|
منقولات روحيّة
في حياة الإنسان على الأرض قانون لا محيد عنه، لا تعيه حقَّ وعيه إلا ثلة صغيرة من بني الإنسان. ولعل العبارة التالية أبسط صياغة ممكنة له: بعض الكائنات موسوم بخاتم. يقضي الخاتمُ أن الموسوم به يكون مصطفًى من وجهين اثنين: وجه دعوة ووجه رسالة. ويدل الخاتمُ أن الموسوم به موكَلة إليه خلافة؛ أي أن هذا الخاتم في الأساس إشارة إلى "الأمانة" التي "حملَها الإنسان"، فيما أبَتْ أن تحملها السماواتُ والأرضُ والجبال (القرآن الكريم، سورة الأحزاب 72). من جانب آخر، ينطوي الخاتم على معنى "الخَتْم"، وبذلك يدل على وجود السر. والموسوم بهذا الخاتم ليس في مقدوره أن يفضَّه بغير النعمة. هذا الخاتم خاتم الإله في قلبه. وهذا الخاتم هو موهبة التعالي. يشير "التعالي" إلى ما كان أزلاً، وما سيكون أبدًا، في "الآن". يتميَّز
الخطابُ الصوفي عند الشيخ الأكبر محيي الدين
بن عربي بطابعه الروحي و"الاستسراري" ésotérique،
مما يثير شهيةَ الباحثين ويدفعهم إلى
المغامرة لفضِّ رموزه وفكِّ طلاسمه بغية
الكشف عما يتضمَّنه من خفايا. غير أن تلك
المحاولات غالبًا ما تبوء بالفشل وتتحطم أمام
العتبات الأولى من النص، ليعود أصحابُها إما
بخيبة اللافهم أو بغرور الفهم المزيف.
التوحيد ووحدة
الوجود:
وفي ضوء هذا التقييم والإيضاح والاسترسال،
تبرز لنا حقيقتان في خصوص مفهوم التوحُّد أو وحدة
الوجود وفي خصوص الحلول أو التجسُّد:
كيف يمكن، أولاً، للمتغير الفاني – و"الفناء"
هو في هذا التغيُّر الدائب – أن يتوحَّد أو
يتحد بالباقي الأزلي–الأبدي، وفي الوقت نفسه
أن يبقى؟! – وهو الذي لا يتغير ولا يتبدل، لا
يبدأ ولا يزول. وقديمًا اتُّهِمَ الشيخُ محيي
الدين بن عربي – قدَّس الله سرَّه – خطأً بـ"وحدة
الوجود" أو بشيء من هذا القبيل. إنما هذه
التعبيرات كلها هي في لغة المجاز ومعنى
الدلالة وقصد الإشارة، لا أكثر – وهو القائل: شمسُ
الهوَى في النُّفوسِ لاحتْ
فأشـرَقَتْ عندَهـا القُـلـوبُ الحـبُّ
أشـهَـى إلـيَّ مـمَّـا
يقُـولُـهُ العَـارِفُ اللَّـبيـبُ يـا
حُـبَّ مــولايَ لا تُــوَلِّ
عـنِّـي فالعيـشُ لا يَـطيـبُ لا
أُنْـسَ يَـصـفُـو للقَـلبِ إلاَّ
إذا تَـجَـلَّـى لَـهُ الحَـبيـبُ
|
|
|