مدخل إلى النقاط:
النقطة "اثنان": المانِح
هيلين بالمر
المُعضِلَة
يتحرَّك "المانِحون" نحوَ الأشخاص، كما لو أنهم يبحثون عن إجابة
لسؤالِهم الداخلي: "هل سوف تحبّونني؟". لدَيْهِم ثمَّة حاجة بارزة
للمودَّة والقبول، فهم بحاجة للحب، والحماية. ويبتغون الشعور بأنهم
هامّون في حياةِ الأشخاص الآخَرين. كانوا أطفالاً حين اكتسَبوا لُطفًا،
وشعورًا بالأمان من خلال إشباعِهم لرغبات الغير. وكثَمَرَةِ سعيِهم
للقبول، طوَّرَ "المانحون" رادارًا شخصيًا حسَّاسًا لاكتشاف حالات
الروح وأفضلياتِها.
يقولُ "المانِحون" الذين يُكيِّفون مشاعرَهم وفقًا لاهتمامات الغير على
أنهم عند تكييفِهم لمشاعرِهم هذه، فهم يشعرون بقُدرتِهم على ضمانَةِ
شعبيَّتِهم الخاصَّة. ويقولون أيضًا إنهم إذا لم يحصلوا على القبول
الذين هم بحاجة إليه، فمن الممكن أن تصبح عادة التكيُّف قهرية
(إلزامية)، إلى درجة أنهم ينسَوْن فيها حاجاتِهم الخاصة، في محاولة
اندفاعية لإرضاء الآخَرين كطريقة لاكتساب الحب.
كما أُنشِئوا على الفهم بأن بقاءَهم على قيد الحياة يتوقَّف على قبول
الآخَرين لهم، وبأن علاقاتِهم تتميَّز كمجالٍ هو الأكثَر أهمية للوجود.
فـ"المانحون" يروون على أنهم يرَوْن ذوَاتهم مُهمَلين، فيُغيِّرون من
أنفسِهم للانطلاق إلى ملاقاة أفكار الغير حول ما هو مرغوب ومناسِب
لهؤلاء. ويقولون إنهم يعرفون كيف يُقدِّمون أنفسَهم لكي يُحبَّهم
الآخرون، ولكن قُدرتَهم على ذلك تُصبِحُ مع الوقت مُرهِقَة لهم لأنهم
يسمحون بصدِّ الرفض المُحتمَل، فيَمنَحون للأشخاص ما يُريدونه.
وعادتُهم بتغيير أنفسِهم بغيةَ الإرضاء، غالِبًا ما تولِّد الإحساس
باكتسابِهم للأشخاص، وذلك بإظهارهم فحسب ما يريد الآخَرون رؤيتَه.
يشعر "المانِحون" بأن لديهم أنوات كثيرة، ويشعرون بأنهم قادِرون على
التغيُّر لكي يتكيَّفوا مع حاجات الأشخاص المهمِّين في حيواتِهم. كما
أن درجةً هائلة من الاختلاط يُمكِنُها أن تظهَر بين الأنوات
المُتعَدِّدَة هذه، وكذلك الأمر بالنسبة للإحساس بـ"من هو أنايَ
الحقيقي؟"، أو"هل تعرفني حتى لو أظهرتُ لك واحِدًا من أنواتي فقط؟"
فـ"المانحون" ينزَعون بشكلٍ خاصٍّ إلى استسلامِهم لعلاقاتٍ مع أشخاصٍ
مُقتدِرين، وغالِبًا ما يصِفون الإحساس بفقدان الهوية الشخصية كتغييرٍ
لذواتِهم، لكي يصيروا تلك الشخصية الأكثَرَ إرضاءً للشريك. كما يُمكِنُ
لقِطاعاتٍ داخِليَّة من حياتِهم، ومن اهتماماتِهم السابِقَة أن تسقُطَ
أرضًا، عندما يزيغُ انتباهُهم نحوَ جوانب الأنا الأكثَر تلاؤمًا مع ذلك
الذي يرغبُه الشريك.
يُهيمِن "المانِح" على مراحِل العِلاقَة الأولية من خلال معايشتِه
جوانب ذاتِه التي تغذِّي حاجات الشريك. ويهيمِن على المراحِل اللاحِقَة
للشعور بأن يُسَيْطَر عليه من خلال إرادة الشريك، فيشعُرُ برغبَةٍ
خانقة للحرية. وبقدر ما تنضج العلاقة، فإنَّه يُعاني نوباتٍ هيستيرية
مُتوَاتِرَة من الغضَب، نَظَرًا لأن جوانِبَ الأنا التي نُسِيَت أثناء
العشق تبدأ بالظهور مجدَّدًا. كما يُعاني "المانِح" من الصراع بين عادة
قَوْلَبَة تقديمِه الشخصي على نحوٍ يكون فيه بشكلٍ أساسي غير قابلٍ
للمقاومة بالنسبة لشريك، والرغبة بأن تكون لديه حرية القِيام بما
يستحسِنُه.
وكما أن إلغاء حاجاتِهم الخاصَّة بسبَبِ الاهتمام بإرضاء الآخَرين
فـ"المانحون" ينزَعون إلى جعلِ أنفسِهم لا غنى عنهم بالنسبة للشريك، أو
بالنسبة للأشخاص ذوي القدرة، وكطريقةٍ للحصول على إشباعٍ لهذه الحاجات
المَنسيّة، فالاتصال بالقدرة يضمن بقاءَهم على قيد الحياة كأشخاص،
وبالأخصِّ عند أشخاصٍ يستطيعون جعلَ هذه الرغبات تتجسَّد على أرض
الواقِع. والنجاح في السيطرة على علاقة لا يُمنَح بالقوة أو من خلال
الإرغامِ علانيةً، وإنما من خلال تقديم المساعدَة. وإذا لم تتجسَّد
النتائج على أرض الواقع فلسوف يتواجَد الكثيرُ من الشكوى، لأن التوازن
لم يحصَلْ بين العطاء والتلقِّي. والشكوى هي محاولةٌ أيضًا من قِبَلِ
من يُساعِد، وذلك بجعلِها لآخَرين يُدرِكون كم هم مَدينون له.
يعتقِد "المانِحون" بأن الآخَرين يسعَوْن إليهم بسبب ميزاتِهم الخاصَّة
في الفهم حيث يتعلَّقُ العائلة والأصدقاء بالمُساعَدَة التي
يُقَدِّمونها لهم. فإذا لم يتم الاعتراف بجهودِهم، أو إذا أُنكِرَ عنهم
القبول بها، فإن "المانحين" سوف يشعرون بالغمِّ، كما لو أن قيمتَهم
الذاتية تتعلَّق بكيفيَّةِ رؤيَةِ الآخَرين لهم. إن جزءًا صغيرًا من
القبول يُضخِّم الوهمَ: "بدوني، لن يكون بوسعِكم جعل ذلك يحدث". وهكذا
فإن نظرةَ استخفافٍ لهم من قِبَلِ أحدٍ هامٍّ بالنسبة إليهم بإمكانِها
أن تؤدِّيَ إلى أحاسيس مؤلِمَة من الضَّنَى. "عليَّ أن أجعلَ هذا الشخص
يُحِبُّني من جديد".
هذا هو نَمَطُ "الأم اليهودية" و"المُسَاعِد" في وظيفةٍ ما،
و"المستشار". فإذا لم يَتحقَّق احترامٌ خاص على نحوٍ ملموس بعد كثيرٍ
من التعاون رفيع المستوى، إذًا فمَن يَظهَر على ساحَةِ الوعي هو شخصية
"المُتلاعِب"، ومُسَيِّر الأمور من خلفِ الكواليس، ومن خلال المرقَب
المُحتجَب.
تُفهَم هموم "المانح" على النحو التالي
-
الحصول على القبول وتجنُّب الرفض.
-
كبرياؤه بسبب الأهمية التي يعطيها لنفسِه في العلاقات. "لن يكون
بإمكانِهم فعل ذلك بدوني إطلاقًا".
-
كبرياؤه بسبَبِ إشباعِه لحاجاتِ الغير. "لستُ بحاجةٍ لأحد، ولكن الجميع
بحاجةٍ لي".
-
اختلاطٌ بين العدَدِ الهائل من الأنَوَات التي تتطوَّر لكي تُشبِعَ
حاجاتِ الغير. "يتطلَّب كلُّ واحِدٍ من أصدقائي جزءًا مختلِفًا مني".
"فمن هو أنايَ الحقيقي؟".
-
التشوش في التحقق من الرغبات الشخصية. "أستطيع تحويل نفسي إلى ذلك الذي
تريده. ولكن ما الذي أشعرُه فعلاً تجاهَك؟".
-
اهتمام جنسي كضمانة للقبول. "أنا لا أريد النوم معك، ولكنني أريد أن
أعرف إذا ما كانت لديك الرغبة للنومِ معي".
-
اتصال رومانسي للـ"الرجل الكبير مع المرأة المُلهِمَة".
-
كفاحٌ من أجل الحرية. إحساسٌ بسيطرة حاجات الغير على "المانح".
-
هيستيرية وغضب عندما تنبعِث الرغبات والحاجات الحقيقية، والدخول في
صراعٍ مع العَدَد الهائل للأنوَات التي وُجِدَت بقصد إرضاء الآخَرين.
-
يشتمِلُ أسلوبُ الانتباه على التغيُّر لإشباع حاجات الغَيْر، والتي
بوسعِها أن تقودَ إلى:
·
علاقة عاطفية إزاء مشَاعِرِ الأشخاص الآخَرين، أو إلى:
·
تكيف يَستعمِلُ رغَبات الآخَرين كطَريقةٍ لضَمَانِ حُبِّهم.
سيرة العائلة
كان "المانِحون" أطفالاً محبوبين لكَوْنِهم مُرْضِيِّين. فهم يتعرَّفون
بسرعة على ميزاتِهم الخاصَّة في أنفسِهم، والتي تجذب إليهم الراشِدين
على مختلَفِ مشاربِهم في حيواتِهم، وتعلَّموا التظاهُرَ بتقديمِ
أنفسِهم لتلبية حاجات هؤلاء الراشِدين. كانوا أطفالاً محبوبين تعلَّموا
إبقاءَ تيّار الانتِباه مُوَجَّهًا إليهم.
كان والدي بعيدًا وصعبَ المَنال، الأمر الذي جعَلَ من اللعِبَ بطريقةٍ
ما له إثارةٌ أكبَر لكي أفوزَ بانتباهِه، وخصوصًا أنه ما من أحَدٍ من
إخوَتي كان بارِعًا في هذا الأمر. وكنتُ أشعرُ نفسي، وكأنني مقياسٌ
للضغط محاولاً من خلالِه اكتشاف مدى أهمّيّتي بالنسبة له. وكنتُ أصِلُ
إلى المنزِل، وأذهَبُ إلى مكتبِه، كما أتذكّرُ أنني كنتُ أتردَّد قبل
قرعي لباب مكتَبِه حتى أكتشِف ما هي حالتُه النفسية، وحتى أعرِفَ كيف
يتعيَّنُ عليَّ أن أكونَ في تلك الليلة.
كان الأمر كتخيُّلِي أيًا من شخصيَّاتي يتوجّبُ عليَّ استخدامها في تلك
الليلَة، وعلى هذا النحو كان عليَّ اتِّخاذ الشخصية التي تبدو أكثَرَ
مُلاءَمةً، وبالتالي فهذه الشخصية بالذات كنتُ أصبِحُ إياها لكي أنالَ
رضاه. أعوامًا فيما بعد في جلسةٍ عِلاجيّةٍ أعطيتُ أسماءً لكل هذه
الشخصيات حيث تذكَّرتُ أيضًا مجموعاتٍ كامِلة من المشاعِر التي كانَ
لديّ مجموعةٌ من كلٍّ منها.
كانَت الشخصية المفضَّلَة بالنسبة لي هي شخصية "الأميرة". فقد كانت
مِغناجًا، وعندما أكونُ شخصية "الأميرة"، أسردُ لوالِدي كل شيء كنتُ قد
قمتُ به أثناء تَوَاجُدِه في عمله. وأحيانًا كنتُ أتظاهَر بكَوْني
"أميرة" في المدرَسَة، عندما لا يكون أبي هناك، لأنني كنتُ أشعرُ بنفسي
أنني ابنةُ ملك. وأنا أقوم بتمثيلٍ لهذا الملِك من خلال شخصية
"الأميرة".
يُروَى سيناريو آخَرٌ شائع طوَّرَه "المانحون" ذوو الحساسية لحاجات
ورغبات الغير، أنه كان يتوجَّبَ عليهم منح الدعم الانفعالي للوالِدَيْن
الخاصّيْن بهِما.
كنتُ طفلةً محرومةً وخدومةً في الوقتِ نفسِه. وكنتُ أعتقِدُ أن عائلتي
هي جماعَةٌ من عديمي الكفاءة. وهكذا فمن خلالِ اعتنائي بوالِدَيَّ كنتُ
أجعلُهما قويَّيْن جدًا لكي يعتنيا بي. وكنتُ أجعلُهما يذهَبان إلى
الكنيسة في أيام الأحَد لأنني كنتُ أعتقِدُ بأن ذهابَهما هذا يمنحُهما
القوة، وكنتُ أدركُ بأن ذلك يجلبُ لهما الإيمان، وكنتُ محبوبةَ يسوع في
مدرسة الأحد للتعليم الديني.
وكراشِدَة، استخدَمْتُ هذه القاعِدَة مرّاتٍ مُتَكَرِّرَة في استسلامي
لرجلٍ كُنتُ أقومُ بخدمتِه، وأجعلُه يقوم بخدمَتي بدَوْرِه. كنتُ
أعمَلُ، وأعطيه المال لكي نُعيلَ نفسيَنا، ولكي يقومَ بدفع ثمن أشيائي.
وإذا فكَّرتُ على نحو أنني أنا التي أعتني بنفسي في واقِعِ الأمر، فهذا
سوف يعني بالنسبة لي أنني لستُ محبوبة، لأنني لم أكن أعتني به.
يُوصَفُ نموذَجٌ أصليٌّ آخَر للـ"المانحين" ألا وهو إدراكُهم لإمكانيات
التلاعُب من خلال صيرورتِهم أشخاصًا محبوبين، ولا غنى عنهم،
واستخدامُهم لقُدُراتِهم في الإغراء لكي يجذِبوا إليهم أشخاصًا آخَرين
يكون "المانحون" أنفسُهم هم بحاجة لهم.
عشتُ صنفًا من مثلَّثٍ حبِّي. فوالِدي كان طيِّبًا ومُسَلٍّ جدًا،
وكانَت والِدَتي تُعَرقِلُ الأشياءَ دائمًا. وبالتالي، فقد وضعتُها
ببساطة في الدرجة الأولى، ووضعتُني في الدرجة الثانية. وبعدم مشاجرتي
معها، كنتُ أتوَصَّلُ دائمًا إلى كل ما كنتُ أريدُه منها.
كان الأمر أشبه بإغراءٍ صرف، ولكنه لم يكن بالطريقة الجسمانية. فقد كان
لديَّ دائمًا هذه الصِّلَةُ القوية فيما بيننا. فهو كان يريد السيطرة
علي، وبالتالي كنتُ أقوم بتملُّقِه من خلالِ كوني صغيرة وطيِّبة، أو
إذَّاكَ كنتُ أعصيه أمامه. كنتُ أعصيه ليس لأنني أريد الخروج حتى مع
الفتى الغلَط، ولا لأنني أريد الوصول إلى المنزل متأخِّرة، وإنما لأنني
بعصياني كنتُ أتلقّى منه انتباهًا تملُّكيًّا يجعلُني أشعر كم أنا
هامّةٌ بالنسبة إليه.
أنَوَاتٌ متعَدِّدَة
يُعَبِّرُ "المانِحون" عن حسِّهم بأن الأنا تتطور عندَهم اعتبارًا من
الطريقة التي يتفاعل معهم الآخَرون من خلالِها. إن تقديرَ "المانحين"
من قِبَلِ أشخاصٍ آخَرين بمقدورِه إلهامِهم بأفضَلِ أداء. ولكنهم
يُدرِكون أيضًا بأنهم يلائمون أنفسَهم للصور التي تناسِبُ الآخَرين،
لكي يضمنوا لأنفسِهم دعمًا من الحب. فـ"المانحون" يشعرون كما لو أن
أجزاءً منهم تُوَزَّع لكلِّ واحِدٍ من أصدقائهم، ولكن لا أحَدًا من
أصدقائهم يستطيع معرِفَةَ "المانح" بالكامل.
غالِبًا عادةُ تغييرِ أنفسِهم تجعلُ الـ "المانِح" يشعر كما لو أنه قد
تعرَّضَ للخديعة من قِبَلِ أصدقائه، فما يُعتبَر كوقفةٍ دفاعية يعني أن
"المانح" ليس عليه المجازَفَة لرؤيتِه بالكامل، ولا الحُكم عليه بقوة،
وإنما ينبعِث إيمانُ الطفولة بأنه يشتري الحب، باجتِهادِه في إخفاءِ ما
هو غيرُ مقبولٍ للآخَر. وعندَ تغييرِهم لشخصيَّتِهم لكي يتطابقوا مع
جانِبٍ من أنفسِهم يُرضي بعضَ الأصدِقاء، فـ "المانِحون" يتعرَّضون
لمُجازَفَةِ فقدان اتِّصالِهم مع مشاعرِهم الحقيقية. وإن مشاعِرَهم
وانفعالاتِهم الخاصَّة تُنسَى تمامًا بقدر ما تختلِط بؤرةُ انتِباهِهم
مع رغبات الآخَرين.
إن قبولَ الآخَرين أمرٌ يجعلُني أفكِّر على هذا النحو، كيف سوف أمنح
فُلانًا (س) في الوقت الحاضِر. وأيضًا طريقة أخرى للصيرورة حيث أخرج
أوتوماتيكيًا (ذاتي الحركة) وراءَ الآخَرين، وأجِدُ نفسي متفحِّصًا
للأشخاص في سعيٍ لدلالات عن كيفية عملهم أو عمَّا يحتاجون إليه. وأشعر
كثيرًا باللاأمان بألا أصير ذلك الشخص الذي يُرضيهم إلا إذا كنتُ
أدرِكُ التنبؤ بأسلوبٍ في كيفيةِ استطاعتي أن أكونَ مُفيدًا لهم.
أثناءَ دراستي الثانوية كلها، كان الأمر ينحو على هذا الشكل: كنتُ
أستيقِظُ وأقرِّرُ عمّا كان يتوجَّبُ عليَّ أن أكونَ عليه في ذلك
اليوم. وكان عليَّ في الواقِع تحقيق فتوحاتٍ باكتسابِ أنماطٍ مُختلِفة
من الأصدقاء، ولكلِّ واحِدٍ منهم كانَت لدَيَّ طريقةٌ مختلِفةٌ من حيث
ما أكونُ عليه، وكنتُ أعتبِرُ كلَّ هذه الطرق صحيحة وحقيقية.
ولكن أن أملُكَهم كلَّهم معًا في الوَسَط المُحيط نفسِه كان مُمكِنًا
أن يُصبِحَ مُزعِجًا جدًا لأنه لم يكن بالإمكان معرفة أيٍّ من أنواتي
كان علي أن أكون إياه، وإذا ما انضمَّ شخصٌ جديد للمجموعة، فقد كنتُ
أشعر بأنه عليَّ التكيُّفَ من جديد، فأبتعِد لكي لا يُلاحِظ الآخَرون
أنني أبدأ بتصرفي على نحوٍ مختلَقٍ قليلاً بالنسبة للقادِم مؤخَّرًا
إلى المجموعة.
أحيَيْتُ في الشهر الماضي عيدَ ميلادي الثلاثين، والذي تحوَّلَ إلى
امتحانٍ حقيقي بسبَبِ كلِّ الأصدقاء المُختلِفين الذين اجتمعتُ معهم،
ولم يكن لدَيَّ أي شيءٍ مُشتَرَكٍ فيما بينَهم إطلاقًا، باستثناء واقع
معرفتِهم بي. وانتهى الأمر بحدوثِ مُشاجَرَة في المطبخ الصغير بين
مُمَرِّضَة وتاجر تباغضا من أَّولِ نظرةٍ. وعلى الرغم من ذلك، فقد كنتُ
أعتبِرُ كلَّ واحِدٍ من الأشخاص الموجودين هناك صديقًا شخصيًا وحميمًا
بالنسبة لي.
ثمة إحساس دقيق بأن لدى كلٍّ من هذه الأنوَات كماله، على الرغم من أن
هذه الأنوات قد تكون مختلِفةً جذريًا فيما بينَها. قد يختلِف تقديم
"المانِح" لنفسِه كثيرًا من صديقٍ إلى صديقٍ، ولكنَّ كلَّ صديقٍ يجري
الإحساسُ به في صدق وبعمق تجاهَ البعض من هذه الأنوَات. وفي الواقِع إن
اختلافَ الأشخاص يُسبِّبُ ظهورَ جوَانِبٍ مختلِفة من الأنا لا تقتضي
بالضرورة أن تكونَ هذه الأنوَات زائفة لكي تغويَ أشخاصًا آخَرين
بصداقةٍ زائفة. ومع ذلك، تنبعِثُ مشاكل خطيرة من العادَة المستمرَّة في
السعي للشعور بالأمان من خلال الاعتماد على التقدير والاعتبار الإيجابي
للآخَرين لهم.
تكمُنُ إحدى هذه المشاكل في أن "المانحين" عمومًا هم أكثرُ وعيًا جدًا
لكيفية الطرُق التي يخدمون من خِلالِها ويُلَبُّون حاجات الأشخاص
الآخَرين على نحوٍ أكثَر مما هي عليه دوافعهم الخاصَّة بهم. فإن طفلاً
ذي شعورٍ بالأمان متعلِّق بفعل العطاء لن يُطَوِّرَ فقط الكبرياء
لكونِه هامًا بالنسبةِ للآخَرين، وإنما أيضًا سوف يتقاعَس في التعرّفِ
على حاجاتِه الشخصية. وهذه أيضًا تُذكِّرُه باحتمال عدم إمكانية
الانسجام مع مصادر طاقات الحنوّ. وبالتالي، فـ "المانح" يُدرِّبُ
انتِباهَه للتركيز إلى أقصى حدٍّ على النحو الذي تكون فيه الحاجاتُ
الشخصية مُهمَلَة، للفوز بعلاقة حب.
أعمل مساعدًا لطبيب أسنان، وبالنسبة لي إنه لأمرٌ أساسي ومهم أن
يُحِبَّني المرضى. وإذا كان الزبائن جددًا، أشعُرُ بنفسي غيرَ آمِنٍ
كليًا حتى أستطيع الشروع في حديثٍ يُظهِرُ لي ما هم عليه، وما هي
اهتماماتُهم. إنه مثل فن صيد السمك، فأنتهي باصطيادي بصنَّارَةِ
الحَديث موضوعًا يكون مثار اهتمامِهم. وبعد ذلك أشعر بنفسي آمِنًا
بشكلٍ كافٍ لكي أقرِّرَ فيما إذا أحبَبتُهم أم لم أحِبَّهم، ولكنه يكاد
يكون مستحيلاً معرفة ما أشعره قبل رؤيَتي لنفسي تحت غطاءٍ ما ومحميٍّ
من خِلالِ التفاهُم معهم.
وإذا كان المريض قديمًا، فالأمر يبدو مثل جدول رولودكس
Rolodex.
حيث يعني الشخص أنه بِطاقةُ
A
في الرولودِكس
Rolodex،
والشخصية الملائمة تتقَوْلَبُ مباشرةً وفقَ حديثي معه. إنها طريقة عملٍ
مُرهِقَة، ولكن ذلك دليل بأنني أخرج حسنًا بعد ذلك كله.
تأثير "واقِيَةُ المَطَر": العطاء مقابل التلقّي
غالِبًا ما يَعترفُ "المانِحون" بالصعوبات في المُحافَظَة على حسٍّ
دائمٍ للشخصية في علاقاتٍ مختلِفَة. فالأنا "الحقيقي" قد يضيع في
اختلاط التغييرات التي تحدُث ضمنَ مُجرياتِ يومٍ عادي. ويقولون إنه من
السهولة بمكان الإيحاء بأن يكون "المانِح" ما يُريدُه الآخَرون منه،
ولكن من الصعوبة بمكان أن يعرِفَ ما هي رغباتُه الخاصَّة.
كما أن "المانِح" يكبتُ حاجاتِه الخاصَّة من خلال اهتمامِه بإرضاء
الآخَرين، فهو ينزَعُ إلى أن يكون شخصًا لا غِنَى عنه لشريك ما، أو
لأولئك الذين هم في موضِعِ اقتِدَارٍ، كطريقةٍ للحصول على إشباع تلك
الحاجات الجنسية. وهذه المناورة بقدر ما تضمَنُ البَقَاءَ الشخصي على
قيد الحياة، فكذلك تحافظ أيضًا على مركَزِ "المانِح".
إن أوَّلَ شيء أبحث عنه في مكان جديد أتوَاجَدُ فيه، هو معرفة من هو
مركَزُ "ثِقَل" أي من هو ذو "قدرة" في هذا المكان. وأقوم بذلك مُبقِيًا
على نفسي في المُؤخِّرَة لكي أرى كيف يتفاعَلُ الأشخاص فيما بينَهم،
وحتى يُصبِحَ واضِحًا لي، إلى من يتوجَّه الآخَرون بالاحترام. وعندما
أكتشِف هؤلاء، فإن مُوَاجَهَتي لهؤلاء الأشخاص تكون عبارة عن تحدٍّ.
إنه لأمرٌ كما لو أن الباقين جميعَهم قد غادَروا المكان. وأصبِحُ
أكثَرَ جُرأةً، وأحاوِل المحافظة على اتصال بصَريٍّ. وحتى لو كانَت
القاعَةُ ممتلئة، وبينما أنا أتوصَّلُ إلى فعل هذا الاتصال البصري،
أجدني أشعر بسلسلةٍ من مُخالَطاتٍ، وسأُدرِكُ فيما إذا كانوا مهيّئين
للتواصل معي أم لا. إنه الإحساس بكوني منجذبًا إليهم، ويَبدون لي كما
لو أنهم يجتازون القاعَة باتّجاهي، على الرغمِ أنهم لا يقومون بأي
حركة!!
يحصَلُ "المانِحون" على إشباع رغباتِهم، وحاجاتِهم الخاصَّة من خلال
أشخاصٍ قادِرين على تجسيد هذه الرغبات والحاجات. وإن النجاح في السيطرة
على شريك لا يتم الحصول عليه من خلال فعل مُجابَهَة، وإنما من خلال
"مانح" يُقدِّمُ مجازًا "واقِيَة مطر" لكي يحمي الرفيق من المطر، وفيما
بعد يؤخذ بين ذراعَيْ شخصٍ آخَر.
إنه من الأهمية بمكان أن يُدرِكَ "المانِحون" بأن ما يعطونه للآخَرين
هو ما سوف ينتظِرونه منهم بالمقابل. فإذا قُدِّمَت "واقِيَةُ مَطَر"،
فـ "المانِح" يُريد إذَّاكَ بالمقابِل أن يُحمَى من المَطَر. وإذا ما
تذكَّرَ عيدَ ميلادِ أحدِهم، إذَّاكَ فـ "المانِح" يُريد الآخَرين
أيضًا أن يتذكَّروا عيد ميلادِه. وعندما يُقدِّمُ "المانِحون"
مساعَدَةً، فعلى الأرجح أنهم يقومون بها مع ترقُّبٍ بأن يشمُلَهم
مشروعٌ ناجِحٌ بشكلٍ جيِّد، وفي الساعَة التي يُقدِّمون فيها مساعدةً
فمن المرجَّح أن يتماهَوْا مع جانِبٍ من ذواتِهم يكونُ مقبولاً أكثَر.
وبالتالي سوف يكون صعبًا عليهم رُبَّما تمييز الرغبة الحقيقية
بالمُساعَدَة من عادة انتظارِ مساعَدَةٍ بالمُقابِل.
غالِبًا ما تفعَل عادة العطاء من أجل التلقِّي بالمُقابِل على مستوَى
لاواعٍ سلوكيًا بالعُمق، كتلك التي لكل الأشكال الوسواسية للكائن
الإنساني. ومن الضروري استحضارها على مستوَى الوَعي للانتباه لكي
يستطيع "المانِح" أن يسترخي. ويسرد "المانِحون" عِدَّةَ نماذِجٍ للعطاء
من أجل التلقِّي، تلك التي يلاحظونها في ذواتِهم.
يبدو كما لو أنني شبكةٌ من منظومات الدعم للحياة المتجهة نحو كل
أصدقائي. كما يُشكِّلُ جزءٌ مني غذاءً بالنسبة لهم، ولكنني في النهاية
أتعب من إظهار حماسَة لكل ما له صِلَةٌ بهم، وأنظِّمُ نشاطاتٍ
مختلِفَةً مع عِدَّةِ أشخاصٍ مختلِفين، وأخيرًا أصبحُ مُنهَكةً من
العمَل لأجل الآخَرين ومن ظهوري دائمًا بهيئةٍ من الحماسَة حتى النقطة
حيث أريد فيها الذهاب فقط خارِجًا وألا أقوم بأي شيء بعد لأي شخص.
كما تتعلَّقُ شخصيةُ هذه المرأة بشكلٍ كبير بتقدير الغَيْرِ لها، فهي
تندمِجُ في حيَواتِ أصدقائها، وتصبِحُ أساسيةً بالنسبة لهم، وفيما بعد
تشتكي من استنفاد طاقتِها فيما إذا لم يتجسَّد العائد الذي قامَت بكل
جهدِها للحصول عليه. وثمة كثير من الشكوى فيما إذا لم يتحقَّق التوازن
بين العطاء والتلقِّي. وبالتالي، تنشأ محاوَلَةٌ لاواعية من جهة هذه
التي تقوم بمساعدة الآخَرين في إجبارِهم على الاعتراف كم هم مَدينون
لها لإحاطتِها إيَّاهم بعنايتِها.
إن مجموعة البوادر الخاصة فيما يُسمَّى بـ"الأم اليهودية" لا تعدو
كونَها أكثَر من تكتيكٍ لاواعٍ حيث الشخص يعطي الآخَر بقصدِ الحصول على
غرَضٍ ما في المُقابِل. أمَّا التكتيك الآخَر فيكمن في تجزيء الأنا
لمُختلَفِ الأشخاص، مثلما هي الحال في صيغة عرض "العذراء والمومس" حيث
أن المرأة نفسَها تقدِّمُ جوانِبَ مُختلِفَة من نفسِها جذريًا لرجالٍ
مختلِفين، أو في حالَةِ رجُلٍ فهو يُقدِّمُ جوانِبَ مُختلِفَة من نفسِه
لعِدَّةِ نساءٍ.
مِثالٌ آخَر على العطاء من أجلِ التلقِّي يبدو في بعض العروض الجنسية
الصارِخَة لـ"المانحين". يسردُ كثيرٌ منهم بأنه ليس لديهم أدنى وعي
للمرات التي انتقلوا فيها سريعًا إلى مشاعر فقدان الشخصية مع شخصٍ
آخَر: والذوَبان فيه، على أنهم ليسوا واعين بأن عادتَهم في إظهار
ميزاتِهم المرغوبة للآخَر مرئية كثيرًا ومُغرِيَة بوضوح.
ومع أن المراوَغَة المُغرِيَة لاواعية، فغالِبًا ما يُجابِه
"المانِحون" أولئك الذين يستاؤون من مقتضَيَات حضورٍ جنسيٍّ قوي في
حالاتٍ كهذه، ويتناهَى "المانِحون" بالدفاع عن أنفسِهم: "لستُ
مُغوِيًا، ولم أتفوَّهْ بشيءٍ غير صالِحٍ، لقد كنتُ بريئًا". وقد
يؤمنون حقيقةً في قِصّتِهم المُختلَقَة هذه، ببساطة لأنهم لا يُدرِكون
أنهم في تغيُّرات مستويات القوة الداخلية، ينقلون للأشخاص الآخَرين ما
يعتمِل في داخلِهم بالحقيقة. إن "مانِحًا" ليس لديه إدراك عما هو عليه،
قد يبدو مرتدِيًا ثيابًا فاضِحَة، ويقود حديثًا حول اعتباراتٍ للحب،
وذلك كله دون أن يكونَ لديه أدنى فكرة عن الوضوح الذي يظهَر فيه
مُبدِيًا عن دلالاتٍ جنسية لكي يحصَل على استجابة بأنه جذَّاب أو
محبوب.
تقديم شخصي ذو طابَعٍ إغوائي
جميعُ "المانِحين" يغوون بمعنى أنهم حاذِقون في قِيادَةِ الأشخاص
الآخَرين بطريقةٍ يُحِبّونهم من خلالِها. يعيشون في افتراضٍ دائمٍ أنه
في مقدورِهم جعل الجميع تحت تصرُّفِهم، وتكفي معاملةٌ لائقة، وتطبيقٌ
حادّ للذهن ضمن معيارٍ ملائمٍ لانتباهٍ خاصٍّ، حتى يجعلَ أغلبيَّةَ
"المانِحين" قادِرين فعلاً على الاتِّساق مع مشاعر الأشخاص الآخَرين
على نحوٍ يكتفون فيه فقط بقدرٍ ضيِّقٍ من الاتِّصالِ الشخصي.
يكمُنُ الحافِز الخَفيُّ من وراء تقديمٍ مغوٍ فيفوزِ "المانِح"
بالانتِباه. ولكي يُصبِحَ مرغوبًا به في أي مجالٍ من حياة شخصٍ آخَر،
ولكي يحصَلَ على إحساسٍ بالأمان. ولكن بالأخص فإن ما يعطيه الشعور
بالأمان هو أن يكون مرغوبًا به جسمانيًا. وكما أن "المانِحين" يعرِفون
بعضَهم بعضًا من خلال ردود أفعال الأشخاص الآخَرين التي يُظهِرونَها
تجاهَهم، فهم يُحاوِلون إلى أقصى حد تقديمَ أنفسِهم بطريقةٍ مؤاتيةٍ
لتخيُّلاتِ شركائهم. ويُلغون في الوقتِ نفسِه رغباتِهم الجنسية
الخاصَّة. فأولئك "المانِحون" الذين يروون سيرتَهم عندما توجَّبَ عليهم
ذات يوم أن يكونوا ذلك الرجل الصغير البِكر للأم، أو البنت الصغيرة
المغناج للأب، وقد يشفُّ ذلك كراشِدين عن تقديم شخصي مثيرٍ للآخَر،
ولكن غالِبًا ما يُصرِّحون بأن صورتَهم المغوِيَة مرتبِطَة بأحاسيسٍ
جنسية تخلو من رقَّةِ المشاعِر.
تتكوَّن تخيُّلاتي من الحب والرغبة في الانتقام. فأن أكون عشيقة سرية
لرجلٍ عظيم، وأن أكون تلك التي يبوح لها بكل شيء، وتلك التي تسعى إليه
عندما تكون بحاجة للتشجيع. فأنا أراجِعُ كثيرًا اللحظَات الحميمة: كيف
كان يبدو وجه رجُلٍ ما عندما رغِبَ بي؟! كيف شعرتُ بنفسي عندما صرَّحَ
لي بأنني أفضَلُ عشيقة في حياتِه؟! وإذا لم تنجح العِلاقَة، فالمسألَة
تكمن في إصلاحِها متظاهِرةً بعدَم إعارتِها أهميةً تُذكَر، وأقومُ في
المُقابل بمحاسبتِه لِقِيامِه بإذلالي.
أشعر بلذَّةٍ كبيرة في دعوَةِ رجلٍ إلى حديثٍ حميمٍ أو في قيامي
بمقاطعة رجل لما يفعله لكي أجذُبَ انتباهَه لي. إن هذه الإغواءات
الصغيرة مثيرة جدًا لأنه خلالَ أعوامٍ كنتُ أجِدُ نفسي مثيرةً جنسيًا،
ولكنني كنتُ أكبتُ نفسي بسبب وساوِس تتعلَّقُ في قيامي بعلاقَةٍ مع
رجالٍ متزوِّجين. والآن أرى بأنه ليس الجنس هو في الحقيقة ما أريد،
وإنما الانتباه الذي أحظى به هو ما أريد من خلال إدراكي أنه بوسعي
الحصول على الجنس من خلال توطيد هذا الوَعد الذي يتجلَّى بعِناقٍ خاصٍّ
أو بسمَاعي أحَدٍ منهم يُناديني باسمي.
يروي "المانِحون" بشكلٍ طبيعي أنهم فضلاً عن كونِهم يُريدون تقديمَ
صورةٍ جذَّابَةٍ، فهم أكثَرُ اهتمامًا في تلقِّي انتباهٍ جنسي من أن
تكونَ علاقاتُهم مشاعية. وغالِبًا، هناك خوفٌ حقيقي من الحميمية، لأن
الاتِّصال الحميم يكشُفُ الواقِعَ على أنه تمَّت خيانة الأنا وبيعه من
أجل إرضاء الآخَرين، وهذا التبيان قد يكون مُرَوِّعًا بالنسبة لأحَدٍ
يشعرُ بالأمان الشخصي. ويتعلَّق برؤيَتِه العميقة للآخَر على أنه
متّصِلٌ حميميًا بأشخاصٍ آخَرين.
هناك غالِبًا الذُّعر على المستوى النفسي من نداءاتٍ جنسية يشعر بها في
العمق، لأن هذه الأحاسيس كانت مُوَجَّهَة أصلاً إلى أحَدِ الأبَوَيْن،
أو أنه يتمُّ إدراكُها كما لو كانَت صادِرة من أحَدِ الأبَوَيْن، وعلى
نحوِ سِفاحِ القُربى (غشيان المحارم)، ومُوَجَّهَة إلى الطفل الآخِذِ
بالنموِّ. فعلى الطفل أن يكبُتَ ردودَ أفعالِه الجنسية الأولى هذه في
الاهتمام بالكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة الانفعالية، ولكنه على
مستوى عميق من الكينونة، فهذه المشاعِرَ بين أحَدِ الأبَوَيْن والابن
لا تُترَكُ إطلاقًا. وضمن هذا السياق، فـ"المانِحون" قد يخشون
الحميمية، ولكنهم سوف يستخدمون تقديمًا شخصيًا ذا طابَعِ إثارةٍ جنسية
كشكلٍ لتهيئة الجو الجنسي اللاواعي في وضعٍ جديد. وما يريدون معرفته من
يكون مستعدًا لإعارَةِ انتباهِه إليهم، بدون القِيام بمتطلَّباتٍ
جسمانية حقيقية كثيرة، ومن بوسعِه أن يكونَ جنسيًا "خطيرًا" بالنسبة
إليهم.
إن الإغواءَ والتحدِّي هما الشيء ذاتُه بالنسبة لي. إنني على أحسَنِ ما
يُرام منذ أن وُجِدَت عَقَباتٌ في الطريق، ومنذ أننا لم نكن قد اجتمعنا
بعد تحت سقفٍ واحِدٍ. فأنا كنتُ أستمتِع بالاقترّابات الدقيقة،
والإيحاءات والاستثارة بإرسال إشارات للحصول على عودة ابتسامة أو نمط
أكيد للشعور بالامتنان. وهكذا ما أن تبدأ الكيمياء بالعمَل، حتى أنسى
نفسي، وأنسى جميع الأشخاص الآخَرين في حياتي.
لدي شعورٌ خاص عندما أكون قريبًا من النساء. ولستُ متأكّدًا على أنه
شعورٌ سليم دائمًا، ولكن لدي فكرة بأنه في مقدوري أن أتركَ نفسي
تُمتصُّ من قِيَلِهِنّ، وأن أتحوَّل إلى أي نمطِ رجُلٍ يرغبْنَ به.
ولديَّ ذكرى واضِحَة جدًا عن نفسي عندما وضعتُ هذه الفِكرة في حيِّزِ
التطبيق لأوّلِ مرَّة. كان ذلك أثناءَ حفلَةٍ في المدرسة الثانوية.
وظلَلْتُ وقتَها مستنِدًا إلى الحائط، وأقومُ بتحويلِ نفسي إلى أحَدٍ
مُختلِفٍ بالنسبةِ لكل واحدةٍ من فتيات صالون الحفلة الراقِصَة.
مسألَة التبعية (التكافلية) – الاستقلالية (الاعتماد على الذات)
ينزَعُ "المانحون" للشعور بكثيرٍ من التشوُّش أثناء فترةِ علاقَةٍ
عندما يحتاجون لإظهار الأنا الحقيقي لتعزيز وعد حقيقي. وبشكل أو بآخَر،
فإن الاختلاطَ بين الأنا المتغيِّر والرَّغَبات الحقيقية المُنبعِثَة
لهي إشارةٌ مُبشِّرةٌ بالخَير. وتشير الرغبة إلى التعرُّف على الأنا
الحقيقي الذي تمَّ نسيانُه منذ وقتٍ طويل بقصدِ إرضاءِ الآخَرين.
فـ"المانِحون" الأقلُّ وعيًا أو الأقلُّ إدراكًا قادِرون أن يعيشوا
حياةً كامِلَةً بشكلٍ تبَعيٍّ (تكافلي) يجري امتصاصهم من خلال رغبات
الشريك، أو أنهم مقتنِعون بأنهم مستقلُّون كليًا عن الشريك الذي يمكِنُ
السيطرة عليه من خلال تملُّقِهم إيَّاه.
كان لرغبتي بالحرية سؤال مُهَيْمِنٌ حَوْلَ زواجٍ مضى عليه أكثر من
عشرين عامًا. فكلانا شكَّلَ جزءًا من ثنائي موسيقي في لوس أنجلوس.
وزوجتي تعزف على آلَةٍ موسيقية، وأنا أقوم بالمؤالَفات، وترتيبات
هوامِش أصوات الأفلام المُسجَّلَة.
وعندما رأيتُها لأوّلِ مرَّة على خشبةِ المسرح، انتابَني شعورٌ
بالهزيمة. فهي كانت فنانة ذات نفوذٍ، وبعيدة المَنال جدًا. وإلى حد ما،
فالصدمَةُ التي عانيتُها كانَت بسبَبِ الاستحالة في أن أكونَ جذَّابًا:
هي كانت جميلة وسحاقية، وكانَت تعزف نمَطًا من الموسيقى مختلفًا كليًا،
ولم يكن لديها أدنى اهتمام فيما كنتُ أحاوِلُ القِيامَ به. وعلى امتداد
عامَين أصبحتُ أقفز فوق العقبات، وفي النهاية انتصرتُ.
وعندما ظفَرتُ بها، بدأتُ أشعر برهاب الأماكِنِ المُغلَقَة. وكنتُ قد
أسلمتُ نفسي لها، وأعطيتُها دعمًا لمهنتِها، وكنتُ قد نسَّقتُ موسيقا،
وبدأتُ القِيامَ بالترتيبات لها – والآن بدأت تكمنُ رغبتي في العدول
عما قمتُ به. فقد بدأتُ بالشعور أنني أصبحتُ أسيرًا لها، ومتمرِّدًا في
نفسِ الوقت. فأردتُ استعادةَ حرّيّتي. كان جزءٌ مني عائدًا إليها
كليًا، ولكن الجزء الآخَر لم يكن يميل إليها إطلاقًا.
وخلالَ كل الوقت الذي حاولتُ فيه أن أؤكِّدَ لنَفسي ثانيةً حبي لها،
كنتُ أشعر بالتشويش كثيرًا. أتذكَّرُ ذاتَ مرَّةٍ في تلك الفترة: أنني
كنتُ جالِسًا عند صيدلاني أرتشِفُ فنجانًا من القهوة. وفي الحقيقة كنتُ
أشعر أنني على أحسَنِ ما يُرام... وعند وصولي في قراءتي لمقالة في
الجريدة إلى منتصفِها، رفعتُ عينيَّ، ورأيتُ امرأةً جذَّابةً تمر في
الشارع. كان الأمر كما لو أن جسدي قد نهض معها، وغادَرَ معها، لكنني
كنتُ لا أزال أرى يديَّ تمسُكان بالصحيفة.
عندما يفقد الناس شخصية كل منهم لأجل أحدٍ ما، مثلما حدث معي في علاقتي
مع زوجتي، وفيما بعد أخذتُ أحاول التحرُّرَ منها. فقد نصِل إلى إحساس
ببقاء جزء منا أسيرًا لدى الشخص الذي يحبُّه أحدٌ منا، ويُطلَقُ الجزءُ
الآخَرُ في الحيِّز الذي نشغله، وهكذا شعرتُ بالانحلال على المقعد
الصغير عند الصيدلاني. فعندما نهَضتُ لكي أدفع ثمن ما اشتريتُه لم
أعلَم فيما إذا كان الصوت صادِرًا من الصندوق أم من السقف أم من شخصٍ
آخَر ينتظر دوره في الصف أمامه.
إنني أخلط شخصي مع الأشخاص الذين أحبهم، وإذا ما وجدتُهم يُحاكِمونني،
فيكون الأمر كما لو أن الخيوطَ التي يتشكَّلُ منها نسيجُ حياتي بدأَت
بالانقطاع، وطاقتي أخذَت بمغادرَتي، وأبدأ بالاختفاء من حضوري،
وبالتالي يتعيَّن عليَّ النظر في المرآة أو في واجهة محل تجاري لكي أرى
فيما إذا كان هناك لي ثمة انعكاس ما.
كلَّفَني العشرون عامًا تقريبًا من زواجي لكي أفهم أنه لم تكن رغبات
زوجتي هي التي هيمَنَت عليَّ، وبأنني لم أكن بحاجة لكي أُلهَمَ من خلال
موسيقاها، ولا أن أُثقَلَ من خلالِ آرائها الشخصية لكي أظلَّ مُغرَمًا
بها.
يتناهَى "المانحون" لإدراكِهم بأن الكِفاحَ من أجلِ الحُرِّية فيما
يتعلَّق بالشريك لا يَعني أن يكونُوا أكثَرَ حرِّيةً ولا أكثرَ
استقلاليةً، بقدر ما يعني الرغبة اليائسَة بتلقّي قبول ذلك الشخص
عينِه. فالشريك لا يزال هو نقطة المرجعية، ويريد أن يبقى "المانِح"،
ويريد التملُّصَ، ولن يترتَّبَ عليه بالضرورة هو أو هي أن يكونا قد
تلاقيا. فكثير من "المانحين" الإيجابيين يَبدون مستقلِّين على نحوٍ
تامٍّ، ولكنهم من الداخِل يعرفون أنهم يُمارِسون السيطرةَ على الآخَرين
من خلال قيامِهم بالعطاء إليهم، وبأنهم متعلِّقون بقبول الغير لكي
يحافِظوا على استقرارِهم الانفعالي. وهذه المرأة الشابَّة تقول كل شيء:
كنتُ أنفقُ ما يُقدَّر بأربعمئة دولارًا شهريًا طوالَ عامٍ بأسرِه، على
اتصالاتٍ هاتفية لكي يعرفَ كم أنا بحاجةٍ إليه.
التثليث
تتضرَّر عادة التكيُّف مع أشخاصٍ آخَرين، بسبب خيانة "المانح" من
قِبَلِ أشخاصٍ يجسِّدون سمات مميزة بالقيمة بالنسبة لنموِّه الشخصي.
وعند مساعَدَة الآخَر، فإن "المانح" يساعِدُ نفسَه بنفسِه من خلال
برنامَجٍ، ولكنه يستطيع أيضًا التماهي كثيرًا مع قدرات الشريك حيث أن
الحدود بينَ الأنا والآخَر تختلِط فيما بينهما. وبوسع "المانِح" أن
يكونَ معتادًا جدًا على التحقُّق من الحالَةِ الانفعالية للشريك وتجاهل
حاجاتِه الانفعالية الخاصَّة، وكذلك فإن رغَبَات الشخص الآخَر بوسعِها
أن تُسبِّبَ ظهورَ ردِّ فعلٍ مُشابهٍ لها في جسمِه الخاصِّ.
إن الاتصال الإيروسي (الجنسي) هام جدًا بالنسبة لي. وأظلُّ منجذِبةً
بشكلٍ هائل، كما لو أن ضفيرتي الشمسية وقلبي قد تمَّت خيانتُهما
جسمانيًا من قِبَلِ أحَدٍ ما لديه السيطرة عليَّ. فالانجذاب الجنسي ليس
تناسليًا جدًا إلى درجة شعوري بأنه عليَّ أن أنام مع هذا الرجل،
والأكثر من ذلك هو كيف يتمُّ اجتياحي من خلالِ أحاسيس ومشاعِر تجرُّني
إلى مَيْدانِ الآخَر. فإنني أشعر بالتوَدُّد إليه لأنني أُدرِكُ ما هو
الأفضَلُ في الآخَر، ويجلب كلُّ هذا إلى السطح الأفضَل فيَّ أنا نفسي.
يُصَرِّحُ "المانِحون" الذين يدخلون في حالات حب مثلَّثَة عن سبَبَيْن:
الأول يعود إلى الإيحاءات الجنسية المُضمَرة في علاقاتِهم مع أحَدِ
الأبَوَيْن، الأمر الذي يُحمَل إلى الحياة الراشِدَة كانجذابٍ لرؤيَةِ
المُفضَّل أو المُفضَّلَة سرًّا بالنسبة لهم، إنهما تلك أو ذلك الذي
يفهمه في واقع الأمر. "بشكلٍ طبيعي لديّ الرغبة في أن أكون عشيقةً
خاصَّةً لشريكٍ متزوِّجٍ، وعَدَم رغبتِه في قطع علاقتِه الزوجية.
وغالِبًا ما تتمُّ خيانةُ "المانِح" لعَدمِ قابلية تَوَفُّر الشريكِ
المتزوّج بشكلٍ دائم، ولكن ليس لدَى "المانِح" أي رغبة نوعية لجرح شعور
زوج الشريك.
يستطيع التثليث أيضًا أن يحُلَّ المُشكِلَة لأن "المانِحين" يظنُّون أن
عشّاقًا مُختَلِفين يجعلون جوانِبَ مختلِفةً كليًا تتبعِثُ من ذواتِهم،
ويتكوَّن الغموض عندما تكمنُ المسألةُ في معرِفَةِ أيٍّ من هذه
الجوَانِبِ هي حقيقية. فهم يستطيعون إيجاد صعوبة في وقوع اختيارِهم على
أحد العاشقين.
الكبرياء
يتركَّز الانتباه إلى أقصى حد في هذه الرؤية للعالَم ألا وهي إرضاء
الآخَرين. ولهذا يميلُ "المانح" للاعتقاد بأن الأشخاص الآخَرين
يتعلَّقون بما يُقرِّرون منحَه أو الإمساكَ عنه. فـ"المانِحون" يعيشون
مع الفكرة الدائمة بأن مُعاضَدَة ومُساعَدَة الآخَرين تصدُران عنهم،
وأنه بدونِهم فمن المُمكِن لوجهِ العالَم أن يُصبِحَ فقيرًا. يُدرِكُ
"المانحون" الواعون لأنفسِهم الإحساسَ بتضخُّمِهم من الكبرياء،
وبالواقع فإن هذا إحساسٌ مرتبِط في كونِهم يشعرون أنفسَهم مبجَّلين من
قِبَلِ ذلك الذي يمنحونه، الأمر الذي يوَلِّدُ فيهم إحساسًا مُقنِعًا
لأنه يتعلَّق بتقدير الغير لهم، وقد يتفكَّكُ هذا الاقتناعُ بسهولةٍ في
حال رُفِضَ الانتباهُ إليهم. وقد تصبِحُ الكبرياءُ ألَمًا حادًّا
وبسرعةٍ لأن الحسَّ بالقيمَةِ الشخصية يتعلَّقُ بالأشخاصِ الآخَرين.
فإذا رُفِضَ الانتباهُ إليهِم فإنهم يشعرون كما لو أن ذوَاتَهم
المتضخِّمَة قد تم ثقبُها، فيُعايِشون حالةً من خروجِ الطاقةِ منهم،
بسبَبِ الانتقاص من مكانَتِهم الهامَّة.
عندما أنضمّ إلى مجموعةٍ جديدة، أُقيمُ في الحال تقييمًا للأشخاص. من
هو جَديرٌ أن أكونَ معه؟، ومن بإمكانِه جعلي أخسَرُ وقتي معه؟.
الأمر يبدو كما لو أنه ينحو بشكلٍ دوري، فأثناءَ الجلسَةِ المسائية،
يرتفِع منظاري العقلي، ويأخذ في استكشافِ الزوايا لكي أتفحَّصَ في أيِّ
حالٍ يخرجُ الجميع. ولكي أبحثَ عن الشخص الهامِّ الذي يَجعلُني غيابُه
أفتقِدُه!!
العِلاقات الحميمَة
الكلمة – المِفتاح في العِلاقَة هي "تحدِّي". فإن غاوٍ مُحَنَّكًا،
يحتاج إلى تحدِّياتٍ لكي يصيرَ مُلهَمًا في أوَجِّ مَلَكاتِه.
أذهَبُ دائمًا وراءَ الأشخاص الذين هم من محيطٍ اجتماعي صعب المَنَال،
أو أنَّهم عصيُّون على اللقاءِ بهم. وتكمُنُ الإثارة في الذهاب ضمنَ
هذا المسعى، وفي الشعور عمّا بوسع الأشخاص استخلاصه مني. وعندما أكون
إلى جانب أحَدٍ مثيرٍ إلى أقصى حدٍّ، فبِبَسَاطَة أشعُرُني بالانتعاش.
هو أمرٌ رائعٌ أن أشعُرَ بنفسي مُلهَمًا إلى هذا الحدِّ. وعندما
تكتسِبُ العلاقةُ قوّةً، فالأمر يكون مثل تيار من الأحاسيس والمشاعِر
يجري فيما بيننا، وليس لديه أدنى علاقة إزاءَ ما نحن في صدَدِ الحديثِ
عنه. والكلمات لا تروي، وإنما تملأ الفراغَ فقط.
تكمُنُ المُشكِلَة الكبيرة عندما يبدأ الشخصُ بحُبِّي، فأشعُرُ أنني
منحتُها خمسة بالمائة فقط مما كانَت تريد. وأصبِحُ تملُّكيًا بشكلٍ
هائلٍ للخمسة والتسعين بالمائة الباقية. ويبدو أنها لا تعرِفُني
إطلاقًا، وأبدأ الشعور بأنني سوف أفقد حرِّيَّتي إذا ما التزَمْتُ مع
إحداهُنّ، ولن يكونَ بوسعِها على الأرجَح قبولي بالكامِل.
يُظهِرُ "المانِحون" الأفضَلَ من ذوَاتِهم عندَ دخولِهم في علاقة
تَحَدٍّ. إنها حالَةُ احتِماء يلوذ إليها "المانِح" لأن بؤرَةَ
انتباهِه تكمن في كيفية الحصول على استجابة شريكٍ باقتدار، وليس في
إظهارِ نفسِه. إنهم يعرِفون التمَوْضُعَ أيضًا بطريقةٍ يكونون فيها
مُلاحَظين ومُندَمِجين في اللحَظاتِ المُناسِبَة أو الدقيقة من حياة
شريكٍ مُقتدرٍ، ويكونون على أهُبَّةِ الاستعداد عندما يتطلّبُ الأمر
مساعدةً ما. تكمن المرحَلَةُ الأكثَرُ إثارةً وحيويّةً لعلاقةٍ عندما
يبقى هناك عَقَبَاتٌ للتغلُّبِ عليها، وتأخذ مجراها مناوَرَة الاصطياد.
وعندما يكون شريكٌ صعبُ الوصولِ إليه، فإن "المانح" يحاول الاقتراب
متجاهِلاً واقِع أن مشاعِرَه الحقيقية منسيَّةٌ ومُستَبدَلَةٌ من خلالِ
جانِبٍ من الأنا يظهر لتلبيَةِ نداء التحدِّي.
بالنسبة لي، فإن تعبئة كل قواي إزاءَ أحَدٍ صعب المنال، يُساعِد في
إبقاءِ الفعلِ قويًّا. ويبقى موضوعُ اهتمامي على جهل بأن في داخلي
فسحةً من الفراغ. وبأنه لا يوجَدُ شيءٌ أتثبَّتُ فيه. يُبقي اصطيادُه
المشهَدَ حيًا. "دعني أُظهِرُ لك الأشياءَ الحَسَنَة التي لديَّ. دعني
أسلِّيك". ففي البِدَايَةِ لا أريدُ شيئًا إلا وأكون حبُّه على نحوٍ
أحتاجُ فيه لأن أكونَ فتاةُ أحلامِه فقط.
انتِقادٌ لاذِعٌ، وتذهَبُ فتاةُ الأحلام أدراجَ الرياح. يكفي أن
يتَّخِذَ "مركز اهتمامي" هيئة تَعبانٍ لِمِدَّةِ دقيقةٍ، حتّى أجِدُني
أنتقِلُ من "أَّيِّ رائعةٍ أنا؟" إلى "مسكينةٍ نفسي أنا فما من أحَدٍ
يُحِبُّني"، فقط لأن حبيبي لا يتَراءى بعد حتى النهاية. قد أكونُ
مُندَفِعَةً كثيرًا جدًا إزاءَ أمرٍ حصَلَ أثناءَ النهار، فأجِدُني في
الأعالي، ويكفي أن يُظهِرَ اهتمامَه بي، ولكنه إذا ما نقلَ لي أقلَّ
انطِباعٍ بعدَمِ الاهتمام، فإذاك تغادِرُ من النافِذة كُلُّ أحاسيسي
الجيِّدَة بسبب ما حصل.
بإنهاء تحدِّي العِلاقة، فإن انتباهَ "المانِح" يُغَيِّرُ وجهتَه من
كيفيَّةِ إرضاء الشريك إلى الإحساس بالكيفية التي يكون فيها هو نفسه مع
الشريك. وأحيانًا يكون "المانِحون" مكبوتين إلى حدٍّ كبير فيما يتعلَّق
برغباتِهم خاصَّتِهم لدرجَة أنهم يُعانون صعوبةً في التعرُّف عمَّا
يريدونه فعلاً، وعلى هذا النحو يشعرون بأنفسِهم مُقيَّدين بذلك الذي
يعتقِدُ الشريكُ أنه هامٌّ. وثمَّة إحساس بالصراع من أجلِ الحرية
الشخصية، وباستثمار جزءٍ من أنفسِهم فقط في العِلاقَة، وبتذكُّرهم
فجأةً كل الأجزاء الأخرى التي تُرِكَت تنتظِرُ دورَها على عَتَبَةِ
بوَّابَةِ النفس بمِقدارِ ما تكون العِلاقةُ قد اكتملَت.
تزوَّجْتُ ثلاثَ مرَّاتٍ، وعمليًا كنتُ شخصيةً مختلِفة في كل زواج.
إنني الآن وحيدةٌ باختياري، ولأول مرة منذ أربعة عشر عامًا، وأريد
العثورَ على نفسي بنفسي قبل أن أجازِفَ في عِلاقَةٍ أُخرى، فيتكرَّرُ
فيها سيناريو فقدانَ شخصيَّتي كليًا في حياةِ زوجي الجديد.
كان زواجي الأول مع موسيقي للروك: ثلاثةُ أبناء، وجماعةٌ، وبيتٌ فخم
على الطراز الڤيكتوري في حي هايت
Haight
في سان فرانسيسكو
San Fransisco.
وكان زواجي الثاني مع ناشِطٍ للحقوق المدَنيَّة، وكان يكرهُ الهيپيين.
عشنا وعمِلنا في بيتٍ حقير في جنوب البلاد، وكنا نحمِلُ حطبَ الوقود
والماء. ولم أكن أفكّرُ إطلاقًا في سان فرانسيسكو
San Fransisco
ولا في سيناريو الروك.
وكان زواجي الأخير مع رجلِ أعمال. حياةٌ جديدة بشكل كامل، مع أسلوب
مختلِفٍ كليًا. إن شخص الجنوب لم يعترِف بي كسيدة محترَمَة من سان لويس
Saint Louis
وأنا مُجبَرَة على الاعتراف بأن أفضل طريقةٍ لتذكُّرِهم جميعًا كانَت
من خلالِ أبنائي الذين كانوا معي في ذاكرتي سالمين عبرَ كل الحيوات
التي كنا فيها معًا.
لكي يقَوْلِبَ "المانِحون" شخصيَّاتِهم من خِلالِ أساليب الأشخاص
الآخَرين، فإنهم يتفاعلون لأجل ذلك معهم. إن "المانِحين" واعون دائمًا
لتعلُّقِهم بقبول الغَيْرِ لهم. وهُم ينزَعون في المراحل الأولى لعلاقة
يذوبون من خلالِها في رغبات الشريك. ولكن، ذاتَ مرَّة عندما تكون
العلاقة مضمونة، فالذوَبان هذا في التعلُّق بالشريك يبدأ يُعطي
انطباعًا باحتباس رَغَباتِه. وتكاد توجد دائمًا نقمة يجابِهُ من
خلالِها كلَّ ما يرغب به الشريك، تتغذَّى هذه النقمة من خلال اشتباهٍ
بارز بأن الحقيقي قد تم بيعه وتصفيته لكي يكسَبَ الودَّ وإرادةَ الشريك
الطيِّبَة.
يقول "المانِحون" إنهم يَشعرون على نحوٍ غاضِبٍ أنهم مُستقِلُّون
بذواتِهم أثناء المرحلة التي يُصارِعون فيها من أجل التحرُّر من علاقةٍ
تبدأ لتصبِحَ علاقة مُقيِّدَة إلى أقصى حدٍّ. فأثناء هذه المرحلة
يصبِحون متطلِّبين وغضوبين، وليسوا مستعدِّين لتلبية حاجات الشريك.
فثمَّة رغبة لإعادة تنشيط اهتمامات الأنا المنسي، وممارسة نشاطات يجدها
الشريك مشوِّشَة فيهرُبُ من خلال الباب الخلفي للعلاقة إلى حالات أخرى
من الحب.
من الإيجابي، إذ يصبح "المانِحون" ملتزِمين بالعُمق على المُساعَدَة في
جعل أفضَلِ سِماتِ الآخَرين المُمَيَّزَة مُفعَّلَةً بالقُدرة. "عندما
أكون مع أشخاصٍ متطوِّرين، فإنهم يوقِظون أفضلَ ما فيَّ". إنهم يعرِفون
وضعَ الأهداف والاستراتيجيات بوضوح لمساعدة الشريك في تحقيق نجاحِه.
من السلبي، إذ يصبِحُ "المانِحون" حرَّاسًا للشريك، في حال كانَت لديهم
حاجَةٌ كبرى للحفاظ بالسيطرة على العِلاقَة: "إن نجاحَه هو (أو هي)
يتعلّق بحُبِّي". إن عطاءً مُفرِطًا يفصِحُ عن رغبةٍ ضمنية في إخصاء
وجعل الشريك قابلاً للسيطرة عليه. لديه صعوبة في قطع العلاقة بسبب
الحاجة في أن يُرَى كـ"مانح" فعَّال، والشريك محبوب جدًا.
مثال عن علاقة زوج:
"الاثنان" و"السبعة"، "المانِح" و"الأبيقوري"
يدعَمُ "المانِحون" الحسَّ الرفيع لـ"تقدير الذات" عند "الأبيقوري"،
وسيَزدهِر الزوجان على أن تكون كلاً من الأهداف الشخصية منسجمة مع
أهداف الآخَر. ويستطيع "المانِحون" تكريسَ أنفسِهم لمشاريع
"الأبيقوري"، والاندماج مع الاستثارة والتفاؤل اللذين يقودهما
"الأبيقوري" إلى خانة اهتماماتهما. وسيعمَلُ "المانِح" على مساعدةِ
وتفعيلِ ملَكَات الشريك بالقدرة، وانسجامِه مع عقيدة "الأبيقوري" التي
يتوجَّه فيها الزوج إلى مرحلةٍ مستقبلية من الزمن حيث يستمتعون
تمتُّعًا كامِلاً بمشاريعِهما المُشتَرَكَة. ومن المُرجّح خرُوجُهما
سويةً غالِبًا، ويُقدِّمون صورةً شعبيةً ذات ذوقٍ حسَن، ويتقاسمون
أفضلَ ما هو موجود من الترويح عن النفس، والمشاركة في الأحداث الهامة
الجارية.
وسوف يعرِف كلا الشريكين كيف يمنحان فسحةً للاهتمامات الشخصية.
فـ"الأبيقوريون" مُتمركِزون بشكلٍ أساسي حول الأنا، وقلِقون إزاء
مشاريعِهم الخاصَّة. ويقومون بما يرضيهم سواءً كان أحدٌ معهم أم لم
يكن. وهذا سوف يتيح لـ"المانِح" كل الوقت في العالَم لكي ينضمَّ
لـ"الأبيقوري" بقصد القِيام بأمرٍ هام، ومن ثمَّ الانطلاق لتلبية
الاهتمامات التي لا تُحصَى لأنِيَّتِهما. وربما يشعر "المانِح" أنه
مُهَدَّد بسبب استقلالية "الأبيقوري"، وتلقِّيه الانتباه وَسَطَ
العامَّة. فإذا ما طُمئِنَ بأن "الأبيقوري" لا يقوم بمغامرات عاطفية
خلال الوقت الذي يكونان فيه مبتعِدَيْن، فلسوف يتواجد التزامٌ
مُتبادَلٌ بالحرية. وما من أحدٍ منهما سوف يشعر بنفسِه مقيَّدًا،
وكلاهما سوف يكون لديه السرور في أي اهتمامات خارجية يعتقِدُ الآخَر
بأنها جذَّابَةٌ.
كلا الطرفَيْن إغوائيَّان بشكلٍ طبيعي، فـ"المانِح" غاوٍ بطريقةٍ
أكثَرَ وضوحًا، ولكنَّه أقل نزوعًا للذهاب حتى النهاية. أما
"الأبيقوري" فهو أقلُّ انفتاحًا، ولكنه أكثر نزوعًا لأن تكونَ لدَيْه
مغامراتٌ عاطفية عَرَضيَّة. كلاهما يقدِّران الانتباه والإيحاء
الجنسيِّين، وكل منهما قادِرٌ على الشعور بثمة غرور في معرفة إذا ما
كان للآخَر شُرَكاء مُقتَدِرين تحت تصرُّفِه. وذات مرّة يحدِّد الزوج
مستوى مغازلة مقبول لكليهما، فسيكون بوسع الزوج قِيَامه بالتزامات
خاصَّة بالنسبة لنوعياتٍ من الانتباه الخارجي الذي يحتاج إليه كلٌّ
منهما.
سيكون لدى كلا الشريكين إمكانيات محدودَة بالنسبة لمعاشرة حميمة
مستمرة. وسيَرغَب "الأبيقوري" بإخماد (صدِّ) أيِّ شعورٍ عميقٍ بعيدِ
المَدى، فيعثر على أشياء أخرى للقيامِ بها، وسيَبدأ "المانِح" بالشعور
أنه مُسَيطَرٌ عليه. فمن المُمْكِن للـ"أبيقوري" في ابتعادِه عن
الحميمية جَعْل "المانِح" يبتغي التقرُّبَ منه، ممّا يُبقي الزوجان
متَّحِدَيْن، وإذا ما أراد "المانِح" الخروج من العِلاقَة، فإن
"الأبيقوري" سيتوجَّه أيضًا إلى خيار الاختفاء من العلاقة. إنه
لمُستبعَدٌ أن يحصلَ انقطاعٌ للعلاقة بسبَبِ غِيَابِ الرومانسية أو
أشياء هامَّة للقِيَامِ بها. إن العِلَّة الأكثر ترجُّحًا ستكون في
رغبة "المانِح" أن يكون الأكثَرُ مركزيَّةً في حياة الشريك، بإظهارِه
لغضبِه، وبتحوُّلِه إلى شخصٍ انتقادي، أما "الأبيقوري" فينتظِر أمرًا
يكون وقعُه أكثَرَ خفَّةً، ويرغب في أن يعود "المانِح" إلى حسِّه
الجيِّد. وسوف ينظُرُ "المانِح" إلى "الأبيقوري" على أنه طائش
انفعاليًا، و"الأبيقوري" بدورِه سوف ينظُرُ للـ"المانِح" على أنه
مُضجِرٌ عاطفيًا.
يُحِبُّ "الأبيقوريون" أن يُصغَى إليهم، وأن يُشبَعوا بتلقِّيهم هذا
النوع الودود من الانتباه على أن يستمرَّ "المانِح" بانسجامِه مع أهداف
"الأبيقوري". فإذا ما امتصَّ "المانِح" بشِدَّةٍ كبيرة منظورَ الشريك،
وفيما بعد حاوَلَ قِيَادَةَ "الأبيقوري" حاثًّا إياه إلى مجرى آخَر
للفعل، فإن "الأبيقوري" سوف يبتعِد، ويُصبِح إنسانًا كتومًا أو سوف
يستنبِط تكتيكاتٍ متنوِّعَةٍ لكي يَخرُجَ "المانِح" من أولويات
"الأبيقوري" الحقيقية. وإذا ما بدأ "المانِح" بتكتيكات الضغط بهَدَفِ
الحصول على انتباهٍ أوسَع، والحصول على نتائج مشاريعِه في الحال، أو أن
يحظى بوقتٍ أكبَر لاهتماماتِه الشخصية، فـ"الأبيقوري" سوف يبتعِد
مُجدّدًا، ويُصبِحُ كتومًا، ويستنبِط اهتماماتٍ متنوِّعَة لكي يتجنّبَ
"المانِح".
صيغةٌ أخرى لأزمَةٍ خطيرة يمكن نشوؤها في حال بدأ "الأبيقوري" شعورَه
بأنه مُقيَّد، فإذَّاك يصير مراوِغًا، أو يتخلَّى عن تجاوبِه إزاء
الصورة التي كوَّنَها "المانِح" عنه كشريكٍ ذي مكانة. وعندما يُحبَطون،
ينزَعُ "المانِحون" إلى التهَافُت للتلاعب، الأمر الذي يُدرَكُ من
قِبَلِ "الأبيقوري" فيؤدّي ذلك إلى فقدان الثقة. ويروي "المانِحون"
التلاعبات التالية، والتي تحصَل بشكلٍ طبيعي عندما يشعرون بأنهم
مُحتقَرون في علاقة: ازدواجية المعايير – "كنتُ جيِّدًا (جيِّدَة) معك،
وكان عليك أن تبقى وفيًا لي، ولكنك تجاهلتَني كثيرًا لدرجة أنك دفعتَني
للبحث عن الحب في مكانٍ آخَر". "اختبارات – "أظهِر لي أنك تهتم بي
بإكمالِك أولاً التزاماتي. إفعل هذا، إبحث عن ذلك". حالاتٌ روحية –
"إفهمني. فأنا لن أُعبِّرَ عن ذلك، ولكن عليك أن تبقى قريبًا وتحزر".
نوبات من الغضب – ينبعث الغضب لواقع تجاهله أو تجاهلها.
علاقة النقطة "اثنان" مع السلطة:
ينجذِبُ "المانِحون" للقدرة، ويريدون أن يكونوا محبوبين من خلال أشخاصٍ
ذوي مكانة. ويدركون بشكلٍ جيِّدٍ جدًّا التعرُّفَ على ناجحين مقتدِرين.
ويضَعون أنفسَهم كمساعِدين لهم في نقاطٍ استراتيجية لعملِ الزعيم.
ويفهمون المرتبةَ الخاصَّةَ بهم، ودرجةَ احترام الأشخاص فيما بينَهم،
ويتركون أنفسَهم يُستهلَكون من خلال الميول الرائجة وَسَطَ الجماعة. لا
يُقِرُّون بحاجتِهم لشيءٍ ما من السلطات ويريدون مدَّ يدَ المُساعَدَة،
ولكن في الوقت نفسِه، هم متطلِّبون كثيرًا لحضور ونصائح هيئة مسؤولَة.
ومع مرور الوقت، فإنهم سوف يستخلِصون فوائدَ من المرتبة الخاصَّة بهم،
ولكن أعظمَ فائدة ستكون دائمًا الإبقاء على علاقة حميمة مع نُخبَةٍ من
السلطة.
تختلِط شخصياتُ "المانحين" مع سلطةٍ يتكيَّفون فيها مع ما يعتبِرُه
الزعيم مرغوبًا. وبالرغم من أنهم يملكون الملَكات الضرورية للزعامة،
فـ"المانِحون" يفضِّلون عمومًا أن يكون مقامُهم باهتًا، فمثَلاً يكون
"المانح" رئيس وزراء عِوَضًا من أن يكون ملِكًا. ففي هذه الوضعية
الاستراتيجية، يُحقِّق "المانِحون" شعورَهم بأمانِهم الخاص من خِلالِ
ارتقائهم للقدرة السلطوية. فيحمون السلطة، وهكذا يضمن "المانِحون"
مستقبلَهم الخاص. وفي الوقت نفسِه يفوزون بالحب. إن العثور على "مانح"
في وظيفة حكومية لا شعبيةً تُذكَر لها، إنه لأمرٌ نادِر إلى أقصى حد،
ما لم يوجَدْ تحالُفٌ أيضًا مع مصدَرِ القُوَّة.
لا يفقُدُ "المانِحون" وقتَهم القيِّم في عِلاقةٍ مع سُلُطات مأمورة.
إن ردَّ الفعل تجاهَ مُراقِبِ محطَّةِ سيَّارات، أو تجاه سكرتيرة رجُلٍ
هامٍّ، يكون أولاً في المحاولة بالتلاعُب من خلال المُدالَسَة، أو
بواقع أنه "معروف". وهذا الأمر لا يعطي نتيجة، فتكمُنُ المشكلة في
المرور فوق السلطة المأمورة، وسيتقدَّم "المانِح" بعزمٍ إلى الخطِّ
الأمامي. ويَكمنُ ردُّ الفعل تجاه سلطةٍ عِقابية أو لا مبالية من
خِلالِ العمل خلفَ الكواليس على تجريد القدرة لصالحِ منافِسٍ يُدرِكُ
على الأرجح كيف يُقدِّر بشكلٍ أفضَل تعاوُنَ "المانح".
من إيجابياتِهم، أن يُبصِرَ "المانِحون" القُدُرات التي يتمتَّعُ بها
الأشخاصُ الآخَرون. فهم مُستعِدون للعمَل على تبادل مكافآتٍ مادية
صغيرة إذا ما كانَت نوعية الاتِّصال الإنساني جيِّدة. كما أنهم قادِرون
على الذهاب باتجاه الآخَرين، وجعلِهم يشعرون أنهم على طلاقتِهم،
وجعلِهم يزدهِرون. والشعور بحنوِّهم تجاهَ عُنصُرٍ غريبٍ عند إدخالِه
في الجماعة. وهم قابلون للتكيُّف في أيِّ وَسَطٍ مُحيط، إنهم
اجتماعيون، كما يجعلون الآخَرين لطفاءَ المعشَر.
من سلبيَّاتِهم، أن لدى "المانِحين" نزعةٌ للتلاعُب بالآخَرين من خلال
تملُّقِهم. فالأشخاص يُنظَرُ إليهم إما على أنهم يستحقُّون الدَّعمَ أو
على أنهم غير مستحقِّين للانتباه. وهم تنافسيون مع أمثالِهم أو مع
زملائهم من أجل أولئك الذين "يستحقون العناء". يَغوون المتفوِّقين،
ويترفَّعون على من هم أدنى منهم.
علاقة تراتبية نمطية بين النقاط المترابِطَة:
"الاثنان" و"الثمانية"، "المانح" و"صاحِبُ العمل"
إذا كان "الاثنان" (المانِح) هو الزعيم، فثمة مظهَر بأن القرارات
تُتَّخَذ باستقلالية، ولكن سوف توجَدُ صِلَةٌ للآراء، ولحُسنِ اِلتفات
الأشخاص الهامِّين في المضمار نفسِه. و"الاثنان" (المانِح) الزعيم سوف
يَعمَلُ بأداءٍ مكافئ للتقدير الحميم الذي يتلقّاه من الأشخاص الذين
يعنون له الشيء الكثير، وكذلك الأمر بالنسبة للأرباح المادية التي
يجنيها.
حتى في أفضَلِ ظروف العمَل، فإن "الاثنان" (المانِح) يميلُ إلى إظهار
تناوبٍ بالأهداف على قدر ما يختلِط الانتباهُ مع الأولويات
المُتبايِنَة، والمتمثِّلَة في أيِّ قرارٍ هام. فـ"الاثنان" (المانح)
رئيس العمل سوف يغيِّر من مزاجِه أيضًا، وأحيانًا سوف يبتغي تقديرَ
المُوَظَّفين له، وأحيانًا أخرى سوف يشعر بنفسِه مُضطهَدًا من خلالِ
طريقةِ مثولِهم أمامَه. وسوف تكون الحالاتُ الروحية لـ"الاثنان"
(المانِح) غير منتظَمَة، وهي أو هو سيكون لديه نزعةٌ لنوبات غضَبٍ
تُنسى على الفور من قِبَلِها أو من قِبَلِه نفسِه، ولكن ليس بالضرورة
من قِبَلِ المُوَظَّفين. فـ"الاثنان" (المانِح) رئيس عَمَل لديه أيضًا
نزعَةٌ لتشكيلِ دائرة مُغلَقَة من العِلاقات مثل "أولئك هم مِلاكي
الشخصي من الموظَّفين الذين يفهمونني".
ينزع "الثمانية" (صاحِب العمل) موظَّف إلى رؤية قَلَق "الاثنان"
(المانِح) مع أشخاصٍ هامِّين كشكل من ضعفٍ واستسلامٍ لقدرة الغير.
وسيرغب "الثمانية" (صاحِبُ العمل) معرِفَةَ موقِعِه في المؤسَّسَة، وأن
تكونَ مبادئ السلوك عنده غير قابلة للخرق، وأن تُمارَسَ عقوباتٌ
بطريقةٍ عادِلَة ومتساوية. وإن أي "امتياز" خاصٍّ للـ"زعماء" وللرجال
الهامِّين، وللحاشية الصغيرة المُفَضَّلَة للرئيس، يؤول إلى تفنيدِه مع
تنديدٍ عَلَنيٍّ كامِلٍ، وبالأخصِّ إذا لم يُزوَّد "الثمانية" (صاحِبُ
العمل) بالمعلومة أو شَعَرَ بنفسِه على صورةِ حاشيةِ الرئيس الصغيرة.
سوف يريد "الثمانية" (صاحِبُ العمَل) الدخول إلى المحيط الداخلي ولديه
بشكلٍ عامٍّ وعيٌ بشعورِه بعدَمِ فائدَةِ الدخول بعِلاقةٍ مع أشخاصٍ
اجتماعيًا أكثَرَ جاذبيّةً، وأكثَرَ دبلوماسية. يحاوِل "ثمانية"
(صاحِبُ العمَل) حسَبَ العادَة الدخول في المحيط من أجل هجومٍ تجابهي،
وهي أو هو سوف ينزعون إلى استقطاب أعضاء المحيط إلى مجموعتين، واحِدةٌ
من أولئك الذين يتَّفقون مع "ثمانية" (صاحِبُ العمل)، أو الأخرى وهم
أولئك الذين لا يتّفِقون مع "ثمانية" (صاحِبُ العمَل). وإذا كان
المُوَظّف "ثمانية" (صاحِبُ العمَل) مرفوضًا، فلسوف يتواجَدُ تصريحٌ
قصيرٌ غاضِبٌ من تباعُدات، وسوف يستغرِق "ثمانية" (صاحِبُ العمَل) في
صمتٍ كالصخر، فيشعر بنفسِه أكثر أمانًا لاتِّخاذِه مواقِف، وتحديدِه من
هم الأصدقاء ومن هم الأعداء.
يمقُتُ "أصحاب الثمانية" (أصحابُ العمَل) الشعور بأنهم مُبعَدون من أي
مجموعةٍ خاصّة، ويُفَضِّلون أن يكونوا في مركز السيطرة. وهذا يجعَلُهم
في وضعٍ مُزعزع في علاقتِهم مع رب عمل قادِرٍ على استخدام التملُّق لكي
يجعل "الثمانية" (صاحِبُ العمَل) يشعر بنفسِه كمستشار ضمن محيط داخلي.
وإذا شعر "أصحاب الثمانية" (أصحابُ العمَل) أنهم مقبولون وهامُّون فمن
المُمكِن أن يُفتَنوا بسهولةٍ في العمل إلى ما هو أبعد من نداء
الواجِب. فـ"أصحاب الثمانية" (أصحابُ العمَل) هم أيضًا عميانٌ جدًا
إزاءَ الفروقاتِ الاجتماعية بالنسبة لـ"عدم الاصطياد"، والتي تُستخدَم
للقيامِ بصِراعٍ من أجل صِراعاتِ شخصٍ آخَر، أو لكي يتثبَّتوا داخِلَ
المؤسَّسَة كأحدٍ دنيء صلبٍ، بوسع رب العمل فصله في أي وقت.
إذا كان "الاثنان" (المانح) رئيسَ عملٍ ذكيٍّ، فلسوف يجعَلُ الموَظّف
"ثمانية" (صاحِبُ العمل) يتولَّى قطاعًا صغيرًا داخِلَ المؤسَّسَة.
وعلى هذا النحو يتمكَّن "الاثنان" (المانح) من احتفاظِه بالسيطَرَة
الظاهرية، وسيتمكَّن من التكلُّف باستراتيجية عامَّة، وذلك منذ أن
يوقِف "الثمانية" (صاحِبُ العمل) السيطرة على منطقة خاصَّة، ويكونَ
حرًّا لتنفيذ المشاريع بدونِ تدخُّلٍ، وبدونِ إشراف الزعيم. "أصحاب
الثمانية" (أصحاب العمل) يغترُّون بأنفسِهم كثيرًا بجعلِ إدارتِهم
الخاصَّة تعمَل، وهم أكثَرُ تسامُحًا مما نتصوَّر بالنسبة لسلوكيات
الغير إذا ما كانَت حدود القدرة محدَّدَة بوضوح.
إن عِلاقةً متبَادَلَةَ الاحترام سوف تنبعِث فيما إذا استطاع "الاثنان"
(المانِح) مواجهَةَ الموظّف "ثمانية" (صاحِبُ العمَل) علانيَةً. وكلا
النمَطَيْن يُحِبّان صِراعًا جيّدًا، وكل منهما قادِرٌ على فهم رغبةِ
الآخَر بالسيطرة والقُدرَة. وستقود مجابهةٌ ومنافسةٌ مفتوحَتَان إلى
حلولٍ إنتاجية، على أن يكون التنافسُ علانِيَةً. ومن جِهَةٍ أخرى، إذا
بقِيَ "الاثنان" (المانِح) مُتخاذِلاً، أو بدأ بتلاعُبِه في آراء
الغير، فسَوفَ يشعُرُ "الثمانية" (صاحِبُ العمل) بالخِيانَة، وقد
يُصبِحُ غيرَ مُتعاوِنٍ علَنًا، مؤدِّيًا بذلك إلى ثورة في المكتب، أو
أنه يُغادِرُ العمَل. والشكلُ الأكثَرُ أمانًا لإزعاج "الثمانية"
(صاحِبُ العمَل) في مناقَشَةٍ مفتوحَة هو التراكض إلى تجريدِه من
منصِبٍ رفيع. "أصحاب الثمانية" (أصحابُ العمَل) هم فظُّون على نحوٍ غير
اعتيادي، وعميانٌ جدًا بالنسبة لفروقات التقديم الشخصي عندما يكونون
مُركِّزين على القِيام بمُلاحَظَةٍ هامَّة. وإذا تصرَّفوا كما لو أنهم
مُحرَجون، أو يشعُرون بتلقِّيهم تنازلاً، فإنهم يُصبِحون مُغتاظين وغير
مرنين. أن يَعرِفَ بهذا، فإن "اثنان" (المانِح) قد يحمِل المُوَظَّف
بتصميم على أن يظهَر كالمعتوه أو خارِجًا عن طَوْرِه، مُجْبِرًا إياه
على تقديم استقالتِه أو عدولِه عن العمل.
وإذا كان "الاثنان" (المانِح) مُوَظَّفًا، فهي أو هو سوف يفهَم على
الأرجَح حاجات ربِّ العمَل للسيطرة، وتبيانًا إجماليًا وانفتاحًا من
جِهَةِ المرؤوسين. وإذا كان "ثمانية" (صاحِبُ العَمَل) هو رب العمل
فإنه يُدرَكُ كمصدَرٍ لقدرةٍ تحمي، و"الاثنان" (المانِح) يُصبِح ذراعَه
اليُمنى، ويَتوَلَّى مسؤوليَّاتٍ كثيرة، ويَجعَلُ المؤسَّسَة تعمَل
بدونِ عَقَباتٍ، ويُقَدِّمُ الحِسابات لربِّ العمَلِ وحدَه.
"أصحاب الثمانية" (أصحاب العمَل) هم بشكلٍ خاصّ مُسَيطِرون إذا ما
وَجَدوا أنفسَهم مُتعلِّقين بأداء الأشخاص الآخَرين، وعلى الأرجَح سوف
يقومون بتفتيشٍ دون إخطار أحد، وسوف يؤكِّدون على الرقابة، فيصيرون
مُزعِجين إلى أقصَى حد بالنسبة للضرورة المُلِحَّة لقوانينٍ تافِهَة.
وسوف تُعرَض القوانين القضائية بشكلٍ صارِمٍ، وبالتالي يجري الإخلالُ
بها على نحوٍ استبدادي من قِبَلِ ربِّ العمَلِ نفسِه، وذلك كوسيلةٍ
لإثبات ربِّ العمَل نفسِه على أنه فوقَ القوَانين. وقد يوضَعُ
العُمَّال بعضهم ضدَّ البعضِ الآخَر، وذاتَ مرَّة، يقوم رب العمل بأقل
ما يمكن من التحيات للمستخدَمين، وعلى العكس سوف يتجه إلى إيعاز
اتهامات لهم علانيةً.
وإذا كان المُستخدَم "اثنان" (المانِح) هي أو هو يُوَجِّه انتباه رب
العمل إلى نطاقاتٍ من الاهتمام الحقيقي كطريقةٍ يُشبِع من خلالِها
حاجات السيطرة لـ"الثمانية" (صاحِبُ العمَل)، فسوف يستطيع جعل رب
العمَل يتوقَّف عن إزعاج فريق العمل. وإذا أُبقِيَ ربُّ العمل على
اطِّلاعٍ بما يجري كامِلاً، وإذا تمَّ تحذيره بالنسبة إلى مجالاتٍ ذات
تهديدٍ حقيقي للعمَل، فلسوف تكون خطوط المجابَهَة مركَّزةً على بؤرةٍ
واحِدَة بشكلٍ واضِحٍ. ويَعبُرُ بفَرَح إلى وضعية الزعامَة
المُقتَرَنَة برغبةٍ وُلِدَت مُجدَّدًا لأجلِ حماية مِلاكِ
المُوَظَّفين.
قد يُشارِك "الاثنان" (المانحون) مع أرباب العمل، عملَهم مستخدِمين
ظرافاتِهم الاجتماعية المتفوِّقَة لاكتساب منفَذٍ إلى معلوماتٍ خاصَّة.
وسوف يرى "الثمانية" (صاحِبُ العمَل) القليل الاستنباط في ذلك فائدة،
وكما لو كان رب العمل سديد الرأي، ويقدِّم الحماية والمكانة المرموقة
للموظَّف. وإذا بقِيَ ربُّ العمَل أسيرًا لسوء الظن بأنه سوف يقَعُ في
أيدي الأشخاص الآخَرين، وإذا أكَّدَ على نحوٍ دوري مُطالِبًا "الاثنان"
(المانح) بالسيطرة، فلسوف ينزَعُ "الاثنان" (المانِح) إلى اختلاق
الإطاحة به، مدعومًا بزعيمٍ آخَر في المؤسَّسَة.
أجواء جذابة
تتضمّن الأجواء الجذّابَة أيَّ وضعٍ يتطلّب مساعدة، أو مركزًا يُساعِدُ
على شراكَة مع زعيمٍ قوي. إنه مُخلِص إلى درَجَة متطلِّبَة
Groupie
لفنَّان روك. المرأة أو الرجل هو الذراع اليُمنى التي تعطي النصائح
للرئيس. سكرتيرة الرئيس التي تجعَل الشرِكَة تعمَل.
إنه مُدافِعٌ عن المُهمَّشين، ومتطوِّع في سبيل قضايا اجتماعية.
والمِهَن الإعانيَّة جذَّابَةٌ أيضًا.
حالات حب مثلَّثية. فالآخَر والأخرى. موظَّف مع إيحاءات جنسية. اختصاصي
تجميل ومكياج، ونجم فني، ومستشار للألوان.
أجواءٌ غيرُ جذَّابَة
تتضمّن الأجواءُ غير الجذَّابَة مُوَظّفين لا يقومون بإظهار القبول.
فعلى سبيل المثال، من الصعوبة بمكان أن يُعثَر على فتاةٍ "اثنان"
(مانِح) تعمل في مؤسَّسَة لجِبَايَةِ الضرائب، إلا إذا كانت مُغرَمَة
بالرئيس.
المانحون المشهورون
مادونا
Madona،
امرأة تحمِلُ صورةً جنسانية بشكلٍ فاضِح، ظهرَت لأوَّل مرة على غلاف
قرص تسجيل
Like A
Virgem.
وإلڤيس پريسلي
Elvis
Presley–إليزابيت
تايلور
Elisabeth Taylor–
جيري ليڤيس
Jerry
Lewis–
دولي پارتون
Dolly
Parton–
مريم المجدلية
Maria
Madalena.
كيف يعيرُ"المانح" انتباهَه
يتركَّز انتباهُه من خلال عادَة التدفُّقات الانفعالية تجاهَ أشخاصٍ
آخَرين يَعنونَ الكثيرَ له، ويتوجَّه انتباهُه من خِلالِ رغبتِه بأن
يصيرَ موضوع حبٍّ لهؤلاء الأشخاص. وعلى مستوى الإشارات الجسمانية، فمن
المُمكِن أن تعنيَ شيئًا، فيقوم بالمُراقَبَة لكي يرى من هو الشخص الذي
يعيرُه الشريك انتباهَه، أو لكي يرى إذا كان هو أو هي يبتسِم أو
يُكشِّر وجهَه عندما يستحضِر ذكر مبحثٍ نوعي إلى المُحادَثَة،
ويُحاوِلُ إذَّاكَ التواحُدَ مع هذه الاهتمامات بطريقةٍ تُرضي الآخَر.
يُصَرِّحُ "المانِحون" بأنهم يكتشِفون أنفُسَهم على مستوى آخَر من
الإدراك فيُغيِّرون أنفُسَهم لكي يصيروا ذاك الذي يبتغيه الآخرون،
وبدون أن يكونَ لدَيْهِم وعيٌ لأدنَى تعبيرٍ على الوجه أو في السلوك
الذي كانوا قد قاموا به في تغيير تقديمِهم الشخصي لذواتِهم.
ويُصَرِّحون أيضًا بأنه عندما يُجذَبُ انتباهُهم إلى أحدٍ ما، فإنهم
يكتشِفون ذواتَهم متكيِّفين مع ما يتخيَّلونَ على أنه الرغبات الأكثَر
عُمقًا لذلك الشخص. وإن عادتَهم بالتوافق مع رغبات آخَرين يعني أنه
بمقدورِهم أن يصيروا النموذج الأصلي لما يعتقِده الآخَرُ أنه مرغوبٌ.
أبدأ الشعور بالذعر من أن أُرفَض. وما على المرء أن يقوم به لكي لا
يُرفَض إطلاقًا هو أن يكون ذلك الشخص الذي يريدُه الآخَر. فأن نتعلَّم
النظَر إلى غريب، وأن ندرِك بأننا ذلك الشخص، وإذاك ندخل شيئًا فشيئًا
في هذا الشعور. وقد يحصل ذلك في الشارع حيث أكتشِف انجذابي تجاهَ
أحَدٍ، ويكفي تركيزي على تكافُؤ كلينا.
الأمر في الحميمية، هو الأكثَرُ شِدَّةً جدًا. إنه كما لو أن كل ما
تريد أريدُه أنا أيضًا. وكل ما ترغَبُ به هو رغبتي أيضًا. وإن كل ما
تريد في مصطلحات الجنس يمكِنُكَ تحقيقه معي. وعندما تبدأ هذه الكيمياء
بالعمل، فهي الشكل الأكثَر رَوْعَةً للحميمية. ولكن عندما أشعر كما لو
أنني واقِفٌ في زاوية الشارع عبثًا. أستدعي المشاركة في حياة شخصٍ
آخَر، فقط لأنني أشعر باللاأمان في ذلك اليوم. وإذاك فكل فِكرةٍ تأتيني
بأن أُضيعَ نفسي في هذا الشخص تكون بمثابة عبء بالنسبة لي.
بما أن الانتِباهَ يتركّزُ خارجيًا فيما يرغَبُ به الآخَرون، فثمَّةَ
غياب مُنتظَم للانتِباه بالنسبة للحاجات الشخصية. ومن منظورٍ نفسي،
فهذه الحاجات المكبوتة تُشبَع بمُساعَدَةِ الآخَرين على أن يعيشوا
حياةً قد يُحِبُّ "المانح" مشاركتَهم بها. يُمكِنُ لـ"مانِح" أن
يُساعَدَ في العلاج بالتعلُّم ليس التعرُّف فقط على حاجاتِه الشخصية،
وإنما أيضًا على ترسيخ حسٍّ ثابِتٍ للأنا الذي لا يتغيَّر من أجل إشباع
حاجاتِ الغير.
من وُجهَةِ النظَر العمَليّة للانتباه، قد يتعَلَّمُ "المانِحون"
التدخُّل في عادتِهم للإدراك وتوجُّس إشارات القبول الصادِرَة من
قِبَلِ أشخاصٍ آخَرين، وتحييدَ الانتِباه تِجاهَ أشخاصٍ آخَرين،
وإعادَة تبئيرها في نقطةٍ مرجعيَّةٍ داخِلَ الجسمِ ذاتِه. ومع
المُمَارَسَة، سوف يُدرِك "المانِح" كيف يتعرَّف على الاختِلاف بين
بقاءِ مشاعره الخاصَّة حاضِرة، ويسمَح بخروج بؤرة انتباهِه من اتِّجاهِ
الآخَرين.
الحرية كسِمَةٍ مُمَيَّزَة للعقل الأسمى
غالِبًا ما يُؤدي تحييدُ الانتِباه داخِليًا إلى الكثير من القَلَق
لـ"المانِحين". وبالرغم من أنهم يملُكون فُرَصًا أكثَرَ للتعرُّفِ على
حاجاتِهم الخاصَّة عندما يكونون قادِرين على إعارَةِ انتِباهٍ ما إلى
أنفُسِهم، وتحييد الانتِباه عن أشخاصٍ آخَرين، يقطَعُ دابِر عادَةٍ
يضمنون من خلالِها الشعور بالأمان الانفعالي. فعمومًا يُصرِّحُ
"المانِحون" عن خوفِهم من عدم إيواء داخلهم أي أنا حقيقي، ويخشَون
امتلاكَ ثقبٍ أسوَد في البطن حيث لا يعيش أحدٌ في داخلِه. إلا أن
مشاعِرَهم الحقيقية تبدأ بالظهور عندما يتم تحييد الانتِباه عن
الآخَرين. فليس بالضرورة أن يكونَ شعورُهم بالأمان مُرتبِطًا بإرضاءِ
الآخَرين.
قد يُصبِحُ "المانِحون" معتادين جدًا على التيقُّظ تجاهَ ما يريدُه
الآخَرون، كما أنهم لا يُدرِكون واقِعَ معاناتِهم لعواقِبِ المُساعدَة
التي يُقَدِّمونها. ويتعرَّفون على تعلُّقِهم بالآخَرين في مُناسبات
يتوَجَّبُ عليهِم التصرف فيها وحدَهم. فالقيامُ بفعلٍ مستقل قادِرٌ على
التسبُّبِ لهم بانقباضٍ هائل للنفس. سيَّما إذا كان الفِعلُ ضد
رغَبَاتِ أحَدٍ قد يرغَبُ "المانِحٌ" في إرضائه. ولكي لا يوافِقَ على
رغبات شخصٍ مفضَّلٍ عندَه، فإن "مانحًا" يشعر بأنه يجازِفُ بالتضحية
إلى الأبَد بحبِّ الشخص الآخَر.
يقولُ الكثيرُ من "المانِحين" إنه أكثَرُ سهولةً بالنسبة لهم أن
يُدرِكوا عمّا يشعُرون به عندما يكونون وحيدين مما هم عليه عندما
يكونون مع أحَدٍ ما يشعرون باتِّصالِهم معه. ويعتبِرون كواجِبٍ لهم أن
يتعلَّموا تذكُّرَ ما هي حاجاتُهم الخاصَّة، وفي الوقتِ نفسِه، أن
يكونوا قادِرين على إدراكِ التوجّس إزاءَ ما يريدُه الآخَر.
عندما انتهى زواجي الثاني، انتقلتُ لكي أقيم عند سفوحِ الجبال بعيدًا
جدًا، وذلك مع فكرة اكتشاف ما أريدُه فِعلاً من الحياة. كان الأمر كما
لو أنني لستُ موجودةً لعَدَم وجود زوجي الآن قريبًا مني طوالَ الوقت.
كان الأمر مُربِكًا ومرعِبًا أن يتعيَّنَ عليّ البقاء وحيدةً مع نفسي،
وأن يتوجَّبَ عليّ اتِّخاذ القَرار عما أفعلُه لكي أقوم برفقةِ نفسي
طوالَ اليوم، والقيام بمواجهة الثقب الفارغ في منطقة البطن عندما كنتُ
أحاول التأمُّلَ. كان لديَّ شعورٌ بالذُّعر في أن يكونَ ذلك الثقب
عبارة عن بئرٍ لا قعرَ له، ومن أنه مهما حاوَلتُ الانتماءَ إلى نفسي
فلن أعثُرَ على أحَدٍ هناكَ في الداخِل.
في النهاية اكتشَفتُ المرأة التي في داخلي، وعثَرْتُ على إيقاعي،
وتعلَّمْتُ كيف أعطي لنفسي ما كنتُ أريدُه. وعشتُ هناك لأكثَرِ من
ثلاثِ سنوات، وفيما بعد عدتُ إلى المدينة وعاوَدتُ مُزاولَةَ حياتي
القديمة. وكان إحساسي الأكثَر مفاجأةً بعودتي للعيش مع الأشخاص هو
امتلاكي ليقينٍ تام مما كنتُ أريدُ عندما أكونُ وحيدةً، بل كان يكفيني
النظر في عمق عين شخصٍ وكان بإمكاني اكتشاف اتصالي القوي بما كان يشعر
لدرجة أنسى فيها نفسي.
الأسلوب الحدسي
يعتقِدُ "المانِحون" أنهم يفهَمون المشاعِرَ الأكثَرَ حميميَّةً
للآخَرين. فقد كانوا أطفالاً محبوبين لأنهم مُرْضِيُّون، وكراشِدين فهم
محمولون على الاعتقاد بأنهم حسَّاسون خصوصًا لرَغَباتِ الغير. وعما
يجري مع كلِّ واحِدٍ من الأنماط التسعة. يتأصَّلُ الأسلوبُ الحدسي في
طريقةِ إعارَةِ انتباهِهم التي تساعِد الطفل في البقاء على قيدِ الحياة
انفعاليًا. وكأطفالٍ، طوَّرَ "المانحون" قلَقًا لحصولِهم على القبول،
ومُحَفَّزين من خِلالِ حاجتِهم لاكتِسابِ الحبِّ، فقد تيقَّنوا بأنهم
كانوا قادِرين بشكلٍ خاصٍّ على الإدراك، والشعور المُسبَق بالرغباتِ
الأكثَر حميميَّةً للآخَرين.
أن نعرِفَ فيما إذا كان الفرد "المانِح" حسَّاسًا على نحوٍ موضوعيٍّ
إزاءَ حاجاتِ الآخَرين، أو إذا كان الأمر فقط توهُّمًا. يُمكِنُ لذلك
أن يكونَ مُكافِئًا لمعرِفَةِ الاختِلافِ ببساطة بين توَهُّمِ ما قد
يكون في جلد شخصٍ آخَر، وبين أن يكونَ موصوفًا من قِبَلِ بعضِ
"المانِحين" كمشاركةٍ حقيقية في الحياة الداخلية لشخصٍ آخَر.
إن الإفادة التي تتبَعُ ما يلي تُوَضِّحُ التمييزَ بينَ الأشخاص الذين
يعتقِدون أنهم حسَّاسون إزاءَ الآخَرين، وأولئك الذين هم متعاطِفون
(يتطابقون مع الغير) بشكلٍ حقيقي.
عندما كنتُ في العشرين من عمري، غذَّيتُ الفكرة ببساطَة أنني أحِبُّ
الجميع، وبأن الجميع يُحِبُّني أيضًا. وكان لديَّ اليقين بأنني تلك
الفتاة الصغيرة المفضَّلَة عند الجميع. وأردتُ فقط مكافأة الأشخاص
بإظهاري لهم إلى أي مقدار كنتُ أعرِفُ كيف أهتمُّ بهم. وفيما بعد،
نضَجتُ قليلاً. وكان عليَّ البقاء على قيد الحياة إزاء بعض الإنكارات
المُدَمِّرَة لأشخاصٍ أحبَبْتُهم، وأدرَكتُ أنني لم أكُن أعرِف كيف
أجعَلُ الأشخاصَ يُحِبُّونني كثيرًا. وما قمتُ به كان تخيُّلُ ما كانوا
يريدونه، وإذاك كنتُ أنطلِقُ نحوَ فعلِ ذلك، أو بالتالي كنتُ أفكِّر
كيف يُمكِنُني البقاء في مكانِهم، وأسعى لتخيُّلِ تجرُبَةٍ مشابِهَة
لحياتي نفسِها.
على سبيل المِثال، إذا ما أسَرَّت إليَّ صديقةٌ بما تشعُرُ به تِجاهَ
فتى ما، من نمَط "عندما أكون بالقرب منه، فالأمر يكون مثل القطارات
الأفعوانية في مدينة الملاهي، حيث تبدأ انفعالاتي بالصعود والهبوط".
وأتخيَّلُني إذَّاكَ كما لو أنني في قِطارٍ أفعواني، محاوِلةً تخيُّل
ذلك كوسيلةٍ لكي أُغرَمَ به.
أعوامٌ كثيرةٌ مضَت، وأنا الآن عالمة نفس، وكنتُ قد اختبَرتُ تجارُبَ
ذلك الذي بإمكاني تسميته بـ"التماهي الإسقاطي". إنه الشعور بمشكلة
مريضي بطُرُقٍ مختلِقةٍ عن أيِّ اقترابٍ حميمي من حياتي الخاصة.
انتقلتُ إلى تقييم هذه التماهيات الحدسية كشكلٍ أكثرَ مباشَرةً لفهم
أزمة زبوني.
إن اختبارًا مؤثرًا بما أشعر به كان تعاطُفًا بحتًا حصَلَ معي عندما
كان واحِدٌ من تلاميذي يُحاوِلُ العَمَلَ على مرحلةٍ منسيةٍ من طفولتِه
حينما نقَلَتْه عائلتُه إلى عائلة تبنَّته لبِضعَةِ أسابيع، وبينما هو
جالِسٌ في قاعَتي، قال إنه لم يتوصَّلْ إلى تذكُّر أي شيء مما كان قد
حصل له، أو مما كان قد شعر به في تلك المرحلة، وفي الوقت نفسِه، بدَأتُ
الشعور بقوة دافئة تجتاحُ جسمي كما لو كنتُ على وشك أن يُغشى عليَّ،
على الرغم من أنني على علمٍ أنه لن يُغشَى عليَّ.
عندما عبَّرتُ له عن ردودِ أفعالي، أدركَ أن جسمَه أيضًا كان ساخِنًا،
وفي النهاية أيقظَ ذلك الإحساس الجسماني الذكريات المكبوتة، فتذكَّرَ
نفسَه يستيقِظُ وهو يتصبَّبُ عَرَقًا في غرفةِ القبوِ التي كانَت
مقسومة إلى جزأين، جزء يشغله هو، وجزء يشغله طفلٌ آخَر تبنُّوه في ذلك
المنزِل. وكانت الغرفة ساخِنة بإفراط لأنها كانَت قريبة زيادةً من
المِرجَل الرئيسي، وكان الصبي يبقى مستيقِظًا في السرير في ساعة
القيلولة، قلِقًا لعَدَمِ قولِهم له، كم من الوَقت يتوَجَّبُ عليه أن
يُمضِيَه مع تلك العائلة، وخائفًا من السؤال لأنه كان يظن أنه بذلك قد
يعرِّضُ نفسَه للإهانة، وقد يثيرُ حفيظةَ أشخاص العائلة فينقلِبون
ضدَّه.
فضيلَةُ التواضع
تتأسَّسُ كلُّ الانفعالات العليا على أفعالٍ عفوية غير مُوَجَّهَة
للجسم من خِلالِ الفِكر. لطالما هناك ضبط جسماني، فالتواضع هو رد فعل
غير مشروط من أجل الحصول على شيء بالمُقابِل. أما التواضع الزائف
لـ"مانح" موهوم قد يكون مثل: "أنا مدَدْتُ لك ذراعيَ اليُمنى، ولكن،
أرجوك لا داعٍ للشكر". فالتواضع ليس له أي عِلاقَةٍ مع أفكار الفضيلَة،
أو أفعال نُكران الذات، الأمر الذي يمكِنُ إلباسه بسهولةٍ قِناعَ رغبات
لا واعِيَة تهدف لإبقاء السيطرة على الآخَرين جاعِلاً إياهم متعلِّقين
به (تكافليين).
ربما لا يُدرِكُ أولئكَ الذين يُجَسِّدون التواضع أنهم قادِرون بعدلٍ
على إعطاء الكمية الصحيحة للمساعدة، وربَّما حتى أنهم لا يُدرِكون
بوجود أيِّ شيءٍ خاصٍّ لواقِعِ كَوْنِهم ممتنِّين لما لديهم، ومن أجل
عدم احتوائهم أي انتظار لعائدٍ لهم من قِبَلِ الآخَرين.
التواضع هو التعرُّف على الحاجات الحقيقية للآخَرين، والمَيْلُ الطبيعي
لعَدَمِ اِتِّخاذِ لا زيادة ولا نقصانًا مما هو ضروري. فعلى الأرجح إن
شخصًا عارِفًا لحاجاتِه الخاصَّة سوف ينزَع إلى مدِّ يدِ المُساعدَة
للآخَرين بالضبط ضِمنَ المِعيار المُناسِب. وعدا عن ذلك، فإن السمةَ
المُمَيَّزةَ لعطاء شخصٍ كهذا سوف تكون بالضبط ضمن النسبة الصحيحة من
المطلوب. فالتواضع مِثلَ الذي يقِفُ عارِيًا أمامَ مِرآةٍ، ويكون
مُمتنًّا لما هو مُنعكِس بدقَّة بدونِ أيِّ نزعَةٍ لتضخيم مشاعِرِه
مُتَكَبِّرًا، بتخيُّلِه أن الانعكاس أعظمُ من الحقيقة أو تثبيطُ
العزيمة، والشعور بنفسِه فارِغًا لعدم قبولِه ما هو في واقعِ الأمر
هناك. وأيضًا توجَدُ إمكانية القبول بامتنانٍ لعِلاقَتِه الموضوعية مع
أشخاصٍ آخَرين عِوَضًا عن أن يكونَ الأمر من خلالِ التصنُّع، فيَضَعُ
نفسَه عادَةً في مركزٍ من الأهمية.
إن مُمَارسَةً مُفيدَةً لرصدِ الذات من أجل تعزيز التواضع تشتمِلُ على
تعلُّم تمييز ردود الفعل الموضوعية التي تنبعِث في الجسم كنتيجة لفعل
العطاء للآخَرين، والمشاعِر المحكومَة من خلالِ أفكارٍ بخصوص العطاء
والتلقِّي.
"المانح" (رقم اثنان) و"الوسيط"(رقم تسعة) يتماثلان
يُدرِك "المانِحون" (رقم اثنان) كالوسَطاء (رقم تسعة) ذلك الذي يُريدُه
الآخرون أكثَر من ذلك الذي يُريدونه هم أنفسهم. ورغم ذلك، فإن
"المانِحين" يتصرَّفون بشكلٍ مختلِفٍ عن "الوسطاء" لأنهم يُغيِّرون من
حضورِهم الشخصي مع برنامجٍ عائدٍ لضمانِ السيطرة باعتِبارِ أنهم
مَرْضِيُّون. أما "الوسطاء" فلا يتغيَّرون، ولا يُسَيطِرون من خِلالِ
فعل العطاء. ويصِفُ "الوُسطاء" طريقةَ انصهارِهم بالآخَرين كأن "يكونوا
على صورة مرآة"، يرصدون ويعكسون وجهةَ النظر التي يوحي بها الآخَرون
إليهم. فـ"الوسطاء" يقولون أيضًا إنهم لا يُمارِسون السيطَرَة من
خِلالِ التلاعُب، وإنما بإنقاصِهم لإيقاعِهم، أو بانفرادِهم. واختِلافٌ
آخَر بين "المانح" و"الوَسيط" هو أن "المانِح" يتحرَّك بشكلٍ فعَّال
نحوَ الآخَرين، على خِلاف "الوُسَطاء" الذين هم بطيئون في تقديمِ
أنفسِهم.
يصِفُ كلا النّمَطَيْن مشاعِرَ ضياع الشخصية في أشخاصٍ آخَرين.
فـ"المانِحون" يفقِدون شخصيَّتَهم في ذلك الذي هو مُماثِلٌ لهم في
الآخَر، أو في الجانب الذي يبدو فيه الآخَر مُلهِمًا لهم. و"المانحون"
انتقائيون بخصوص أولئك الذين يفقدون شخصيَّتَهم معهم. فعلَيهم أن
ينصَهِروا مع أحدٍ يستحق العناء. أما "الوُسَطاء" فيَصِفون سِمتَهم
المُمَيَّزَة لفقدان الشخصية كأمرٍ مشابِهٍ لـ "أتحوَّل في الآخَر
وآخُذُ منه كلَّ ما أجِدُ فيه". في حين أن "مانِحًا" يفقُدُ شخصيَّتَه
وهو يشعر بأنه مرغوب، وهو يتغيَّر لكي يُرضي الآخَر.
المانح (رقم اثنان) والمتمرِّس (رقم ثلاثة) يتماثلان
فَقَدَ "المانح" (رقم اثنان) اتِّصالَه مع مشاعِرِه الحقيقية والشخصية،
كأولئك "المتمرِّسين" (رقم ثلاثة) في نواةِ طبعِهم. فالنقاط الثلاثة
المتجمِّعَة إلى الجانِبِ الأيمَن من التاسوعية، "اثنان"، و"ثلاثة"،
و"أربعة"، يمثِّلون طُرُقًا مُختَلِفَة ضُحِّيَ من خلالِها بمشاعِر
طفولتِهم الحقيقية لكي يُؤالِفوا الصِّراع بين الرغباتِ الشخصية
ورغباتِ الوالِدَيْن. تطوَّرَت مسائل "المانِح" مع المشاعِر بسبب
التكيُّف الذي كان قد قامَ به في بداية حياتِه مع حاجاتِ أشخاصٍ
آخَرين، ويثبُتون على ذلك بسبب عادَةِ إعارة انتباهِهم إلى تغيُّرات
الحالات الروحية وأفضليّات الغَيْر. ويضمَنُ نجاحُهم في التكيّف مع
حاجات الغير شعورَهم بالأمان والحِمايَة.
قد يتشابَه "المانِح" و"المُتمَرِّس" في حال كان "المانِح" مِقدامًا
كبيرًا. وفي حال انتظَار "المُتمرِّس" أن يصعَدَ سُلَّمَ النجاح
لحصولِه على جائزة بسبَب تحقيقِه لأمرٍ ما، وذلك أكثر من أن يكونَ
بسبَبِ شفقتِه على الآخَرين. وأيضًا قد يكون "المانِح" ديناميكيًا
وطموحًا ضِمْنَ المصطلَحَات المِهنيَّة، ولكن التحفيزَ الداخِلي
لـ"المانِح" يكمنُ في أن يكونَ محبوبًا من أجلِ نفسِه أكثَر من أن
يكونَ من أجل تحقيقِه لأمرٍ ما. فالاختِلاف بين "متمرِّس" و"مانِح" على
مستوى عالٍ من الإقدام يكون كالاختلاف بين منفِّذ يعزِف للجمهور لكي
يُحَقِّقَ عرضًا كبيرًا، وبين المُتمَلِّق الذي يَعزِفُ للجمهور نفسِه
لكي ينالَ إعجاب عشيقةٍ جالِسة في الصف الأمامي من قاعة المسرح.
استحقاقات
يعرِفُ "المانِحون" كيف يجعَلون الأشخاص يشعرون بأنهم على حالٍ جيِّدة
مع أنفسِهم. فلَدَيْهِم القُدرة بحماستِهم على استخلاص الأفضَل لدى
الآخَرين، ويعرِفون اِتِّخاذَ التدابير الأكثَر صعوبةً للقِيامِ بأمرٍ
ما. إنهم أكثَرُ سعادةً ضِمنَ مركزٍ يدعَمُ أولئك الذين يسعَون للقدرة
وبوسعِهم أن يكونوا كورقة لعب رابحة هامة بالنسبة لصديق أو شريك
يواجِهُ تحدِّيَاتٍ. تبرز العلاقة كالمظهَر الأكثَر أهميَّةً لحياة
"المانِح"، ويلتزِمون بالحفاظ على العِلاقاتِ حيَّةً سواءً، وهم
يُصارِعون، أو وهم يغوون، وسواءً وهُم يمتصُّون حاجات الشريك، أو وهُم
ينظِّمون فوضى عارِمةً. إنهم قادِرون أيضًا على الشعور بالغضَب وفي
الوقت نفسِه لا يُبقون على أيِّ استياءٍ لدَيْهِم. وسيُخصِّصون وقتًا
من أجل منحِ امتياز للتذكارات التي توحِّدُ الأشخاص. إن أعيادًا
وإجازات سيَتُم تذكُّرُها على أنها هدية خاصة تطلَّبَت فكرًا وتصميمًا
من أجل تحضيرِها.
الأنماط التحتية
تشير الأنماط التحتية إلى القلق الذي تطوَّر أثناء الطفولة. ويمثِّلُ
استراتيجياتٍ كان يلجأ إليها الطفلُ عندَ مُحاوَلَتِه إشباعَ حاجاتِه
الشخصية بواسِطَةِ التماسِها من أشخاصٍ آخَرين.
إغواء/عدوان في العِلاقَة مع شخص
يتأسَّسُ الإغواءُ على قلقٍ بأن يكونَ مرغوبًا كإشارةٍ لقُبولِه،
ويقتضي جذب الآخَر إليه. أما العدوان فهو تجاوزٌ لكل العقبات من أجل
الراحة التي تعطيها عِلاقةٌ، ويعني جهدًا للحفاظ على المعاشرة.
إنني قادِرةٌ أن أركِّز على أيِّ غريبٍ وسَطَ حشدٍ، وأن أكتشِفَ إذا ما
كان هذا الغَريب متيَسِّرًا لي أم لا. كما لو أن جسدي يريد التحوُّلَ
لكي يتناسَبَ بشكلٍ كامِلٍ معه، وإذا قمتُ بهذا الاتصال، فإنَّني أدرك
إذَّاكَ ذلك في جسدي نفسِه. وعندما يبدو الاتِّصالُ آمِنًا، فالآن وأنا
مُدرِكَة أنه سوف يُحِبُّني، أنطلِقُ نحوَه.
الطموحُ لمكانَةٍ اجتماعية
يتضمَّنُ الطموحُ المشاركة مع أشخاصٍ أقوياء كمصدَرٍ للحِماية،
وكضمانةٍ لمنزِلَةٍ رفيعة وسَطَ المجموعة.
تعاقَدتُ مؤخّرًا من أجل تكوين فريقٍ من أطبّاء نفسيين لعِيَادةٍ.
فاكتشَفتُ نفسي أنني أقوم بالتعارف أثناءَ اجتماعات القسم. من هو الذي
يجلِس بالقُربِ مني؟ من يتلقّى احترامًا من الرؤساء؟ أحتاج إلى معرفة
أولئكَ الذين تنمو شَعبيَّتُهم، فأقوم بصداقةٍ معهم.
"أنا أولاً" (مُميَّز) في نطاق الحفاظ على الذات
"أخْرُجْ من أمامي" إنه مفتاح تعبيرِه. فهو شعور بالاستشاطة غضبًا لأنه
يتعيَّن عليه البقاء في دورِه ضِمْنَ صفِّ الانتظار في البنك، أو في
وَسَطِ حشدٍ وهو ينتظِر أن يُفتَحَ الكانتين (مطعم صغير في مصنع أو
معسكر أو مدرسة)، ويُصبِحُ المرءُ غاضبًا جدًا بسبَبِ عَدَمِ
اِستحقاقِه في بقائِهِ خارجًا مما يؤدِّي للقِيامِ بمراوَغة لكي يصِل
إلى مقدِّمَةِ صفِّ الانتظار.
ما يُساعِدُ "المانِح" على تطوُّرِه
غالِبًا ما يَشرَعُ "المانِحون" عِلاجًا أو مُمارسةَ تأمل برغبةِ
العثور على الأنا الحقيقي. وهذا يعني تعلُّمَ التعرُّف على الاختِلاف
بينَ الرَّغَباتِ الحقيقية والتكيُّفات التي تحصَل للاتِّفاق مع أو
للصراع ضد ذلك الذي يُريدُه الأشخاص الآخرون. تتضمَّن الحالاتُ النمطية
أسئلةً أو أمراضًا للعِلاقَة، كتلك التي لآلام الشقيقية (الصداع
النصفي) أو الربو، والتي قد يكمن مصدرُها في ظهور المرض على المستوى
الجسماني للحاجات المكبوتة. ويحتاج "المانِحون" إلى التعرُّف على
اللحظات التي يحصَلُ فيها زَيَغانُ انتباهِهم عن المشاعِرِ الحقيقية
لكي يتكيَّفَ مع مشاعرِ الغَيْر. ويستطيعُ "المانِحون" مساعدةَ
أنفُسِهم:
-
اكتشاف رغبة التلاعب.
-
الاعتِراف بقيمتِهم الحقيقية للآخَرين. مُلاحِظين المناسَبات التي
تحدُثُ بين تضخيمٍ للذات من غرورٍ بسبب أهميَّتِهم الخاصَّة، وبين
تواضع للذات بإفراط.
-
التعرُّف على التملُّق كإشارة للقلق المتنامي، مُلاحِظِين الإغواء
بإخضاعِ القُدرة للآخَرين.
-
التشجيع على أمر لهو أكثَرُ من ردِّ فعلٍ انفعالي أوَّلي، فبِوِسعِ
ردود الأفعال الأولى أن تكون عَرْضًا سطحيًا يضعُ قِناعًا على المشاعِر
الحقيقية.
-
ملاحِظين الكَمَّ من الانجذاب الذي قد يتوَاجَد بتلقِّيهِم انتباهًا
أثناءَ ساعةٍ كامِلَةٍ من العِلاج. وهم يبتغون الكلامَ عن أنفسِهم.
-
اكتشاف الرغبة بظهورٍ مُهمَل بالإبقاءِ على عِلاجٍ مُريحٍ وبعَدَم
تذكُّر المَوَاد التي تلوِّثُ الغرور أو تلطِّخُ صورةً جيِّدة.
-
بالنظَر إلى الأولويَّات المُتصَارِعَة لـ"الأنوات المُتعدِّدَة"،
وبتطويرِهم تقديمٍ شخصي ثابِتٍ للأشخاصِ الآخَرين فلا يتغيَّرون
للإرضاء.
-
إخراج الغضَب الدفين كمؤشِّرٍ لمشاعِر وانفِعالات حقيقية وكطريقة
لإخراج الصِّراعات الكامنة (التحتانية) وعَوَارِض نفسيبَدَنية
(متعلِّقَة بالنفس والبدَن معًا).
-
عدم جذب الآخَرين من خِلالِ التملُّق، وهُم يعرِفون بأن الحاجَةَ
للانتِقام تسبَّبَ بها غرورٌ جَريح.
أمور يتوَجَّب على المانِحين إدراكها
-
من المفيد بالنسبة لـ"المانحين" إدراك المسائل التي قد تظهر أثناءَ
التحوُّل.
-
الرغبة بالمزاح في أن يكون شخصًا آخَر، وتخيُّل طُرُقٍ مختلِفة ليكون
محبوبًا.
-
اختلاطٌ بين عِدَّةِ أنوات: "من هو أناي الحقيقي؟"
-
اختيار وفقًا للأفضَل في العِلاقات. رغبَةٌ بأن يكون مع "الأفضل"،
ولكن، لخَوْفِه من الرفض، يبقَى مع "من يحتاجُ لي أكثَر".
-
الخوف بألا يكونَ لديه أنا حقيقي، وبأن يكونَ أقلُّ طبيعية، أو
بتقليدِه للآخَرين. ففي التأمُّل، ثمة خوف من ثقبٍ فارِغٍ في منطِقَةِ
البطن.
-
الشعور باللاأمان المنبعِث بالنسبة للبقاء على قيد الحياة بدون حِمايةِ
الأشخاص الآخَرين.
-
الخوف بابتياعِه علاقات، وبإيهامِه الآخَرين على أن يكونوا أصدِقاءً.
-
الاعتقاد بأنَّ تلقِّيه القبول هو مكافِئ لتلقِّيه الحب. العقيدَة بأن
لديه استقلال سوف يؤدِّي به ألا يكون محبوبًا من جديد على الإطلاق.
-
منافذ هيستيرية عندما تصطدِم عادَةُ السعي للقبول مع الرغبات الحقيقية
المنبعِثَة. والاعتِقاد بأن الآخَرين يحاوِلون الحدَّ من حرِّيَّتِه.
-
صِراعٌ من أجل الحرية. الرفض في تولِّي التزاماتٍ تبدو أنها تحدُّ من
التعبير عن أنواتِه المتعدِّدَة. تطلُّبٌ لحرِّيَّةٍ غير محدودة.
-
انجذاب لعلاقاتٍ صعبة. تثليث. تأكيدٌ على السيطَرَة بالذهاب وراء ما هو
صعب للحصول عليه. وامتناعٌ عن حميمية حقيقية.
-
عَدَم التجربة مع حميمية حقيقية. أحاسيسٌ جنسية وانفعالية حقيقية ليسَت
مألوفة. حاجَةٌ لوَقتٍ للتعرُّف وقبول مشاعر حقيقية ليسَت متأثِّرَة
بتقدير أشخاصٍ آخَرين. الحاجَةُ لرؤيَةِ الاختِلاف بين حبٍّ واشمئزاز
عابِرٍ، ومستوى أكثر عُمقًا من الالتِزام.
ترجمة:
نبيل سلامة
*** *** ***