أعتقد
أنه يتوجب علينا أن نتناقش معًا، وأن نخوض بعمق في موضوع الآثار المترتبة عن
الأسى، لنكتشف – من أجل أنفسنا – إمكانيةَ تعايش الحب والأسى. وأن نستكشف أيضًا
ماهية علاقتنا بالأسى كبشرية، وليس فقط حزننا الشخصي اليومي، والجرح، والألم،
والحزن الذي يتسبب به الموت. لقد خاضت البشرية آلاف الحروب، إلى حدٍّ يبدو فيه
أن الحروب لا تنتهي. وفي كلِّ أنحاء العالم، تركنا أمر تحقيق السلام للسياسيين،
إلا أن ما يفعلونه، إن فهمتموهم جيدًا، لن يجلب السلام أبدًا. فنحن جميعنا
نحضِّر للحرب. وذات يوم، ستتفجر هذه التحضيرات في مكان ما من العالم. وككائنات
بشرية لم نتمكن أبدًا من العيش بسلام مع بعضنا، مع أننا نتحدث دومًا وبكثرة عن
السلام. كما بشَّرت الأديانُ بالسلام – بالسلام على الأرض وبالنوايا الحسنة –
لكن يبدو أنه لم يكن بالإمكان تحقيق السلام على الأرض، وأنا لا أعني هنا الأرض
الفرنسية أو البريطانية، بل أرضنا. فنحن لم نتمكن يومًا من حل مشكلة قتلنا
لبعضنا البعض.
أول شيء قريب مني، ملتصق بي، محدد لوجودي ويفوق طاقتي على الفهم، وتعجز اللغة عن
الإحاطة به، في علاقاته وأصله وبنائه وحمولته وحركته وتحولاته ووعيه وحسه وفكره
وقوته وأناه وموته... هو الجسد. جسدي الخاص. جسد الإنسان الفرد. أتعاطى معه وأتحاور
أنا السائل، أنظر إليه وكأنه موضوع خارج ذاتي، أو هو بالأحرى ينظر إلى نفسه. يحملني
ويواجهني ويحتويني ويصنعني. هو الذي يتكلم ويرى ويسمع ويفهم ويتحاور. يشكل تعددية
وفردانية غريبة بينه وبين ذاته. والغريب في الأمر أنه هو من يناقض نفسه ويطرح
السؤال وليس آخر. هو السائل الذي يسأل عن نفسه. وهذا معناه أنه لا يعرف ذاته ولا
يحتويها رغم أنه هو ذاته. وأصل ومنطق الأشياء في ما أعتقد هو أن تعرف الذات ذاتها،
ألا تسأل الذات عن ذاتها أصلاً! أن يسأل عنها آخر يمكن قبول ذلك ولكن أن ينبع
السؤال من الذات عن ذاتها فهذا قمة العبث! لأنه كيف تستطيع العيش والتماهي
والاندماج المطلق مع ذاتك ووحدتك وإزالة التفكير في الحدود والفواصل الكونية وأنت
جاهل بذاتك، تسأل عنها كأنها موضوع تنظر إليه خارجًا – في مقاربة فنية شبه مستحيلة
– وكأنها ليست ذاتك.
ليس
العقل
فحسب هو ما يميِّز الإنسان عن سواه من الحيوانات، بل الحريَّة هي العنصر الذي
يكمِّل العقل ويجعل الإنسان يفكِّر بفاعلية كبيرة. ذلك أنَّ الإنسان هو عقل
وحريَّة، ولو فقد أحد هذين المكونين، لأصبح إنسانًا منقوصًا ومشوهًا، فبفقدان
العقل، يصبح مجنونًا، وبفقدان الحريَّة، يتحول إلى عبد...
[...] لكني أعبد لله كحقيقة فقط. لم أجده بعد، لكني
أسعى إليه. وأنا مستعد للتضحية بأعز ما أملك من أجل تحقيق هذا الهدف. وحتى لو كانت
هذه التضحية تتطلب مني حياتي، فإن كل أملي هو أن أكون مستعدًا لذلك. لكن طالما لم
أحقق هذه الحقيقة المطلقة، فسأبقى مرتبطًا بتلك الحقيقة النسبية التي أتصورها. وهذه
الحقيقة النسبية ستبقى، حتى ذلك الحين، منارتي، والدرع الذي يحميني. ورغم أن هذا
الدرب مستقيم وضيق وحاد كنصل شفرة، إلا أنه بالنسبة لي كان الأسرع والأسهل، فحتى
أخطائي الفاضحة كانت تبدو بالنسبة لي تافهةً لأني تمسكت به بحزم. فهذا الدرب أنقذني
من الشعور بالحزن الذي تجاوزته على ضوء النور الذي يضيء طريقي. وغالبًا ما كنت أشعر
خلال مسيرة تطوري بأني ألقي نظرات خاطفة على الحقيقة الكلِّية التي هي الله. ويومًا
بعد يوم كانت قناعتي بأنه وحده الحقيقي، وبأن كل شيء آخر غير حقيقي، تزداد رسوخًا.