|
إبستمولوجيا
إن دراسة الكون لا تنفصل وجوديًا عن دراسة الذات التي تشكل أحد نتاجات الكون الأصيلة، ولعل دراسة الكون وغوامضه هي المفتاح لفهم الذات وهذا ما أراه يعبر عن المضمون العميق لجملة سقراط بأن يعرف الإنسان نفسه، وهذا ما أراه يعبر عن المضمون الغني لدراسات فلاسفة اليونان ومن قبلهم الميثولوجيات الدينية لحل لغز الوجود الكوني وبنفس الوقت من خلاله دخول عالم الذات العميق، ومن هذا المنطلق بالذات أجد التقاطع التاريخي بين الكونيات والفلسفة، فكليهما يعبران عن طرح شمولي للفهم، وكليهما قائمان على تساؤلات وفرضيات ونظريات وتخيلات لعوالم ممكنة، ويكفي أن نفهم التقاطع العميق بين مونادات لايبنتز الفلسفية وعوالم أفريت الكونية، ومفهوم الزمن الفلسفي مع زمان النسبية العامة، وشمولية جبرية اسبينوزا مع مفاهيم الكون الثابت، ونظرية الخير عند أفلاطون أو الفراغ عند ديمقريطس أو الله عند لايبنتز التي تؤدي كلها الدور نفسه في النظرية الكونية، وتصورات موسيقى الكرات القديمة للكون عند الفيثاغورثية مع نظرية الأوتار الفائقة الكونية التي تقترح أن المشهد المجهري للمادة تغمره أوتار دقيقة تتحكم أنساق اهتزازاتها في تطور الكون، لنرى مدى التقاطع التاريخي بين نمطي المعرفة.
في عام 1975، اكتشف ستيفن هوكنغ أن الثقوب السوداء ليست سوداء بالمقدار الذي نتصوره. فقد أخذ بعين الاعتبار آثارًا كوانتية وبرهن أنها تشع إشعاعًا حراريًا معينًا. وهو إشعاع ضعيف بالتأكيد، لكنه يؤدي مع مرور الزمن إلى تبخرها. فهل يمكن لجزء من المعلومات التي يحتويها الثقب الأسود أن تختفي بالكامل من الكون؟ لم تحسم المسألة إلا في عام 2004، لكن الحل جاء عند تقاطع النظريتين الكبيرتين في الفيزياء، النسبية العامة والميكانيك الكمومي، ولهذا فإن المسألة لم تحل بشكل نهائي حتى الآن. هل يمحو الثقب الأسود الذي يتبخر كامل المعلومات التي يتضمنها أم أنها تنحفظ؟ هذه المسألة قسمت الفيزيائيين إلى فريقين مؤيد ومعارض طيلة سنوات عديدة. ويعتقد العلماء اليوم أن المعلومات لا تختفي، لكن لا نعرف كيف يمكن الوصول إليها.
مستمرة...
|
|
|