الثيوصوفيا هي ذلك
المحيط من المعرفة الممتد من ساحل من سواحل
تطور الكائنات المُحِسِّة إلى آخر. ومع أنها
في أعماقها التي لا يُسبَر غورُها تفسح لأعظم
الأذهان مجالها الأوسع، فهي عند شواطئها من
الضحالة بما لا يُغرِق فهم طفل. هي الحكمة عن
الله عند الذين يؤمنون أنه الكل في الكل، وهي
الحكمة عن الطبيعة عند المرء الذي يقبل
التصريح الوارد في الكتاب بأن الظلمة تكتنف
سرادقه. ومع كونها تتضمن بالاشتقاق كلمة
الله، وبذلك قد تبدو مشتملة على الدين وحده،
فإنها لا تهمل العلم أيضًا؛ ذلك لأنها علم
العلوم، ولذا دُعِيت بدين الحكمة. فما من علم
تام يغفل أيَّ قطاع من قطاعات الطبيعة،
مرئيًّا أو غير مرئي؛ والدين، باستناده إلى
الوحي المزعوم وحسب، وضربه كشحًا عن الأشياء
وعن القوانين التي تنتظمُها، ليس إلا مجرد
أضلولة وعدوًّا للتقدم وحاجزًا في سبيل سعي
الإنسان نحو السعادة. أما الثيوصوفيا فهي،
باشتمالها على العلم والدين جميعًا، دين علمي
وعلم ديني.
أتوقف قليلاً – وقد قضيت الردح الأعظم
من حياتي باحثًا عن "الطريق" وعن "الحقيقة"
وساعيًا وراء "الحلم" – محاولاً، مرة
أخرى، إعادة قراءة الأشياء بعينين أردتُهما
جديدتين – عينين تبحثان عن الألوهة، ربما،
ولكن من خلال بني الإنسان. أتوقف أمام ظاهرة
مرَّت وتركت أثرًا صغيرًا في مملكة هذا
العالم، لكنها استحوذت عليَّ. إنها قصة
الكاثاريين.
الكثيرون، إن لم نقل أغلب أناسنا
اليوم، لم يسمعوا حتى باسمهم. فالتاريخ
مازال، حتى هذه الساعة – مع الأسف – يُكتَب
من وجهة نظر متحزبة. والحزب السائد، حتى يومنا
هذا، مازال يفضل طيَّ هذه الصفحة – وغيرها!