واقعية بنيوية[1]
- 1
ميشيل بيتبول
الواحد، يقول أفلاطون، إذا كان موجودًا، لا يكون حتى واحدًا. أما إذا
لم يكن موجودًا، فإن أي خطاب لا يمكن أن ينطبق عليه، ولا حتى النفي.
دمسكيوس، حول المبادئ الأولى
كما
كنا قد أشرنا في الفقرة 1 - 3، فإن الإجابة التي يردُّ بها عادة أنصار
الواقعية العلمية على الاعتراض المتمثل باللاإستقرارية التاريخية
لمنظومة الأشياء المفترض أنها من مواضيع التقصي والتحقيق تشتمل على
مقابلة هذه اللاإستقرارية باستقرارية البنى القانونية الكبرى. فالإثبات
الواقعي يجب أن يركِّز بالتالي، وفق هؤلاء الباحثين، على البنى بدلاً
بالأحرى من تناوله للـ "أنطولوجيا" وفق المعنى الذي يعرف كوين
Quine
الأنطولوجيا وفقه.
لكننا إذا قبلنا بذلك، فلا بد أن تظهر أمامنا صعوبة لا يستهان بها.
وكما يلاحظ ريدهيد
Redhead،
وهو نفسه مدافع عن واقعية بنيوية، "[...] فإن المضمون الفيزيائي
[للنظريات] يكون غالبًا مغمورًا في بنية رياضية أوسع ليس لها بذاتها
أية مرجعية فيزيائية[2]".
ويكاد هذا الاستنتاج أن ييسِّر الفكرة التي لا تكون وفقها النظريات
الفيزيائية سوى "صناديق سوداء" رياضية كبيرة تتحقق صلتها الوحيدة مع
العالم من خلال تنبؤاتها التجريبية.
إنه استنتاج ييسرها لكنه لا يتضمنها، كما يردُّ ريدهيد. فبعد كل شيء،
لا نستطيع أن نستنتج أن مجمل هذه البنية ينطبق عليها هذا الحال،
لأنه ليس لبعض أقسام البنية الرياضية للنظريات أية صلة فيزيائية واضحة.
ولا شيء يمنع أن تكون بعض عناصر هذه البنية متوافقة مع البنية
المطلوبة للواقعي والحقيقي. وبعد أن طرحنا فرضية العمل هذه، تكون
المسألة التالية هي تحديد مرشحين بنيويين معقولين ضمن النظريات
المتوفرة للنظام الأساسي للممثلين المخلصين لبنية واقعية. فما هي
المعايير التي سوف نستخدمها من أجل التعرُّف على هذه العناصر البنيوية
المفضَّلة؟ ولما كان أحد أكثر الباحثين تقدمًا في برنامج العمل هذا هو
برنار دسبانيا، فإننا سنعتمد من جديد مكانته كمرجع لنا. وهذا الموضع
الذي بلغه في بحثه هو ما سوف نفحصه بتدقيق وتمحيص أكثر منطلقين من أولى
توجهاته.
3- 1 بعض الطرق لنكون واقعيين
تتمحور فلسفة برنار دسبانيا حول مسألة "الواقعية". غير أن الاكتفاء
بهذا التمييز والوصف لفلسفته سيكون غير كاف أبدًا. إن تعدد معاني لفظة
"واقعية" العقائدية واسع جدًا إلى درجة أن معظم المفكرين المعاصرين
والسابقين استطاعوا أن يجدوا أنفسهم في هذا أو ذاك من معانيها، دون أن
يتفقوا مع ذلك فيما بينهم حول الجوهر. ووفقًا لدلالة لفظية مستلهمة من
ويتغنشتاين علينا القبول بأن لفظة "واقعية" تحمل من المعاني بقدر ما
تحمل من الاستخدامات الممكنة، وعلى وجه التحديد فإنها تحمل من
المعاني بقدر ما تحمل من الموانع تجاه الأضداد الممكنة.
وفقًا لعلم الكلام في القرون الوسطى، كانت الواقعية تعارض
الإسمية
nominalisme،
وكانت تشتمل بالتالي على تأكيد وجود قيم عالمية مثل الجنس والنوع، إلى
ما وراء الأشياء الفردانية التي تحققها. وتتعارض الواقعية بشكل عام في
فلسفة الرياضيات مع البنائية، وفي هذه الحالة يعود الأمر إلى الاعتقاد
بأن للكينونات الرياضية وجود مستقل اتجاه إجراءات البرهان. وهكذا
تتعارض الواقعية بسهولة أكثر مع المثالية. لكن هذا التعارض يتطلب هو
نفسه أن يتم تطويره. فإذا كانت المثالية تشتمل على نفي وجود أي شيء كان
خارج "الفكر"، بالمعنى الموسع الذي يقصده ديكارت، فإن الواقعية
الموصوفة بالميتافيزيائية تتقلص عندها إلى مجرد التأكيد الغامض والمبهم
هو أيضًا لشيء ما يسبق ويتجاوز منطقيا الفكر. لكن، إذا اتخذت المثالية
الشكل التجاوزي (الترانسندنتالي)، وارتكزت عندها فقط على اعتبار أن
الأجسام الملحوظة هي "نوع من التمثيلات نسميها خارجية، ليس لأنها تستند
على أجسام خارجية بذاتها، بل لأنها تعيد التصورات الإدراكية إلى المكان[3]"،
فإنها تعارض الواقعية التجاوزية التي تؤكد أن هذه الأجسام تتوافق مع
الكائنات كما هي ("بذاتها")، بشكل مستقل عن الشروط الحساسة الذرائعية
والعقلية لظهورها. إن المشكلة، التي أشار إليها كانط، هي أن المثالي
التجاوزي يمكن أن يُعتَبر تمامًا كواقعي تجريبي، وذلك باعتبار
أنه يقرن بالأجسام المادية، بما هي ظاهرات، "[...] واقعًا حقيقيًا لا
يحتاج لأن يُستنتج، إنما يتم إدراكه بشكل مباشر"[4].
وعلى العكس، ما أن تمر فترة التأكيدات القاطعة، فإن المثالي التجاوزي
يجازف بأن يجد نفسه في مواجهة شك المتشككين فيما يتعلق بالمطابقة بين
الخصائص المفترض أنها ذاتية وجوهرية في الأجسام والمعرفة التي يمكن أن
نحصِّلها حولها. وبما أن هذا الشك متأصل فيه، "فإنه [هو] يجد نفسه
مجبرًا على إيلاء مكان للمثالية التجريبية[5]"
التي تصل إلى حدِّ التشكيك بواقع الأشياء التي يبدو أن تمثيلاتنا
الحسية تعيدنا إليها.
نرى هنا، وهذا سيكون مفيدًا بشكل خاص من أجل فهم تتمة هذا الفصل، أن
كبحًا عظيمًا حول ما يسميه برنار دسبانيا "الواقع المستقل" يمكن أن
يكون شرط تنمية شكل معدَّل للواقعية (الواقعية التجريبية لكانط أو
"الواقعية الداخلية" لبوتنام)؛ في حين أننا عندما نريد أن نميز بشكل
محدد جدًا هذه الواقعية المستقلة المفترضة بأن نسقط عليها شكل
الظاهرات، فإننا نصبح حساسين تجاه الريبة والتشكك ونفتح عن غير قصد
الطريق لأكثر أشكال المثالية هزءًا.
لقد أضافت الفلسفة والإبستمولوجية المعاصرتان لهذه الاستقطابات ثلاثة
اعتراضات أخرى يكتسب مصطلح "الواقعية" فيها عناصر معنى جديدة.
إن الواقعية، ضمن مدلولية المقترحات، تعارض ما سماه دوميت[6]
Dummett
"اللاواقعية". ويرتكز التصور اللاواقعي لقضية على
اعتبار أنه لا يمكن القول إنها صحيحة أو خاطئة إلا بالنسبة لوسيلة
(تكون متوفرة عمليا أو مبدئيًا) التحقق منها. وعلى النقيض من ذلك، فإن
التصور الواقعي لقضية ما يشتمل على التأكيد بأنها صحيحة أو خاطئة، دون
أي استناد للتوفر الحالي أو المبدئي لوسيلة للتحقق منها (راجع الفصل
الرابع). إن هذا التمييز لا يتقاطع بالضبط مع التمييز، الأكثر تقليدية،
بين المثالية والواقعية؛ لأنه، على عكس مثالي توصَّل إلى منتهى نتائج
موقفه، فإن لاواقعيًا بالمعنى الذي يحدده دوميت يمكن أن يتوافق مع
الواقعيين لكي يقبل بأن وسائل التحقق التي لا غنى عنها تعمل وتؤثر على
عالم له درجة معينة من الاستقلالية تجاه هذه الوسائل.
من ناحية أخرى، وفي مدلولية الأسماء، فإن ما يعارض الواقعية هو
لاواقعية للكينونات المسماة. ووفق هذه التنويعة الثانية للاواقعية، فإن
منظومة من القضايا يمكن أن تكون (بصورة شاملة) صحيحة دون أن توافق
بالضرورة الكينونات المشار إليها بواسطة تسميات فاعلة أو مؤثرة في
القضايا لأجسام موجودة في العالم حرفا حرفا وحدًّا حدًا. فبعد كل شيء،
كما يشير بوتنام بعد كوين، "[...] إن أية مقاربة تثبّت فقط قيمة حقيقة
الجمل لا يمكن أن تثبّت مرجعية [مصطلحات هذه الجمل][7]".
فمن الطبيعي الاستفادة من هذا التحديد التحتي لنمط تقطيع العالم
إلى كينونات تستند على حقيقة القضايا التي تدخل فيها مصطلحات لها وظيفة
مرجعية أو إسنادية، لكي ندعم لاواقعية للكينونات. إن نوع الواقعية الذي
يستجيب لهذه التنويعة من اللاواقعية هو واقعية الأجسام المحددة
والمقترحات المستندة عليها. ومثل هذه النسخة من الواقعية هي بالتأكيد
واقعية أكثر تحديدًا وبالتالي أقوى من الواقعية الميتافيزيائية، لكنها
أيضًا أقوى من الواقعية الدلالية بالمعنى الذي يقصده دوميت، الذي يحاول
التأكيد أن قيمة حقيقة القضايا مستقلة عن وسيلة التحقق، هذا دون اتخاذ
موقف في موضوع الكينونات المسماة في القضايا. فهي تفسر وتعمم الواقعية
البسيطة للـ "موقف الطبيعي" فيما يخص الأشياء الملحوظة والمسماة.
وأخيرًا، ثمة اعتراض أخير هام جدًا عندما يتعلق الأمر، كما هو الحال في
هذا الكتاب، بالواقعية في العلوم. وهذا الاعتراض يضع وجهًا لوجه تصورات
واقعية ولاواقعية للنظريات العلمية. فوفقًا لتصور للاواقعية
النظريات العلمية، "يهدف العلم إلى تزويدنا بنظريات مناسبة تجريبيًا؛
وقبول نظرية يتطلب اعتقادًا وحيدًا أن تكون ملائمة تجريبيًا[8]".
يمكن لهذا البيان العام أن يشمل "عقائد في العلم" متنوعة جدًا. كانت
الفلسفة الوضعية الكلاسيكية عند إرنست ماخ تميل إلى الالتزام الصارم بـ
"الوقائع"، واعتبار النظرية كعملية ترتيب اقتصادي لهذه "الوقائع". كانت
الكفاية التجريبية للنظرية تعتبر كفاية مُرْضية عندما كان يمكن الحصول
على توافق بين المبادئ الأساسية المستخدمة والجسم الواقعي المتوفر.
تشدِّد نسخة حديثة من اللاواقعية العلمية، التي يصفها فان فراسين بـ
"التجريبية البنائية" (راجع 1 - 3)، على الرابطة التي لا تنفصم مع
نظريات نماذج المجال المستكشف التي تذهب إلى أبعد من مجرد التشكيلات
البسيطة الناظمة لدى أنصار الوضعية طالما أنها تساهم في تشكيل المعلومة
التجريبية. إن الكفاية التجريبية للنظريات مثبتة من خلال مواجهتها ليس
مع "وقائع" كما تقدمها الطبيعة، بل مع نماذج معطيات متعلقة
بالنموذج الشامل للنظرية نفسها[9].
وثمة نسخ أخرى حديثة من اللاواقعية العلمية تذهب إلى أبعد من فان
فراسين في فكرة تشكيل الظاهرات التجريبية، طالما أنها لا تحاول تمييز
التشكيل الفكري للـ "معطيات" بواسطة نموذج، بل تشدِّد أكثر من
ذلك على تشكيلها المادي، وذلك بسبب مشاركة الشكل نفسه للإطار
الأداتي (المحدَّد بتوقعات نظرية صغرى محتملة) في انبثاق حادثة ما يمكن
أن توصف بالظاهرة[10].
مع ذلك، لا يهم كثيرًا بالنسبة للنقاش الذي يشغلنا هنا اختيار شكل من
اللاواقعية للنظريات العلمية. فليس هناك من سبب لاعتبار أي من هذه
الأشكال أنه متعارض مع الواقعية الميتافيزيائية بالمعنى الواسع (طالما
أنه في هذه الأشكال لا "الوقائع" ولا "المعطيات" التي يقدمها النموذج
النظري المستخدم، ولا "الظاهرات" المشاركة في التكيّف من خلال الإطار
الأداتي، لا يتم اختراعها تمامًا من قبل الباحث). بالمقابل فإن كلاً من
هذه الأشكال يتمايز عن الواقعية العلمية، والتي وفقها "يهدف العلم إلى
تزويدنا من خلال نظرياته بتقرير صحيح حرفيًا لما يشبهه العالم؛ والقبول
بنظرية ما يتطلب الاعتقاد بأنها صحيحة[11]".
يتفق الواقعيون العلميون بالتالي على نبذ كافة أشكال اللاواقعية
للنظريات. ويختلف هؤلاء فقط عندما يتعلق الأمر بتحديد درجة التقدم
الحالي والممكن لمشروعهم: فأي جزء من التقرير الذي تقدمه النظريات
العلمية الحالية يمكن أن يُعتبر صحيحًا بشكل حرفي، وإلى أية درجة
ستستطيع النظريات المستقبلية تفسير وتوضيح "ماذا يشبه العالم"؟
سوف نعمل الآن، بالاعتماد على هذه الشبكة من المفاهيم والتعارضات، على
تحديد موقف برنار دسبانيا وذكر مفاصل الجدال الذي يثيره. وسوف نعالج
على التوالي الواقعية الميتافيزيائية، والواقعية الدلالية من منظور
دوميت، وواقعية الكينونات وواقعية النظريات العلمية. وبالنظر إلى
التوجه الفلسفي لبرنار دسبانيا، فإن أيًا من المراحل الثلاث الأولى لن
يمكن تناولها دون الاستناد بشكل سريع على الواقعية الأخيرة أي على
واقعية النظريات العلمية.
3- 2 قبل وبعد الفيزياء
كتب برنار دسبانيا: "إن حججي لصالح مفهوم الواقعية المستقلة نفسه لا
ترتكز على الفيزياء [...] أبدًا، أو ترتكز عليها بدرجة بسيطة فقط[12]".
يجعل برنار دسبانيا من هذا التصور للواقعية المستقلة نتيجة لاستنتاج ذي
وجهين. الوجه الأول هو الاتصال المباشر مع الكائن، الذي تعطيه تجربة
"التفكير" (أو الـ كوجيتو بحسب التعبير الديكارتي "أنا أفكر
إذا أنا موجود
Cogito, ergo sum)،
والوجه الثاني هو مقاومة أن "شيئًا ما" يعارض عملنا كما ومحاولاتنا في
التصور.
إن استخدام مصطلح الـ كوجيتو وفق ضمير المتكلم المفرد هو امتياز
للمفردة الديكارتية التي لا يجب أن نستنتج منها أن نقطة انطلاق المسيرة
التي اعتمدها برنارد دسبانيا هي نقطة انطلاق مثالية، بل وأنانوية
solipsiste.
ويشير دسبانيا في الواقع في المقطع نفسه إلى أن التجربة التي يتحدث
عنها "تثبت أن فعل «الكينونة» له معنى بذاته، لكنها لا تثبت أن ما
هو كائن هو ذو طبيعة عقلية فقط". ويقع عبء الإثبات على عاتق الذين
يريدون تقييد نطاق تجربة الكائن إلى مجرد نطاق أنثروبولوجي أو نفساني،
بالأحرى من كونه يقع على عاتق الذين يتجنبون تعيينه. تميل هذه التجربة
نفسها بالمقابل وفق دسبانيا إلى اعتماد السمة الثانوية لوظيفة عقلية
مثل المعرفة، طالما أن كل معرفة تفترض
مسبقًا
الوجود الذي يؤكده واقع الكوجيتو. "لكي توجد المعرفة يجب أن
يوجد الفكر". الأمر الذي يقود دسبانيا إلى استنتاج "أسبقية مفهوم
الوجود على مفهوم المعرفة"[13].
في الثقافة الغربية خلال القرنين أو القرون الثلاثة الماضية، كان وضع
هذه الأسبقية في المقدمة يمكن أن يكافئ إيلاء أفضلية للعلوم، لأن
موضوعية العلوم كانت تعتبر الوسيلة الوحيدة للقفز إلى ما وراء حدود
المعارف الخاصة، و"بالتالي" الحصول (ضمن منظور النقد المسبق) على فهم
غير توهمي لما هو كائن. لا يوافق برنار دسبانيا على هذه الرؤية
الاختزالية. وحتى إن أمكن لها أن تبدو مقبولة في زمن الفيزياء
الكلاسيكية، كما يلاحظ، فإنها لا يمكن أن تكون كذلك في الوقت الحاضر
لأن الكثير من الحجج المؤسسة على الفيزياء المعاصرة يجعل مماثلة هذه
النظريات مع توصيفات لـ "ما هو كائن" أقل مصداقية من أي وقت
مضى. ولذلك يجب القبول بأن الدرب العلمي لا يستنفد إدراكنا للـ
"واقعي"، وأن على هذا الدرب المتابعة في التواجد جنبًا إلى جنب مع
مقاربات أخرى سحيقة؛ مقاربات تكون أحيانًا غير استطرادية، وأحيانًا لا
تستخدم الخطاب والمحاكمة إلا لإعادة المخاطَب والمحاوِر نحو الواقع
الهائل
للوجود. ولكي نقدم مثلاً على ذلك، فإن "المفتاح الشاعري [...] يتم
تفسيره كإشارة [...] ونوع من الجسر والصلة الأشبه بخيط العنكبوت مع هذا
«الواقع»[14]".
وهي إشارة ليست بالضرورة أقل أهمية أو أقل ارتباطًا بجوهر المسألة من
رموز النظرية العلمية، ولا تكون حتى مجردة من بعض التشابهات مع هذه
الأخيرة. فكما عناصر التخيُّل التي تعبِّر عنها القصيدة، كذلك فإن
عناصر "الواقع التجريبي" التي تضعها العلوم هي في جزء منها "إبداعنا
نحن[15]".
تنتمي الأشياء اليومية المعتادة، وإن كان بدرجة أقل من أثاث الخيال
الشاعري، إلى دائرة "واقعي من أجلنا". إن الفارق بينهما ليس في الجوهر
سوى فارق "كمي": ففي الخيال الشاعري الإبداع هو إبداع شخصي قبل كل شيء،
حتى وإن كان يهدف إلى التواطؤ التعبيري بين الكاتب والقارئ، في حين أنه
في تجهيز عناصر "الواقعية التجريبية"، تستجيب المركبة الإبداعية إلى
شروط صارمة من الاتفاقات المجتمعية. أما نوعيًا، فتتلاقى "العناصر
التخيلية" و"العناصر الواقعية تجريبيًا". إنهما تلتقيان بما هما تمثلان
كلاهما محصلة لصيرورة الانبثاق هذه أو التوالد المشترك التي يضعها
برنار دسبانيا في أصل ما يظهر وما يكون ظهورٌ بسببه في آن معًا. ويكتب
دسبانيا: "يولِّد الوعي والواقعية التجريبية أحدهما الآخر [...][16]".
ولكنه بتحديده أنهما لا يولِّد كل منهما الآخر على التبادل إلا "في قلب
الواقعية المستقلة"، فإنه يهتم جدًا في الوقت نفسه باستبعاد المحاولة
التي يكتشفها عند بعض محاوريه: ألا وهي محاولة التجاوز الكامل للمرجعية
ذات الأساس الثابت والمستقر للواقعية المستقلة والأخذ فقط بالصيرورة
نفسها للتوالد المشترك. ويكرِّر قائلاً: "أجد نفسي منسجمًا جزئيًا مع
التجاوزيين (الترانسندنتاليين) عندما يتحدثون عن توالد متبادل، وعن
ولادة مشتركة للواقعية الظاهراتية وللفكر، [لكنني أضيف]: إنما في قلب
الكائن[17]."
إن عقدة المختلف تطرح مرة أخرى مسألة وجود أو عدم وجود هيكلة مسبقة
ثابتة للواقعي. ولكن في حين أن مسلمة الهيكلة المسبقة كانت تدفع
دسبانيا في السابق للحفاظ، وإن كان من خلال لعبة الاستعارات، على مخطط
ثنائي لنظرية المعرفة، فإنها باتت تعدُّ من الآن فصاعدًا بين المقدمات
التي تسمح بإعطاء سبب لانبثاق قطبية الذات - الموضوع. لقد تم تدريجيًا
توسيع الفكرة التي لا تزال مفعمة بالإمكانات، فكرة الهيكلة المسبقة
للعالم الذي نسعى لمعرفته، إلى هيكلة مسبقة للوسط الذي تتم بدءًا منه
عملية التنظيم المتبادلة بين العارف والمعروف. وكذلك حقل تطبيق
الأطروحة الواقعية، الذي كان يتعلق في البداية بالمآل الوحيد لعالم
مأخوذ كموضوع، فقد تم توسيعه بالتلازم مع إدراك مجمل ما يسميه شيموني
A. Shimony
"الحلقة الإبستمولوجية". وبعد تقديم هذه الإحكامات
والتفاصيل يستطيع برنار دسبانيا إن يستعيد تأييده، حتى ولو كان ذلك
بشكل جزئي، لمفهوم مثل مفهوم النسبية الوصفية التي يدافع عنها
مغور- شختر[18]
M. Mugur-Schachter
في مجال الفيزياء الكمومية، أي فكرة أن مواضيع
الدراسة وتحديداتها تكون متعلقة فقط بشبكة قراءة إدراكية أو تجريبية
يحرّض عبرها المجرِّب تفعيل بعض الكمونات اللامحدودة للـ "واقع". ألسنا
نواجه هنا حالة خاصة هامة من التوالد المشترك للشروط الأداتية أو
الإدراكية الخاصة بموضوع معين ومن الكينونات القابلة للتشييء بشكل
مجزّأ أو كامل التي يفترض أن يدرسها؟
إن التأملات السابقة تظهر بوضوح منذ الآن أن برنار دسبانيا، إلى ما
وراء صيغه التي لا تزال متأثرة (سوف نعود إلى ذلك) بنظرية المعرفة
الكلاسيكية، توصل للدفاع عن تصور غير ثنائي[19]
للـ "واقعية المستقلة" أو للـ "كائن" الذي يذكره. ومثل هذه القراءة
مثبتة بالعديد من الجمل التي يشجع بها "مفهوم
'واقعية
مستقلة'
سابقة للشرخ بين الذات والموضوع[20]"،
أو أيضًا "تطرح واقعية سابقة للشرخ بين الذات والموضوع[21]".
وهي مثبتة أيضًا من خلال المصدر المزدوج السابق ذكره لمفهوم "الواقعية
المستقلة": أي تجربة الكوجيتو، المرفوضة عادة من جانب الذات،
والإشراطات المرفوضة عادة من جانب الموضوع، التي تمارسها التجريبية على
الطروحات النظرية. لكن دسبانيا يشير في الوقت نفسه، بمواجهة طروحات
محاوريه الذين يدافعون عن جعل الأطروحة غير الثنائية نقطة انطلاق، أن
هذه الأطروحة نفسها تشكل عنده نقطة الوصول لمسار رحلة طويل من الفكر،
حيث لعب التأمل حول الفيزياء المعاصرة دورًا
مركزيًا فيه. فبدلاً من "محور" بدئي، يشكل رفض الفصل بين الذات
والموضوع عند دسبانيا "عنصرًا من استنتاجاتـ [ـه][22]".
نفهم من ذلك أن دسبانيا حافظ لفترة طويلة على ثقته الأساسية بالنموذج
الثنائي (راجع الفصل الثاني). إن هذه النتيجة الفكرية للطرح غير
الثنائي تظهر بوضوح علاوة على ذلك عندما يحلل دسبانيا على حدة،
في إجابته على بتيتو
J. Petitot،
مفهوم "الأنا التجاوزية"، المجرد من الخصوصيات النفسانية، ومفهوم
"الواقع المستقل"، ثم يقول ملاحظًا: "إن المفهومين، وهما حدان
ميتافيزيائيان [الأنا التجاوزية و"الواقع المستقل"] يتشابهان اليوم
بشكل غريب. وماذا لو لم يكونا سوى مفهوم واحد[23]؟"
يطالب برنار دسبانيا بقوة باللجوء إلى تبرير استدلالي (ما يأتي
من التجربة
a
posteriori)
للبيانات المتعلقة بالتصوُّر المحدود للواقع الفعلي، بالأحرى من
تطبيقها بشكل مسبق (بشكل سابق منطقيًا للتجربة
a priori)
الأمر الذي يأخذه على فلاسفة كثيرين. إن هذا الخيار المنهجي يقترن عنده
بالإثبات الذي وفقه لا يمكننا أن ننسب له أي "تعميم ميتافيزيائي"، بما
في ذلك عندما يُدخل فكرة مثل فكرة الـ "الواقعية المستقلة". فإدخال مثل
هذه الفكرة لا يقتضي في الواقع، كما يشير، أية أطروحة خاصة
تتعلق بـ "طبيعة" أو "خصائص" "الواقعية المستقلة". وإضافة إلى ذلك يمكن
لهذه الفكرة في بساطتها الاستفادة من حجج قاطعة مصدرها الحياة أو
العلوم.
سبق لنا أن حللنا المصدر الأول للتبرير الاستدلالي لبيانات دسبانيا
فيما يتعلق بوجود واقعية مستقلة: أي التجربة الجوهرية للكوجيتو، بما
تحمله من أسبقية لتحديدها بالعقلي. وعلينا الآن تحديد المصدر الثاني،
أي المطابقة مع بعض السمات الكونية للممارسة العلمية. وأحد الوقائع
الكبرى لهذه الممارسة، كما يشير برنار دسبانيا إلى ذلك في مرات كثيرة،
هو المقاومة التي تصطدم بها هذه الممارسة. إن نظرية بسيطة وأنيقة
ومتجانسة رياضيًا ليست بذات نفسها
ipso facto
ملائمة تجريبيًا؛ فقد تم التخلي عن الكثير من
النظريات التي كانت تتسم بهذه الصفات الصريحة. "ففي هذه الشروط يجب أن
نعترف أن ثمة شيء ما يقول «لا» وأن هذا «الشيء» لا يمكن تقليصه إلى
«نحن»[24]."
يؤكد دسبانيا هذه النتيجة في معرض مواجهته ضد الانتقادات وأعمال
الإضعاف التي أوقع بها العديد من الإبستمولوجيين المعاصرين مذهب
التفنيدية
faillibilisme
الفلسفي. فبقبوله حتى أنه لا توجد تجربة حاسمة، وأن "أحزمة حامية"
بالمعنى الذي يطرحه لاكاتوس
Lakatos
تجنِّب النظرية نقضًا أو دحضًا عنيفًا جدًا، يكتب
دسبانيا أنه يبقى أن نظريات تنتهي بسبب واجب التخلي عنها بسبب عدم
قابليتها لإدماج عدد كبير جدًا من "المعطيات".
إن هذا الخيار لصالح نسخة بهذه القوة من "التفنيدية" تشرط موضع دسبانيا
في الجدل الذي يضعه في مواجهة محاوريه من ذوي الميل إلى الكانطية
الجديدة[25]
أو البراغماتية. فلو لم يكن قد اختار هذا الخيار، ولو أنه اعتقد أن لا
شيء مع تراجع التجربة وانحسارها يلفظ "لا" قاطعة وصريحة، لكان حاول أن
يعتبر معهم أن إشراطات جديدة تدخل وتتسلل، من داخل ممارسة التجريب
نفسها، إشراطات أو حالات قسر وإكراه لا يمكن أخذها أحيانًا بعين
الاعتبار بشكل بسيط وأنيق وفعال إلا على حساب تغيير للنظرية[26].
وعلى نحو مماثل، كان دسبانيا سيكون أقل ميلاً للبحث عما هي المعلومة
التي تقدمها الفيزياء المعاصرة حول موضوع خلفية مقاومة لا تقول من
نفسها شيئًا محددًا بوضوح، إلا حول موضوع البنية المحددة مسبقًا لـ
"شيء ما" تُنسب له قابلية إصدار حكم سلبي غير قابل للاستئناف.
إن نتائج هذا الخيار لدسبانيا لصالح تفنيدية قوية تتبدى أيضًا من خلال
عودة حجة الـ "شيء الذي يقول لا" في نسخة مطورة عن حجة الـ "لا -
معجزة". وكما سبق أن رأينا في المقطعين 1-1 و1-2، فإن حجة اللا -
معجزة، في نسختها الأكثر اختصارًا، تشتمل على ملاحظة أن القدرة ليس فقط
الناظمة بل وأيضًا التنبؤية لنظرية علمية لا يمكن أن تكون صدفة
إعجازية؛ إن التفسير الأكثر قبولاً لهذه القدرة التنبؤية هو أن النظرية
"صحيحة"، وأنها تصف الطبيعة كما هي، وأنها حدَّدت بشكل صحيح الأشياء
التي تكوِّن هذه الطبيعة، وخصائصها والروابط القانونية التي تجمع
بينها. وفي هذه النسخة الموسعة تعرف الحجة تحت اسم "الاستدلال
باتجاه التفسير الأفضل". يبدأ دسبانيا بنقد أوجهها الأولية. ويشير
محقًا من خلال الأمثلة التي يقدمها أنه يحصل لنظريتين، من المرحلة
الزمنية نفسها أو متتاليتين زمنيًا، إنما مقترنتين بنماذج للطبيعة
مختلفة بشكل عميق، أن تأخذا بعين الاعتبار عمليًا وبالدرجة نفسها
مجالاً تجريبيًا معطى. وضمن هذه الشروط، ليس لدينا أي سبب لكي نأخذ على
محمل الجد، بالنسبة لهذا المجال، الوصف الذي تقدمه إحدى
النظريات أكثر من الوصف التي تقدمة نظرية أخرى. مع ذلك، يشير دسبانيا
إلى وجود عنصر بنيوي في النظريات المقبولة، أو عنصر شرعي في حده
الأدنى، لا يكون عنصرًا اعتباطيًا. ويبرِّر هذا العيبُ الاعتباطي
بداية، وفق دسبانيا، الفكرةَ العامة بـ "أن لمفهوم الواقعية المستقلة
معنى". لكنه يحاول أيضًا جعله يقول شيئًا ما أكثر: ألا وهو أنه عبر
العنصر الشرعي المندمج في النظريات الملائمة تجريبيًا، "يكون لدينا -
ربما! - بارقة أمل غير مضلِّلة تتعلق بالبنية العامة للواقع[27]".
إن هذا الافتراض، المقترن مع النقد السابق للواقعية البسيطة والساذجة،
ليس سوى الأطروحة (التي نجدها في كتابه) الحقيقة المحجوبة. وعلى
الرغم من أنها قدّمت فقط "في إطار مخمنة غير مقررة[28]"،
لكنها تحدد برنامج دسبانيا في التحقيق والبحث. وهي تثبِّت بشكل خاص
تساؤله الموجِّه والنمطي للـ "واقعية البنيوية": ما الذي يمكن أن
يُعتبر في الإطار أو النسيج الشرعي أو البنيوي الذي تكشف عنه النظريات
الفيزيائية المعاصرة كانعكاس منطقي مخلص للبنية العامة للواقع الحقيقي؟
لنلاحظ مع ذلك أنها لو كانت مترجمة بعبارات متوافقة تمامًا مع الرؤية
اللاثنوية والانبثاقية التي رسمها دسبانيا، فإن مسألة معرفة بماذا يمكن
لنظرية فيزيائية أن تكشف شيئًا ما من بنية الواقع تعود إلى التساؤل عن
المدى الذي يستطيع من خلاله الباحث (الذات) أن يدرك بشكل غير مباشر،
عبر بحثه عن موضوع ما من خلال الفيزياء، الشروط المسبقة البنيوية
للانبثاق المشترك لذاته ولهذا الموضوع. ويجب التشديد على هذه النقطة
منذ الآن لأننا، كما سبق وأشرنا إلى ذلك في المقطع 2 - 3، فإن ما يولد
سوء الفهم فيما يتعلق بأطروحة "الواقع المحجوب"، هو التواجد المشترك
المستمر لتمثيل موضوعاني للواقع، تمثيل يتعلق الأمر بالكشف عن بناه
الكبرى، مع التأكيد على حدود لهذا الكشف ("الحجاب") لا يمكن تفسيرها
بسهولة، على عكس ما قد نفهمه من هذه الاستعارة، إلا بفصل غير كامل
لأدوات الباحث الفيزيائي ولموضوعه.
ولكن، حتى ضمن منظور انبثاقي، فإن مرور الفكرة العامة بأن الواقعية
المستقلة لها معنى إلى الفكرة الأكثر تحديدًا بأن العلوم تسمح، عبر
البنى التي تستخدمها، برسم ملامح البنى العامة للواقع، هو مرور أو
انتقال غير واضح. ويمكننا أن نتساءل إذا لم يكن لهذا المنظور الانبثاقي
مرة أخرى صلة ما مع اعتماد دسبانيا لشكل قوي من التفنيدية. لنفترض أن
التجريبية لا تقوم في الواقع سوى بإدخال شروط وقيود سيكون على أية بنية
نظرية أن تأخذها بعين الاعتبار من أجل "إنقاذ الظاهرات"، دون أن
تجبرنا بشكل صريح على رفض بعض البنى على أنها لامركزية
جدًا. فلن يكون لدينا عندها سبب حاسم للاعتقاد بأن مثل هذه العائلة من
الأساسات النظرية الفعالة (بدلاً بالأحرى من عائلة أخرى من الأساسات)
تترجم، عبر ما تضيفه للنظام البسيط من الظاهرات، شيئًا ما من بنية
"الواقع الحقيقي". إن حجة تعددية البنى النظرية المتكافئة تجريبيًا
التي يستخدمها دسبانيا ضد الواقعية البسيطة يمكن أن توسَّع كما يبدو،
في ظل مقدمة القياس هذه، لتشمل نقد أطروحته في الواقع المحجوب. مع ذلك
فإن لدى دسبانيا إجابة جاهزة عمل على تنقيتها وتهذيبها بشكل مميز،
ترتكز على نتائج معينة للفيزياء المعاصرة، في مواجهة هذا التهديد بعودة
حجة التحديدية التحتية ضد ومقابل أطروحة الواقع المحجوب. سوف نتطرق إلى
ذلك في الفقرة التالية ونناقشه في الفقرة التي بعدها 3 - 4.
3- 3 "الواقع المحجوب" والانتقادات الموجهة له
إن هذه الأطروحة في الواقع المحجوب هي التي تواجه في كافة الأحوال
النسبة الأعلى من الاعتراضات أو من المواجهات مع سوابق تاريخية، من قبل
محاورين لبرنار دسبانيا في المؤلف "الفيزياء والواقع". يكتب سولر
L. Soler
إن السمات البنيوية التي يقدمها دسبانيا حول موضوع
الواقع المستقل تكون مشروعة فقط في حال اعتمدنا "الفرضية
الميتافيزيائية" التي تكون النظريات الفيزيائية وفقها، مثل الميكانيك
الكمومي، قابلة لوصف الواقع. وهذه الفرضية نفسها تظل، وفقا لها،
فائضة علميًا وغير مقرَّرة قبل الميكانيك الكمومي وبعده على حد سواء.
وتوجه موغور - شختر
M. Mugur-Schachter
النقد إلى نقطة أكثر جوهرية أيضًا، عندما تعيد
إبراز التعارض بين (1) مفهوم وصف هو، بالنسبة لها كما بالنسبة
لدسبانيا، دائما نسبي ومتعلق بإطار إدراكي وأداتي وذهني، و (2)
مفهوم الواقع "المستقل" الذي يفترض بالضبط الإستقلالية اتجاه ما
نحن عليه والطريقة التي نستكشفه بها. فإذا قبلنا أن "بنية" ما بالمعنى
الذي يقصده دسبانيا هي عبارة عن وصف، وأنه ترتبط بكل وصف "نسبية
وصفية"، فعلينا عندها الاستنتاج بأن المفهوم نفسه "للبنى العامة للواقع
المستقل [...] الذي ينطوي على مواصفات يمكن معرفتها لنمط وجود الواقع
المستقل، هو مفهوم متعارض ذاتيا: وصف لشيء غير موصوف".
يجيب برنار دسبانيا على ذلك على مرحلتين. فهو يشير في المرحلة الأولى
إلى أن الأوصاف البنيوية التي يسقطها على "الواقع المستقل" لا تتعلق
بنظرية خاصة، ألا وهي الميكانيك الكمومي. بل هي ترتكز بدرجة أكثر
مباشرة بكثير على التجربة عبر مواجهة نتائج هذه الأخيرة مع مبرهنات
عامة ميتانظرية. إن "أطروحة لاإنفصالية الواقع المستقل" ترتكز على سبيل
المثال على مبرهنة بِل، ووفقها فإنه لا توجد أية نظرية محلية وقابلة
للتفسير أنطولوجيًا تكون قابلة لإعادة إنتاج بعض مجموعات النتائج التي
تنبّأ بها الميكانيك الكمومي والمثبتة تجريبيًا (من قبل مجموعة
الباحثين الذين عملوا مع آلان أسبكت). لكن هذه الأطروحة تظلّ بالطبع
مشروطة بالفرضية ذات الحد الأدنى، التي يتقاسمها دسبانيا مع مؤيدي
النظريات القابلة للتفسير أنطولوجيًا حتى وإن لم يكن يتفق معهم في نقاط
أخرى كثيرة، والتي تبرَّر من أجل الاستفادة من ترتيب الظاهرات ("ذات
الصلة") في سبيل رسم بعض سمات الواقعية "المستقلة". فالمسألة كلها
تتلخص في معرفة أي السمات يمكن تحريرها بشكل عادل على هذا النحو، وما
هو النظام الأساسي لمثل هذا الوصف.
عند هذه السوية تبدأ المرحلة الثانية من جواب دسبانيا. ففي معرض إجابته
على موغور - شختر، وعلى كتاب كثيرين آخرين، يؤكد دسبانيا أنه لا يمكن
اتهامه بإرادة إعطاء الميكانيك الكمومي حالة الوصف، ولا محاولة "وصف"
"الواقعية المستقلة". ويقول: "أنسب إلى الميكانيك الكمومي حالة تنبؤية
حصرًا". إن الميكانيك الكمومي يزودنا "[...] باحتمالات [...] وليس بوصف
أبدًا، أو بتمثيل، «لما هو كائن» "[29].
ينجم سوء التفاهم على الأرجح من تباعد دلالي أو معنوي حول موضوع كلمة
"وصف". ووفق دسبانيا، أن نطلب من نظرية أن تكون أكثر من تنبؤ بسيط، وأن
ننسب لها قدرات وصفية بشكل خاص، يعني أن ننتظر منها مقترحات مغايرة
للواقع، أي مقترحات ذات "[...] تضمينات، ليس فقط حول ما سوف نرصده
بل أيضًا حول ما كنا نرصده، إذا ما تعرّضت الشروط الخارجية لبعض
التغيّرات، وكان الجسم الموصوف قد بقي «هو نفسه»[30]".
يكافئ ذلك بالنتيجة اعتبار النظرية كنظرية ذات "موضوعية قوية"، "ممكن
تأويلها وتفسيرها أنطولوجيًا" بمصطلحات خصائص متملّكة جوهريًا بواسطة
الأجسام. لا يأخذ دسبانيا بمثل هذا التطلب، الخاص بأنصار النظريات ذات
المتغيرات الخفية، ولا يحافظ عليه. وبهذا المعنى فهو محق بتأكيد أنه
يمتنع عن نسب حالة وصفية للميكانيك الكمومي. لكن عندما يعتقد محاورو
دسبانيا أنهم اكتشفوا عنده محاولات لوصف الواقع بطريقة ما بالاعتماد
على نتائج الفيزياء المعاصرة، فإن كثيرين منهم يكون لديهم بشكل واضح في
أذهانهم مجموعة من المعاني الأوسع لهذا الفعل. إن تأليفًا سريعًا لهذه
المجموعة من المعاني سوف يعطي بشكل تقريبي ما يلي: يظل بإمكاننا القول
إن نظرية ما تصف وفق خطوط عريضة الواقع إذا كانت بناها
القانونية متقابلة بشكل شامل مع بنية هذا الواقع. ويمكننا قول ذلك حتى
إذا كانت مثل هذه البنى القانونية ترتب وتنظم رموزًا ذات تابع تنبؤي
حصرًا. ووفق هذا المعنى الثاني، لا يبدو من الخطأ الزعم أن برنار
دسبانيا يحاول الحفاظ على فكرة أن عنصرًا وصفيًا، مهما كان ثانويًا،
وجزئيًا وغير مباشر، يكون مرتبطًا بالنظريات الفيزيائية.
فإذا ما قبلنا بذلك، يبقى هناك خيار يجب القيام به. إما أن نعتبر أن
هذه الطريقة الأخيرة الشاملة جدًا، وشبه "الاستعارية"[31]،
في رسم خطوط الواقع تشكل استثناء للمبدأ الذي وفقه يكون كل وصف متعلقًا
بإطار بيئي معين؛ وفي هذه الحالة فإن التأكيد، الذي يقول بأن التوصيف
البنيوي الذي تكشف عنه الفيزياء الحديثة يتعلق بـ "الواقع المستقل"،
يكون تأكيدًا معقولاً. وإما، على العكس، نوسع صحة مبدأ السياقية ليشمل
كافة أشكال الوصف أو الوصف الأولي، وعلينا عندها التساؤل بماذا
يتعلق المخطط الإجمالي الشامل والبنيوي الذي وضعه دسبانيا ابتداء من
دراسته المعمّقة للفيزياء الكمومية. وكما سوف نرى في المقطع 3 - 6، فإن
إجابة ممكنة على ذلك يمكن صياغتها بالقول إنه على عكس التحديدات
التنبؤية (الأوصاف بالمعنى الأضيق للكلمة) التي يكون كل منها متعلقًا
بشروط إدراكية أو أداتية خاصة، فإن البنية التي تنتج عن نظرية
مثل الميكانيك الكمومي (أي الوصف بالمعنى الأوسع) تتعلق بسوية خلفية
برغماتية شاملة. إن هذه السوية الخلفية الكلية تتطابق مع
القواعد التي يفترضها مسبقًا الحدس أو توقع النتائج لصف عريض جدًا (غير
محدود حتى هذا اليوم) من النشاطات العملياتية[32].
لقد عبرت عن الإحساس في الفصل الثاني أنه، إذا كان دسبانيا قد اختار
الخيار الأولي، فذلك لأنه لم يصفي حسابه مع المخطط الثنوي لنظرية
المعرفة مع أنه شرع في توجيه نقد شديد له. لأنه، حتى إذا كنا ننسب
لدسبانيا أن التشكيك بأهمية هذا المخطط لا يجب أن يؤخذ كنقطة انطلاق
للتأمل حول الفيزياء، بل يفرض نفسه فقط عند نقطة وصول أو نهاية هذا
التأمل، فإنه يبقى أنه لا يجب بعد القيام بهذا التشكيك أن يكون خاليًا
من أية مفاعيل رجعية حول التمثيلات والمفردات المستخدمة من أجل عرض نمط
الصلات التي تقيمها العلوم مع الواقع الحقيقي. تفرض الأطروحة اللاثنوية
نفسها في النهاية فعلاً، وتمتد نتائجها من حيث المبدأ، ما أن يتم
القبول بها، لتشمل المبادئ الأولى للتأمل الإبستمولوجي. غير أن
المفردات المستخدمة من قبل دسبانيا في نهاية المسار تظل معلمة غالبًا
بنقطة انطلاقه الثنوية؛ أو على الأقل يستطيع أن يترك الانطباع
بأن الأمر على هذا النحو لدى القارئ غير المطلع.
إن الاستخدام واسع النطاق لمصطلح "انعكاس" مع
دلالاته
الإضافية للعلاقة التي تجمع مصطلحين (انعكاس جسم معين أو مصدر ضوئي
معين على سطح معين)، وتآلفه مع النظرية المعيارية للعالم في
مرآة التمثيل[33]،
هو أحد الأمثلة على ذلك. فإذا لم تكن أطروحة الواقع الحقيقي المحجوب
تشتمل على الطموح بمعرفة استدلالية للحقيقة، فإنها تشتمل كما يشير
دسبانيا على اعتبار أن الفرضية بأن القوانين الكبرى في الفيزياء تقدم
انعكاسًا غير مشوه كليًا لهذا الواقع الحقيقي كفرضية منطقية
معقولة. إن الحجة التي من النمط "غير الإعجازي" تقود إلى التقدير بأن
معادلات الفيزياء "[...] تعكس شيئًا من «الحقيقي»[34]".
وعلى مسألة النظام الأساسي للقواعد التنبؤية للفيزياء الكمومية، فإن
أبسط طرق الإجابة سوءًا "[...] يبدو أنها فعلاً افتراض أن القواعد
المعنية هي انعكاسات للبنى، المجهولة أو المعروفة بشكل سيء، لـ
«طبيعة» هي للسبب نفسه مجهولة أو غير معروفة جيدًا هي أيضًا، والتي لا
تتوافق معنا ولا مع الواقعية التجريبية[35]".
وبدءًا من هنا، يصبح من المغري الرجوع والاستناد إلى "[...] البنى
الكبرى التي تكون قوانيننا الفيزيائية انعكاسات جزئية لها[36]".
وهكذا فإن صورة "الانعكاس"، المقترحة افتراضيًا من أجل الحلول محل
مفهوم معرفة للواقع من خلال مفهوم أضعف، تعيد على الأقل إنتاج تبادلية
مخططها الثنوي: إذا كانت قوانين الفيزياء الكمومية تشتمل على انعكاس
لبنى الواقع، فإن بنى الواقع يشار لها على العكس كبنى نجد لها انعكاسًا
في قوانين الفيزياء. فكل شيء يجري كما لو كان الواقع وبناه قد استعادوا
موضع "الجسم" الذي كان سيكون بشكل طبيعي موضعًا لهما في نظرية
أصيلة للمعرفة. وقد وجد دسبانيا نفسه مجبرًا على التمييز، لكي يمنع هذا
التفسير الخاطئ لموقفه كما سبق ورأينا في الفصل الثاني، بين علاقة
التوافق (وهي العلاقة التي أقامها بين النظرية الكمومية والواقع
المستقل) وعلاقة الموضوع (التي كان لا يزال بإمكاننا الاعتقاد في
الفيزياء الكلاسيكية أنها تتأسس بين النظرية والعالم الواقعي الحقيقي).
اعترف برنار دسبانيا بعد قراءة لهذا المقطع أن لفظة "انعكاس" يمكن أن
تعطي فعلاً الإحساس بعودة إلى نظرية معيارية تمامًا، وثنوية للمعرفة.
لكنه يعتقد أن الأمر يتعلق هنا بمسألة تعبير لفظي بالأحرى من كونها
تتعلق بالفكر العميق. وقد تحدث في مؤلفات أخرى، كما في كتابه ذرة
حكمة، عن "آثار" تركها "الواقع الحقيقي" في فكرنا، آثار وصفها بـ
"الغامضة، وبعبارة أخرى لا يمكن فك رموزها". ويبدو له أننا عندما نأخذ
على محمل الجد فكرة واقع مستقل أولي بالنسبة للشرخ بين الذات والموضوع،
فإنه لا يخلو من المعنى استحضار آثار خلفها هذا الواقع في الذات. غير
أن هذه الطريقة الأخرى في التعبير تفضي أيضًا إلى احتمال تعارض في
المعنى: فهي تحيلنا إلى صورة، ليس لها مكانها بالتأكيد هنا، لمتتالية
زمنية (الآثار المتروكة في الذات، والناجمة عن "مسيرة الواقع
الحقيقي"). يقدر برنار دسبانيا مع ذلك أن هذه الآثار المنحرفة عن
مرجعية، ثنوية المراقِب - المراقَب أحيانًا، وأحيانًا عن مفهوم
الزمن الفيزيائي، ليست سوى نتائج لـ "نقص في طواعية لغتنا"، التي لم
تصمَّم لهذا النوع من الاستخدام؛ وأننا نستطيع تجريدها، شرط أن نكون قد
أُخطرنا أو تم تحذيرنا، دون أن نحرم تمامًا الفكرة التي يحاول دسبانيا
الدفاع عنها من المعنى.
أما العنصر الاصطلاحي الثاني الذي يذكّر بشكل لا يقاوم بثنوية
إبستمولوجية فهو مصطلح السببية الموسّعة. ويهدف إدخال السببية
الموسعة عند دسبانيا إلى تفسير الانتظامات التجريبية والقوانين
الفيزيائية التي تترجمها، وذلك من خلال استحضار "تأثير الواقعية
المستقلة على الظاهرات"[37].
وكما يبين سولر
L. Soler
في إعادة تشكيله لحجج وتدليلات دسبانيا (الذي
يوافقه حول هذه النقطة)، فإن مفهوم السببية الموسعة يجب أن يعتبر حتى
عنده أنه يسبق منطقيًا مفهوم الواقعية المستقلة. وفي الواقع فإن طلبه
بتحديد سبب لانتظامات الظاهرات، الذي تليه عملية حذف للمرشحين من قلب
الظاهرات لمثل هذه الوظيفة السببية، هو ما يؤدي إلى فكرة الواقعية
المستقلة. "عندما يكون من غير الممكن العثور على السبب الذي نفتش عنه
بين الوقائع التي يتقنها جيدًا فكرنا العلمي - الاستنتاجي، فإنه يبدو
لي من المشروع اعتبار أن هذا السبب لا يوجد بينها بدرجة أقل من وجودها،
لكنه يقع في مجال لا يتقنه فكرنا إتقانا كاملاً"[38].
ولكن في هذه الحالة، فإن مفهوم الواقعية المستقلة يُقدَّم بالإجمال
كأحد حدي علاقة سببية، مما يعيد إعطاء تماسك ومتانة للمخطط الثنوي
لنظرية المعرفة. إضافة إلى ذلك، فإن تدخل هذا المفهوم يفرض "توسيع"
العلاقة السببية إلى مجال ما وراء الظاهرات الفائقة الكبر، مما يؤدي
هكذا إلى التحدي الظاهري[39]
للأمر الكانطي بعدم تطبيق تصنيفات الفهم الخالص (مثل تصنيف السببية)
إلا على صياغة وتنسيق محتوى الحدس الحسي. هل كان يمكن لمصطلحات أخرى،
ولتمثيلات أخرى مرتبطة بها، تجنب هذه النتائج وسوء الفهم هذا؟ يعتقد
برنار دسبانيا أن استخدام لفظة أخرى، كما على سبيل المثال لفظة "أصل"،
لن تغير شيئًا في الجوهر، حتى وإن كان ذلك يجنّب اللجوء صراحة للفظة
"سببية" الملاحظة كثيرًا من خلال استخدامها الشائع في حقل الظاهرات.
يقترح بوتيتو
J. Petitot
من جهته ترجمة مصطلحات دسبانيا بألفاظ تُقبل بسهولة
أكبر لدى الذين ينتسبون إلى المعايير التي وضعها النقد الكانطي
للميتافيزياء. "[...] إن الفرق بين السببية
القطعية والسببية الموسَّعة يوافق في المصطلحات الترانسندانتالية الفرق
بين السببية كتصنيف و«الشيء بذاته» كأساس للواقع (Grund)
بالنسبة للظاهرات[40]".
ودون التموضع في حقل المعرفة يبقى من غير الممكن الاستغناء عن هذا
"الأساس" المدرك بالعقل، وفقًا لبوتيتو، كمبدأ للسبب الكافي بالنسبة
للعلم المتكوِّن وكفكرة ناظمة بالنسبة للبحث أثناء القيام به.
يوافق برنار دسبانيا على هذه المراجعة الكانطية لمفهومه في السببية
الموسعة، لكنه يختلف من جهة أخرى عدة مرات مع كانط ومفهومه المحدود
للشيء بذاته غير المحدَّد إيجابيًا وفق كيانه، عندما يحاول أن يبين أنه
بالإمكان الارتكاز على ترتيب الظاهرات من أجل تقديم "فروقات" أو ومضات
ليست مضلِّلة كليًا حول البنية العامة لـ "أساس الواقع". ووفقه، فإن
الفرضية بأن "[...] «الواقع»، بدلاً من أن يكون مجهولاً خالصًا س غير
قابل للمعرفة نهائيًا، ليس سوى واقع محجوب[41]"،
هي فرضية تصبح غاية في المعقولية (لأسباب سوف نعود ونناقشها في الفقرة
3 - 4) من خلال معطيات الفيزياء الحديثة. إن أحد الافتراقات الكبيرة
بين دسبانيا والفلسفة الكانطية تتأتى بكل تأكيد من نظام البنى
أو الأشكال. ففي حين أن الثورة الكوبرنيكية لكانط تميل
إلى تجريد الشيء في حدّ ذاته عن أشكاله لكي تنسبها إلى الذات
المتجاوزة، حيث تشكل هذه الأشكال بالمقدار نفسه إشراطات لإمكانية
التجربة، فإن دسبانيا يعزو بنى معينة للواقع المستقل. بل ويذهب أحيانًا
إلى حد اقتراح مطابقة الواقع المستقل مع هذه البنى: "إن البنى الكبرى
التي هي أصل قوانين الفيزياء" هي "[...] بنى يمكننا حتى تصورها، في
الحالة الحدية، كما لو كانت هي نفسها «ما هو كائن»، أو كعناصر مشكِّلة
لـ «ما هو كائن»، بدلاً من مجرد كونها كصفات بسيطة لما هو كائن[42]".
يمكننا أن نلاحظ ببساطة مرة أخرى أن التمثيل المقدم على هذا النحو، أي
تمثيل واقع مستقل يؤثر على الظاهرات، واقع حقيقي متشكل مسبقًا، وعلة
(موسعة) للظاهرات ولبناها الكبرى القانونية، ليس التمثيل الأكثر
توافقًا مع النتيجة اللاثنوية لتفكّر دسبانيا في الفيزياء الكمومية.
ويمكننا بهذا الصدد تقديم تمثيلات معاكسة، أكثر توافقًا مع فكرته حول
التوالد المتبادل "[...] للوعي وللواقع التجريبي"[43].
يشتمل أحد هذه التمثيلات المعاكسة على أن نرى في الانتظامات القانونية
للظاهرات ليس أثر بنية إحصائية مفترضة لـ "أساس الواقع" بكامله، بل
تعبيرًا عن البنية الديناميكية لصيرورة التوالد المشترك لقطبٍ ذات
ولقطب موضوع يجري أو يحدث في قلب هذه البنية. إن البنى
القانونية الكبرى في الفيزياء لا يمكن أن تُفَسّر ضمن هذه الشروط من
خلال تقابليتها (إيزومورفيتها) مع بنى مسبقة الوجود للواقع الحقيقي، بل
من خلال قابليتها لترجمة شروط استقرارية كافية للحدود المتوالدة بشكل
مشترك في الواقع. واستنادًا على ذلك فإنه لا يعود لهذه البنى
القانونية معنى مطلق، بل معنى نسبي فقط بالنسبة لبنى لحظات
صيرورة التوالد المشترك التي يتم تفضيلها بواسطة قابلية الاستنساخ أو
الاستيلاد المرتبطة بها (بخاصة النشاطات التجريبية). وهنا أيضًا، يكتب
شميتز[44]
C. Schmitz،
بالنسبة للبنى كما بالنسبة لإسناد الخصائص على حد سواء، "فإن تعيينها،
كما هو الحال بالنسبة لنتاجها، أي المعنى، هو تعيين علائقي".
وسوف نعرض لموقف دسبانيا إزاء هذه الجملة من التصورات في المقطع 3 - 6.
ترجمة: موسى الخوري
*** *** ***