علم نفس الأعماق
|
|
تموز
2012
July 2012
|
في هذا
الإصدار
|
|
يمكن
أن نميز في الشخصية الغنية لدستويفسكي أربع وجوه هي الكاتب
الملهم، والأخلاقي، والعصابي،
والآثم. والسؤال هو كيف بوسع المرء أن يجد طريقه وسط هذا التعقيد المحير؟
لعل دستويفسكي الكاتب هو أقل هذه الوجوه إثارة للجدل: فمكانة دستويفسكي تكاد
تقارب مكانة شكسبير. والأخوة كارامازوف قد تكون أعظم رواية كتبت على
الإطلاق، وعرض شخصية المحقق الكبير – في هذه الرواية – هو أحد قمم الأدب العالمي.
لكن المحلِّل ليس بوسعه، مع الأسف، أن يلقي السلاح أمام الإشكالية التي يثيرها ذلك
الأديب المبدع.
أما الجانب الأخلاقي عند دستويفسكي فهو أكثر الجوانب قابلية للتناول. فإذا
أردنا أن نضعه في مكانة عالية كأخلاقي، بحجة أن الإنسان الذي عرف الخطيئة بعمق هو
الذي يستطيع فحسب أن يبلغ أعلى درجات الأخلاق، فإننا نتسرَّع في الحكم؛ حيث نجد
أنفسنا أمام تساؤل عميق، فالأخلاقي هو من يتفاعل مع الإغراء بمجرد أن يشعر به، ولكن
من دون أن يستجيب له. أما من يخطئ بصورة مستمرة، ثم يقدِّم خلال توبته متطلبات
أخلاقية عالية، فإنه يترك نفسه عرضة لنقد يقول إنه جعل الأمر سهلاً. لأنه لم يحقق
ما يتطلبه منه جوهر الأخلاق، الذي هو الأحجام؛ فالسلوك الأخلاقي في الحياة له أهمية
عملية بالنسبة للإنسانية. أمَّا صاحبنا فيذكرنا بالبرابرة وبغزواتهم، فهم يقتلون
ثمَّ يقيمون الكفَّارة. ما يجعل الكفَّارة مجرد وسيلة لتبرير القتل. وقد كان ايفان
الرهيب يفعل الشيء نفسه تمامًا، ونسجِّل هنا أن هذا الشكل من السلوك الأخلاقي هو
سمة روسية بامتياز. كما أن النتيجة النهائية للصراع الأخلاقي لدستويفسكي لم تكن
شيئًا عظيمًا على الإطلاق.