جوهر الحكمة الإلهية 4
تشارلز ويبستر ليدبيتر
14- ماضي الإنسان ومستقبله
ما أن نفهم الحقيقة القائلة بأن الإنسان قد بلغ وضعه الحالي عبر سلسلة
طويلة ومتنوعة من الحيوات، حتى يبرز تلقائيًا في أذهاننا سؤال عن مدى
قدرتنا على امتلاك أية معلومات تخص ذلك التطور المبكر، والتي ستكون
بالتأكيد مثيرة لاهتمامنا. ولحسن الحظ فإن مثل هذه المعلومات متوفرة،
ليس فقط عن طريق الموروث الشفهي، بل من خلال وسيلة أخرى أكثر مصداقية
بكثير؛ وهي التكهن النفسي[1].
ولديَّ هنا مجال واسع للإسهاب حول عجائب هذه الطريقة، إلاَّ أن عليَّ
القول ببساطة إن ثمة أدلة كثيرة تكشف عن عدم إمكانية حدوث أمرٍ دون أن
يتم تسجيله على نحو دائم - وإن هناك نوعًا من الذاكرة في الطبيعة
نستطيع أن نستعيد منها بدقة مطلقة شريطًا مُصوَّرًا حقيقيًا، كاملاً
ومتقنًا، عن أي مشهد أو حدث جرى منذ نشأة العالم.
ولأُولئك الذين يُعدُّ هذا الموضوع جديدًا تمامًا بالنسبة لهم، والذين
يبحثون بالتالي عن أدلَّةٍ تؤكده، فلا بُدَّ من الرجوع إلى كتاب
الدكتور بوكانان[2]
التكهن النفسي أو كتاب البروفسور دينتون[3]
روح الأشياء؛ في حين أن جميع طلاب العلوم العرفانية مُلمِّين
بهذا الأسلوب لقراءة سجلات الماضي، وأغلبهم يعرفون كيفية استخدامه.
فذاكرة الطبيعة هذه لابد أن تكون في جوهرها ذاكرة المُدبَّر الشمسي،
وهي بعيدة تماما عن متناول الإنسان؛ غير أن صورة عنها تنعكس بالتأكيد
في العوالم الدنيا؛ بحيث يمكن مشاهدتها بواسطة الإدراك المُدرّب
للإنسان، وذلك قدر تعلق الأمر بالإحداث في تلك العوالم.
إن كل ما يمر أمام المرآة، على سبيل المثال، ينعكس على سطحها، ويبدو
لأعيننا الكليلة أن الصور لا تنطبع على ذلك السطح، بل تمر دون أن تترك
أي بصمة. غير أن الأمر قد لا يكون كذلك؛ فليس من الصعب تصوّر إمكانية
ترك اثر، مثل الذي يحدثه أي صوت على الاسطوانة الحساسة لجهاز
الفونوغراف[4]؛
وقد يكون من الممكن استعادة ذلك الأثر من المرآة كما هو ممكن من
الفونوغراف.
ويكشف لنا التكهن النفسي المتقدم أن هذا الأمر ليس ممكنًا فحسب، بل هو
حقيقي؛ وليس المرآة فقط، بل أن أي جسم مادي يحتفظ بتسجيل لكل ما جرى
حواليه. وبذلك يكون تحت تصرفنا أسلوب دقيق لا غبار عليه للوصول إلى
التاريخ المبكر لعالمنا وللجنس البشري، وبهذه الطريقة يمكن مشاهدة
الكثير مما يثير بالغ الاهتمام وبتفاصيل كاملة، كما لو أن الأحداث
يُعاد تمثيلها خصيصًا لأجلنا. (انظر كتابنا الاستبصار، ص 88).
وتكشف التحقيقات التي أُجريت على الماضي باستخدام هذه الأساليب عن
عملية طويلة، بطيئة ولكن متواصلة، من التطور التدريجي. وهي تُبيِّن أن
تقدُّم الإنسان تمَّ تحت تأثير اثنين من القوانين العظمى: الأول هو
قانون الارتقاء، الذي يدفع الإنسان بانتظام نحو التطور والسمو؛
والثاني: قانون العدالة الإلهية، أو السبب والنتيجة، الذي يُسلِّط على
الإنسان بشكل حتمي عاقبة كل عمل من أعماله، وهكذا يُعلِّمه تدريجيًا
العيش بانسجام ذكي مع القانون الأول.
إن عملية التطور الطويلة هذه لم تكن تجري على هذه الأرض فقط، بل على
أجرام أُخرى مرتبطة بها؛ بيد أن الموضوع أكبر بكثير من أن يُطرح بشكل
كامل في كتاب أولي كهذا. فهو يُشكِّل المَبحث الرئيس لكتاب السيدة
بلافاتسكي الخالد العقيدة السرية؛ ولكن قبل الشروع بقراءته
يُنصح الطلاب بالاطلاع على الفصول المتعلِّقة بهذا الموضوع في كتاب آني
بيسنت الحكمة العريقة وكتاب السيد سينت تطور الذات.
إن الكتاب الذي سبق ذكره يحوي أكمل المعلومات المتوفرة ليس فقط عن ماضي
الإنسان، بل كذلك عن مستقبله؛ ورغم أن الإنسان سيبلغ مقامًا عظيمًا
يعجز اللسان عن وصفه، فلا بأس من معرفة القليل عن المراحل الأولى التي
تؤدي إليه. فالرأي القائل إن الإنسان كائن قدسي حتى في وضعه الراهن،
وإنه سيكشف قريبًا عن الإمكانيات الربانية في ذاته، يصدم على ما يبدو
بعض الناس الصالحين، ويعدُّ من قِبَلهم مُخالفًا للعقيدة. وليس من
السهل إدراك حقيقة هذا الأمر، فالمسيح نفسه قد ذكَّر اليهود من حوله
بالقول الوارد في كتبهم المقدسة: "أقول لكم إنكم ربَّانيون"، وقد كانت
عقيدة ربانيّة الإنسان شائعة بين آباء الكنيسة. غير أن قسمًا كبيرًا من
العقيدة الخالصة القديمة قد تعرَّض خلال الفترة الأخيرة للنسيان وإساءة
الفهم، ويبدو أن الحقيقة الكاملة لا يؤمن بها حاليًا سوى طلاب العلوم
العرفانية.
ويتساءل الناس أحيانًا، إن كان الإنسان ربانيًا وقبسًا من المدبر منذ
البداية، فلماذا توجَّب عليه أن يمر بكل تلك الدهور من التطور،
ويتحمَّل الكثير من البؤس والعذاب، أِمن أجل أن يصبح في ختام كل ذلك
ربانيًا كما كان فحسب. إن أولئك الذين أبدو هذا الاعتراض لم يستوعبوا
المخطط. فذلك الذي انبثق من المدبر لم يكن بَعدُ إنسانًا - بل لم يكن
قبسًا كذلك، إذ لم تكن فيه ذاتٌ متطورة. لقد كان مجرد سحابة عظيمة من
جوهر قدسي، إلاَّ أنها مُؤهَّلة لتتبلور في نهاية المطاف إلى جواهر
كثيرة.
والفرق بين حالة السحابة حين انبثقت وعند عودتها هو بالضبط كالفرق بين
كتلة عظيمة من مادة سديمية لامعة، والنظام الشمسي الذي تشكَّل منها في
آخر الأمر. إن السديم جميل بلا شك، لكنه ضبابي وعديم الجدوى؛ بينما
الشموس المتشكلة منه بالتطور التدريجي تشع حياة وحرارة ونورًا على
العديد من العوالم وعلى سكانها.
ومن الممكن عقد مقارنة أخرى. فالجسم البشري يتكون من ملايين لا حصر لها
من الخلايا الصغيرة، ويُطرح البعض منها على الدوام خارجه. لنفترض أن
باستطاعة كل واحدة من هذه الخلايا اجتياز نوع من التطور تصبح من خلاله
بعد فترة كائنًا بشريًا؛ فلا يجوز لنا القول إن هذه الخلايا كانت إلى
حد ما بشرية في بداية ذلك التطور، فهي إذن لم تكتسب شيئًا في نهايته.
إن الجوهر ينطلق من المدبر كتدفق خالص للقدرة، حتى ولو كانت قدرة
قدسية؛ ويعود إليه على هيئة ألاف الملايين من عظماء الحكماء، وكلٌّ
واحد منهم قادر على التطور بنفسه ليصبح عقلاً مُدبِّرًا.
يتبين هكذا أننا محقون تمامًا بقولنا إن مستقبل الإنسان لا حدود لعظمته
وروعته. وثمة نقطة بالغة الأهمية لابد من تذكرها وهي أن هذا المستقبل
الباهر من نصيب الجميع دون استثناء. فذلك الذي ندعوه إنسانًا صالحًا -
أي الذي تتحرك إرادته مع إرادة المدبر، وتساعد نشاطاته في مسيرة التطور
- يحرز تقدمًا سريعًا في طريق الترقي؛ بينما الإنسان الذي يعارض بحماقة
التيار العظيم، ساعيًا خلف غايات أنانية بدلاً من العمل لصالح الجميع،
لن يكون قادرًا على التقدم إلا ببطء شديد وبطريقة متعثرة.
لكن إرادة المدبر أقوى بغير حدود من أية إرادة بشرية، وسير عمل المخطط
العظيم يبلغ حد الكمال. وعلى الإنسان الذي لم يتعلم درسه من المرة
الأولى أن يحاول ببساطة مرة بعد أخرى حتى يتعلمه؛ فصبر المدبر لا حدود
له، وسيحقق كل كائن بشري الهدف المحدد له عاجلاً أم آجلاً. وأولئك
الذين يعرفون الناموس والمشيئة لا خوف عليهم ولا شك يساورهم، بل هم في
سلام شامل يرتعون.
15- السبب والنتيجة
لقد توجَّب علينا في الفصول السابقة الاهتمام على الدوام بهذا القانون
العظيم للفعل ورد الفعل، والذي يتلقى بموجبه كل إنسان استحقاقاته
بعدالة حتمية؛ إذ بدونه ستكون بقية المخطط القدسي غير مفهومة لنا.
والأمر يستحق منا محاولة الوصول إلى تقييم حقيقي لأهميته، وأول خطوة
باتجاه تحقيق ذلك هي تحرير أذهاننا تمامًا من الفكرة الكهنوتية للثواب
والقصاص كعواقب للنشاط البشري.
فلا مفر من اقتران هذه الفكرة بوجود قاضٍ يُصدر الحكم بالعقاب والثواب،
وستظهر عندئذ في الحال إمكانية أن يكون القاضي أكثر رحمة في قضية دون
أخرى، وربما تؤثر الظروف على أحكامه، كما يمكن تقديم تَظلُّم لديه،
وبهذه الطريقة يمكن تحجيم سلطة القانون أو حتى الإفلات منها بالكامل.
إن كل هذه الاحتمالات مُضلِّلة إلى أبعد الحدود، ويتعين التخلُّص من
مجمل الفكر الذي تنتسب إليه ونبذه تمامًا كي نستطيع الوصول إلى فهم
سليم للحقائق.
فحين يضع إنسان يده على قضيب حديدي مُتَّقد، سيصاب بحروق خطيرة في
الظروف الاعتيادية؛ إلاَّ أنه لن يخطر في باله أن الله عاقبه لوضعه يده
على القضيب. وسيدرك أن ما حدث كان متوقعًا تمامًا في ظل قوانين
الطبيعة، ويستطيع كل من يعرف ماهيَّة الحرارة وطبيعة تأثيرها أن يشرح
بالتحديد كيف نتجت تلك الحروق.
ولابد من الانتباه إلى أن نيَّة الإنسان لا تؤثر مطلقًا على النتيجة
المادية؛ فسواء امسك القضيب للقيام بعمل مؤذٍ أو لإنقاذ شخص آخر من
الأذى، فإنه سيصاب بالحروق نفسها. لكن النتائج ستكون بالطبع مختلفة
كليًا من نواحٍ أخرى عليا؛ فقد قام في الحالة الثانية بعمل نبيل، وحاز
على رضا ضميره، بينما لن يشعر في الحالة الأولى إلاَّ بالندم. لكن
الحرق الجسدي سيكون موجودًا في الحالتين بالقدر ذاته.
وللوصول إلى فهم سليم لنشاط قانون السبب والنتيجة هذا فلابد من معرفة
أنه يعمل بالطريقة ذاتها حرفيًا وبشكل تلقائيٍّ في جميع الأحوال. فإذا
كان لدي جسم ثقيل يتدلى من السقف بحبل، وضغطتُ عليه بمقدار محدد من
القوة، فأنا أعرف من خلال قوانين الميكانيك بأن الجسم سيضغط على يدي
بالمقدار نفسه من القوة؛ ورد الفعل هذا سيعمل بغض النظر عن كوني قد
أحدثت اضطرابًا في توازن الجسم. كذلك فإن الإنسان الذي يرتكب عملاً
شريرًا فإنه يُخلُّ بتوازن التيار العظيم للتطور؛ وذلك التيار الهائل
يَستعيد التوازن على الدوام بجعل هذا الإنسان يدفع ثمن فعلته.
لذلك يجب عدم الافتراض أبدًا بأن نيَّة العمل ليس لها تأثير؛ بل على
العكس فهي من أكثر العوامل المرتبطة به أهمية، حتى وإن لم يكن لها
تأثير على النتيجة في العالم المادي. ونحن عُرضة لنسيان أن النية في حد
ذاتها قوة، وهي تعمل في العالم العقلي، حيث المادة أكثر نقاءً وتهتز
بسرعة أعلى بكثير مما هي في مستوانا المادي الأدنى، وأن المقدار نفسه
من الطاقة يُحدث هناك تأثيرًا أعظم بكثير مما يحدثه هنا.
إن الفعل المادي يُحقق نتيجته في المجال المادي، لكن الطاقة العقلية
للنيَّة تُحدث في الوقت نفسه نتيجتها الخاصة في مادة المجال العقلي،
بمعزل عن الأخرى تمامًا؛ وسيكون مفعول النيَّة بكل تأكيد الأكثر أهمية
إلى حد كبير. وعلى هذا المنوال يتَّضحُ أن تصحيحًا مثاليًا للمسار
يتحقق على الدوام؛ إذ مهما تكن الدوافع مشوشة، ومهما اختلط النفع
والضرر في النتائج المادية، فإن التوازن يتم استعادته دومًا وعلى نحو
تام، والعدالة الكاملة تتحقَّق في جميع الحالات.
ويجب أن لا ننسى، أن الإنسان هو الذي يكوِّن شخصيته المستقبلية مثلما
يُهيئ ظروف حياته القادمة، وليس أحدًا سواه. ويمكن القول، بشكل عام، إن
أفعاله في أحد حيواته تُنتج بيئته في الحياة التالية، وأفكاره في تلك
الحياة هي العامل الأساس في تطور شخصيته في الحياة التالية. والطريقة
التي تعمل بها كل هذه العوامل تُعدُّ مجالاً لدراسة ممتعة إلى حد بعيد،
إلا أنَّ تفصيلها يتطلب مجالاً أوسع بكثير مما يتوفر هنا؛ ويمكن أن
نجدها مُوسَّعة بشكل كامل في كُرّاس آني بيسنت عن القدر، وكذلك في
الفصل الذي أشار لهذا الموضوع ضمن كتابها الحكمة العريقة، وفي
كتاب السيد سينت البوذية الباطنية، وإليها يمكن للقارئ أن يعود.
من الواضح أن كل هذه الحقائق تزودنا بمبرر وجيه للعديد من مبادئنا
الأخلاقية. فإذا كان التفكير قوة هائلة قادرة على تحقيق نتائج في
المجال العقلي أهم بكثير مما يمكن تحقيقه في الحياة المادية، فإن ضرورة
سيطرة الإنسان على تلك القوة تصبح أمرًا جليًا على الفور. فهو لا يبني
فقط شخصيته المستقبلية بواسطة تفكيره، بل يؤثِّر حتمًا وبشكل دائم على
كل من حوله.
لذلك تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة بشأن استخدامه لهذه القوة. فلو نشأت
في نفس الإنسان العادي مشاعر الامتعاض أو الكراهية، فإن دافعه الفطري
هو التعبير عنها بطريقة ما سواء بالكلام أو بالفعل. لكن الأعراف
السائدة في المجتمع المتمدن تمنعه من ذلك، وتُملي عليه أن يكبت قدر
الإمكان كل التعبيرات الظاهرية لمشاعره.
وإذا نجح في القيام بذلك فانه يميل لتهنئة نفسه، والاعتقاد بأنه قد أدى
كامل واجبه. في حين يعلم الطالب العرفاني ضرورة توسيع سيطرته الذاتية
إلى أبعد من ذلك بكثير، وأن عليه القضاء تمامًا على فكرة الغيظ
بالإضافة إلى تعبيرها الظاهري. فهو يعرف أن مشاعره تُحرِّك قوى هائلة
في المجال النفسي، وأن هذه تعمل ضد الشخص الذي أغاظه بالضبط مثلما تفعل
اللكمة في المجال المادي، بل إنَّ النتائج تكون في حالات عديدة أكثر
خطورة ودوامًا.
إنه لأمر حقيقي بكل معنى الكلمة أن الأفكار كيانات. وهي تتخذ، حسبما
يراه المستبصر، أشكالاً وألوانًا محددة، ويعتمد اللون بالطبع على معدل
التردد المرتبط بها. ودراسة هذه الأشكال والألوان مثيرة للاهتمام إلى
حد بعيد. ويوجد لها وصف مُوضَّحٌ برسومات ملوَّنة في الكتاب المُعنون
أشكال الأفكار.
يوضح الرسم التالي فكرة الطموح الكبير، وهي تصدر عن الجسد العقلي
للإنسان، وتتخذ شكلاً محددًا. وفي حالة تكرار هذه الفكرة فإنها تتحول
إلى كيان، ثم تكتسب مع مرور الزمن شخصية متميزة، لتصبح بعد ذلك كائنًا
شبه مستقل. (المترجم)
وتفتح هذه الاعتبارات أمامنا إمكانيات للتطبيق في مختلف المجالات.
فمثلما يمكن إلحاق الأذى بسهولة من خلال التفكير، كذلك يتيسر بواسطته
القيام بعمل نافع. إذ يمكن توجيه تيارات تحمل العون والسلوان الفكري
للكثير من الأصدقاء المعذبين، وبهذه الطريقة ينفتح أمامنا مجال جديد
تمامًا لمساعدة الآخرين. فالعديد من النفوس الشاكرة للجميل قد أرهقها
بسبب الفقر إحساس بالعجز عن رد المعروف للمحسنين، ولكن ها هي الطريقة
التي يمكن من خلالها إسداء خدمة عظيمة لهم في مستوى لا تأثير فيه لوجود
الثروة المادية من عدمه.
إنَّ كل من يستطيع التفكير يمكنه مساعدة الآخرين، وكل من يستطيع مساعدة
الآخرين يتوجب عليه القيام بذلك. فالمعرفة قوة، في هذا المجال كما في
غيره، وأُولئك الذين يفهمون القانون يستطيعون الاستفادة منه. وبمعرفتهم
التأثيرات التي يمكن إِحداثُها في أنفسهم وفي الآخرين بواسطة أفكار
معينة، يمكنهم التخطيط المُتأنِّي لتحقيق النتائج المَرجوَّة. وبهذه
الطريقة لا يتمكن الإنسان من بناء شخصيته بانتظام في هذه الحياة فحسب،
بل أن يقرر بدقة أيضًا طبيعتها في حياته المقبلة.
ذلك أن الفكرة هي موجة في مادة الجسد العقلي، وإذا تكررت الفكرة ذاتها
بإصرار فإنها تُثير موجات مماثلة (من تردد أعلى) في مادة الجسد السببي.
وعلى هذا المنوال تتكون الطبائع تدريجيًا في الذات، والتي ستعاود
الظهور بكل تأكيد كجزء من شخصيته التي يستهِّلُ بها تجسده التالي.
بهذا الأسلوب تتكون قدرات وطبائع الذات تدريجيًا، بالعمل من الأدنى إلى
الأعلى، وبذلك يتولَّى الإنسان مسؤولية تطوره إلى حد كبير ويبدأ
المشاركة بذكاء في المخطط العظيم للمُدبِّر. وللمزيد من المعلومات عن
هذا الموضوع فإن أفضل ما تُراجعه هو كتاب آني بيسنت: قوة الفكر،
السيطرة عليها وتهذيبها.
ترجمة: حكيم رشيد
*** *** ***