english arabic

 

اللاعنف: عمل مباشر من أجل السلام

 

جيلا سفيرسكي*

 

اتَّسمت الجهود التي بذلتْها حركةُ السلام الإسرائيلية لإنهاء الاحتلال إبان سنين عديدة بمبادرات متقطعة إلى العمل اللاعنفي المباشر.** فبالإضافة إلى المظاهرات الاعتيادية – وبعضُها نُفِّذ تنفيذًا أكثر درامية من غيره – شملت الأعمالُ اللاعنفية المباشرة في السنين الأولى إضراباتٍ عن الطعام، زراعةَ أشجار زيتون في أماكن ممنوعة، طليَ كتابات مناهضة للاحتلال على الدبابات، صدَّ الجرافات الآتية لهدم المنازل، الاجتماعَ غير المشروع والعلني مع أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، والاعتراضَ الضميري على الخدمة العسكرية الإجبارية. غير أن العمل اللاعنفي المباشر لم يغدُ عنصرًا ذا وزن أو انتظام في نشاط حركة السلام الإسرائيلية حتى هذه الانتفاضة الأخيرة – باستثناء "يِشْ جْفول" (وتعني بالعبرية "هناك حدٌّ!") وحملتها الجارية لتشجيع الجنود على رفض الخدمة في الأراضي المحتلة.

قبيل الانتفاضة "الجديدة" تبنَّت "اللجنة الإسرائيلية المناهضة لهدم المنازل" (لامهم) أول استعمال شعبي للعمل اللاعنفي المباشر كاستراتيجيا تنظيمية، حيث حشدت الناشطين لإعادة بناء المنازل الفلسطينية التي هُدِمَتْ، بدءًا من بيت الشوامرة في عناتا صيف العام 1998. وقد صار هذا المشروع محطَّ أنظار حملة إعلامية دولية، إذ قام الجيش الإسرائيلي بهدم المنزل مرة تلو المرة بعد أن كان ناشطو "لامهم" يعيدون بناءه. فكان من شأن هذا النضال الجاري من أجل بيت الشوامرة، ينهض له إسرائيليون بالتعاون مع ناشطين فلسطينيين ودوليين، أن نجح في لفت أنظار العالم إلى لاإنسانية سياسة الحكومة الإسرائيلية في دكِّ المنازل الفلسطينية.

ولقد تحول العمل اللاعنفي المباشر إبان الانتفاضة الأخيرة إلى استراتيجيا مركزية ضمن حركة السلام الإسرائيلية، أطلقها أصلاً "ائتلاف النساء من أجل سلام عادل". فقد نفَّذت هذه المنظمة التي تضم منظمات أصغر عملها المباشر الأول في 4 شباط 2001 أمام وزارة الدفاع في تل أبيب، إذ قامت 300 امرأة بالجلوس أو الاستلقاء على الطريق لمنع الدخول إلى الوزارة، في محاولة لـ"توضيح" ماهية إحساس المرء وهو في حالة حصار – وهو من تكتيكات الجيش الإسرائيلي للحيلولة دون الفلسطينيين والتحرك بحرية في الأراضي المحتلة – لصُنَّاع القرار الإسرائيليين. وقد قامت الشرطة قسرًا بسحل النساء خارج الشارع، واعتقلت 17 منهن، واحتجزتهن ليلة.

ثم جرى، بعدئذٍ بثلاثة أسابيع، حدثٌ برعاية "ائتلاف النساء" و"جوش شالوم" (وتعني بالعبرية "كتلة السلام")، بالاشتراك مع المركز الفلسطيني للتقارب، شوهد فيه إسرائيليون وفلسطينيون يخترقون سوية نقطة تفتيش بيت لحم. وقد كانت هذه حركة اتحاد درامية ضد الاحتلال، سُلِّط عليها ضوءُ الإعلام تسليطًا ملحوظًا. وهكذا اتَّسمت الأسابيع والشهور التالية بأعمال مكثفة من المقاومة اللاعنفية. وكانت هذه الأعمال مرارًا ثمرة الجهود المشتركة لخمس منظمات سلامية إسرائيلية: "ائتلاف النساء من أجل سلام عادل"، "ربَّانيون من أجل حقوق الإنسان"، "جوش شالوم"، "لامهم"، "مركز بديل للمعلومات"، و"تعايُش". وقد شملت هذه الأعمال تفكيك عوائق الطرق وردم الخنادق – وكلاهما من تدابير الجيش لإحكام حصار القرى الفلسطينية – والسير على أسيجة المستوطنات الحديثة الإنشاء.

ومنذ أيار 2001، انخرطت حركة التضامن الدولية – المؤلَّفة من قبضة من الناشطين، تدعمهم أحيانًا "بعثات تضامن" زائرة من أوروبا والولايات المتحدة – في أعمال مقاومة لاعنفية متنوعة. وفي عمل درامي بصفة خاصة، قامت امرأتان ناشطتان (إسرائيلية وفلسطينية) بتقييد نفسيهما إلى شجرتي زيتون للحيلولة دون جرافات الجيش واقتلاعهما. ومع أن هذه الأعمال لم تلفت أنظار الإعلام على الأغلب فإن أهميتها تكمن في رفع مستوى الجسارة وإظهار مدى عمق الالتزام ضمن حركة السلام للحكومة الإسرائيلية.

قد يكون التصاعد الملحوظ للعمل اللاعنفي المباشر بين مجموعات السلام الإسرائيلية عائدًا إلى أمرين: التزايد الدرامي لحدَّة العنف في الأراضي المحتلة، الذي أجَّج رغبة الناشطين في الاستجابة على نحوٍ درامي، وكذلك فتور الاستجابة العلنية من جانب "السلام الآن"، منظمة السلام التقليدية الكبيرة. إذ لقد أحجمت "السلام الآن" كذلك عن المشاركة في النشاطات التي تضمنت العصيان المدني، ناسخة بذلك مشاركتَها في أيٍّ من النشاطات اللاعنفية الموصوفة أعلاه، مع أن الشباب من ناشطيها مرارًا ما شذوا في بعض المناسبات عن هذه القاعدة.

لقد بثَّت الجهود العديدة للعمل اللاعنفي المباشر، فردية كانت أم جماعية، زخمًا جديدًا في النضال السلمي الإسرائيلي. ولقد أضيف مفهوم المقاومة إلى مفهوم الاحتجاج، والإسهام قد ارتفع. وفي هذه الأثناء، يواصل الناشطون المشاركة بمناهج تقليدية، بما فيها التجمهرات، والعرائض، وإعلانات الصحف، وحملات الفاكس.

لقد أوْلتْ وسائلُ الإعلام الإسرائيلية والدولية هذه الأعمال انتباهًا محدودًا. غير أن السلطات الإسرائيلية أبدت اهتمامًا كبيرًا بهذا العمل وتابعت هذه النشاطات عن كثب. فكثيرًا ما يطوِّق الجيش مناطق معينة في محاولة للحيلولة دون تنفيذ الأعمال اللاعنفية. وهذا مرارًا ما يقود إلى تعديلات في آخر دقيقة وإلى القيام بأعمال أكثر عفوية.

بذلك فإن منظمات السلام الصغرى، في غياب مظاهرات احتجاج حاشدة، اعتمدت أشكالاً أكثر درامية من الاحتجاج، مكابِدة المجازفة الشخصية كوسيلة للفت الأنظار إلى وحشية القمع في ظلِّ الاحتلال. ولا أحد يعرف حتى متى سيتمكَّن الناشطون من الحفاظ على سوية الكثافة والتعرُّض التي يتطلَّبها هذا العمل؛ غير أن ثمة، من الآن، مؤشرًا أن سوية التواتر قد انخفضت. ومع ذلك فإن هذه الأعمال قد رسَّخت مستوى من الالتزام والجرأة رَفَعَ من سوية النضال من أجل السلام بمجملها بين الإسرائيليين. لقد أظهر الناشطون قوة قناعاتهم للحكومة الإسرائيلية، وربما – وهذا أهم م في الأمر – استرعوا انتباه المجتمع الدولي إلى أن ثمة مواطنين إسرائيليين يرفضون الاحتلال جملة وتفصيلاً.

*** *** ***

ترجمة: ديمتري أفييرينوس


* جيلا سفيرسكي ناشطة من أجل السلام وحقوق الإنسان في إسرائيل، ومؤسِّسة "ائتلاف النساء من أجل سلام عادل". وقد شغلت أيضًا منصب المديرة التنفيذية لـ"بات شالوم" (الشريك الإسرائيلي في "رابطة القدس") وتولَّت إدارة "بتسِلِم" – وهما منظمتان إسرائيليتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان.

** "العمل المباشر" مصطلح غالبًا ما يساء فهمه. فهو يحمل سمة الحماسة الدرامية؛ غير أنه، في الجوهر، مرارًا ما يكون أهدأ وأقوى من هذا التصور النمطي. ذلك أن العمل المباشر هو الانصراف إلى موضوع اهتمامك الفعلي. فإذا كنت تعمل في مكافحة الجوع فقد يكون مجرد تقديم وجبة لأحدهم. وإذا كنت تعمل في مكافحة التشرُّد فقد يكون الاستيلاء على بيت مهجور وجعله مكانًا قابلاً للسكنى. وإذا كنت تريد أن توقف الإنفاق العسكري فقد يكون رفض دفع ضريبة دخلك. فالعمل المباشر يختلف عن عمل الاحتجاج الرمزي الهادف إلى الضغط على قوم في السلطة من أجل أن يغيروا من سياساتهم. ومن ميزات العمل المباشر أنه لا يتطلب، لكي يكون فعليًّا، تعاونَ السلطة. فإذا تدخلتْ لوقف نشاطك صارت لديك قصة درامية؛ وإذا تجاهلتْك تكون قد اتبعتَ ضميرك ويمكنكَ أن تمضي في اتباعه قُدُمًا. وبما أن للعمل، بحدِّ ذاته، تأثيرًا مباشرًا فإنه يكتسب سلطانًا وقوة. وفي الممارسة، تكون أشد الأعمال فاعلية هي التي تجمع بين المباشرة والرمزية، فتكون شواهد حية على معتقداتك. والعمل المباشر ما هو إلا واحد من أشكال الانخراط في التغيير الاجتماعي. (مارتن كِلِّي)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود