10- الإنسان الحقيقي
من هو إذن الإنسان الحقيقي؟ إنه في الحقيقة انبثاق عن العقل المُدبِّر الشمسي
(المَلك المُوكل بالنظام الشمسي)، وقبسٌ من ناره القدسية. وجوهر الإنسان هو من
أصل جوهر المُدبَّر، ويتخذ هذا الجوهر من الذات رداءً له - رداء يُحيطه ويمنحه
فرديته، ويبدو لنظرنا المحدود أنه يفصله لفترة عن سائر الحياة الربانية. وقصة
التشكُّل الأصلي لذات الإنسان، وتغليفها للجوهر، لطيفة وممتعة، لكنها أطول من
أن يسعها مجرد عمل أولي كهذا. ويمكن العثور عليها بكامل تفاصيلها في كتبنا التي
تتعامل مع هذا الجانب من الحكمة الإلهية.
مع
الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين، تنتهي افتتاحية الكتاب الميثولوجية
الفخمة، التي روت عن قيام الإله التوراتي تحت اسم الله أحيانًا واسم
يهوه أحيانًا أخرى بخلق العالم وخلق الإنسان، وما تلا ذلك من قصة الجنة
والعصيان والسقوط، ونسل آدم، والطوفان. ومع الانتهاء من هذه الافتتاحية
تنتهي علاقة الإله مع البشر وتبدأ قصته مع شعب إسرائيل الذي تسلسل من
سام، أحد أولاد نوح الثلاثة الذين تشعَّبت منهم أمم الأرض بعد الطوفان.
تنتهي سلسلة سام في الإصحاح الحادي عشر إلى المدعو تارح الذي كان يسكن مدينة
أور في جنوب وادي الرافدين. ومع تارح هذا تبدأ قصة أصول إسرائيل. فقد أنجب تارح
ثلاثة أبناء هم: أبرام (أو إبراهيم كما دُعي فيما بعد) وناحور وهاران، ولكن
هاران توفي في حياة أبيه وترك ابنه لوطًا في رعاية جده. أما أبرام وناحور فقد
اتخذا لهما زوجتين هما ساراي (أو سارة كما دُعيت فيما بعد) ومِلكة. وكانت ساراي
زوجة أبرام عاقرًا. ولسبب غير واضح، قرر تارح مغادرة موطنه والتوجه إلى فلسطين
في أرض كنعان. ولكنه حط الرحال في مدينة حاران (= حرَّان) في الشمال السوري،
ومعه ولداه أبرام وناحور، وزوجتاهما، وحفيده لوط ابن هاران المتوفى، ولكن إقامة
تارح في حاران طالت ووافته المنية هناك (التكوين 11: 10-32).
ما
أن نفخ الله الروح في النفس البشرية حتى بدأت مسيرة البحث عنه واكتشاف
معالمه وخصائصه وطبيعة الطريق أو الطرق المؤدية إليه. لقد كان الإنسان
دائم البحث وكانت محاولاته في إطار هذا القلق المعرفي الروحاني ممتدة
إلى كل نواحي الحياة التي يحياها، ذلك أنه لم يستسغ أن يعيش على أعتاب
فراغ روحي سينعكس على حياته الاجتماعية بشكل جليٍّ. لذلك بدأ الإنسان
البدائي ما قبل التاريخ في استشعار وتحسس الطبيعة المحيطة به أملاً في
فهم نواميس الكون وعناصر الوجود المادي من حوله، ثم من أجل معرفة من
ينظم هذا الكون ومن يقف وراء تشكله وضبطه وتوجيهه.