قد
يريح الناس تصور الكون كآلة والجسم كمحرك والطبيعة كبناء هندسي منجز،
لكن تاريخ العلم يعلمنا أننا جزء من الكون لا الكون جزء منا. فلماذا
يجب أن يكون الكون مصنوعًا فقط من المكونات التي دوزنت عيوننا لرؤيتها
بمساعدة آلاتنا؟ ولماذا يجب أن يكون الكون بسبب تلك المادة مفهومًا لنا
بأية حال؟ هل نحن نقوم فقط بملء الثغرات في نظريتنا الناقصة مدفوعين
بإيماننا بقدرة الدماغ إلى النظر إلى جوهر الخلق؟ وهل الكواركات
والمادة المظلمة هي مكتشفات أم اختراعات، مصنوعات جوع دماغنا إلى
التناسق؟ وهل العالم عقلاني وإذا كان الأمر كذلك فما مدى عقلانيته؟
1- 5 المراحل الثورية والاستمرارية الأنطولوجية
يتبدَّى التصوُّر الدلالي للنظريات، في شكله اللاواقعي (التجريبية
البنائية) أو الواقعي ("الواقعية السياسية")، أنه منذ الآن فصاعدًا
المسرح الجديد للنقاشات في فلسفة العلوم.
فهل هذا التوافق مبرر؟ وبداية، على ماذا يشتمل تحديدًا التصوُّر
الدلالي للنظريات؟
إن للتصوُّر الدلالي، من وجهة نظر التصوُّر الكلاسيكي (البديهي
axiomatique
والنحوي
syntaxique)
للنظريات، وعلى خلافه، سمة مميَّزة في إعطاء الأولوية للنماذج على
البيانات الرصدية كما وبالدرجة نفسها على البيانات البديهية. ولكن، ما
هو "النموذج"؟ إن النموذج بمعناه العام جدًا الذي يغطي عددًا كبيرًا من
المفاهيم المستخدمة في مختلف العلوم، ليس شيئًا آخر سوى بنية، مكوَّنة
من مجموعة من الأشياء والعلاقات والعمليات على هذه الأشياء. إن نموذج
نظرية هو بنية لهذا النمط الذي تكون بالنسبة له كافة البيانات
المشتقَّة من بديهيات النظرية مُرضية.
لهذا السبب فإن التصوُّر الدلالي للنظريات العلمية يسمى أيضًا
"التصوُّر البنائي للنظريات العلمية".