هذا
المساء أود أن أتحدث في بضعة أمور هي جميعًا مرتبطة بعضها ببعض، مثلما المشاكل
الإنسانية كلها مرتبطة أيضًا. لا يمكن للمرء أن يأخذ مسألة واحدة على نحو منفصل
وأن يحاول حلها بمفردها؛ تحتوي كل مشكلة على المشاكل الأخرى كلها، إذا عرف
المرء كيف يبحث فيها بعمق وشمول.
أود، أولاً، أن أتساءل ماذا سيحل بنا جميعًا، الصغار والكبار، وماذا نصنع
بحيواتنا؟ هل سوف نسمح لأنفسنا بأن تُمتص في هذا الاضطراب العظيم، اضطراب
المحترمية المقبولة مع كل أخلاقيتها الاجتماعية والاقتصادية، وبأن تصبح جزءًا
مما يدعى المجتمع الثقافي مع كل مشاكله، حيرته وتناقضه، أم إننا سوف نصنع
بحياتنا شيئًا مختلفًا كليًا؟ تلك هي المشكلة التي تواجه أكثر الناس. يُعلَّم
المرء، ليس ليفهم الحياة ككل، بل ليلعب دورًا خاصًا في كلية الوجود هذا. إننا
مشروطون على نحو عميق جدًا منذ الطفولة لتحصيل شيء في هذا المجتمع، لنكون
ناجحين ولنصبح بورجوازيين على التمام؛ وعلى وجه العموم، فإن الذي هو من أهل
الفكر، الأكثر حساسية منهم، يثور على نمط لوجود كهذا. في ثورته، يفعل أمورًا
شتى: إما أنه يصبح معادٍ للمجتمع، معادٍ للحكومة، أو يتناول مخدرات ويسعى وراء
اعتقاد ضيق، طائفي، ديني ما، متبعًا مرشدًا ما، أستاذًا أو فيلسوفًا ما، أو
يصبح ناشطًا، شيوعيًا، أو يفرغ نفسه كليًا لدين ما غريب كالبوذية أو الهندوسية.
وإذ يصبح المرء عالم اجتماع، عالمًا، فنانًا، كاتبًا، أو فيلسوفًا، إذا كان ذا
إمكانية لذلك، فيلسوفًا يطوق نفسه بدائرة، فإننا نظن أننا قد حللنا المشكلة.
حينئذ نتخيل أننا قد فهمنا الحياة بأكملها فنملي على الآخرين كيف ينبغي أن تكون
الحياة بحسب ميلنا الخاص، مزاجيتنا الخاصة، ومن معرفتنا التخصصية.
ارتبطت
نظريَّة غاندي عن طبيعة الإنسان إلى حدٍّ بعيدٍ بوجهتيِّ نظره تجاه الله
والدين. كانت معقَّدة، وفي مواضع كثيرةٍ شديدة الغموض، وغير متماسكةٍ. في
اختصار، مع المجازفة ببعض مخاطر التبسيط الشديد، اعتقد بأنَّ ثلاث حقائقٍ
جوهريَّة تميِّز الكائنات البشريَّة: أولها أنها تعتبر جزءًا مكمِّلاً للكون؛
ثانيها، يرتبط وجود أحدهما على وجود الآخر بالضرورة، ينموان معًا أو يموتان
معًا؛ وثالثها، إنَّها كائنات رباعيَّة الأبعاد، تتكوَّن من: الجسد، الماناس
manas
(العقل)، الأتمان atman
(الروح)، والـ سوابهافاswabhava
(البنية النفسيَّة والأخلاقيَّة المميزة لكلِّ فرد)، والتي
بتفاعلها مع بعضها تفسِّر تصرُّفاتهم وتشكِّل منظومتهم الأخلاقيَّة. وسوف
نتناول كلاً منها على حدة.