|
قيم خالدة
لا بدَّ من يوم تتوحد فيه البشرية فتغدو هذه الدول وهذه الدويلات التي يكتظ بها سطح الأرض دولة واحدة لا منافس لها في الحكم والسلطان إلا الطبيعة. وإذ ذاك فالقوى البدنية والروحية الهائلة التي تهدرها اليوم شعوب الأرض هدرًا في المحافظة على كيانها القومي والسياسي والاقتصادي أو في توسيع ذلك الكيان على حساب جاراتها القريبات والبعيدات تتحوَّل جميعها من أسلحة هدَّامة أثيمة إلى أسلحة بنَّاءة كريمة. فهي هدامة وأثيمة ما دام الإنسان يستعملها لامتهان كرامة أخيه الإنسان ولمزاحمته على لقمة يتبلغ بها أو على ساعة من الهناءة يكشح بها غيوم المعيشة عن قلبه. وهي بناءة وكريمة عندما يلجأ إليها الإنسان ليبتز من الطبيعة خيراتها ويفض ما أغلق عليه من أسرارها فيسخرها لغاياته بدلاً من أن يكون مسخرًا لغاياتها، ويذللها لمشيئته بدلاً من أن يكون عبدًا لمشيئتها.
في جميع ثكنات الجنود هناك ما يسمَّى "مذكِّرة الجندي" معلَّقة على الجدار، ألَّفها الجنرال دراغوميروفي. هذه المذكِّرة عبارة عن مجموعة من الأقوال العسكرية الشعبية الهجومية الغبية المتصنِّعة، والممزوجة مع اقتباسات تجديفية من الكتاب المقدَّس. يتم إيراد آيات من الكتاب المقدَّس لتأكيد أنَّ على الجنود أن يقتلوا أعداءهم، ويفترسوهم بأسنانهم: «إذا انكسرت الحربة فاضرب بكعب البندقية، وإذا خذلك كعب البندقية فاضرب بقبضتيك، وإذا أعطبت القبضتان انهش بأسنانك». أما في ختام المذكِّرة فيُقال إنَّ الله هو جنرال الجنود: «الله جنرالكم».
إذا لم تكن في وصال مع أي شيء، فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، مع الضوء المسائي الخارق، مع ضوء الصباح على صفحة الماء؛ عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالـوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كل شيء نظرة طازجة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كل شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: "كيف لي أن أفعله؟" – فما أحمق هذا السؤال! الناس يسألون دومًا: "كيف لي أن أفعل هذا؟" وهذا يفضح ذهنيتهم: تراهم لم يفهموا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى نتيجة وحسب.
|
|
|