|
رسالة
مفتوحة إلى
إخوتي الفلسطينيين والإسرائيليين مثلي
كمثل الملايين سواي، شاركتكم أوجاعكم
ومعاناتكم عن بُعد طوال فترة طويلة من الزمن.
أنا مسلم من حيث المولد، لكن لي ابنًا
يهوديًّا، وتشدني، بالتالي، روابط عاطفية
إلى كلا الطرفين. أنا أفتخر كذلك بتتلمذي على
البوذا والمسيح عيسى وجلال الدين الرومي
والمهاتما غاندي ومارتن بوبر ومارتن لوثر كنغ
وفيصل الحسيني. وإذ تابعت سنوات عملية أوسلو
البطيئة للسلام واندلاع الانتفاضة الثانية
في تشرين الأول 2000، بت أشعر أن الأوان قد آن كي
تنظروا جديًّا في استراتيجية شاملة في سبيل
السلام، وأعني استراتيجية لاعنفية. يبين فيلم وثائقي عن تاريخ
اللاعنف إبان القرن العشرين بعنوان قوة
أقدَر في وضوح شديد أن النضال من أجل
العدالة أفلح مرارًا وتكرارًا عبر
استراتيجيات اللاعنف والمقاومة الفعالة
المخطَّط لها تخطيطًا متأنيًا. فحتى تتأسوا
بالعِبَر الأخلاقية والعملية لهذا الفيلم
الوثائقي الممتاز لا بدَّ لكم جميعًا أن
تشاهدوه. لقد بتنا نعلم الآن كيف أفلح النضال
اللاعنفي في سبيل الاستقلال والحقوق المدنية
والتحرر من استبداد الفصل العنصري والحكم
الديكتاتوري في الهند والولايات المتحدة
والفلبين وجنوب أفريقيا وبولونيا
وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا. هذه ليست دعوة رومانسية إلى
مبادئ أخلاقية مجردة. فاللاعنف أخلاقي وعملي
في آن معًا. صحيح أنه يتخذ أسمى الأسُس
الأخلاقية مرتكَزًا، لكنه ناجع أيضًا.
إنه يتطلب الالتزام والشجاعة والانضباط
والعمل المضني الدؤوب. وهذه صفات لا يفتقر
إليها بعض الفلسطينيين والإسرائيليين. في
البدء، ينبغي على مجموعتين صغيرتين من
الإسرائيليين والفلسطينيين أن تلتقيا
وتتعاهدا على النضال اللاعنفي المشترك من أجل
السلام والعدالة في الأرض المقدسة. وعلى
المجموعة، ثانيًا، أن تخضع لفترة من التدريب
المتأني على الفلسفة والاستراتيجيات
والتكتيكات اللاعنفية. وتحتاج المجموعة،
ثالثًا، إلى تعيين أهدافها الطويلة
والمتوسطة والقصيرة المدى. المدى القصير سهل التحديد: على
جميع أعمال العنف، من كلا الطرفين، أن تتوقف
من غير شروط قبل الشروع في عملية بناء للثقة.
المدى المتوسط أصعب، لكن تقدمًا لا يستهان به
تم أصلاً على تلك الجبهة بفضل عملية السلام.
فلسطين المستقلة يجب أن تكون جزءًا من الخطة،
لكن إنهاء الإرهاب على الإسرائيليين يجب أن
يكون التعويض عن ذلك. أما الأهداف البعيدة
المدى فهي أصعب ما يمكن الاتفاق عليه. اقتصاد
كلٍّ من إسرائيل وفلسطين باتا من الاتكال
واحدهما على الآخر بحيث إن أساسًا لتعاون
طويل الأمد بين الدولتين، ولفدرالية في
المآل، ليس متعذرًا تخيله. الحروب والعنف
إخفاقات في المخيلة الإنسانية. لذا علينا أن
نتحلى بالشجاعة على تخيل المستحيل حتى نحقق
ما في متناول يدنا على المدى المنظور.
وإسرائيل يسالم جيرانَه العرب هو مثل هذا
الحلم. تبادُل الخبرة العلمية والتكنولوجية
الإسرائيلية مع المقدرات البشرية والمالية
العربية الهائلة يمثل تكاملاً ليس له نظير. أخيرًا وليس آخرًا، تتطلب
المقاومة اللاعنفية الفعالة في سبيل السلام
والعدالة قيادة. والقيادة ذات الصدقية للنضال
اللاعنفي لا تظهر إلا من خلال تكريس التقاليد
المدنية ومن خنادق النضال نفسه. اليهود
والمسيحيون والمسلمون الحقيقيون لا
يجاريهم أحدٌ في التزامهم العميق بالسلام
والعدالة. التحية في كلتا اللغتين العبرية
والعربية ("شالوم"، "السلام عليكم")
تبلِّغ السلام للمتبلِّغين. وفي نظر
المسيحيين، الذين يقدسون الأرض المقدسة
أيضًا، يسوع الناصري هو "ملك السلام".
غير أن الأماني العذبة لا تكفي. إذ إن عملية
النضال اللاعنفي نفسها هي التي ستفرز أمثال
غاندي وكنغ ومانديلا. بعض الإسرائيليين
والفلسطينيين جربوا العنف ردحًا من الزمن
لتحقيق أهدافهم، فلم يجلب ذلك عليهم وعلى
المتفرجين الأبرياء غير الألم والمعاناة
والبؤس والموت. أدعوكم، إخوتي وأخواتي
الأعزاء، أن تمنحوا السلام فرصة. كيوتو،
اليابان 22
تشرين الأول 2000 *** *** *** |
|
|