|
الرسالة الثانية من الإسلام
الإهداء
إلى الإنسانية! بشرى .. وتحية. بسم الله الرحمن الرحيم
لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي.. فمن يكفر بالطاغوت،
ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها. والله سميع عليم مقدمة الطبعة الرابعة هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب الرسالة الثانية من الإسلام، وهو كتاب قد صدرت طبعته الأولى في يناير من عام 1967، الموافق لشهر الله المكرم رمضان من عام 1386. وقد لاقى رواجًا عظيمًا، ونجد أن رواجه يزداد كلما تقادم عليه العهد، ذلك أن الناس قد أخذوا يتفهمونه ويتقبلونه ويقبلون عليه. وهذا الكتاب هو، بالنسبة للدعوة الجمهورية، الكتاب الأم؛ ومع ذلك فإنه موجز أشد الإيجاز، ويتطلب شرحًا وتفصيلاً وتبيينًا ليس إليه اليوم من سبيل. وسيطيب لذلك الوقت عما قريب إن شاء الله. وما أريد في هذه المقدمة إلى شئ من تفصيل يتناول مواضيع الكتاب المختلفة، وإنما أريد إلى تقرير أمر يهمني تقريره، بادئ ذي بدء، وهو أن للإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على فروع القرآن، ورسالة ثانية تقوم على أصوله. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى، ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل. وسيتفق لها ذلك حين يجئ رجلها، وحين تجئ أمتها، وذلك مجئ ليس منه بد. (كان على ربك حتمًا مقضيًا) العروة الوثقى العروة هي المقبض، أو هي اليد التي يحمل بها الإناء، أو هي العقدة في طرف الحبل التي يستوثق بها القابض على الحبل من قبضة الحبل، فالعروة الوثقى هي مقبض الحبل الوثيق، والحبل هو الدين. قال تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانًا. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. كذلك يبين الله لكم آياته، لعلكم تهتدون. فالحبل هنا هو الإسلام، وهو القرآن، وذلك معنى واحد. وقد قال المعصوم في حديث يرويه علي بن أبي طالب: ألا إنها ستكون فتنة! فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله! فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعى إليه هدى إلى صراط مستقيم. هذا قول المعصوم، وهذا الحبل إنما تنزل من الله، في إطلاقه، إلى أرض الناس. فأوله عندنا وآخره عنده تعالى في إطلاقه. وهذه الصورة محكية، أجمل حكاية، في قوله تعالى من مطلع سورة الزخرف: حم، والكتاب المبين، إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون، وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم وهذا الحبل هو أيضًا المسمى بالهدى في قوله تعالى مخاطبًا إبليس وحواء وآدم: قلنا اهبطوا منها جميعًا، فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فإن هذا الهدى قد تنزل من الله، في إطلاقه، إلى المهبط الذي هبطه إبليس وحواء وآدم، وهو الأرض. ومن هنا كانت صورة الهدى وصورة الحبل عبارة عن أمر واحد، ذلك الأمر هو القرآن. والعروة الوثقى التي قلنا عنها أنها مقبض الحبل الوثيق إنما هي طرف الحبل الذي لامس الأرض - أرض الناس -. وهذا ما يحكيه ظاهر القرآن الذي تعطينا إياه اللغة العربية، وقد عبر تعالى عنه بقوله: إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون عبارة "لعلكم تعقلون" هي التنزل لأرض الناس، وهذه هي الشريعة. ولقد تنزل هذا الحبل الوثيق من الإطلاق، وقد عبر تعالى عن نقطة متنزله من الإطلاق بقوله تعالى: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم وقد أشار إلى نقطة متنزله من الإطلاق بقوله تعالى: (حم). أشار هنا إشارة فقط وهي إشارة في غاية الرفعة، وعبر هناك عبارة وهي عبارة في غاية البلاغة؛ وبين العبارة والإشارة اختلاف مقدار، فالمعبر عنه والمشار إليه أمر واحد هو الذات، وإنما جاء اختلاف المقدار لضرورة التنزل إلى الأفهام. فالعروة الوثقى هي الشريعة، والحبل الوثيق هو الدين، وبين الشريعة والدين اختلاف مقدار لا اختلاف نوع. فالشريعة هي القدر من الدين الذي يخاطب الناس - عامة الناس - على قدر عقولهم. ولقد صدرنا هذه المقدمة بآيتين، أولاهما: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي. فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها. والله سميع عليم). العروة الوثقى هنا الشريعة، وهي (لا انفصام لها) من الدين لمن (يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله)، فإنها له موسلة وموصلة. هذا شرط عدم انفصامها عن الدين: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله. وهذا يعني أنها منفصمة عن الدين لمن يستمسكون بها بغير كفر بالطاغوت، وبغير إيمان بالله، وهو ما عليه حال المسلمين اليوم. هذه أولى الآيتين. وأخراهما (ومن يسلم وجهه إلى الله، وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقى. وإلى الله عاقبة الأمور). وهذه الآية في معنى تلك، ولكنها تذهب أكثر منها في توضيح توسيل الشريعة. جاء في هذه بقوله: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن) في مقابلة (فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله) في تلك. وجاء بالفاصلة (وإلى الله عاقبة الأمور)، ليدل على الرجعى بالصعود على الحبل المتنزل من الإطلاق، حيث كان الإنسان، قبل أن يزل ويطرد بسبب الزلة ويبعد. (قلنا: اهبطوا منها جميعًا، فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون). وورد في نفس هذا المعنى، قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون فالأجر (غير الممنون) يعني غير المقطوع، وهو، من ثم، (العروة الوثقى، لا انفصام لها). السنة هي الرسالة الثانية: السنة شريعة وزيادة، فإذا كانت العروة الوثقى هي الشريعة، فإن السنة أرفع منها؛ وإذا كان حبل الإسلام متنزلاً من الإطلاق إلى أرض الناس، حيث الشريعة - حيث مخاطبة الناس على قدر عقولهم - فإن السنة تقع فوق مستوى عامة الناس. فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به، هي مخاطبته هو على قدر عقله؛ وفرق كبير بين عقله وبين عقول عامة الناس. وهذا نفسه الفرق بين السنة والشريعة. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس، وإنما كان ذلك ممكنًا، بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنًا من الزمان. وحين بشر المعصوم ببعث الإسلام إنما بشر به في معنى بعث السنة، وليس في معنى بعث الشريعة. قال: بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ. فطوبى للغرباء! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها ويجب أن يكون واضحًا أنه لا يعني إحياء الشريعة، وإنما يعني إحياء السنة. والسنة، كما قلنا، شريعة وزيادة. السنة طريقة، والطريقة شريعة موكدة. السنة ليست خاصة بالنبي كثيرا ما نسمع الفقهاء يقولون: إن هذا العمل خاص بالنبي. وهذا خطأ شنيع، وقد كان له سود العواقب في تثبيط الناس. والله تعالى يقول على لسان نبيه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، يحببكم الله ومن ههنا انفتحت الشريعة على السنة، وأصبح مطلوبًا من السالك أن يترقى من الشريعة إلى الطريقة-السنة. بيد أن هذا الترقي لم يكن فرضًا مفروضًا على عامة الناس، وإنما كان أمرًا مندوبًا إليه. وما منعه ألا يكون فرضًا إلا حكم الوقت، فقد كانت الفترة الأولى من الدعوة خاصة بأمة المؤمنين، وكان عمل النبي، في خاصة نفسه، عملاً في مستوى المسلمين. فلم يكن في الأمة المسلمة غيره. والإسلام مرتبة مترقية على الإيمان، وقد ورد تفصيل هذا في متن الكتاب، فليراجع في موضعه. والذي يهمنا هنا أن نقرر أن وقتنا الحاضر وقت تتهيأ فيه الأرض لظهور أمة المسلمين، وهذه الأمة هي أمة الرسالة الثانية، وشريعتها هي سنة النبي، لا شريعة الأمة الماضية بكل تفاصيلها، وذلك بفضل الله كما أسلفنا القول، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال هذه المدة الطويلة، مما جعله مستعدًا لتفهم التشريع المتطور من الشريعة إلى السنة. فكأن أرض الناس قد ارتفعت خلال هذه المدة، وكأن طرفًا من الحبل قد انطوى من البعد إلى القرب، وأصبحت بذلك العروة الوثقى الجديدة أقرب إلى الإطلاق من العروة الوثقى القديمة، وذلك لقرب أرض الناس - أعني مستوى فهمهم - من الإطلاق، إذا ما قورن بمستوى الفهم القديم. والأمة المسلمة هي التي سماها النبي الكريم بالإخوان، حين سمى الأمة المؤمنة بالأصحاب، وفي ذلك ورد حديثه المشهور الذي قال فيه: واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد! قالوا: من إخوانك؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم! قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم! قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون على الخير أعوانًا. وعن الأخوان قال، في موضع آخر: (الأنبياء أبناء أم واحدة) يعني هم أخوان لأنهم جميعًا يرضعون من ثدي واحد هو ثدي (لا إله إلا الله). وفي ذلك إشارة إلى أن أمة المسلمين يكون الناس فيها، لكمال معرفتهم بالله، كأنهم أنبياء وليسوا بأنبياء. ومما يدحض القول بأن السنة خاصة بالنبي قول الله تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم. وروح هذه الآية في عبارة: (من أنفسكم)، يشير إلى أن ما اتصف به النبي من كمالات هو لكم، إذا اتبعتم طريقه، لأنه من عنصركم، وليس من عنصر غريب عليكم. والاختلاف بينكم وبينه اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع. وقول من يقول بأن هذا العمل خاصية من خاصيات النبي يخطئ الحكمة في إرسال الرسل إلى البشر من البشر لا من الملائكة. فإذا كانت الأرض اليوم، بكل هذه الطاقة المادية الهائلة، والتقدم البشري الرفيع في وسائل الدنيا، ثم بكل هذه الحيرة المطبقة على عقول الناس وقلوبهم؛ إنما تتهيأ لظهور أمة المسلمين عليها، فقد أصبح واجبًا على ورثة الإسلام - على ورثة القرآن - أن يدعوا إلى الرسالة الثانية، تبشيرًا بالعهد الجديد الذي أصبحت البشرية تشعر بالحاجة الملحة إليه، ولكنها تخطئ طريقه. وإنما طريقه في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وإنما ينطق عنه الرجال. قال تعالى في ذلك: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ومما تنطق به صدور الذين أوتوا العلم أن طريق العهد الجديد - طريق المسلمين على الأرض - ترسم خط سيره آيات الأصول - الآيات المكية - تلك التي كانت في العهد الأول منسوخة بآيات الفروع - الآيات المدنية -. وإنما نسخت آيات الأصول يومئذ لحكم الوقت، فقد كان الوقت وقت أمة المؤمنين. وآيات الأصول تخاطب أمة المسلمين، وهي أمة لم تكن يومئذ. وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت، وعلق العمل بها فيما يخص التشريع، إلى أن يحين حينها، ويجئ وقتها، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق. وإنما من ههنا وظفنا أنفسنا للتبشير بالرسالة الثانية. الرسالة الثانية من الإسلام الإسلام دين واحد، وهو دين الله الذي لا يرضى غيره. قال تعالى فيه: أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعًا وكرهًا، وإليه يرجعون وهو، بهذا المعنى، إنما هو الاستسلام الراضي بالله ربًا، وبالإسلام جاء جميع الأنبياء من لدن آدم وإلى محمد. قال تعالى في ذلك: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب (شرع لكم من الدين) هنا لا تعني الشرائع وإنما تعني (لا إله إلا الله)، ذلك بأن شرائع الأمم ليست واحدة، وإنما هي مختلفة اختلاف مقدار، وذلك لاختلاف مستوياتها، وإنما (لا إله إلا الله) هي الثابتة، وإن كان ثباتها في مبناها فقط، وليس في معناها، وإنما يختلف معناها باختلاف مستويات الرسل، وهو اختلاف مقدار أيضًا. قال المعصوم في ثبات مبنى (لا إله إلا الله)، ( خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله). واختلاف شرائع الأنبياء الناتج عن اختلاف مستويات أممهم لا يحتاج إلى طويل نظر، ويكفي أن نذكر باختلاف شريعة التزويج بين آدم ومحمد، فقد كان تزويج الأخ من أخته شريعة إسلامية لدى آدم، وعندما جاء محمد أصبح الحلال في هذه الشريعة حرامًا. أكثر من ذلك أصبح التحريم ينسحب على دوائر أبعد من دائرة الأخت. قال تعالى في ذلك: حرمت عليكم أمهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم. وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف. إن الله كان غفورًا رحيمًا فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم، وهو من غير أدنى ريب كذلك، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين. ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع عن مستوى مجتمع القرن العشرين أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلاً، وإنما هو يتحدث عن نفسه. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرًا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق؛ وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح. المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة، وهذا صحيح، ولكن كمالها إنما هو في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية والاجتماعية، وعلى توجيه تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية والفردية من النشاط والحيوية والتجديد. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة، الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص. وهذا قول بعكس الحق تمامًا، فإنه إنما يتطور الكامل. فالكمل من العارفين مثلهم الأعلى أن يتخلقوا بما وصف الله تعالى به نفسه حين قال عز من قائل: (كل يوم هو في شأن)، فهم يجددون حياة فكرهم، وحياة شعورهم، كل يوم. واليوم عندهم هو يوم الله، وليس هو هنا أربعًا وعشرين ساعة، وإنما هو وحدة (زمنية) التجلي، وتلك (زمنية) أصغر من الدقيقة، بل أصغر من الثانية، بل أصغر من الثالثة. إنها (زمنية) قد تنقسم فيها الثانية إلى بليون جزء، حتى أنها لتكاد أن تخرج عن الزمن في المفهوم الذي يتصوره العقل للزمن. فهم قد ينطلقون، أو قد يحاولون أن ينطلقوا، مع الله في إبداء مظاهره لخلقه، يجددون حياة فكرهم، وحياة شعورهم بهذه الصورة المستمرة؛ هذا هو الكمال، وليس الكمال التزام صورة واحدة. فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح الجبل فتخضر، وتورق، وتزهر، وتثمر، ثم تلقي ببذرتها في تربتها، ثم تصير غثاء تذروه الرياح، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليًا متشامخًا يتحدى هوج العواصف. ذلك بأن تلك العشبة الضئيلة قد دخلت في مرحلة متقدمة من مراحل التطور - مرحلة الحياة والموت - مما لم يتشرف الجبل بدخولها، وإنما هو يطمع فيها، ويطمح إليها. وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسمًا حيًا، ناميًا، متطورًا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله منزلة منزلة. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد. يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم، إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ. قال تعالى: ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير قوله: (ما ننسخ من آية) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية. قوله: (أو ننسئها) يعني نؤجل من فعل حكمها. (نأت بخير منها) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة. (أو مثلها) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن. هذا هو معنى حكم الوقت. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول. وهذه هي الحكمة وراء النسخ. فليس النسخ، إذن، إلغاء تامًا، وإنما هو إرجاء يتحين الحين، ويتوقت الوقت. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء النص، فإذا خدمت آية الفرع التي كانت ناسخة في القرن السابع لآية الأصل غرضها حتى استنفدته، وأصبحت غير كافية للوقت الجديد - القرن العشرين - فقد حان الحين لنسخها هي، وبعث آية الأصل التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الحكم في القرن العشرين، وعليها يقوم التشريع الجديد. هذا هو معنى تطوير التشريع. فإنما هو انتقال من نص خدم غرضه، خدمه حتى استنفده إلى نص كان مدخرًا يومئذ إلى أن يحين حينه. فالتطوير، إذن، ليس قفزًا عبر الفضاء، ولا هو قول بالرأي الفج، وإنما هو انتقال من نص إلى نص. من المأذون؟ ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخًا، وما هو محكم محكمًا، فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخًا، وينسخ ما كان محكمًا؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول. والحق أن كثيرًا ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار، وإنما هم يعترضون على الشكل. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة تقتضي رسولاً، تقتضي نبوة وقد ختمت النبوة بصريح نص لا مرية فيه. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقًا أن الرسالة قد ختمت: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين. وكان الله بكل شئ عليما ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. ولكن النبوة ما هي؟ النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئًا عن الله، أي متلقيًا المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيًا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبيًا، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولاً. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس. ولكن هناك شيئًا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف. لماذا ختمت النبوة؟ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد. ذلك الأمر هو القرآن، واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله، من غير واسطة الملك جبريل، - أن يتلقوا عن الله كفاحًا -. ذلك أمر يبدو غريبًا للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحًا، ولكنا لا نعقل عنه. السبب؟ أننا عنه مشغولون. قال تعالى في ذلك: كلا! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن. فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذونًا له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله. من رسول الرسالة الثانية؟ هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام. كيف نعرفه؟ حسنا! قالوا أن المسيح قد قال يومًا لتلاميذه: احذروا الأنبياء الكذبة!، قالوا: كيف نعرفهم؟. قال: بثمارهم تعرفونهم. بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثالثة هذه مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب الرسالة الثانية من الإسلام، وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في يناير من عام 1967، الموافق لشهر رمضان المكرم من عام 1386؛ ثم صدرت الطبعة الثانية منه في إبريل من عام 1968، يوافق المحرم من عام 1388. وعند صدور هذه الطبعة صرفتنا صوارف العمل عن تصديرها بمقدمة خاصة بها. هذا الكتاب، الرسالة الثانية من الإسلام، كتاب جديد من جميع الوجوه. وهو، إلى جدته، غريب كل الغرابة، ولا غرو، ذلك بأنه بشارة بعودة الإسلام من جديد. وأي الناس، من علماء الناس، لا ينتظر الغرابة في عودة الإسلام من جديد؟ ألم يقل المعصوم: بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها. فالغرابة في أصل عودة الإسلام، ولكن هذا كثيرًا ما يغيب عن الذين يتصدون للكتابة عن الإسلام، ولقد تعرض لهذا الكتاب بعضهم فتورطوا في معارضة ما لم يحسنوا فهمه، ولم يطيقوا الصبر عليه، فجاءت معارضتهم مثلاً من سوء الفهم، وسوء التخريج، وسوء القصد أيضًا. ولسنا بحاجة لأن نرد على هؤلاء، فإن سوء صنيعهم يكفينا إياهم، ولكننا نحب أن ننبه من عسى يحتاج إلى تنبيهنا من القراء إلى أن هذا الكتاب حق، وأن الإطلاع عليه يقتضي الصبر، والأناة، ودقة النظر، فإذا ظفر القارئ بأولئك فإنه سيتفتح ذهنه على فهم جديد للقرآن وللإسلام، وسيحمد عاقبة صبره، وطول أناته، إن شاء الله. السنة والشريعة ولقد ذكر النبي في حديثه الغرباء، وقال أنهم هم الذين يحيون السنة بعد اندثارها. وهم، بالدعوة إلى هذا الإحياء، يصبحون غرباء بين أهليهم، وذلك لما يصحب هذه الدعوة من خروج على مألوف ما عليه الناس. هم غرباء الحق بين قوم يغدو الحق بينهم غريبًا لطول ما ألفوا الباطل فظنوه حقًا، ولطول ما غفلوا عن الحق. إن مما ألف الناس أن سنة النبي هي قوله، وإقراره، وعمله. والحق أن هذا خطأ، فإن قول النبي وإقراره ليسا سنة، وإنما هما شريعة. وأما عمله في خاصة نفسه فهو سنة. نعم هناك من قوله قول يلحق بالسنة، وذلك هو القول الذي ينم عن حال قلبه من المعرفة بالله. أما أقواله التي أراد بها إلى تعليم الأمة في أمر دينها فهي شريعة. والفرق بين الشريعة والسنة هو الفرق بين الرسالة والنبوة، أو هو الفرق بين مستوى الأمة، من أعلاها إلى أدناها، ومستوى النبي؛ وذلك فرق شاسع وبعيد. السنة هي عمل النبي في خاصة نفسه، والشريعة هي تنزل النبي، من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى أمته، ليعلمهم فيما يطيقون، وليكلفهم فيما يستطيعون. فالسنة هي نبوته، والشريعة هي رسالته. وإنما في مضمار رسالته هذه قال: نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم الإسلام والإيمان والناس، اليوم، لا يملكون القدرة على التمييز الدقيق بين الإسلام والإيمان، فهم يعتقدون أن الإيمان أكبر من الإسلام، وقد ورطهم في هذا الخطأ عجزهم عن الشعور بحالة الوقت، ذلك بأن الوقت الذي كان فيه هذا الفهم صحيحًا قد انقضى، وأقبل وقت تطور فيه فهم الدين، وانتقل من مستوى الإيمان، إلى مستوى الإسلام. الأمر فحواه كالآتي: الإسلام فكر يرتقي السالك فيه درجات سلم سباعي: أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد. ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية اختلاف مقدار، فهو في الدرجة الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة النهائية انقياد الظاهر والباطن معًا. وهو في الدرجة الأولية قول باللسان، وعمل بالجوارح، ولكنه في الدرجة النهائية انقياد، واستسلام، ورضا بالله في السر والعلانية. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر من الإيمان. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه. ولقد لبس على علماء الدين هذا الأمر حديث جبريل المعروف، الذي رواه عمر بن الخطاب، قال: بينا كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال: الإسلام أن تشهد ألا اله إلا الله، وان محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصوم الشهر، وأن تحج البيت، إذا استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه! ثم قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر، خيره وشره، واليوم الآخر. قال: صدقت. ثم قال: فأخبرني عن الإحسان. فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: صدقت. ثم قال: أخبرني متى الساعة؟ فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل! قال: فأخبرني عن علاماتها. قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. قال: صدقت. ثم انصرف. فلبثنا مليًا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم! هذا الحديث لبس على علماء الدين الأمر فظنوا أن مراقي ديننا إنما هي الإسلام، والإيمان، والإحسان. ولما كان واردًا في القرآن قول الله تعالى عن الأعراب قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا. ولما يدخل الإيمان قلوبكم فقد أصبح واضحًا أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام. وما علموا أن الأمر يحتاج إلى نظر. جلية الأمر وجلية الأمر أن الإسلام، كما هو وارد في القرآن، قد جاء على مرحلتين: مرحلة العقيدة، ومرحلة الحقيقة أو سمها مرحلة العلم. وكل مرحلة من هاتين المرحلتين تقع على ثلاث درجات. فأما مرحلة العقيدة فدرجاتها الثلاث هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وأما مرحلة العلم فدرجاتها الثلاث هي: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين. ثم تجئ، بعد ذلك، الدرجة السابعة من درجات سلم الترقي السباعي، وتلك هي درجة الإسلام، وبها تتم الدائرة. وتجئ النهاية، تشبه البداية، ولا تشبهها. فهي في البداية الإسلام، وهي في النهاية الإسلام. ولكن شتان بين الإسلام الذي هو البداية، وبين الإسلام الذي هو النهاية. وقد سبقت إلى ذلك الإشارة. ومرحلة العقيدة هي مرحلة الأمة المؤمنة، وهي أمة الرسالة الأولى. ومرحلة العلم هي مرحلة الأمة المسلمة، وهي أمة الرسالة الثانية، وهذه الأمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم النبي، الأمي، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وهو قد بشر بمجئ هذه الأمة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصلة في السنة، وقد أسلفنا الإشارة إلى معنى السنة. وحين تجئ هذه الأمة المسلمة فإنها لا تبدأ إلا بما بدأت به الأمة المؤمنة، وهي مرحلة العقيدة، ولكنها لا تقف في الدرجة الثالثة من درجات السلم التي وقف جبريل في أسئلته عندها، وإنما تتعداها في التطور إلى ختام الدرجات، فتكون بذلك صاحبة عقيدة، وصاحبة علم، في آن معًا. فهي مؤمنة، ومسلمة، في حين أن الأمة الأولى مؤمنة، وليست مسلمة، بهذا المعنى النهائي للإسلام. ويجب أن يكون واضحًا فإن جبريل إنما وقف، في أسئلته، عند نهاية درجات العقيدة لأنه إنما جاء ليبين للأمة المؤمنة دينها، ولم يجئ ليبين للأمة المسلمة، التي لما تأت بعد. إن محمدًا رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلاً، وأجمل الرسالة الثانية إجمالاً، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهمًا جديدًا للقرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بين يدي القراء. إن هذا الكتاب يهدي الطريق، ولكنه لا يمكن من نفسه إلا الذين يقبلون عليه بأذهان مفتوحة. عند الله نلتمس التسديد، ونجح المراد. إنه نعم المولى. *** *** ***
|
|
|