لعل
ما يشهده حقلنا الفكري والفلسفي اليوم، من حركة غريبة في مجال النشر،
تتمثل في صدور سلسلة من الكتب، بين الفينة والأخرى، بعناوين تلفت النظر
من قبيل: "فقه الفلسفة" أو "بلاغة الفلسفة"؛ هو ما اضطرنا إلى استعادة
سؤال التفلسف وما تكونه الفلسفة؟ بل وما جدوى الفلسفة؟ إذ، كيف يمكننا،
والحالة هاته أن نقبل بكل ارتياح المزاوجة مابين الفلسفة والفقه حينًا،
والبلاغة أحيانًا أخرى؟ وهل يمكن للفلسفة أن تضحى فقهًا وأن تكون
بلاغة؟ هل بوسع الفكر أن ينقلب إلى خطاب محض لغوي، يتأرجح مابين الفقه
والبلاغة دونما صلة بالواقع، ولا بالعالم المحسوس الذي هو منبث
المفاهيم الفلسفية؟ وهل بوسع المفاهيم أن تمكث في غياهب المجرد وتندرج
في ثنايا القواميس اللغوية المثالية، أم أنها بالأحرى ذات علاقة وطيدة
بالواقع ولها صلة متينة بالفيلسوف وإكراهات معيشه؟ صحيح "أن الفلسفة هي
فن تكوين وإبداع وصنع المفاهيم"
لكن المفاهيم مشروطة بعالم محسوس وتفترض لغة واقعية وعالما ممكنا
يمنحها الصلابة وقوة التحقق.
شبه مقدِّمة
أودُّ بدايةً أن أنوِّه إلى أنَّ هذا البحث يندرج ضمن سياق بحوثٍ أخرى
ويشكِّل متابعةً لمحاولة أو مجموعة محاولات لتقديم منظور جديد إلى
المناهج المدرسيَّة أو ما يمكن أن تكون عليه في المستقبل هذه المناهج.
ولا بدَّ لي أن أؤكِّد في المناسبة أنَّني أتناول الموضوع من منظور
عامٍّ أي أوسع من محلِّيِّ وأبعد من آنيِّ.
سبق أن قدَّمتُ على نحو خاصٍّ في الجمعيَّة الكونيَّة السُّوريَّة
محاضرَتين تصبَّان في نفس المجرى: أساليب تعليم الرِّياضيَّات
(2011) والمناهج المدرسيَّة وعلوم الفضاء (2013).
تأتي محاضرة اليوم حلقةً في سلسلةٍ يمكن أن تمتدَّ أكثر، وهي لا تحاول
على الإطلاق أن تكون مقاربةً تفرض نفسها، بقدر ما أحاول من خلالها طرح
أفكار على بساط النِّقاش والمداولة تطلُّعًا إلى الوصول لما هو أفضل.