|
قيم خالدة
لقد أصبحت قيمة السعادة تشكِّل يومًا بعد يوم موضوعًا يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للإنسان المعاصر، الذي بدأ بالفعل يشكِّك فيما تقدمه له الحضارة من أشياء تدعي أنها السبيل الوحيد لتحصيل السعادة، وهذه الأشياء بالخصوص هي مجموع المعدات التي تسهل حياته وتخلق له نوعًا من الراحة والرفاهية مثل التلفاز، المحمول، السيارة... وهذا هو ما يمكن تسميته بالسعادة المدجنة، بالإضافة إلى الأكل والملبس وكل ما له علاقة بالحياة الرغدة، وكلها أمور أصبحت الحضارة المعاصرة تتفنن في توفيرها للجميع وبثمن قد يكون في متناول أغلب الناس. - فهل السعادة المرتبطة بالمظاهر المادية والعدد التقنية من شأنها أن تمثل بالنسبة للإنسان سعادة حقيقية؟ - هل تكمن السعادة فقط في إرضاء الجانب المادي أم أن هناك جوانب أخرى ينبغي استحضارها حتى تكتمل سعادة الإنسان؟ - كيف يستقيم القول في السعادة وهي من الكمالات في عالم كثرت فيه المآسي والأحزان والكوارث وأصبح فيه الإنسان تائهًا حيرانًا كالطفل الضائع كما وصفه بودلير؟
في هذا المحفل الكريم سأتحدَّث عن أمرين، أحدهما الحاجة المؤكدة للأخلاق في المجتمعات البشرية المعاصرة، والآخر: صعوبة الحياة الأخلاقية في هذا العصر، وعندما يجتمع هذان الأمران فإنَّ كل شخص يشعر بالتحرق على حال البشرية فسوف يشعر بالحاجة لدراسة القضية في إطارها الأخلاقي وماذا ينبغي أن يصنع؟ نحن نعيش في هذا العصر الحاجة للحياة الأخلاقية، ولأسباب سأذكرها لاحقًا، أكثر وأشد من العصور الماضية. على امتداد التاريخ البشري كان الإنسان يحتاج إلى الحياة الأخلاقية، ولم تكن مقولة الأخلاق والحياة الأخلاقية أمرًا زائدًا أو ترفًا فكريًا للبشرية، ولكن في العصر الحديث، أي ما بعد الحرب العالمية الثانية، ازدادت حاجة البشر إلى الحياة الأخلاقية أكثر من الماضي، بمعنى أننا اليوم لا نحتاج فقط للأخلاق من تلك الجهة العامة التي كان يعيشها البشر على امتداد التاريخ، بل إنَّ هذه الحاجة قد ازدادت واشتدت لأسباب معينة، سنقوم ببيانها واستعراضها.
حين سألتُ المفكر المغربي الدكتور كمال عبد اللطيف عن المفكر جان جاك روسو، فيلسوف عصر التنوير وتأثيره عربيًا، استغرب ولم يُخف تعجُّبه. مصدر الاستغراب أن روسو الذي تحتفل البشرية بمرور 300 عام على ميلاده مفكر إنساني، لعبت أفكاره دورًا أساسيًا في الثورة الفرنسية (النصف الثاني من القرن 18) التي أعطت الانطلاقة الفعلية للعلمانية منهجًا سياسيًا واجتماعيًا. ويُعتبر الدكتور كمال عبد اللطيف من أبرز المفكرين العرب الذين قرأوا جان جاك روسو ودرسوا أفكاره ودرَّسوها، كما يُنظر إليه أيضًا بوصفه من أهم المتابعين للمفكرين والفلاسفة العرب الذين تأثروا بهذا الفيلسوف الفرنسي–السويسري. يقول الدكتور عبد اللطيف "توحي لي عبارة أو جملة جان جاك روسو عربيًا بأشكال التلقي التي مارستها النخب ورجال الفكر العربي في موضوع قراءة أعمال جان جاك روسو. وفي هذا الباب أستطيع أن أتحدث عن أشكال مختلفة من تلقي الفكر العربي لمنجزات وأعمال روسو".
من المؤسف حقًا أنه لم يبق أمامنا سوى حديثين، لذا علينا تكثيف ما سنقوله عن كلية الوجود. ونحن بهذا لا نقوم بأي نوع من الدعاية، ولا نحثُّكم على التفكير في اتجاه محدد، ولا نحاول إقناعكم بأي شيء – هذا ما يجب أن تكونوا مقتنعين به بالكامل. كما أننا لا نعرض عليكم أية أشياء غريبة exotic من الشرق كذلك الهراء الذي ينطق به المعلمون والغوروات وأولئك الذين يكتبون أشياء غريبة بعيد زيارتهم للهند – فنحن لا ننتمي إلى ذاك الحشد على الإطلاق. مؤكدين على أننا، وخلال هذين الحوارين، سنفكر معًا، بمعنى أنكم لن تستمعون فقط إلى بعض الأفكار التي قد توافقون أو لا توافقون عليها؛ فنحن لا نبتدع حججًا أو آراءً أو أحكامًا، ولكننا معًا – أي أنتم والمتحدث – سنتمعن بما تحوَّل إليه العالم، ليس في الغرب فقط بل في الشرق أيضًا حيث يوجد فقر شديد، وبؤس شديد، وزيادة سكانية هائلة، وحيث ليس بوسع السياسيين، كما هي الحال في الغرب، التعامل مع ما يجري حولهم. هناك حيث يفكر كل السياسيين بمنطق قبيلة، وحيث تحولت القبليةُ إلى ما يسمى قومية ممجدة. لهذا ليس بوسعنا الاعتماد على أي من السياسيين أو القادة أو أي من الكتب التي أُلِّفت حول الدين. لا نستطيع الاعتماد على أي من هؤلاء الناس ولا على العلماء أو البيولوجيين أو علماء النفس، فهم لم يستطيعوا حل مشاكلنا الإنسانية. أنا واثق تمامًا أنكم توافقون على كلِّ هذا. كما لا نستطيع الاعتماد على أي من المعلمين-الغورو الذين لسوء الحظ جاءوا إلى الغرب واستغلوا الناس وأصبحوا أثرياء جدًا، إذ لا علاقة لهم بالدين مطلقًا.
|
|
|