|
إضاءات
هناك واقع يتفق عليه الجميع: إن العالم يعاني أزمة خانقة وفوضوية فظيعة نتيجة السياسات القائمة حاليًّا، سواء كان مصدرها القوى التي تسيِّرها الرأسماليةُ التي تتخذ "الليبرالية الجديدة" مخرجًا لها وتقوم بتطوير العولمة والترويج لها، أو الحركات التي تسمِّي نفسها بـ"اليسارية" وتسعى إلى الاستيلاء على صلاحيات الدولة كلِّها، ومن بعدُ القيام بالتغيير المطلوب في المجتمع كمفهوم أساسي في "نضالها"! ولأن الاستراتيجيات المتبَعة كانت خاطئة في مجملها، فإنها، على الرغم من انتصارها، لم تحقق للشعوب ما ادَّعته من حرية ومساواة وعدالة، وذلك لأنها جميعًا تعتمد على السيطرة وعلى سيادة مفهوم "الدولة" الذي تكمن في خميرته الطبقيةُ واللامساواة.
هل نستطيع فتح ملفات اللاهوت الإسلامي في ظلِّ ثقافة أحادية قمعية؟! إن هذه المغامرة جديرة بالنقاش، مادام الإنسان، في المآل الأخير، هو مجرَّد سؤال!
المنهج العلمي للبحث عن الحقيقة عند علماء المسلمين وغيرهم يرى د. البوطي في كتابه التأسيسي لفكره الإسلامي كبرى اليقينيات الكونية أنه إذا كان إدراك الحقيقة، على ما هي عليه في الواقع، عِلْمًا، فإن المنهج المتخَذ إلى ذلك الإدراك ينبغي، "بلا ريب"، أن يكون هو الآخر عِلْمًا. ويشرح بأن العلم لا يتولد إلا عن علم مثله: فلا مجال فيه للظنِّ أو الحدس أو الوهم. ومن ثَمَّ فإنه، في ضوء هذا التحديد، يطرح تساؤل: ما مدى استشعار كلٍّ من الفكر الإسلامي والفكر الغربي لهذه الحقيقة واهتمامه بها؟ الموقفُ من المرأة موقفٌ من الحياة. وبالتالي، فلا يجوز لأحد، كائنًا مَن كان، الادِّعاءُ بأنه يملك نظرةً واقعيةً عادلة، أية كانت خلفياتُها النظرية والإيديولوجية، إن لم يكن يتخذ موقفًا عادلاً من المرأة وقضاياها. فادِّعاء الموقف العادل، في السياسة والوطن وحقوق الشعب وحرياته، ادعاءٌ أعرج إنْ هو استثنى النصف الحيَّ من المجتمع. والقول بأن المرأة هي "النصف الحي" ليس اعتباطًا، بل يجب أن يكون الأمر كذلك عند العرب أكثر من أيِّ شعب آخر أو أمَّة أخرى. عندما أراد
الإغريق التعرف إلى الله، كان طريقُهم إلى
ذلك هو "اللوغوس" Logos الذي يَهَبُ
النظامَ للعالم ويفسِّره في آن معًا. وكان
الله، وفقًا لهذا الفهم، هو "المحرِّك
الأول" Primum mobile
لكلِّ حدوث والعلةَ الأولى لكلِّ وجود.
استغنى اليونان عن الوحي، فكان الله، في
نظرهم، متعاليًا ومنفصلاً عن العالم في
طبيعته وحقيقته، غائبًا ومحتجبًا، لا يُعرَف
إلا بالسلب والاستحالة والامتناع.
|
|
|