|
حول
تجديد الفكر السياسي الإسلامي
الأحزاب
الإسلامية لا تزال في حُمَّى الخمسينات
السياسية
لا حرب
صليبيَّة حين تتعلق المسألة بأمريكا وموقف
الفاتيكان رائع جدًّا
مقابلة
مع الشيخ محمد حسين فضل الله
منذ
فترة بدا أن الخطاب الفكري والسياسي، وحتى
الفقهي، للمرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل
الله يمر بمرحلة تحول عميقة. فهو يمارس عملية
نقد واضحة للأحزاب والحركات الإسلامية
جميعًا، ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يقدم
نقدًا للفكر الإسلامي نفسه، معتبرًا أنه يعيش
حال انكماش وجمود، كونه يعيد أحيانًا ترداد
ما قيل منذ مئات الأعوام. وفي رسالة يوجهها
إلى مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة يخاطب
المجتمعين: "إن المرحلة في حاجة إلى ذهنية
جديدة، وتخطيط جديد، لنرتفع إلى مستوى أن
تكون الأمة، لنخطط حيث يخطط الآخرون [...]،
لنتحمل جميعًا مسؤولية الإسلام كلِّه من خلال
ما نملك من طاقات وما نتحرك فيه من أساليب." وهذه
الدعوى تقترن بدعوة ذات أبعاد أكبر عندما
يدعو الجاليات الإسلامية في الغرب إلى
الانخراط في الأحزاب والجمعيات الغربية لأن
"المصلحة العليا قد توجِب ذلك"، شرط أن
يكون هذا الانخراط "دخولاً سياسيًّا، بحيث
يبقى الإنسان مع عقيدته والتزاماته". هذا
"الانفتاح" أو هذا التحول ربما ليس
جديدًا؛ فقد برزت ملامحه قبل فترة بعيدة،
وتجسدت أكثر ما يكون في دعواته المتكررة إلى
تنزيه التاريخ وتنقية الفكر من "سمات
التخلف، وأوهام الخرافة، ومتاهات التعصب
والانغلاق". فكانت هذه الدعوات مجتمعة
بابًا جلب على السيد رياحًا عاتية، وكانت
منطلقًا لتباينات مع كثر، ما برحت تتوالى
فصولاً ومعارك هنا وهناك. هذا
هو المرجع فضل الله منذ بدأ رحلته قبل أكثر من
40 عامًا، مثيرًا للجدل، مضيئًا على جوانب
فكرية جديدة، رافضًا الدور التقليدي لرجل
الدين، مقتحمًا عالم التغيير والتجديد. دائمًا
تجد لديه الجديد غير المألوف وغير المطروق –
وهذا ما خرجنا به من حديثنا معه. وكان مدخل
حديثه معنا، لدى سؤالنا عن صحته، "أن
الإرادة دومًا تقهر المرض في الجسم، وعلى
الإنسان ألا يتوقف عن العطاء". المحور
الأساسي للحديث كان حملة انتقاداته التي لم
تتوقف على الجمود والانكماش، وشكلت
استمرارًا لكلِّ ما قاله في الآونة الأخيرة.
فهو يؤكد أن "بعض الذين يشرفون على الأحزاب
الإسلامية هم تمامًا مثل بعض الذين أشرفوا
على الأحزاب القومية أو العلمانية. فهناك
الذين ينادون بالحكم الإسلامي، ولكنهم
يعيشون التخلف الذهني، بحيث يصير الحكم
الإسلامي مشكلة للإسلام". ويذهب
في نقده إلى أبعد من ذلك، فيقول إن "الأحزاب
الإسلامية، حتى التي استطاعت أن تنجح في
مبادراتها أو مواجهاتها، لا تزال تعيش في
حُمَّى الخمسينات السياسية التي أدخلت
الانفعال في عمق الممارسة السياسية". ومع
هذا النقد يعتقد المرجع أن هناك نقاطًا مضيئة
تتمثل في الحركة الإسلامية في تركيا وفي
التجربة الإيرانية اللتين يرى ضرورة أن
تدرسا، لأن الأولى "استطاعت أن تتمرد على
الجدار العلماني"، ولأن الثانية "لا
تمثل تيارًا واحدًا، بل خيوط تفصيلية متنوعة".
ومع هذا كلِّه، يرى أن "الإسلام ليس
المسؤول عن التخلف والانكماش، بل هناك
استغلال سيئ لبعض النصوص أو المفاهيم لحماية
الخطوط المتخلفة لمصالح معينة". ولمواجهة
المرحلة يطرح المرجع الشيعي شعارًا ذا خطين:
الأول رفض الاستكبار العالمي بكلِّ خطوطه؛
والثاني: "كيف نؤصِّل ثقافة إسلامية
إنسانية تعترف بالآخر وتعتبر الحوار أساسًا
لحلِّ المشاكل وننسق مع الآخرين في مواقع
اللقاء". ويخلص
إلى عدم اعتبار أن "هناك حربًا صليبية [تُشَنُّ
على المنطقة] عندما تتعلق المسألة بأمريكا أو
بريطانيا أو كلِّ الذين يتحركون من خلال
مصالحهم للسيطرة على الواقع الإسلامي"،
ولا يفوته أن يصف موقف الفاتيكان المناهض
الحرب على العراق بأنه "رائع جدًّا"؛
وعلى المواقع الإسلامية أن تخطط لحملة عالمية
وتنسيق في عملية تعاون إسلامي–مسيحي. *** السياسة
الاستهلاكية
ننطلق من مقولتك الأخيرة:
"إننا استغرقنا في السياسة حتى نسينا الله؛
وعلينا أن نستعيد صلاة الحركة وصيام الحركة".
ماذا تعني بهذا الكلام؟ كانت هذه الملاحظة مرتكزة على
دراسة الواقع في حركة الإسلاميين، وربما
غيرهم من بعض العلمانيين والقوميين، من حيث
الاستغراق في السياسة الاستهلاكية بالطريقة
التي تنفصل فيها عن القاعدة الفكرية التي
تحدد للإنسان الخطَّ الفكري الذي ترتكز عليه
خطوطه العملية في وعي مفردات السياسة أو
التحرك في مجالاتها، وخصوصًا أن الساحة
العامة في المنطقة العربية أدخلت السياسة في
باب الاستهلاك، بدلاً من أن تكون في حركة
الإنتاج. ولهذا أصبحت، في كثير من أشكالها،
تمثل الشعار الذي يراد منه اجتذاب الجماهير
في غرائزيَّتها، بدلاً من التخطيط للحركة
المستقبلية في ما تعطيه المسألة السياسية من
سلب هنا أو إيجاب هناك. لذا كنت أفكر أن نظرتنا إلى
الواقع الذي نعيشه، ويمتزج فيه الخاص بالعام
والمحلِّي بالإقليمي والدولي، يجب أن تكون
شاملة، تبتعد عن التجزيئية. وإذا أردنا أن
ندرس المسألة السياسية، أي أن نمارس السياسة
بعيدًا عن الثقافة والاجتماع والاقتصاد،
فإننا لن نحصل على أيِّ حلٍّ سياسي للواقع، أو
لن نستطيع أن نفهم الواقع السياسي في هذا
المجال، لأن السياسة، عندما تنطلق في أيِّ
موقع في العالم، فإنها ترتبط بجذورها
الواقعية في حركة الإنسان والحياة. ولكن دعوتم
مرارًا، في خطبكم وكتاباتكم، إلى الانخراط في
الحياة السياسية والاستغراق فيها. ألا يبدو
الآن أن ثمة مفارقة أو تباينًا؟
لا. أن تدخل الحياة السياسية
على أساس أن تلتزم حركتك في هذه الساحة فأنت
تجمع كلَّ مفرداتها. فعندما تعيش في مجتمع
بدوي أو متحضر فإن طبيعة المفهوم السياسي في
إطلاق الفكرة وطبيعة الطرح ومراعاة الأجواء
تختلف بين موقع وآخر. إن السياسة ليست مجرد موقف ترفض
فيه الاحتلال أو الظلم؛ بل لا بدَّ لك من أن
تعالج مسألة الاحتلال كوسيلة ثقافية تجعل
الخطاب السياسي خطابًا يجمع لهذا الإنسان
الذي تريد له أن يستهلكه العناصرَ الحية في
مسألة الاحتلال، حتى يعرف كيف يحرك طاقته في
الرفض أو المواجهة. هل يعني هذا أن الكلام الذي
تطرحونه تلتزمه الحركات والأحزاب الإسلامية؟
أنا لا أستطيع أن أتحدث عن
شمولية في السلبي أو الإيجابي، لكنني أتصور
أن مشكلة الأحزاب الإسلامية، حتى التي
استطاعت أن تنجح في مبادراتها أو مواجهاتها،
أنها لا تزال تعيش في حُمَّى الخمسينات
السياسية التي أدخلت الانفعال في عمق
الممارسة السياسية، بحيث تحوَّل الجانب
السياسي في العلاقة بين القيادة والقاعدة إلى
حالة شعاراتية، تجتذب الجماهير أكثر مما
تثقِّفُهم. وأقدِّم ملاحظة في هذا المجال هو
أننا، لو أردنا أن نقوم باستفتاء ميداني
للقاعدة الشعبية، سواء عند الأحزاب
الإسلامية أو العلمانية، التي تندفع مع
قادتها نحو رفض احتلال أو واقع ظالم أو ما
شابه ذلك، فإننا نلاحظ أنها لا تملك ثقافة ما
تتحرك فيها. لِتُجْرَ عملية استفتاء في مسألة
مواجهة إسرائيل تشمل كلَّ الأحزاب العربية
القومية والإسلامية؛ فكم هي نسبة القاعدة
الشعبية التي تملك مسألة الثقافة
الإسرائيلية؟ هناك كلام عام أن إسرائيل دولة
احتلال، ولها أطماع في العالم العربي
والإسلامي، وثمة تحالف بينها وبين أمريكا.
أما الآليات والأسلوب والأفق، وكيف يمكننا أن
نطور تجربة ناجحة لتجربة ناجحة أخرى، وكيف
يمكن أن ندرس عناصر النجاح في هذه العملية أو
عناصر الفشل في تلك العملية، فلا شيء عنها. فقضية أن تنجح في موقع ليست
حالاً غيبية، وإنما هي خاضعة لما يتصل بجهدك،
من جهة، وللظروف الموضوعية المحيطة بموقعك
وحركتك، سواء كانت ظروفًا سياسية أو اقتصادية
أو اجتماعية، مما يجعلك تفكر أن نجاحك في موقع
لا يعني نجاحك في موقع آخر. قد تنجح في مواجهة
معينة لأن الطرف الآخر لم يكن مستعدًّا
للأساليب التي حرَّكتَها. لذلك عندما يستوعب
هذه الأساليب ويحاول أن يحتويها فإنك لا
تستطيع أن تكرر، ولا بدَّ من أن تبحث عن جديد
تستغفله فيه – إذا أمكن أن تستغفل العدو. المسلم
والحكم
في كتابك الحركة
الإسلامية الصادر في الثمانينات تحدثت
طويلاً عن موضوع الأحزاب وقلت إن الأحزاب
الإسلامية "صنعت قاعدة وقدمت الإسلام
كمشروع متكامل". ألا يناقض هذا الكلام ما
تطرحه الآن؟ لا، ليس ثمة تناقض. أنا كنت أقول
إن المجتمع الإسلامي، في شكل عام، كان يعيش
الإسلام بفعل عصور التخلف، بعيدًا عن الجانب
الحركي فيه. لا يعيش الإنسان المسلم مسؤولية
الحكم أو الحاكم، وإنما يعتبر عملية الحكم
والحاكم خارج نطاق إسلامه وتديُّنه. ونستذكر
هنا بعض الكلام الشعبي الذي كان يتحدث عن
مقولة: "ما لنا والدخول بين السلاطين"،
كأن مسألة السلاطين لا تنقل الوجدان الشعبي
إلا من خلال الانفعال بها، سلبًا أو إيجابا؛
أو علينا ألا نتدخل على أساس أن هذا الأمر ليس
من شؤوننا! وهكذا كانت الفكرة، من خلال هذه
الذهنية المتخلفة، أن القيمة الروحية
للإنسان، ولا سيما العالِم الديني، هي
الابتعاد عن السياسة؛ حتى إنه عندما يُتحدث
عن إنسان في مستوى القيمة يقال: "لا شغل له
في الدنيا، خربت أم عمرت؛ ليس له إلا سجادته
وكتابه وقرآنه"، وما إلى ذلك – وكأن البعد
عن الحياة جزء من الدين. وهذا كلُّه جعل
الإنسان المسلم، في شكل عام، يعيش حال
الانفعال حيال الحكم المسيطر عليه، سواء
سلبًا أو إيجابًا. وهذا ما لاحظناه في تاريخ
الحكومة العثمانية؛ إذ لم يلاحَظ، في أغلب
هذا التاريخ، أن هناك حركات فاعلة تواجه
الظلم الذي كان يعيشه الناس. ولعل قيمة الحركات الإسلامية –
ولا نتحدث عن شمولية في هذا المقام، باعتبار
أنها جزء من المجتمع الإسلامي، في تخلفها
وتقدمها – أنها استطاعت أن تطلق هذا الفكر،
وأن الإسلام ليس مجرد عبادة، أو معاملات
فردية، أو عناوين طائرة في الهواء، أو يمثل
أخلاقًا مثالية لا علاقة لها بالحياة – مما
جعل الناس يدخلون في هذا المناخ، بين من
يرتضيه ولا يرتضيه. لكن هذه الحركات استطاعت
أن تحقق قاعدة شعبية واسعة. وعندما نتحدث عما
حققته هذه القاعدة فليس معنى ذلك أنها تمثل
مستوى من الوعي للإسلام وأصالته وحضارته
وانفتاحه على العالم، لأن الذين يشرفون على
الأحزاب الإسلامية هم تمامًا مثل بعض الذين
أشرفوا على الأحزاب القومية أو العلمانية.
ففي شكل عام، يختلفون في وجدانهم الثقافي:
فهناك الذين يطلبون أو ينادون بالحكم
الإسلامي، ولكنهم يعيشون التخلف الذهني،
بحيث يُعَدُّ الحكم الإسلامي مشكلة للإسلام
أكثر مما يكون حلاً له، ويعطي صورة سلبية عن
الخطوط الإسلامية الثقافية والسياسية
والاجتماعية، كالذين يطرحون الإسلام على
أساس أنه يمثل ديكتاتورية الحكم الإسلامي،
بحيث لا يملك المسلمون أن يقفوا أمام الحاكم
ليعترضوا أو يثوروا عليه أو ما شابه ذلك. وربما نجد أن هناك من يخلط بين
المسألة المعاصرة أو التاريخية، بطريقة أو
بأخرى. كما أن عدم وجود صيغة قانونية، مكتوبة
بطريقة علمية موضوعية تفصيلية للإسلام في
عملية الحكم، يجعل الاجتهادات كثيرة وواسعة
إلى حدٍّ يمكن أن تمثل أقصى حالات التخلف، كما
قد تمثل أقصى حالات الانفتاح الذي ربما يخرج
به هؤلاء عن الإسلام في هذا المجال. لذلك ثمة
فرق بين وجود قاعدة شعبية تعيش هذا المناخ،
وأن يتم التحدث عن هذه القاعدة في شكل إيجابي
مطلق. وهذا ما لاحظناه في الأحداث
الأخيرة التي حصلت، وخصوصًا في 11 أيلول، مما
جعل البعض من القادة الإسلاميين يفكر في
طريقة القفز في الفضاء، من دون درس النتائج
السلبية أو الإيجابية في هذه الحركة. ولاحظنا
أيضًا أن أحداث 11 أيلول ساهمت في تقديم خدمة
لأمريكا على مستوى العالم لم تحلم بها في كلِّ
تاريخها، من دون أن نسيء إلى إخلاص هؤلاء
الأشخاص. لكن هناك فرق بين أن تكون مخلصًا أو
مصيبًا. إذًا أين
مشكلة الفكر الإسلامي والحركية الإسلامية،
وخصوصًا في هذه المرحلة، حيث الإحباط والعجز
اللذان تعيشهما الحركات الإسلامية؟
مشكلة الحركة الإسلامية هي أن
هناك خطوطًا عامة يلتزمها الجميع، مثل: "إن
الإسلام عقيدة ونظام"، أو "ديننا سياسة
وسياستنا دين"... ولكن ما هي التفاصيل؟ وما
هي صلاحية الحاكم الإسلامي؟ هل هذا الحاكم هو
إنسان يخضع للمحاسبة الشعبية، أم أنه يملك
كلَّ الصلاحيات ويستطيع أن يلغي الدولة؟ هل
الحاكم الإسلامي، بقطع النظر عن قضية
المقدسات التي أصبحت تاريخية من قضية
الأنبياء والأئمة، يملك القداسة أيضًا، أم
أنه مجرد إنسان، يملك ثقافة وتجربة وموقعًا
أو امتدادًا من الشعب من خلال استفتاء شعبي
وما إلى ذلك، ولا بدَّ من أن يحاسَب كما
يحاسَب أيُّ إنسان آخر. من حقِّ الإنسان
المسلم أن يقف أمام الحاكم ليحاسبه؛ ولا يجوز
للحاكم أن يحاسبه لأنه انتقده. لعل هذه هي
الصيغة الإسلامية الحقيقية؛ وتُستوحى من أن
النبي محمدًا، عندما وقف أمام أصحابه في آخر
حياته، قال لهم: "إنكم لا تمسكون أو تعلقون
عليَّ بشيء، لأني ما أحللت إلا ما أحلَّ
القرآن، وما حرَّمتُ إلا ما حرَّمه." أي أن
النبي يقول لهم: أنا في آخر حياتي أقدم حسابي
لكم، وأقول لكم إنني لم أخالف القانون. وإلى
جانب ذلك، نذكر أن شخصًا جاء إلى النبي عندما
كان يوزع الغنائم بعد معركة حنين – وكان هذا
الشخص حديث العهد في الإسلام – وقال": "اعدلْ
يا محمد!" فلم يعلِّق النبي ولم يحاسبه
أبدًا على هذا الكلام. ونقرأ أيضًا في نصٍّ من نصوص نهج
البلاغة للإمام علي: "لا تكلِّموني بما
تكلِّمون به الجبابرة، ولا تخاطبوني
بالمصادفة، ولا تتحفظوا مني بما يُتَحَفَّظ
به عند أهل البادرة [أهل السيف]، ولا تظنوا بي
استثقالاً لحقٍّ قيل لي أو لعدل يُعرَض عليَّ.
فإن من استثقل الحق أن يقال له، والعدل أن
يُعرَض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل. فلا
تكفوا عن مشورة بحق أو مقالة بعدل؛ فإني لست
بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن
يكفي الله من نفسي ما هو أملَك به مني" –
علمًا أن الشيعة يعتقدون أن عليًّا معصوم،
وهو هنا يدعو الناس إلى أن ينقدوه ويحاسبوه
على حكمه. نقرأ أيضًا، في الجانب
الأخلاقي والعملي، أن عليًّا كان جالسًا مع
أصحاب، وبينهم شخص من الخوارج الذين ثاروا
عليه، فظهرت امرأة جميلة، فرمقها القوم
بأبصارهم، فقال الإمام: "إن هذه الفحول
قوابح تطمح إلى ما لا تستحي؛ وإن ذلك سبب
هبابها [انحرافها]. فمن وجد في نفسه شيئًا
فليلامس امرأته؛ فإنها هي مثل المرأة التي
مرَّت." فقال هذا الخارجي: "قاتله الله
كافرًا ما أفقهه." فقام عندها القوم يريدون
النيل من هذا الرجل؛ فأشار إليهم الإمام
بالتزام الهدوء، وقال لهم: "رويدًا إنه
سبَّ بسبٍّ أو عفو عن ذنب." ندرس من خلال أكثر من شاهد أن
أيَّ شخص في الإسلام يملك حق محاسبة الحاكم،
وأن الأخير، بحسب طبيعة علاقته بالناس، لا
يملك أيَّ قداسة في مسألة الحكم، إلا بمقدار
ما يخرج للحكم؛ والحاكم، حتى لو كان نبيًّا أو
إمامًا، ليس فوق القانون. وعلى هذا الأساس فإن
في الحركات الإسلامية مناخًا يجعل الحاكم فوق
النقد؛ وربما يحاسَب الذي ينتقد الحاكم بسبب
هذه الهالة من القداسة بتهمة الإساءة إليه.
لذلك نقول إن ثمة مناخًا إسلاميًّا، ولكن ليس
من الضروري أن يكون في الخط الذي يمثل نقاء
الإسلام وصفاءه. قلت في أحد
أحاديثك الأخيرة إن الفكر الإسلامي توقف عن
الإنتاج والعطاء منذ 500 سنة. لمَ هذا التاريخ
بالذات؟
تحدثتُ عن الخمسمئة عام
للدلالة على أننا لا نعيش الواقع. فمنذ 500 عام
أو أكثر – أقول – الإسلام الحضاري يتراجع. يتراجع رغم كلِّ ما نشهده من حضور وتأثير
للحركات الإسلامية اليوم؟
كما قلت، الحركة الإسلامية لا
تمثل وحدة؛ وقد تلتقي من فوق. أما القواعد فقد
لا تملك هذا اللقاء الذي يجعلها تتوحد، إلا في
المسائل العاطفية التي تجذب أو تتحدى المشاعر
الإسلامية، كالقضية الفلسطينية وما إلى ذلك. مشكلة
الغرب
ولكنك في نقدك المستمر
للحركات الإسلامية تلتقي مع نقد الغرب...
أعتقد أن مشكلة الغرب أنه يطرح
المسألة في شكل شمولي، ويحاول أن يعطي حكمًا
مبرمًا وساحقًا من منطلق أن الحركات
الإسلامية تمثل التخلف. ونحن نرفض ذلك لأننا
نعرف أن ثمة حركات تملك الرؤية المعاصرة
والأسلوب الواقعي للعمل الإسلامي، وتحاول أن
تنفذ من الكثير من الثغر في الواقع السياسي.
قد لا نتكلم إيجابيًّا عن هذه الحركات، لكن لا
يجوز لك إلا أن تسجل لها بعض الإيجابيات في
مسألة المرونة الواقعية. عندما ندرس الآن تجربة الحركة
الإسلامية في تركيا نجد أنها، بقطع النظر عن
مفرداتها الفكرية والثقافية، قد استطاعت أن
تتمرد على كلِّ هذا الجدار العلماني الذي
حاول أن يصادر الإسلام في هذا البلد،
واستطاعت أن تحصل على أكبر قاعدة شعبية من
خلال شعاراتها الإسلامية؛ إضافة إلى السلوك
العام لأكثر من قيادة إسلامية، حاولت، بطريقة
أو بأخرى، أن تمارس المرونة في اختراق بعض
الثغر في النظام العلماني هناك أو في
السياسات الدولية والإقليمية. إنها تجربة [التركية]
لا بد أن تُدرَس. وكذلك التجربة الإيرانية،
لأن البعض يرفعها إلى السماء، والبعض الآخر
يُسقِطها إلى الحضيض. القضية ليست كذلك لأنها
لا تمثل تيارًا واحدًا، بل خيوط تفصيلية
متنوعة. ربما يتحدث البعض عن إيجابيات في
مسألة التيار الإصلاحي [في إيران]، والبعض
الآخر عن إيجابيات في التيار المحافظ،
باعتباره يحافظ على استقامة الفكر الإسلامي
وما إلى ذلك. أدعو دائمًا إلى أن ندرس كلَّ
حركة إسلامية، بإيجابياتها وسلبياتها. وعلينا أيضًا أن نعرف حقيقة هي
أن الحركات الإسلامية، مثل الحركات
العلمانية، لا تعيش في المطلق، ولا تتحرك
خارج الظروف الموضوعية التي تحيط بك. ولا يكفي
أن تنادي بالعدل، وأنت محاصر بألف موقع من
مواقع الظلم؛ ولا يكفي أن تؤمن بالفكرة أو
تحرِّكها في الوجدان الشعبي لتنتصر، بل لا
بدَّ لك أن تدرس الأرضية لتتحرك عليها. إن
المشكلة في تقويم الحركات الإسلامية هي أن
بين الناس من ينظر إليها على أساس الأسود أو
الأبيض في المطلق. ونحن نعرف أن الظروف
الموضوعية التي تحيط بك قد تحوِّلك إلى اللون
الرمادي. لست من الذين يرفضون اللون الرمادي
في المطلق، بل أعتقد أن حركتك، حتى في الجانب
الشرعي، يمكن أن تنطلق في الجو الرمادي، على
أساس درس الأصلح والأهم. الاجتهاد
يقال إن الجمود الذي
يعيشه الفكر الإسلامي يتحمل المسؤولية
الكبرى عنه الفكرُ الشيعي، كون باب الاجتهاد
فيه مفتوحًا؟ لعل هناك تفصيلاً في هذه
المسألة: أولاً، إن الآخرين من إخواننا من أصل
المذاهب الإسلامية الأخرى [السُّنة] بدأوا
يفتحون باب الاجتهاد، ويتحركون في درس
المستجدات والمتغيرات، في ذهنية قد تنفتح في
شكل واسع، وقد تبتعد عن دائرة اجتهادات
السابقين، بل بطريقة اجتهادية. أما بالنسبة
إلى الفكر الشيعي واجتهاده فإنه ربما انطلق
في البداية في شكل واسع، ولكنه بدأ ينكمش إلى
حدٍّ ما، باعتبار أنه وُضِعَتْ أمام الاجتهاد
مقدسات، مثل قضية أن ينتهي مجتهد إلى ما يخالف
مشهور العلماء من المتقدمين – ومشهور
العلماء ربما يملك، لدى الكثيرين من الأجواء
الحوزوية، شيئًا من القداسة لا ينظرون إليه
في القواعد الأصولية، ولكنهم يلتفتون إلى
الإنسان الذي يمكن أن يفتي بفتوى تخالف
المشهور على أساس الدليل. وهنا قد يتعرض بعض
الأشخاص لمشاكل. أي مثل المشاكل والانتقادات
التي تتعرض لها مرجعيَّتك؟
ربما كنت ممَّن تعرَّض لهذا
الأمر؛ ولكن ثمة علماء من قبلي تعرضوا لهذه
المشاكل. الانكماش
الذي تتحدث عنه، هل يعود إلى ثقافة الحوزات
الدينية أم إلى القاعدة؟ من هو المسؤول؟
سبب هذا الانكماش ليس
سياسيًّا؛ بل إنه البقاء في دائرة القواعد
المعلَّبة التي تحركت في الجانب الأصولي
والفقهي. يأخذ الغرب على الإسلام
أنه فكر نمطي؛ أي أنه لم يخرج من الأنماط التي
عاش فيها منذ قرون. وكل من حاول الاجتهاد
والخروج، بدءًا من سماحتك، إضافة إلى شخصيات
أكاديمية، مثل د. نصر حامد أبو زيد وعشرات
الآخرين، قوبلوا بحرب شعواء؟ إن مسألة أن تقابَل بحرب شعواء
ليست مشكلة ساحقة. بل إنني أزعم أن العالم غير
الإسلامي عاش هذا النوع من المشاكل. فمن طبيعة
المجتمعات أنها لا تلتقي مع الخارج عن
المألوف. وعندما نريد أن نضرب مثلاً، ولو
سياسيًّا، نجد الصراع على الحرب المرتقبة على
العراق التي نعيشها الآن. الإعلام الغربي
يتحدث عن المحاور المعارضة للسياسة
الأمريكية بطريقة تشبه طريقة التكفير
والتضليل الموجودة عندنا. وهكذا نلاحظ،
مثلاً، بالنسبة إلى المواقع العلمانية. فنحن
عندما ندرس الماركسية وتحركها في الاتحاد
السوفييتي أو في الصين قبل التطورات الأخيرة
نجد أن هناك نوعًا من التكفير الحصري أو
التضليل. ولا ننسى كيف أن الاتحاد السوفييتي
رجم [الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوزيب] تيتو
بالانحرافية وما إلى ذلك. فالمسألة إنسانية، تنطلق من
خلال المجتمعات التي تتعصب لفكر ما أو لسياسة
ووضع ما. لذلك فإن هذه المسألة ليست حكرًا على
العالم الإسلامي؛ ولعل مشكلته هي مشكلة
العالم الثالث، بما فيه الشعوب الموجودة في
أمريكا اللاتينية، ومشكلة المجتمع الذي لم
يتطور كثيرًا. وليس الإسلام مسؤولاً عن فقدان
هذا التطور لأن هناك فرقًا بين أن يكون التخلف
منطلِقًا من قداسة إسلامية تحميه أو من
استغلال سيئ لبعض النصوص أو المفاهيم لحماية
هذا النوع من الخطوط المتخلفة لمصالح معينة
هنا وهناك. وإننا نقول للغرب: صحيح أننا
عشنا في عصور متخلفة، وفقدنا الكثير من
الأصالة الإسلامية والثقافية، لكن الغرب
يتحمل مسؤولية كبرى لأنه فرض هذا التخلف من
خلال حركة الاستعمار. ونحن نعرف أن الغرب، بما
فيه الغرب الأمريكي الذي يتحدث عن ضرورة
إصلاح العالم الإسلامي وإدخاله في
الديموقراطية، يحرس الكثير من أنظمة التخلف
– وسيزيد من حراسته لها في المستقبل – رغم
كلِّ ما يطرحه من شعارات في عملية التطوير.
المشكلة التي نواجهها في هذا النوع من
الأحكام هي النظرة الشاملة للأشياء وليست
الموضوعية. نحن نؤمن بأن لدينا سلبيات، ولكن
ثمة تيارًا إسلاميًّا كبيرًا يعمل على التخلص
من هذا الواقع. ومن الطبيعي أن عملية التغيير
التي مرَّ بها الغرب قبلنا بأقصى ما يكون، من
خلال الحروب التي حصلت هناك، لا بدَّ أن
تواجَه بمثل هذه التحديات. المستضعفون
والمستكبرون
تحدثتَ مرارًا عن أهمية "الشعار"...
فما هو الشعار الذي تراه جديرًا بهذه
المرحلة؟
عندما تريد أن تدخل الحرب أو
تريد أن تحرك الجماهير فمن الطبيعي أن توازن
بين الجانب العقلاني والعاطفي، لأن الإنسان
ليس عقلاً أو عاطفة فقط؛ لا بدَّ لنا، في كثير
من الحالات، أن نزاوج بين الاثنين. وإن الشعار
يمثل أحد الأسلحة النفسية التي تصنع عنصر
الإثارة للناس، حيث تجعلهم أقوى في مواجهة
التحديات الكبرى التي تحاول أن تخاطبهم
بطريقة التبريد النفسي. وأعتقد أن شعار
المرحلة لا بد أن يتحرك في خطين: الأول: رفض الاستكبار العالمي،
بكلِّ خطوطه ومفاعيله ومعطياته، لنطرح مسألة
حركة المستضعفين في مقابل المستكبرين. وهذا
شعار لا بدَّ لنا أن نلتقي فيه بكل التيارات
الموجودة في العالم. ونحن نلاحظ، حتى في
التظاهرات الأخيرة، أن الذين رفعوا شعارًا ضد
الحرب على العراق هم مجتمع الشباب، في الغرب
والشرق، الذي يقف ضد العولمة؛ مما يعني أن
هناك حركة للمستضعفين قد لا تأخذ هذا
العنوان، لكنها تعيشه وتتحرك فيه. أتصور أن ما
يحدث الآن في الإدارة الأمريكية وعند حلفائها
ينطلق من أن هناك استكبارًا عالميًّا
اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، يعمل على
مصادرة حقوق المستضعفين، سواء في صراعاته مع
بعضه، حتى يأخذ أحدهم حصة أكبر من الآخر، أو
في إسقاط مصالح المستضعفين تحت اعتبارات
معينة. هذا الشعار لا بدَّ لنا أن نطرحه حتى
نجمع في داخله كلَّ قضايانا، ونستطيع أن نجمع
المسألة الفلسطينية لأنها مسألة استكبار
واستضعاف، فضلاً عن كلِّ قضايا الشعوب
الأفريقية واللاتينية. ونستطيع أيضًا أن نحرك
مسألة الحرب ضد العراق، بما هي احتلال أمريكي
لهذا البلد والمنطقة. والشعار الثاني هو أن ننفذ إلى
الداخل الثقافي؛ أي كيف نؤصِّل ثقافة إسلامية
إنسانية تعترف بالآخر وتعتبر الحوار أساسًا
لحلِّ المشاكل في هذا المجال، وتنسق مع الآخر
في مواقع اللقاء على أساس: "يا أهل الكتاب
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"، وأن
نقوم بعملية إصلاح للواقع السياسي. ولنأخذ
قبلاً موضوع السعي الأمريكي للسيطرة على
العراق. فنحن لا نستطيع أن نشرِّع للنظام
العراقي الطاغي الذي صادر شعبه والمنطقة
كلَّها تحت المظلة الأمريكية التي تصنع كل
يوم طاغية لتستغني عنه وتحضر طاغية جديدًا،
ملمَّعًا بثياب ديموقراطية. علينا أن نعمل
على أساس التخطيط للخروج من كلِّ هذا النوع من
التخلف السياسي الذي يمكِّن بعض الأجهزة من
أن تفرض على الشعوب أشخاصًا دورُهم أن يحرسوا
مصالح المستكبرين؛ وأن نعمل أيضًا على أساس
الحرية، أي أن يملك الشعب حريته في شكل كبير
جدًّا في المسألة الثقافية والسياسية
والاجتماعية. وإنني أتصور أن أيَّ فكر مؤصَّل
عند أصحابه لا يخاف من الحرية. في هذا الإطار، أين تأتي
دعوتك للمسلمين إلى الانخراط في الأحزاب
الغربية؟ بين هذين الخطين اللذين أشرت
إليهما سابقًا لا بدَّ لنا أن نؤكد حقيقة هي
أننا لسنا ضد الغرب، بل ضد الإدارات الغربية
التي نشعر بأن شعوبها تعارضها كما نعارضها
نحن. لذلك نحن ضد الإدارة الأمريكية، ولكن
لسنا ضد الشعب الأمريكي. نريد أن نكون أصدقاء
للعالم – وهذا خط إسلامي. وأكرر أننا لسنا ضد
الغرب، بل نحاول أن نحاوره؛ وفيه الكثير من
المثقفين المنصفين؛ وهناك أناس لا يعادوننا
من خلال عقدة، بل من جهل ودعاية مضادة. لذلك
علينا أن ننفذ إلى داخل الغرب لنحسن تعريف
الشعوب الغربية بقضايانا. وقد حمَّلنا
المسؤولية لكلِّ المهاجرين ليندمجوا في
المجتمعات الغربية ويدخلوا في أحزابها، مع
التزام المبادئ، وأن نؤثِّر في المجتمعات
التي نعيش فيها. في هذا السياق كيف تلقيتم
موقف الفاتيكان المعارض للحرب على العراق؟
نوجِّه تحية إلى الفاتيكان،
ممثلاً بالبابا، في هذا الموقف الرائع جدًا،
الذي أصبح يمثل موقفًا مسيحيًّا شبه شامل.
وإننا ندعو المواقع الإسلامية إلى أن تخطِّط
لحملة عالمية في مثل هذا المستوى، وننسق في
عملية تعاون إسلامي–مسيحي بغية مواجهة
الاستكبار العالمي، حتى يمكننا تطويق الكثير
مما يخطط له المستكبرون. نفهم من كلامك أن الحرب
الأمريكية على العراق ليست كما وُصِفَتْ
سابقًا "صليبية" ضد
المسلمين؟ لا أعتبر أن هناك حربًا صليبية
عندما تتعلق المسألة بأمريكا أو ببريطانيا أو
كلِّ الذين يتحركون من خلال مصالحهم في
السيطرة على الواقع الإسلامي. ربما يحمل بعض
الناس من هؤلاء عقدًا تنضم إلى حركة المصالح.
وهذا ما لاحظناه في ذهنية الرئيس [الأمريكي
جورج] بوش الذي يعيش في ذهنية دينية ضبابية
مشوشة، لا تنطلق من خلال القيمة، بل من حال
ذاتية تحاول أن توفق بين الجوانب الذاتية
للدين والجانب الاجتماعي والإنساني. وهذا ما
لاحظناه أيضًا لدى رئيس وزراء بريطانيا [طوني
بلير] الذي كان يتحدث عن الجانب الأخلاقي في
ضرب الشعب العراقي تحت شعار أنه يريد إسقاط
النظام العراقي. ونحن نعرف أنهم قادرون على
إسقاطه بأكثر من وسيلة أمنية؛ لكن القضية
عندهم هي كيف يتمكنون من إسقاط مواقع القوة في
العالم العربي والإسلامي لتبقى دولة
إسرائيل، باعتبارها الحليفة الوحيدة
لأمريكا، وحتى الآن يراد لها أن تسيطر على
المنطقة. فتِّش عن أمريكا وحلفائها وعن
إسرائيل وعن عناصر الضعف عندنا. *** *** *** أجرى
الحوار إبراهيم بيرم ورضوان عقيل عن
النهار |
|
|