|
الصور التي تكشف
عنصريَّتنا أولاً، اخترع أعداؤنا
الانتحاري. والآن لدينا انتحاري رقمي خاص بنا:
الكاميرا. انظروا كيف تمسك المجنَّدة في
الجيش الأمريكي، ليندي إنغلاند، بحبل،
وتجرُّ سجينًا عراقيًّا ملتحيًا وعاريًا.
أمعنوا النظر في الطوق الجلدي وفي الألم
البادي على وجه السجين. لا يمكن لأيِّ فيلم
ساديٍّ أن يفوق الضرر الذي تُحدِثُه هذه
الصورة. في أيلول 2001، حطَّمت الطائرات
البرجين. والآن، تحطِّم ليندي أخلاقياتنا
كلَّها بمجرد جرِّ الحبل. يصرخ
الانتحاري المسلم "الله أكبر!" وماذا
يفعل شريك ليندي إنغلاند في الجريمة؟! في
حديقة منزله، كُتِبَتْ أسطورةٌ من سفر هوشع
على الجصِّ حول الزرع والاستقامة وحرث الأرض. أيُعقَل
أن الإسلام أصبح على صلة وثيقة جدًّا بالجنس
في العهد القديم؟ أيُعقَل أن مسيحية
المحافظين الجدد – ليندي هي أيضًا من الذين
يختلفون إلى الكنيسة – اصطدمت بعنف وثورية
وفحش بالإسلام؟ ومن
كان الأبرياء في هذه الصور المروِّعة؟
الأمريكيون الذين يعذِّبون ويُذلُّون، أم
الضحايا العراقيون؟ يخشى
الرئيس بوش ردَّ الفعل العربي إزاء هذه الصور.
لماذا؟ منذ سنة، يحاول العراقيون أن يخبروا
الصحافيين عن المعاملة الوحشية التي يلقونها
على أيدي المحتلين. لا يحتاجون إلى هذه الصور
المُدينة ليثبتوا لهم ما يعرفون أنه حقيقة. لكنْ
لهذه الصور، في تاريخ الشرق الأوسط، وَقْع
مشابه تمامًا للوَقْع الذي أحدثتْه أفظع
الصور في حرب فييتنام: رئيس الشرطة في سايغون
يُعدِم تعسفيًّا سجينًا من الفييتكونغ،
الفتاة العارية التي أُحْرِقَتْ بمادة
النابالم، كومة الجثث في ماي لاي. وفي حالة
العرب، هناك دير ياسين، والجثث التي تكدَّستْ
في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في صبرا
وشاتيلا في العام 1982. بعد
وقت قصير من احتلال الجنود الأمريكيين بغداد
في نيسان من العام 2003، حصلنا على شريط يصوِّر
الضرب المبرِّح الذي تعرَّض له السجناء
العراقيون على يد شرطة صدام. لا
يمكنني تخيُّل الجحيم الذي تحمَّله هؤلاء
الضحايا خلال 45 دقيقة من السادية، مصوَّرةً
على شريط واحد مازال بحوزتي. يُضرَبون
بالسياط والعصي حتى تنكسر، ويُركَلون
ويُقحَمون في المجارير، ويتقوقعون كالكلاب
وهم يرتعدون. لماذا صُوِّرتْ جرائم الحرب
هذه؟ ظننت في البداية أن الأشرطة صُوِّرت كي
يستمتع بها صدام أو ابنه المقزِّز عدي. لكنني
أدرك الآن أن الهدف كان إذلال السجناء.
سُجِّلت معاناتهم وتوسلاتهم المثيرة للشفقة
وتصرفاتهم الحيوانية إمعانًا في إذلالهم. والآن،
أدرك أيضًا أن صور العراقيين الذين عامَلَهم
الأمريكيون بهذه الوحشية – وعذَّبوهم إلى
هذه الدرجة – التُقِطَتْ للسبب نفسه: قرَّر
أحدهم أن الصور ستكون القشة التي تقصم ظهر
البعير، لحظة الانهيار والاستسلام في نظر
هؤلاء الشبان. جعلوهم يبدون وكأنهم يمارسون
الجنس الفموي. جعلوهم ينظرون إلى العضو
الذكري لصديقهم الأثير. ووقفت فتاة تنظر
إليهم وهم يحاولون الحصول على الانتصاب. كان
هذا شذوذًا على طريقة صدام. إذًا
لنكن واقعيين، كما يقول الأمريكيون. من علَّم
ليندي وصديقها والساديين الأمريكيين الآخرين
في سجن أبو غريب أن يفعلوا هذا؟ كنت
أسأل في السابق: من علَّم جهاز المخابرات في
سوريا والعراق فعل هذا؟ وكان الجواب عن هذا
السؤال سهلاً: الشرطة السرية في ألمانيا
الشرقية. لكن ما الجواب عن السؤال الأول؟ طيب:
قيل لنا إنهم محقِّقون "متعاقدون" في أبو
غريب. لديَّ
أسباب تدفعني إلى الاعتقاد بأن الجنرال جانيس
كاربينسكي، المسؤولة القليلة الحظ عن سجن أبو
غريب، التي ستُطرَد من الجيش بسبب تحقيقات لم
تكن لها أية سلطة عليها، كانت تعرف تمامًا أن
"دخلاء" يستجوبون السجناء. لم يكن يُسمَح
لها بدخول غرفة التحقيق. وأنا أعرف السبب
تمامًا. ولا شكَّ في أنها، هي أيضًا، تعرفه. إذًا،
مَن كان هؤلاء "المحقِّقون" الغامضون؟
إذا لم يكونوا من وكالة الاستخبارات المركزية
CIA،
ولا من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI،
فمَن كانوا؟ يتم تداول أسماء عدة. لكن
الصحافيين يقولون إنه لم تتوافر لديهم حتى
الآن أدلة نهائية. وقد علمت أن عددًا من هؤلاء
الأشخاص يحمل أكثر من جواز سفر واحد. لماذا
أُحضِروا إلى أبو غريب؟ مَن أحضرهم؟ كم
يتقاضون؟ ومَن درَّبهم؟ مَن
علَّمهم أنها فكرة جيدة أن تشير فتاة بإصبعها
إلى عربي أُرغِمَ على الاستمناء، وأن يُذَلَّ
عراقي بتغطية رأسه بملابس داخلية نسائية؟ لا
نتحدث هنا عن أشخاص "مرضى"، بل عن
محترفين. وأخيرًا،
اعتذر الرئيس بوش [...] للعالم العربي عن هذه
التصرفات المشينة – فقط بسبب الصورة الأخيرة
التي نُشِرَتْ في الصفحة الأولى لصحيفة The
Washington Post –، لكن اللازمة التي
يردِّدها الضباط الأمريكيون بأن هؤلاء
المحققين هم حفنة صغيرة من الأمريكيين الذين
لا يمثِّلون أحدًا تثير لديَّ الكثير من
الشكوك. لم
تكن ليندي وصديقها جزءًا من وحدة "مارقة".
لقد أوعِزَ إليهما بأن يفعلا هذه الأمور
المروِّعة. شُجِّعا على ذلك. تلقَّيا أمرًا من
أحدهم. مَن؟ متى سنتمكَّن من رؤية صورهم
وجوازات سفرهم ومعرفة هوياتهم والأوامر التي
تلقوها؟ أجل،
هذا جزء من ثقافة، من تقليد قديم يعود إلى
الحملات الصليبية، ويعتبر أن المسلم نجس
وفاسق ومعادٍ للمسيحيين وغير جدير بالانتماء
إلى الجنس البشري. وهذا هو رأي أسامة بن لادن (الذي
يبدو أن بوش نسيه) بنا نحن الغربيين. لقد
أنتجتْ حربُنا الخادعة وغير الشرعية وغير
الأخلاقية الصور التي تفضح عنصريتنا. صورة
الرجل المغطَّى الرأس والمكبَّل اليدين
بالأسلاك صارت رمزًا نتذكَّره، تمامًا كصورة
الطائرة الثانية التي اصطدمت بمركز التجارة
العالمي. لا، بالتأكيد لم نقتل ثلاثة آلاف
عراقي. قتلنا عددًا أكبر بكثير. والأمر عينه
ينطبق على أفغانستان. *** *** *** عن:
The
Independent ترجمة:
نسرين ناضر *
مراسل في صحيفة The
Independent اللندنية.
|
|
|