|
سـيروة التعـلُّم
كان من عادة كريشنامورتي أن يلتقي دوريًّا تلامذة "مدارسه" اليافعين، في الهند وإنكلترا وأمريكا، فيكلِّمهم في بساطة عن شؤون الحياة والموت والطموح والعنف والحساسية والانتباه للتفاصيل، وعما ينتظرهم في العالم من تعقيدات يتعيَّن عليهم أن يحلُّوها في فطنة واقعية وحسٍّ رفيع بالتعاطف وبالمشاركة مع العالم.
هذه مقتطفات من حديث كريشنامورتي الأول إلى تلامذة مدرسته لليافعين في راجگهت، بنارِس (ڤارنَسي، الهند)، يوم 17 تشرين الثاني 1981، بعد أن استمع إلى غنائهم؛ وفيها يحاول أن يحسِّسهم بفكرة جوهرية: سيرورة التعلم الحقيقي لا تنطلق في النفس من غير اكتراث ومراقبة وتعاطُف مع الأحياء كافة ومقاسمة إنسانية كريمة، مهما يكن ما نملك ضئيلاً! المترجم * * *
كريشنامورتي: هل حان دوري لأغنِّي أيضًا؟ عمَّ تريدونني أن أتحدث؟ أخبروني. ق: عن سيرورة التعلُّم. ك: حسنٌ. تريدون الحديث عن التعلُّم؟ أ: نعم. ك: نعم؟ هل هذا يعني نعم، أو لا؟ أ: نعم. ك: هل تعلَّمتم كم عدد الطيور الموجودة في هذا الحَرَم؟ هل تعلَّمتم عن ذلك؟ هل راقبتم تلك الطيور كلَّها؟ إنها مع اشتداد البرد تنزل من الهماليا، وفيما يتعدى الهماليا، من روسيا، رفوف من الطير تأتي إلى هنا. هل تعلَّمتم، هل راقبتموها؟ هل راقبها بعضُكم؟ هل تعرفون أسماء الطيور؟ هل رأيتم ما أكثر أنواع الطيور الموجودة في هذا الحَرَم؟ هل تؤذونها؟ أ: لا. ك: ألا تقتلونها؟ أ: لا. ك: الحمد لله! هل تعلَّمتم مختلف صنوف الأشجار والنباتات والأزهار التي تنمو في هذا المجمَّع؟ هل تعلَّمتم؟ لا. هل رأيتم القوم الفقراء حول المكان هنا؟ أ: نعم. ك: ماذا تعلَّمتم منهم؟ من مراقبتهم يحملون ذلك العبء الثقيل، من الناس على الدراجات يحملون حمولات ثقيلة من اللبن وغيره من الأشياء – هل راقبتموهم؟ هل فعلتم؟ أ: نعم. ك: ماذا تعلَّمتم من ذلك؟ أخبروني، هيا. ماذا تعلَّمتم؟ سألتم: هيا نتحدث عن التعلُّم. صحيح؟ هل تعلَّمتم من مراقبة أولئك القوم الفقراء يذهبون، يومًا بعد يوم، إلى البلدة يحملون حمولات ثقيلة ويؤوبون منها بالنزر اليسير من المال، هل راقبتم ذلك كلَّه؟ وبِمَ تشعرون حياله؟ ما رد فعلكم تجاهه؟ أخبروني، رجاءً. ق: جميع الناس يعاملونهم بفظاظة. ك: هل تعاملونهم بفظاظة؟ هل أنتم رعناء في معاملتهم؟ ألا تهتمون لأمرهم؟ ذات يوم، منذ سنوات طويلة، كانت امرأة تحمل عبئًا ثقيلاً، ثقيلاً جدًّا. وضعتْه على ذاك النصب هناك ريثما ترتاح. وبينما كنت مارًّا من هناك، ساعدتُ على رفع الشيء ووضعه على رأسها. كان يَزِنُ فعلاً وزنًا باهظًا، حتى كان من الصعب رفعُه. هذا اتفق لكم أن تساعدوا أحدًا على هذا النحو؟ أ: نعم. ك: جيد! إذن فأنتم تتعلَّمون من مراقبة الطيور، وما هي صنوف الأنواع الموجودة، وكم هو عدد الصنوف الموجودة. راقبتم الأشجار والنباتات والأزهار والعشب والزحافات، فهل تعلَّمتم منها؟ لا لتؤذوها، لا لتنتزعوا أوراقها – هل فعلتم؟ وإذن فهل ستتعلَّمون عن الأمر؟ وكذلك راقبتم جميع أولئك القوم الفقراء يمرون كلَّ يوم، يسيرون شوطًا طويلاً جدًّا إلى بنارِس، أربعة أميال أو خمسة، يحملون أعباء ثقيلة، ويؤوبون بعد أن يبيعوا أشياءهم القليلة لقاء بضعة نقود، عائدين إلى القرية. هل راقبتم ذلك؟ هل تعلَّمتم من الأمر؟ أنكم إذا كنتم تملكون القليل أن تقاسموهم ذلك القليل؟ هل تفهمون ما أقول؟ أعني أنكم إذا كنتم تملكون عشرة نقود أن تعطوهم قطعة منها ولا تحتفظوا بكلِّ شيء لأنفسكم. قبل خمس سنوات، على ما أظن، بينما كنت أسير وحدي هناك، جمع أحد القرويين – لم يكن يعرفني، ولم أكن أعرفه – بضعة أغصان وقضبان يابسة وإلى ما هنالك، وأوقد فيها النار، ووضع قِدْرًا صغيرة، فيها القليل من الرز وبصلة وقطرتين أو ثلاث من الزيت، وشرع يطبخ. رحت أراقبه. راقبت ما كان يفعل، يجمع الأغصان، يجمع القضبان، يوقد فيها النار، ويضع القِدْر عليها، وفيها القليل من الرز والزيت وبصلة كبيرة، ويطبخ. وحين نضج المطبوخ على ما ينبغي، نظر إليَّ وقال: "هل لك أن تقاسمني هذا؟ خذ قليلاً منه." لم أستطع أن أفعل لأنه قال: "هذه هي وجبتي برمتها لليوم." أتفهمون ما أقول؟ أ: نعم. ك: كانت تلك وجبته كلها يومذاك، وكان يريد أن يقاسمني ذلك النزر القليل من الرز. هل تفهمون ما أكرم ذلك، ما أروع الشعور بأنه يود أن يعطيك شيئًا. لم يكن يعرفني. هل لديكم هذا الشعور؟ الشعور باقتسام شيء مع الآخر. أم تريدون أن تحتفظوا بالأمر كلِّه لأنفسكم؟ *** *** *** ترجمة: ديمتري أڤييرينوس
|
|
|