤقَّت أنهم
مليئون بالطاقة وأحرار لاختبار كل ما يأتي إلى العقل بدون مُحاكمات.
وهكذا يتم التعبير عن الغَضَب، ولأجل ذلك يبقَوْن على قيد الحياة،
وخلال وقت يسير تقوى السكينة من خلال السماح للمشاعِر التي تم إطلاقها
بأن تظهر ويزول بالتالي أي انحصار للمشاعِر.
الاستحقاقات
يُكَرِّسُ الكماليون أنفسَهم لقضايا القيمة. فذات مرة يقتنِعون بإصلاح
قضية ما أو يتيقَّنون من النوايا الطيبة لبعض الأشخاص الملتزِمين،
فلسوف يعملون من أجل المكافأة عن الرضى على عملِهم المنجَز بشكلٍ
مُتقَن. مثلما هو الأمر عند أشخاصٍ آخَرين يعمَلون من أجل مكافأتِهم في
الشعور بالأمان والقدرة اللذين يمنحُهما لهم ذلك العمَل. فالحاجة
العُصابية لفعل الخير، يُمكِنُها الظهور على نحوِ مُصلِحٍ غاضِبٍ من
نوع "إنني أفضَلُ منكم"، يمكنُها أيضًا أن تُستخدَم في مجهودٍ دائم
نحوَ النموّ.
كما أنهم مُصمِّمون على جعل العالَم مكانًا أفضَل. وعلى هذا النحو
فالكماليون هم معلِّمون مُكَرَّسون. ويرتبِطون بالفضائل، ويريدون
تعليمَ الآخَرين أن يتعرَّفوا على ما هو الأفضَل. ولديهم رغبةٌ شديدةٌ
للتفسير، وللبحث، ولنقل معلوماتٍ دقيقة، ولديهم اليقين بأن الأشخاص
يستطيعون تغييرَ حيَوَاتِهم على نحوٍ راديكالي (جذري) من خلالِ
المعلومة الصحيحة.
لا يتعاونون إذا ما وُجِدَ تساهلٌ في القواعِد، فهم يتَّبِعُون مجموعةً
من القواعِد باعتبارِها الطريق الكامِل، وسوف يكونون وجوهًا بارِزَة في
أقصى اليسار أو في أقصى اليمين.
بإمكانِ نزعة الانتقاد لدى الكمالي أن تهدأ بسهولة، إذا ما كان الأشخاص
الآخَرون الملتزِمون قادِرين على الاعتراف بعيوبِهم الخاصَّة، أو على
إظهار وضعِهم بشكلٍ واضِح على أنه في مكانَةٍ غيرِ ملائمةٍ. ولدَيْهِم
صبرٌ حقيقي مع أولئك الذين يُظهِرون قوةَ إرادة، ولكنَّهم مُقيَّدون
ليس بسبب ذنبٍ خاصٍّ بهم. إنهم طويلو الأناة، وصبورون مع الذين
يُصارِعون ضدَّ الاختلافات. وأيضًا يُقدِّمون على الفَوْر حِصَّةً من
الإرادة الطيَّبَة لأشخاصٍ قادِرين على الاعتراف بأخطائهم، وباجتهادِهم
لمساعدَةِ أنفسِهم بأنفسِهم.
الأنماط التحتية
مثلما هي الحال عند الوسيط (رقم "تسعة") ذي نقطة ذات نواة، فالكمالي
أيضًا وقع في نوم نسيان الذات. فالوسيط نسى رغباته الحقيقية، وطوَّرَ
قَلَقًا وسواسيًا في الاتفاق أو عدم الاتفاق مع رأي الغير. فنموذج
نسيان الذات عند الكمالي يتمركَز في استبدال الرغبات الحقيقية بقلق
وسواسي بخصوص فعل الشيء الصحيح دومًا. إن استبطانًا صارِمًا للذات
ضروري للإبقاء على النزاهَة، ولكنه يخلق انفصالاً بين الرغبات الشخصية
المرفوضة، والحاجَة للقِيام بالشيء الصحيح كإقرارٍ بالقيمة الشخصية.
غيرةٌ، وعَدَمُ قابليةٍ للتكيُّف، وقلق، تنبعِثُ كلُّها من التوتر بين
الرغبات الجنسية، والحاجة إلى التصرُّف بشكلٍ صحيح. وتصِف هذه الكلمات
القلَقَ المؤلِم لشعورِهم بالانزعاج، وعندما تنبعِث هذه المشاعِر
المزعِجَة، فبمقدور الكماليون استخدامها للتحقُّق بأن رغباتِهم
الحقيقية ربما تكون في صراعٍ مع أفكارهم المتعلِّقَة بالنزاهَة.
غيرة (حِدَّة) في العِلاقات مع شخص
تتَّخِذُ الغيرةُ شكلَ السيطرة على أفعال الشريك، والمُحاكمَة النقدية
لكل شيء، الأمر الذي يُقحَمُ بينَ الكمالي وشريكِه.
كما لو أنه انفجارٌ في الجسد، وحاجةٌ جنونية لوضع كل شيء في صحون نظيفة
مع شريكتي. ما الذي سوف تفعله؟ من الذي سوف يختار؟ حيثما أفقد رأسي.
فما الذي لدَيْها، وأنا لا أملكُه؟ والأمر يستمر إلى ما لا نهاية. إنها
تُسجِّلُ نقطة، وأنا أبقى في الأسفَل، وأنا أسجِّلُ نقطة وأبقى في
الأعلى. فأشعر بغضَبٍ دَمَوي. وفي الوقت نفسِه، أظلُّ أحاكِمُ نفسي
لشعوري بالسخط. فهل سيكون من الخطأ أن أرُدَّ عليها، ولا أستطيع
التخلِّي عن فعلِ ذلك لأنني أشعرني أموت من الداخِل.
عدَمُ التكيُّف في العلاقات الاجتماعية
يظهَر عدَمُ التكيُّف من خِلالِ التشوُّش بين الرغَبات الشخصية،
والحاجة إلى الاتِّساق على نحوٍ صارِمٍ إزاءَ مكانةٍ اجتماعية صحيحة.
فعلى سبيل المثال:
إنني جاحِدٌ في تنظيمٍ ديني. فبعدَ خمسِ سنواتٍ لازلتُ أشعرُ أنني لستُ
على حُرِّيّتي لكي ألتزِمَ بشكلٍ كامِلٍ للنذور النهائية. وليس لدي أي
مشكلة مع الرؤية الدينية للتنظيم، ولكن انتقادي يكمُنُ فيما يتعلَّق
بالتراتبية الداخلية، وبعض المواقِف حِيالَ السياسة العالَمية. ويبدو
رجالٌ آخَرون قادِرين على قبول هذه التناقضات بدون مساءلة علاقتِها مع
التنظيم. لكن، وبالنسبة لي، يبدو كما لو أنني أعيش في كذبة، وحتى عندما
لا أتّفِقُ بخصوص مسائل قضائيةٍ صغيرة.
قلق (هم) إزاء الحفاظ على الذات
يقلَقُ الكماليون لواقِعِ عَدَم كَوْنِهم كاملين، وعدم استحقاقِهم
البقاء على قيد الحياة، وعلاوةً على ذلك، اقترافُهم أخطاء تؤدِّي بهم
إلى المجازفَة في الصِّراع من أجل البقاء.
إنه صوتٌ في غيرِ وقتِه. فأشُدُّ على يديّ الوقتَ كلَّه. قلِقًا إزاءَ
ما هو مُمكِنٌ وقوعي في الخطأ، أو بما يُفكِّرُ الأشخاصُ الآخَرون
تجاهي. وهذا الصوت بوسعِه الصُّراخ كثيرًا بسبَبِ أمورِ حياةٍ صغيرة
وتافهة كما لو أنه فِعلاً بسبَبِ أمورٍ جَدِّيةٍ. فثمّةَ قلق هائل فيما
يتعلَّق بالمال، والصِّراع من أجل البقاء. أعمَلُ مع مُقاوِلٍ منذ أكثر
من عشرين عامًا، وأحيانًا مع كثيرٍ من المال نقدًا فوريًا، وأحيانًا
أخرى من أجل مُضارَبَةٍ بحتة في البورصة. وهذا القلق المالي يرفع صوتُه
عالِيًا حتى عندما يوجد الكثير من رأس المال لإنجاز المشروع.
ما الذي يُساعِدُ الكماليين على التطوّر
غالِبًا ما يكون لدى الكماليين صعوبةٌ في السعي للعلاج لأنهم على هذا
النحو، يتوَجَّبُ عليهِم الاعتِراف بأن أمرًا ما خاطئ، وأحيانًا
يتجنَّبون ممارسة التأمُّل لخوفِهم من فُقدان سيطرتِهم على ذواتِهم في
حال دخولهم ضمن حالةٍ متغيِّرة للوعي. تكمنُ الأسبابُ النموذَجية للبحث
عن مُساعدَةٍ في أزمات القلَق، وعَوَارِض الإفراط في تناول الكحول أو
تعاطي المخدِّرات (للإفلات من الناقِد الداخلي) أو من اضطرابٍ جسماني
تكمن جذورُه في التوتُّرِ النفسي. والمشكلة التي تتمثَّل بشكلٍ عام
ليسَت أكثر من قِناعٍ للمشاعر الحقيقية. وهنا فالكماليون يستطيعون
مساعدة أنفسِهم.
-
عدم الانطلاق إلى الفعل القهري، وعدم تحمُّل مسؤولياتٍ مُتَتابِعَة على
نحوٍ لا يكون بمقدورِهم حتى التفكير في أولويَّاتِهم الحقيقية.
-
الشعور بالحاجة إلى تغيير صرامَةِ القواعِد الداخلية. الشعور بالحاجة
لمساءلة القواعِد.
-
عَدَمُ تحويلِ ومضاتٍ من الرؤية إلى هَجَمَاتٍ ضد أنفسِهم. "كيف بوسعي
البقاء أعمى تجاهَ أخطائي الخاصَّة؟".
-
السعي إلى مقارنة مع الحقيقة. فعندما تنبعِث الفكرة بأن الآخَرين
يُحاكِمونني أو ينتقِدونني، فعليَّ إجراء التدقيق من ذلك مع الأشخاص
الذين تشملهم هذه الفكرة. وعندما يتواجد قلق ما، فالحصول على معلومة
حدَثيّة (مُتعلِّقَة بحدَثٍ أو واقِعَة) يمكِنُه إلغاءُ القلق غير
الضروري.
-
تواجد إدراك عندما يكون الحلُّ من نوع "طريق وحيدٌ صحيح" يُقيِّد
فُرَصَ الاتِّفاق أو انتقاء خياراتٍ أخرى.
-
تواجد انتباه بالنسبة للقيمة، وبالنسبة لثبات منظومة قِيَمِ الآخَرين.
-
التعلم بأن يطلُبَ ويتلقَّى بسرور.
-
التعلُّم بأن يتساءل عن الاختلاف بين ما "يجب" أن يتمَّ فعله، وعمَّا
هو مرغوب به في الواقع.
-
استخدام الغضب بوعي ضد أشخاص آخَرين "يتملَّصون من مسؤوليَّاتِهم بدون
عقوبة"، كدلالة في حقيقة الأمر أن ما يقومون به من تملُّص من
مسؤولياتِهم هو أمر مرغوب بالنسبة لهم.
-
الحاجة المتنامِيَة لإيعاز الذنب إلى أشخاصٍ آخرين يُساعِدُ في
مُوَازَنَةِ الكفَّة مع الانتقاد الشديد الذي يُوَجِّهونه إلى
ذوَاتِهم.
-
دقَّةُ الانتباه. التطرُّق بشدَّة إلى قطاع الحياة الذي يحتاج للإصلاح،
وعدم إعارة الانتباه إلى القِطاعاتِ الأخرى بمقدار ما تتقوّضُ هذه
الأخيرة. إنها طريقة لتجزيء ونسيان نطاقات الصراع.
-
الانتباه للتصلُّب إزاء وجهات النظَر المتنوِّعَة. "الأشياء بالنسبة لي
هي إمَّا صحيحة أو خاطئة".
-
أن يُدرَكَ الغضَبُ غيرُ المُعبَّر عنه: "كإظهار وجهٍ سعيد"، بينما
يكون في داخلِه مُستعِرًا غضَبًا، فتظهَر كلِماتٌ لطيفة، ولكن في الوقت
نفسِه تظهَر حِدَّةٌ نقدية في الصوت، وابتسامة، وجسم متصلِّبان.
-
التعلُّم على تخيُّل انفعالات الجانِب المظلِم من الكينونة.
-
استخدام الخيال من أجل غربلة الغضب. وتخيُّلُ الأسوأ للعدوِّ حتى يزول
الغضَب.
أمورٌ يتوَجَّبُ على الكماليين إدراكُها
يتأصَّلُ الغضَبُ والانتقادات حولَ الأنا أو حولَ أشخاصٍ آخَرين في
حقيقةِ حَال لم يقم الكمالي بإشباع حاجاتِه الشخصية. وبالتالي، فعلى
الكماليين أن يجتهِدوا من أجل التحقُّق والتعرُّف على حاجاتِهم
الحقيقية، والتحرّك بناءً على هذه القاعِدَة، وهم مدرِكون للأسئلة
التالية التي قد تنبعِثُ أثناء التحوُّل:
-
الإحساس بإنيَّتيْن، واحِدة تُحِبُّ اللعب، وأخرى تحبُّ العِقاب.
-
إلغاء الرغبات الشخصية.
-
قلق في تطوير وعي للغضب الخاص. "عليَّ أن أحميَ الآخَرين من غضَبي".
-
التقيُّد بالوقت على نحوٍ لا يبقى منه فسحةٌ للسرور.
-
مماطلة. تعقيد طرق عمل بسيطة زيادةً عن اللزوم لتأجيل التزام نهائي.
-
زيادة في ضغط الرغبات اللاواعية في بحثِها للتعبير عن ذاتِها، الأمر
الذي يقود إلى زيادة الغضب الموجَّه بشكلٍ سيئ.
-
الحاجة إلى إيجاد عيوب في الوسَط المحيط.
-
"سياسة الأرض المحروقة". وهي الحاجة إلى إعادة عمل مشروع منذ البداية،
لعثورِه على خطأ واحِدٍ فقط. فهو يدمِّر المنزل كله مثلاً لأن الدرَج
يقع في المكان الخاطئ.
-
الحاجة المتنامية لإيعاز الذنب إلى أشخاص آخَرين لمُوازَنَة الانتقاد
الشديد الموَجَّه لذواتِهم.
-
دِقَّةُ الانتباه. والتطرّق بشِدَّة إلى قطاع الحياة الذي يحتاج
للإصلاح، وعدم إعارة الانتباه إلى القِطاعات الأخرى بمقدار ما تتقوَّض
هذه الأخيرة. إنها طريقة لتجزيء ونسيان نطاقات الصراع.
-
الانتباه للتصلُّب إزاء وجهات النظَر المتنوِّعَة. "الأشياء بالنسبة لي
هي إما صحيحة أو خاطئة".
ترجمة:
نبيل سلامة
*** *** ***