|
إبستمولوجياهل
نحن حقًّا في حاجة إلى إپستمولوجيا جديدة؟ أم
أن بوسعنا الاكتفاء بما بين أيدينا من معطيات
إپستمولوجية، فلا ضرورةَ، بالتالي، للبحث عن
بديل عنها؟ سؤال مشروع – ومشروعيته هذه قد
اكتسبها بسبب من عجزٍ كامن في صُلب المنظومة
المعرفية للإپستمولوجيا المعاصرة – هذا
العجز الذي تجلَّى أيَّما تجلٍّ في عدم
تمكُّنها من الخروج من حالة الركود المعرفي
التي أوصلتْها إليه وأوقعتْها في مستنقعه
محاولاتُ غالبية فلاسفة العلم المعاصرين،
بما جَعَلَها تضاهي، مبنًى ومحتوى، بعضًا من
أكثر نظريات الرياضيات الحديثة تعقيدًا
وانجرافًا عن الملموس والمحسوس وانغماسًا في
فضاءات التنظير الافتراضي. فلقد ابتعدت
الإپستمولوجيا المعاصرة عن الواقع الفلسفي،
لتنزوي بعيدًا عن الخوض في مجاهله ولتنشغل
عنه بإقامة موديلات افتراضية استغنتْ بها عن
هذا الواقع، الذي كانت انطلاقتها أول مرة
تستهدفه، إلا أنها، بسبب من سوء تعامُل
غالبية فلاسفة العلم المعاصرين معها، ضلَّتْ
طريقها عنه، وحادت عن مسارها، وانحدرت إلى
متاهات الافتراض والنمذجة المتعالية عن
المحسوس والملموس، مكبَّلةً بقيود لا فكاك
لها منها.
بشَّرونا بـ"القرية
الكونية" – فإذا بنا نسير بخطى واسعة نحو
"فخ كوني" يدعونه "العولمة"، حيث
الموت والدمار والمجاعات وانفجار التعصب
القومي والديني والعنف شؤون عالمية يومية،
وحيث أمستْ التكنولوجيا الرقمية السلاح الذي
يهدِّد الحضارة الإنسانية برمَّتها بالزوال. وعلى الرغم من
أن أصابع الاتهام موجهةٌ إلى أرباب العلم،
بصفتهم واضعي حجر الزاوية لنظريات "النظام
العالمي الجديد" وأساساته، إلا أن
المتغيرات العالمية الراهنة، لحسن الحظ،
فتحت الباب أمام محاولات خلق ثقافة إنسانية
عالمية بديلة، تدعمها جهودُ مجموعة من
الفلاسفة والعلماء والمفكرين الساعين إلى
استعادة المسار الصحيح لقطار التقدم
الإنساني السائر في جنون نحو هاوية العدم.
تلعب
"المفارقات" paradoxes
أو "المتناقضات" دورًا مميزًا في تاريخ العلوم، منذ أقدم
الأزمنة حتى اليوم، من حيث هي تمثل لحظاتِ موت
أفكار قديمة وتفتُّح آفاق جديدة. سنتتبع في
هذا المقال تاريخ المتناقضات عند الإغريق،
فنتوقف عند بعض العلماء العرب، وخاصة الكندي
ويحيى بن عدي، مبيِّنين علاقتهما بالمنطق
الرياضي الحديث ونظرية الحواسيب، ثم نبرهن
على حدود المعرفة الإنسانية ونسبيَّتها في
صراعها الديالكتي (الجدلي)، ونحاول أن نضع
أسُس إپستمولوجيا أو نظرية معرفة علمية مبنية
على المتناقضات.
مستمرة...
|
|
|