المادة
السوداء أو المظلمة والطاقة السوداء أو الداكنة والمعتمة، الثقوب
السوداء والثقوب الدودية، هي جزء من ألغاز الكون وغرائبه التي تتحدى
العلم والعلماء منذ أكثر من قرن من الزمان، ومع ذلك لم يستسلم البشر
وما زالوا مثابرين في عملية البحث والتقصي لمعرفة أسرارها وفك شفرتها
وتحليل أسبابها وتداعياتها واكتشاف قوانينها.
في كل يوم يظهر في الغرب المتقدم كتب وأفلام علمية وتقام محاضرات
وندوات ومؤتمرات علمية في شتى فروع العلم وبالأخص علم الكونيات
والفيزياء الكونية وبالرغم من ذلك يزداد الغموض وتتكاثر الألغاز بشأن
الكون المرئي. فهناك أحداث عجيبة وغريبة تحدث على الدوام في الكون
المرئي مثل الرقص العشوائي للكواركات
quarks،
وهي الجسيمات مادون الذرية التي تعتبر أحد مكونات نواة الذرة، والفالس
التقليدي لمنظومات نجمية مكونة من نجمين أو ثلاثة أو أكثر تدور حول
بعضها البعض بإيقاع خاص ومحدد، وجسيمات الله أو بوزونات هيغز
Les
particules de Dieu ou Bosons de Higgs
اللغزية التي تمنح باقي الجسيمات كتلتها منذ
الانفجار العظيم أو البغ بانغ
Big
Bang
والدوران المهول للمجرات في كوننا المرئي والتي
تخضع كلها لمبدأ فيزيائي عظيم ومجهول تسيره معادلة كونية واحدة يسعى
البشر منذ آلاف السنين إلى اكتشافها، هذا فضلاً عن لغز المادة السوداء
matière
noire
والطاقة المعتمة أو الداكنة
énergie
sombre
حيث ثبت بالحسابات الرياضية أنها تشغل 73%
من مكونات الكون المرئي في حين تشغل المادة السوداء
نسبة 23%
بينما لا تتجاوز المادة العادية الملموسة التي
يتكون منها كل شيء مادي في الكون المرئي من مجرات ونجوم وكواكب
ومخلوقات أو كائنات حية نسبة 0.4%
إلى جانب 3.6%
من الغازات الكونية.
ثمة
تعارض يسكن اليوم عالم الفيزياء الحديثة ويثقل على تطورها كما وعلى
تعليمها وفهمها. ذلك أن ما نسميه فيزياء الحياة اليومية، أي على
المستوى الجهاري، هو في العمق أكثر تعقيدًا بكثير من العالم الصغائري
ومن العالم ما فوق الجهاري. فالذرة والنجم النيوتروني وحتى الكون نفسه
هي كينونات أكثر بساطة ربما من قطرة ماء أو كسرة زجاج أو كأس من الرمل.
كذلك، فليس من السهل أبدًا إدراج مفاهيم الفيزياء من أجل تفسير
الظاهرات الأكثر عادية بالنسبة لنا بشكل تام ومقنع. مع ذلك، وكما سوف
نرى، فإن أفكارًا أساسية في الفيزياء، تتعلق بالطبيعة العميقة للأشياء،
يمكن أن يتم التعبير عنها بطريقة بسيطة بحيث توضح لنا جوانب أساسية من
العالم على مستوانا.
كل
شيء ينطلق من التبادل المستحيل. إن لايقين العالم هو أنه لا معادل
équivalent
له أبدًا ولا يمكن مبادلته بشيء. كذلك فإن لايقين الفكر هو أنه لا يمكن
مبادلته لا بالحقيقة ولا بالواقع. هل الفكر هو من يُوقع العالم في
اللايقين أم العكس؟ هذا أيضًا يُعد جزءًا من اللايقين.
لا يوجد معادلٌ للعالم. وهذا بالضبط تعريفه، أو لا تعريفه. لا معادل،
لا آخر، لا تمثُّل، لا مرآة. فأي مرآة ستشكل جزءًا آخر من العالم. لا
يوجد مكان للعالم ولآخَره معًا. وبالتالي، من غير الممكن التحقق من
العالم – ولهذا السبب، الكلامُ عن "الحقيقة الواقعية"réalité
تضليل.
فمن تحققٍ ممكنٍ يتحول العالم إلى وهمٍ أساس. وعلى الرغم من إمكان تحقق
جهوي ما، يبقى لايقين العالم في مجمله أمرًا لا شك فيه. لا وجود لحساب
متكامل للكون – ربما هناك حساب تفاضلي؟ "الكون على الرغم من كونه
مجموعات لا تُحصى، إلا أنه هو ذاته ليس مجموعة". (دينيس غيدج،
Denis Guedj)