لأسبوع
الماضي تلقّيت ورقةً أُؤمَر فيها بالحضور إلى مجلس البلدية ليتمّ تسجيلي في
الحرس القومي بحسب القانون. وكما لاحظتم، ربما، لم أحضر. وهذه الرسالة غايتها
تبليغ معاليكم، بصراحة ودون لفٍّ ودوران، بأنْ لا نيّة لي بالمثول أمام المجلس.
أعلم جيدًا أنني أُعرِّض نفسي لمسؤولية ثقيلة، وأنكم تستطيعون معاقبتي، ولن
تتوانوا عن استخدام حقّكم هذا. ولكنّ هذا لا يُخيفني؛ فالأسباب التي دفعتني إلى
اتّخاذ هذا الخيار السلبي تشكّل، بالنسبة لي، ثِقلاً كبيرًا يعادل هذه
المسؤولية.
إنني - أنا غير المسيحي - أفهم، أفضل من معظم المسيحيين، الوصية التي هي عنوان
هذه الرسالة، والتي فُطرت عليها طبيعة الإنسان وعقله. فعندما كنت طفلاً تمكّنت
من تعلّم مهنة الجندي: فنّ القتل، لكنني أرفضها الآن! وبشكل خاص لا رغبة لي في
القتل تبعًا للأوامر، وهو ما يُعدُّ قتلاً مناقضًا للضمير، ويخلو من أيّة دوافع
شخصية، أو أيّة مسوّغات. فهل يمكنكم تسمية أيّ شيء مُذلّ للكائن الإنساني أكثر
من جرائم قتل أو إعدامات من هذا القبيل؟ لا يمكنني أن أقتل أيّ حيوان، أو
مشاهدة قتل أيّ حيوان، ولكي لا تُقتل الحيوانات صرتُ نباتيًا. في الوقت الراهن
يمكنهم أن يأمروني بإطلاق النار على أناس لم يسيئوا إلي قط: إذ لا أعتقد بأنه
يتمّ تدريب الجنود لكي يطلقوا النار على أوراق الأشجار وأغصانها. لكنكم قد
تقولون لي إنّ الحرس القومي يجب عليه، وقبل أي شيء آخر، الحفاظ على الاستقرار
الداخلي.
أتساءل
فيما إذا سألنا أنفسنا يومًا عن معنى التربية. لماذا نذهب إلى المدرسة، لماذا
نتعلم مواد متنوعة، لماذا نجتاز امتحانات ونتنافس فيما بيننا على درجات أفضل؟
ماذا تعني هذه التربية المزعومة، وما هو أساسها؟ هذه حقًّا مسألة هامة للغاية،
ليس للطلاب وحسب، بل وللأهل والمدرسين أيضًا، ولكل مَن يحب هذه الأرض. لماذا
نحتمل كل هذه المشقة في سبيل التعليم؟ هل نفعل لمجرد النجاح في بعض الامتحانات
والحصول على وظيفة؟ أم أن دور التربية هو تأهيلنا، مادمنا في ريعان الصبا، لفهم
سيرورة الحياة بأسرها؟ إن الحصول على وظيفة وكسب العيش أمر ضروري – ولكن هل ذلك
كل شيء؟ هل نتربى من أجل ذلك فقط؟ الحياة ليست قطعًا مجرد وظيفة أو صنعة؛
الحياة شيء خارق الاتساع والعمق؛ إنها سرٌّ عظيم، مجال شاسع، نؤدي فيه دورنا
كبشر. فإذا كنا نستعد لمجرد كسب العيش، سيفوتنا معنى الحياة ككل؛ وفهم الحياة
أهم بكثير جدًّا من مجرد الاستعداد للامتحانات لنصير بارعين جدًّا في الرياضيات
أو الفيزياء أو ما شئتم.
تعتبر
ملاحم هوميروس أول وأعظم شعر في الحضارة الغربية. وقد نظر إليها غالبًا كشعر عن
الحرب، لكن هناك جانب مهمل يتعلق بفهمها العميق للحرب، وهو على وجه التحديد ما
أسماه وِلفرِد أون Wifred
Owen
"تعاسة الحرب" وما يفعله عنفها بالنساء والعائلة. في
الواقع، إن ما وصفه هوميروس في القصيدتين هو طبيعة المجتمع الذي نحصل عليه إن
كان نوع السلام الوحيد الذي نعرفه هو تلك الراحة المضطربة وسط خرائب صراع
متقطع. وهذا سطر واحد من تلك القصة التي رواها الإله أﭙولو في نهاية كتاب
الإلياذة، الكتاب 24 (الذي يسميه العلماء: النهاية)، السطر 54.
[راجع النص الإغريقي: ص 257]