اختراق الأساطير السامية للقصائد الفارسية
د.
وحيدِه ن.
تْشِغيني
مقدمة عن الأسطورة والأساطير الفارسية
الأسطورة هي سرد لقصة حياة مقدسة وسماوية. تُعدُّ الأسطورة دائمًا قصة واقعية لأنها
تحيل دائمًا إلى الواقع. ولما كانت الأسطورة تصف الأعمال الفذة والمآثر العظيمة
لمخلوقات ما وراء الطبيعة وتجليات القوى السماوية، فإنها نموذج ونمط تفسيري لكل
أعمال البشر وأنشطتهم ذات الشأن. الأسطورة التي تعنى بأسباب الأشياء هي من المشاغل
الداخلية الأزلية للجنس البشري، لا تدعه وحيدًا البتة وتبعث في ذهنه مسائل من مثل
ما يتعلق بمعنى الموت والحياة، ومصير الإنسان، ورجاء الخلاص، والرغبة في معرفة
المرء لموطنه الأصلي وشوقه للرجوع إليه، بيد أنه لا يعثر لهذه المسائل على جواب
شافٍ البتة.
للأسطورة في العالم الأصل نفسه
في تأويل أساطير كل أمة وحكاياتها وفي المقارنة بين أساطير الأمم المختلفة
وحكاياتها، من الواجب التركيز على المنظومات الثقافية كلٍّ على حدة باعتبار تشكيلها
زمرةً مفردة وكلاً متعلقًا بعضه ببعض[1].
ويصح القول إن جزءًا من أساطير إيران والهند القديمتين، بل اليونان وروما، له أصل
واضح المعالم. بيد أن مسار الأَسطَرة في كل الشعوب البدائية والأمم المختلفة ليس
منفصلاً بعضه عن بعض، ولو لم يكن متماثلاً. إن الأمم بأسرها قد عملت في مسيرة
حياتها بعض الأساطير والخرافات وآمنت بها إيمانًا ما. وفي الحقيقة، لعل الأساطير هي
حقائق تاريخية محرَّفة ولعلها مستمدة من شخوص أسطوريين. وبحسب الأستاذ بَهار:
قام تشكيل الأسطورة على التفكُّر في البنى الاجتماعية والظواهر الطبيعية وما للبشر
من ردود أفعال نفسية[2].
قد
تبهت هذه الأساطير في مسار التاريخ، لكنها تبقى حية دائمًا. ومن طرق بقاء هذه
الأساطير حية دخولها في النصوص الأدبية. إن الشاعر أو الكاتب بانتفاعه من أساس
الأسطورة هو الذي يعيد خلق ثقافة الماضي. وبحسب أحد علماء الأساطير:
الأسطورة هي التاريخ الباكر والروحي لمجتمع من المجتمعات، وبحسب وجهة النظر هذه فإن
الأسطورة تقارَن جدًا بلغة ذلك المجتمع. إن اللغة والأسطورة بما لهما من وظيفة
مشتركة وباحتكار النصوص الأدبية لهما يسردان لنا من جديد الحقائق ذات الصلة
بالتواريخ البعيدة[3].
نُقلت الأساطير الإيرانية إلينا على أساس المبادئ نفسها. لقد استعملها شتى الشعراء
في شتى السبل، فتحدثوا عن الأبطال القوميين، وشتى الأعياد والأعراف وكذلك النباتات
والحيوانات المقدسة والأسطورية. لكنْ مع مرور الزمان دخلت الأساطير السامية في
النصوص الأدبية واحتلت بالتدريج مكان الأساطير القومية وامتزج النوعان أحدها بالآخر
أحيانًا. نبحث في هذه المقالة، عن أسباب اختراق الأساطير غير الإيرانية ولاسيما
السامية منها.
موضع الأساطير الإيرانية في الأعمال الأدبية:
أولاً، ينبغي القول إن الشعراء الإيرانيين لم يكونوا جاهلين بأساطيرهم وتاريخهم
القومي ولقد انتفعوا بهذه الأساطير عن وعي أو غير وعي. مثال ذلك أنه يمكننا ذكر
سِيْمُرْق
Simorq،
باعتباره من أشهر الطيور الأسطورية في إيران. يرجع تاريخ حضور هذا الطائر الأسطوري
في الثقافة الإيرانية إلى الأزمنة السابقة للإسلام. سِيْمُرْق هو
ظاهرة معقدة ومبهمة وهو بلورة لما عند الشعب الإيراني من إدراكات وخيالات متناقضة[4].
وبحسب الفردوسي، يسكن سِيْمُرْق في جبل البورْز. كذلك يرى الشعراء الآخرون، اتباعًا
منهم للفردوسي، أن مكان سِيْمُرْق هو جبل البورْز، ويذكرونه بألقاب شتى.
الحصان هو حيوان أسطوري آخر في إيران. في الأساطير الإيرانية، للحصان منزلة رفيعة
وهو، مثل الأسد، رمز للشمس وهو في الأساطير الزرادشتية من مخلوقات الإله واسمه هو
كما استعمله الآريون منذ آلاف السنين. الحصان أحد الحيوانات الرمزية له في الأعمال
الملحمية ولاسيما شاهْنامَه قيمةٌ أساسيةٌ، وله في أساطير الأمم الأخرى قيمةٌ
رمزيةٌ أيضًا.
بل إن شعارات الحصان الثقافية قد أكسبت هوية لقبور الإيرانيين القدماء ويسَّرت
التعرف عليها. متى عثر علماء الآثار على أثر للحصان على قبر من القبور، عرفوا من
فورهم أن صاحب القبر هو قطعًا إيراني أو ذو صلة بالثقافة الإيرانية[5].
عُني الشعراء الإيرانيون في الأشعار الفارسية، بعد مدح الملوك، بخيولهم وكرسوا لمدح
صفاتها الكثير من الأبيات.
إني لأعجب من حصانك،
لعَدْوه الذي اسودَّت منه أرض الموقعة.
إن له صفات أربع:
الحرب والعدْو والعَجَلة والتبختر.
حافره، في العدْو، كالسندان،
هل يُحدث السندان ريحًا؟[6]
هاهنا أساطير إيرانية أخرى هي أساطير عن النبات. في الأساطير الزرادشتية، النبات هو
رابع المخلوقات المادية في خلق العالم، وبحسب رواية بُنْدَهِش:
خرج أول نبات في وسط الأرض وبلغ بضعة أقدام طولاً وكان بلا أغصان ولا قشر ولا شوك،
رطبًا وحلوًا. حاز هذا النبات كل أصناف القوة النباتية بجوهره ولقد عثر الماء
والنار على الحياة بمعونة النبات[7].
قال
أحد الشعراء الفارسيين:
قال الزرداشتي في أَفِسْتا وفي زَنْد:
أصل النوع الإنساني هو النبات[8].
وأدونيس وتموز وعشتار وبعل وأوسيريس وسياواش هم من جملة آلهة-النبات المشار إليها.
ففي الخرافات الشعبية، تُربط حياة الشخص أحيانًا بشجرة في مهب الريح، ويقرن يباس
الشجرة بالموت.
عدا
عن الشعائر وسوى ذلك من أساطير الحيوان والنبات، هاهنا أيضًا أساطير عن الإنسان في
إيران وهي مذكورة في أَفِسْتا والكتب البهلوية وما بعدها من شاهْنامَه، ولكل منها
صفات أسطورية. إن التغيرات التاريخية والاجتماعية ولاسيما اختراق الدين وسيادة
حكومات شتى في سياق التاريخ قد أثرت تأثيرًا عظيمًا في نظر الشعراء للأساطير. كان
الشعراء الإيرانيون الأولون يولون مكانة مرموقة للأبطال القوميين، لكن بعد مرور
حينٍ من الزمان وقدوم حكومة مختلفة إلى السلطة في إيران، حظيت الأساطير السامية
بالمنزلة العليا وأصبحت في بؤرة اهتمام الشعراء حتى أنهم بعد بضعة قرون من ذلك
أخذوا يستهزئون من الأساطير الإيرانية ويعدونها كذبًا ولغوًا إلى قرن من الزمان قبل
اليوم حين ظهر بعض الشعراء القوميين والمتحمسين لوطنهم فأحيوا الأساطير الإيرانية
وجعلوا الإشارة إلى الأساطير السامية أمرًا ملحقًا بها. في ما يأتي نورد الأسباب في
اختراق الأسطورة السامية لأعمال إيران الأدبية.
أسباب اختراق الأساطير غير الإيرانية للأعمال الأدبية:
مع
مرور الزمان والتبادلات الثقافية مع الأمم المجاورة، أُتي بتغيرات إلى الأساطير
الإيرانية ولقد طرأ على بعضها تغيرات أساسية أحيانًا. في ما يلي نشرح الأسباب في
اختراق الأساطير غير الإيرانية لأعمال إيران الأدبية:
1.
دخول الإسلام واتساع نطاق العقائد الدينية:
بعد
دخول الإسلام إلى إيران فقدت أساطير إيرانية كثيرة جاذبيتها العامة؛ لاسيما منها ما
باين العقائد الإسلامية. إن اتساع نطاق الدين قد نجم عنه نوع من قلة الاحترام
للأساطير الإيرانية وعدم تصديق بها، علمًا بأنه بعد سيادة العرب على إيران ظهرت
الحركة الشعوبية التي عملت على استنهاض حمية الإيرانيين وتعريف الشعب بموروثاته
القديمة، لكن جميع ما لدينا من تأويلات مجازية للأساطير القومية أو للقصص الدينية
هي في معظمها التأويلات الإسلامية أو الموغلة في الصوفية.
الشروح والتأويلات التي اختيرت لشرح القصص الدينية وقصص حياة الأنبياء ولتأويلها،
وبالنظر إلى قداستها الدينية وأهميتها وإلى موافقتها لكلٍّ من فطرة الشعب وطبيعة
الوقت ومن جهة أثرها الإرشادي وبثها للمفاهيم الصوفية، عُدَّ ذلك كله وسيلة أكثر
فاعلية وتأثيرًا. أضف إلى هذا أنه استثار أقل قدر من الريبة والاعتراض من العلماء
والفقهاء والمسلمين، والسبب في ذلك أن الأسطورة القومية لإيران، وإن كانت دائمًا
موضوعًا مثيرًا للاهتمام بسبب إحيائها لأمجاد الماضي وإيقاظها للكبرياء القومية،
فإنها كانت تُعد في بيئة إسلامية وفي نظر خبراء دينيين ضربًا من الكفر. وعليه فإن
فعليّ الشرح والتأويل للأساطير الإيرانية حتى بالإشارات الطفيفة وبذكر الشخوص
الأسطورية في الشعر والنثر الصوفيين، إن ذلك ليس بالشيء الذي يقاس، من جهة السعة
والتنوع، بالحواشي والتأويلات الموضوعة لقصص الأنبياء[9].
2.
قداسة الأساطير السامية في عيون الإيرانيين:
عند
الساميين، يُعرف المختارون بالأنبياء الذين بينهم وبين الله علاقة والذين يهدون
الناس ولكل واحد منهم صفات استثنائية في معالجته للمشكلات. بخلاف الشعب السامي،
يصوَّر الشخوص الإيرانيون المصطفون في صورة ملوك لهم عرش وتاج. هذا هو السبب في أن
الأنبياء الساميين، كما تصورهم أعمال الشعراء، يعدُّون أعظم قيمة بالنسبة إلى
الملوك الإيرانيين.
سليمان النبي الذي أصبح اليوم أحد الشخصيات الإيرانية الدينية والثقافية المهمة، قد
دخل ثقافتنا وأدى إلى قيام رابطة بين الأديان الكبرى الثلاثة اليهودية والمسيحية
والإسلام وكذلك بين الأمتين السامية والآرية. في الأدب، كَثُر ذِكر قصة سليمان
والهدهد وخاتم سليمان بل وزيره آصف بن برخيا.
3.
دخول الأتراك والمغول إلى إيران:
منذ
النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، ولاسيما من أوائل القرن السادس، ظهرت علامات
الضعف في الأعمال الملحمية القومية في الشعر، وابتداءً من هذه المرحلة تُرِك نظم
القصص القومية القديمة. حتى أصحاب المطولات لم يهتموا بمصادر كبريائهم القومي. كان
الملوك الأتراك متحمسين للإسلام جدًا ولقد قمعوا المعارضة لذلك بشدة. قاموا كثيرًا
بحملات إلى الهند ونهبوا هذه الأرض بحجة محاربة إهانة المقدسات. بسبب من هذا العُجب
الديني والطاعة العمياء، استوردوا إلى الوصايا الدينية الكثير من الخرافات، وبحسب
د. صفا كانت مظاهر العُجب هذه أخطر تذكار أتت به دويلات الأتراك إلى الإيرانيين[10].
ففي
سعيهم للتفخيم عند مدح الملوك الأتراك ولنيل جوائزهم، كان شعراء هذه الحقبة مستعدين
للتضحية بالأبطال القوميين الإيرانيين من أجل مصالحهم الشخصية وكانوا يعدونهم أدنى
من ممدوحيهم. لكن وبحمد الله، "ومع ما كان من هيمنة للعنصر التركي واسعة جدًا طوال
بضعة قرون؛ هيمنةٍ على اللغة والأدب الفارسيين، فإنه لا يرى في الأدب الفارسي أثر
للأساطير التركية البتة"[11].
4.
ضعف أسس الأمة ونسيان المفاخر العرقية:
كلما ابتعدنا عن القرن الرابع، لاحظنا أن أسس الأمة قد ازدادت ضعفًا. حقًا إن شعراء
القرن الخامس قد أوردوا أسماء الكثير من الأساطير الإيرانية وذكروا، ذكرًا مباشرًا
أو غير مباشر، الأعراف والأعياد الإيرانية، وبسبب نفوذ الأتراك ونفورهم من ماضي
إيران، فإن المعنويات الوطنية للشعراء قد انخفضت إلى حد أنهم بدلاً من الافتخار
بماضيهم هم صاروا يفتخرون بالملوك الأتراك والمغول.
5.
إغراءات المديح:
نظم
أصحاب المطولات أكثر مطوَّلاتهم في مديح الملوك. لم يزل الملوك، في كل الحقب،
يرغبون في المدائح بسبب شدة رغبتهم في السمعة وبقاء الذِكْر. ولهذا السبب فإن
الشعراء الطالبين للسمعة والمال قد وجدوا طريقًا إلى بلاطهم وحظوا بفرصة لينشدوا
مطوَّلاتهم في مدح الملوك. وبالنظر إلى هذه الظروف، لم يكن مكانٌ للأساطير
الإيرانية، لأن الملوك كانوا يرون أنفسهم أرفع من الأبطال الأسطوريين ولقد ثبَّت
الشعراء هذا الأمر.
6.
دخول التصوف إلى القصيدة:
وجدت الطرق الصوفية منذ القرن الأول الهجري، لكن أوان ازدهارها في إيران إنما بدأ
منذ النصف الثاني من القرن الخامس. في القرنين الخامس والسادس، كان الصوفيون من
أتباع الصوفية المجردة. انتفعت هذه الطريقة، بالنظر إلى غايتها الخاصة بتثقيف
الصوفيين وإرشاد العامة، انتفعت بالشعر والنثر الفارسيين كوسيلة للتعبير عن أغراضها
التثقيفية والصوفية. إن حضور هذه المحتويات في النثر والقصيدة قد حرَّر القصيدة من
بلاط الملوك ولقد وضع الشعراء الصوفيون أعمالاً غنية بهذا المحتوى وأتوا إلى الأدب
الفارسي بذهنية خاصة. استعمل الشعراء الصوفيون الأساطير القومية لبث نصائحهم، لكنهم
في سعيهم لإسباغ القداسة على أعمالهم استخدموا قصص الأنبياء الساميين واستعملوا
كثيرًا من قصص الأنبياء كمصدر للإلهام.
إن شرح الأساطير الإيرانية وتأويلها روحيًا، حتى باعتبار ذلك إشارات جزئية وذكرًا
لشخصيات عظيمة، لا يقارن ما ورد منه في القصيدة والنثر الصوفيين بالشروح على قصص
الأنبياء وتأويلاتها، في ما يتعلق بالمقدار والتنوع[12].
7.
عدم المقاومة في وجه الأساطير الغريبة وامتزاجها بالأساطير الإيرانية:
من
أهم الأسباب في اختراق الأساطير غير الإيرانية هو عجز الإيرانيين في وجه الغرباء.
مع ظهور الإسلام، خُلطت الأساطير السامية مع الأساطير الإيرانية. لقد امتزج ما في
المنظومتين الإيرانية والسامية من زمان أسطوري ومكان وشخصيات. لقد عُقدت صلة بين
الملوك والمشاهير الإيرانيين وبين الأنبياء والملوك اليهود، ومُزج بين زرادشت وبين
إبراهيم وإرميا، وأصبح جَمْشيد وسليمان شخصًا واحدًا. مثال ذلك أنه في العبارة
التالية وقعت مطابقة بين نمرود وكيكاؤس:
وإذ لم يكن بين أبناء سام، وَلَدِ نوح، العرب منهم وغير العرب، وَلَدٌ يصلح للملك،
قام من غير العرب ملك اسمه نمرود وأصله إيراني يدعى كيكاؤس[13].
أو
كما في هذا البيت، وفيه عُدَّ جام وسليمان واحدًا:
يجلس الملك ومعه ملك الهند،
مثل بلقيس بجانب جَمْشيد[14].
وكما شرحنا أعلاه، عقدت صلة بين التاريخ والأساطير من الجانبين. إنه نوع من
الروايات التاريخية تُرى صورتها بوضوح في تاريخ الأمم، لكن مع مرور الزمان تتغير
هذه الصورة التاريخية شيئًا فشيئًا تغيرًا جذريًا ويتغير لونها تغيرًا كليًا في
عقول الناس. بعبارة أخرى، الموضوع التاريخي الذي كان في آنٍ ما حقيقة موضوعية يمتزج
امتزاجًا شديدًا مع الأساطير والقصص الدينية؛ والأساطير القومية والتي هي مما وراء
الطبيعة قد يكون لها وجه تاريخي. مثال ذلك أن الإسكندر المقدوني ذو وجه تاريخي لا
شك فيه. لقد هاجم إيران، وأحرق برسيبوليس وارتكب فظاعات أخرى كثيرة، لكنه، مع
الزمان وبعد الإسلام، تحول إلى حكيم وعالم ومقيم للعدل بين الناس، يذهب مع الخضر
النبي طالبًا لماء الحياة، وهنا يتحول التاريخ، في حقيقة الأمر، إلى أسطورة.
للانقلاب في صورة الإسكندر سببان: الأول هو، بحسب د. صفوي أن جنود الإسكندر
المتعلقين به على نحو خاص قد ندموا بعد موته لأنهم لم يعبدوه كما أحب. ولهذا فقد
مدحوه بقدر ما استطاعوا ونشروا أخبارًا مبالغًا فيها عن فتوحاته[15].
الآخر هو أن الإيرانيين لرفضهم
القبول بحكم الأجنبي قد سعوا إلى تقديمه كإيراني من نسل دارا وكوريثٍ للعرش والتاج
الأَخْمينيَّين. في حقيقة الأمر "كانت تلك هي السبيل الوحيدة لحماية الكبرياء
القومية"[16].
وبناء عليه، عدَّ بعض المؤرخين الإسكندر إيرانيًا. كذلك يعدَّه الشعراء بطلاً
إيرانيًا ويرون ممدوحهم أعلى منه.
8.
سمعة الشخوص العلميين والفلسفيين في عصر الشعراء:
ذكر
كثير من الشعراء في أعمالهم أسماء أفلاطون وهرمس وأرسطو وقاسوا ممدوحيهم بهم. لكن
لم يحدث امتزاج في هذا الجانب واكتفى الشعراء بذكر أسمائهم.
9.
رغبة الشعراء في تطبيق طائفة من الصور المتخيلة:
للشعراء الإيرانيين اهتمام شديد بأعيان الناس وبإظهار براعتهم في الشعر ولاسيما في
نظم المطوَّلات. لهذا سعوا إلى استعمال شتى القصص لإظهار معرفتهم للشعراء الآخرين
وللممدوحين. أدى هذا الأمر إلى الازدياد في تفشِّي الأساطير السامية والهيلينية في
الأدب الفارسي. بل لقد أدخلوا كثيرًا من أشخاص قصص الحب عند الشعراء العرب في
مطوَّلاتهم وأسبغوا عليهم وجهًا أسطوريًا.
نتيجة لهذه الأسباب نرى أنه بالنظر إلى عوامل منها هيمنةُ العرق الأصفر، بدويلاته
وبقبائله، على إيران ونفوذُ العوامل الدينية ونسيانُ مصادر الكبرياء العرقي وضعفُ
أسس القومية عند الإيرانيين، وهي عوامل غير متوافقة مع حِفظ الملاحم القومية
وتطورها وتنظيمها، لذلك كلَّه فإن الشعراء قد أسهموا عن علم أو غير علم في انتشار
الأساطير غير الإيرانية ومهدوا السبيل إلى اختراقها وامتزاجها مع الأساطير
الإيرانية حتى أن كثيرًا من المؤرخين يركنون إلى الشواهد منهم ويقيمون شتى القصص
الإيرانية والهيلينية والسامية على أساس أقوالهم.
ترجمة: وفيق فائق كريشات
*** *** ***
REFERENCES
Ardalan Javan, Seyyed Ali (1988). Poetical Manifestation of Myths in the Poems
of Khaqani . Iran, Mashhad: Astane qodse Razavi.
Bahar,
Mehrdad (2007). The Searching of Persian Culture . Tehran: Ostureh.
Bahar,
Mohammad Taqi (1989). The Poems of Bahar. Tehran: Tus.
Dadegi, Faranbaq (1999). Bondahesh . Tehran: Tus.
Eliade, Mircea (1983). The View of Myth. Tehran: Tus.
Farrokhi, Ali (1976). The Poems of Farrokhi. Tehran: information ministry.
Greemal, Pear (1994). Human and Myth, Hasti Magazine , 19- 25.
Moezzi, Mohammad (1983). poems of Moezzi . Tehran: Marzban.
Mokhtari, Mohammad (2000). Myth of Zal . Tehran: Tus.
Pour
Namdarian, Taqi (1985). symbol and symbolic stories in Persian literature.
Tehran: elmi va farhangi.
Rajabi, Parviz (2000). lost thousandth anniversary. Tehran: Tus.
Safa,
Zabih Allah (1973). composing the epic in Iran . Tehran: Amir Kabir.
Safavi, Seyyed Hasan (1985). Alexander and Persian literature . Tehran: Amir
Kabir.
Shafiee Kadkani, Mohammad Reza (2003). imagery in Persian poems . Tehran: Aghah.
د.
وحيدِه ن.
تْشِغيني
Chegini,
Vahideh N:
محررة مجلة البحوث العلمية (اللسان المبين
Lesan
Mobeen)
التي تصدرها جامعة قزوين الدولية في إيران.