|
أسطورة
إن العروة
الوثقى التي تجمع بين الطقس والأسطورة تعلن
عن نفسها كأوضح ما يكون الإعلان في طقسين من
الطقوس الدورية الكبرى، وهما أعياد رأس السنة
التي كانت تجدِّد العالمَ طقسيًّا، وذلك
بإحيائها للفعاليات الإلهية الخلاقة التي
قادت إلى إظهار الكون وإحلال النظام فيه،
وأعياد الربيع التي كانت تجدِّد طقسيًّا
دورةَ حياة ألوهة الخصب التي تدفع دورةَ
الفصول وتبعث الطبيعةَ الميتةَ من مرقدها بعد
شتاء طويل. وبما أن أعياد الربيع، التي كان
يجري الاحتفالُ بها في جميع أنحاء الشرق
القديم منذ عصور ما قبل التاريخ، هي أقدم من
أعياد رأس السنة في صيغتها البابلية
المعروفة، وهي نموذجها الأسبق، فإن هذه
الأعياد الربيعية، بما تنضوي عليه من أسطورة
وما تبديه من طقس، سوف تكون موضع اهتمامنا
فيما يلي من هذا البحث – علمًا بأن النصوص
السومرية سوف تكون مصدرنا الرئيسي هنا، وذلك
لاحتوائها على أغزر مادة أسطورية ذات علاقة
بموضوعنا. ورغم أن هذه النصوص قد دُوِّنَتْ
خلال أواخر الألف الثالث ق م، إلا أن الباحثين
في السومريات يرجعون بأصولها إلى أواخر الألف
الرابع على أقل تقدير. كلمة أولى وإهداء
أخذتُ
وقائع هذه الأساطير من النصوص الشعرية
للشعراء هسيود وهوميروس وأفيري. وقد تمَّ
التصرف بإسقاطها على أحداث القرن الحادي
والعشرين. لقد
أهدتْ الحضارةُ الأوروبيةُ العالمَ أعظم
كنوز العصر عندما قدَّمت له الثورة العلمية
والثورة الصناعية اللتين أسهمتا في تغيير وجه
التاريخ. لكن التاريخ يدين الحضارة الأوروبية
بسبب وباء روح نهم الاستهلاك المادي التي
بثَّتْها مقتضيات التجارة العالمية، مما
أدَّى إلى تشويه الإنسان، روحيًّا ونفسيًّا،
وأسهم في انحطاط قيمه ووجدانه. من
جهة أخرى، أهدتِ الحضارةُ الأوربيةُ
العالمَ، في الماضي، إكسيرًا روحيًّا
وفلسفيًّا ومعرفيًّا عظيمًا عندما قدَّمت
للبشرية الحضارة اليونانية–الرومانية.
لكن من المؤسف أن هذا الإكسير قد اختفى تحت
ردم الزمن وتحت أنقاض الصراعات العقائدية
عندما اعتُبِر ضربًا من ضروب المعتقد الوثني! مما
لا شك فيه أن هذا الإكسير يحتوي كنوزًا أهم
بكثير من الذهب والتحف التي استخرجها شليمن.
وربما كان يحتوي مبدأ الخلاص الذي طالما
استهلكت الإنسانيةُ ذاتها بحثًا عنه. إذا
كانت الأساطير تشير إلى أن عصر الخلاص يبدأ
عندما تشرق الشمس من الغرب فإن العالم يطالب
اليوم الحضارةَ الأوربية بإنتاج العشرات –
بل المئات – من أمثال شليمن، علَّهم يستخرجون
لنا الكنوز الحضارية الروحية والمعرفية
الدفينة. من
هذا المنطلق أهدي الإنسان الأوربي هذا العمل
المتواضع، مع كلِّ حبي وتقديري. ***
|
|
|