|
حَـمَّـلْـتُ البَـحْـرَ زَمَـنِـي
فيما يرى النائمُ أرى دمًا أصفرَ ينزُّ من شقوق السَّماء نجومًا في غير أفلاكها تدورُ على أعقاب قمر تشظَّى تَدورُ
أرى رؤوسًا تتأرجحُ بين غيمتين والعمائمُ مثلُ الشُّهُب تتلقَّفُها الرُّؤوسُ ثم تهوي على الجثث المبتورة وتلفُّها بردًا وسهامًا
أرى بحرًا أحْمرَ قانيًا تجرُّهُ سفينَةٌ عرجاء
أدفنُ في السَّرير جُمْجُمَتي علَّني لا أرى ينتفضُ جسمي محمومًا كَتَنُّور يلهجُ بمُغَمْغَمَات الموتى إذ يسَّاءَلون: مَنِ المقبلُ علينا؟ أفكُّ شفرةَ عينيَّ علَّني أبصرُ غيرَ هذي الخيالات فوقي ترقصُ العمائمُ ويَزوغُ خلفَها بصري عبثًا تُريدُ يَدي أن تُمسكَها عبثاً أُسْدِلُ ستائري لا يدي طالتْها ولا بصري أهملَها على حافَّة العمى
يا ليلُ قُلْ لي: أأكونُ يَمامَتَهم الزَّرْقاءَ والنَّخلُ يمشي؟
يا كحْلُ قُلْ لي: سَمَلُوا عينيَّ والقلبُ معتمُ أم هُوَ سوادُكَ صارَ في العين ضياءً؟ – لو أنهم يُخطئُونَ لونَ الخبز لكذَّبتُ عمايَ وصدَّقتُ بصيرتَهم –
هذه الحمَّى أعْرفُها فطالما سَـقْسَـقَتْ في رأسي عصافيرُها رأسي – يا طاحونةً مهجورةً تُصفِّرُ فيها المجازاتُ – ليتنفَّسْ بعضُ النور فيكَ تهجُرُكَ الخفافيشُ وتهدأ زمنًا
هذه الحمَّى أعرفُها كأنَّ للشِّعر فيَّ نُزولاً كأني هزَّاتُ صوت أليف كأنِّي زلزال
يا حزنُ يا أخضَرُ أبدًا يا قحْطُ يا ولاَّدُ يا أبَ القصيدَة/ يا مرْتعَ الأشباح إنِّي أنْكَرْتُكَ فاهجُرْني يا نصُّ عاهاتي كثيرةٌ
لي وجعٌ في الرُّكبتين يُطْفئُ شَبَقَ الياسمين على وساداتِ العمر
لي زهرةٌ – لولا السِّياجُ العالي لامتشقَت شعري
لي أحذيةٌ عاشقةٌ غيرَ أنَّهُ في بلد الحزن لا الشوارعُ أذابتْها وَجْدًا ولا بيتٌ صغيرٌ من التِّيه آواها
يا نصُّ أفنيتُك في رَميم العَظْم وتذرَّعْتُ بِعَتْم العين فاهجُرْني!
يا بحرُ حمَّلتُكَ حزني فابتلعْني أو الفُظْني!
<<عمائمُ ملطَّخةٌ بِدَمِ الله قمرٌ يتشظَّى ولا مُستقرُّ خمسُ أصابعَ حمراء عشرُ أصابعَ حمراء سَجَّادٌ مرفوعٌ أحمرُ والبحرُ تجرُّهُ سفينةٌ عرجاء>>
كأنَّكَ أيُّها النَّصُّ قاتلي فلا تسْتَجْدِني بالقمر ولا تَستجدِني بالبحر خذْني على قدْر النور في عيني ورُدَّني للصَّدَف مُترجِمِ الرِّيح إلى أُغنية هائمة
<<عمائمُهم مُلطَّخةٌ بِدَمِ الله وطنٌ من الرُّؤوس ما بينَ نهرين حطامُهم أكوامٌ والفتى يُكابدُ لم يصلْ بعدُ إلى أين يا تُرى؟ إلى أين يسْحَبونَ البحرَ؟>>
يا أيُّها النَّصُّ الذي يقتُلُني أنا حمَّلتُ البحرَ زمني أنا الآفلُ بِمَا ملكتْ يميني من الخطايا جريمَتهُم أنا ومحرقَةُ النوارس في كبدي كابرتُ أيها النصُّ فذرفتُ العُمرَ شعرًا رُدَّني للصَّدَف مُترجِمِ الرِّيح إلى أُغنية هائمة
<<يداهُ شمعٌ أبيضُ لا تفاحَ على الخدِّ لا موسمَ لاشتهاء القَضْم وجهٌ عن وجهه يفصلُهُ الجدارُ يا أيَّها الشاعرُ أعِرْهُ قامتَكَ ليَرَى>>
يا قاتلي لا قامةَ لي وليسَ بعدَ الجدار ما يُرى لملمتُ عظامي أهديتُ الريحَ رمادَها ووهبتُها صوتي إن صوتي كانَ مئذنةَ الخَراب صرَفتُ البحرَ عن نافذَتي وولَّيتُ وجهي الجدارَ عمياءُ – لا فرقَ في نظري بين بحر سليب وجدار يَصْلبُني
يا نصُّ/ يا قاتلي كم مرَّةً تريدُ أن أموتَ بكَ! كم سيُصلِّي الأنبياءُ كي أُبْعَثَ من جديد! لي ضمَّادَتي ومزماري سأهيمَ بلا جسد أنتَ مَلَكْتَهُ براءٌ منك أنا ولا أُريدُ أن أموتَ بكَ فرُدَّني للصَّدَف مُترجِمِ الريح إلى أُغنية هائمة
<<اعتلى عمائمَهُم ليَرى تلا الفواتحَ واعتلى ظهرَ أبيه ثمَّ اعتلى ظهرَ أخيه ليَرَى وجهٌ عن وجهه يفصلُهُ الجدارُ>>
هذه هيَ الحدودُ الجديدةُ للبحر هنا إقامَتُهُ لا ريحٌ تَفِدُ/ لا سُفنُ ضيِّقًا بين الشِّباك صارَ البحرُ لا نورسٌ يرُدُّ أخبارَ الأهل/ لا زبدُ ساحلُ أحلامنا هُوَ الجدارُ عليه نُكوِّرُ قمرًا وهميًّا لنشنُقَ الخائنينَ الطيِّبين عليه نُعلِّقُ رسائلَ العشَّاق ونبعثُ بأشعارنا منهُ سنُجري أنهارًا فنُنْهي مشكلَةَ المياه ... ضفَّتُنا الجدارُ نلوِّنُهُ بالأزرق وندَّعيه بحرًا مقبرَتُنا الجدارُ لا حاجةَ في تاريخ العرب لشاهدةٍ أعلى!
الموجُ القاني عالٍ والفتى يُكابدُ لكنَّ صرْحَ الجماجم أعلى ... ثمَّةَ أرضٌ بعدَ الجدار ثمَّةَ بحرٌ قبلَ الجدار عليَّ أن أخرُجَ الآن ... من أُذُنيكَ سأخرُجُ فيَرُدُّني الصَّدى إليكَ مثل حكايات الجنِّ من أصابعكَ ومن جلدكَ ملتهبًا كأنفاسكَ من عَتْم عينيكَ ومن جثث الموتى كبياض أسنانكَ مرصوفةٌ يا أيُّها الشَّاعرُ اكتُبْني تعويذَةً للحزن وارتطمْ ما شئتَ بي أنا النصُّ وبالمعنى افتَتَنْتُ سأهبُ الجدارَ قامتَكَ أنا النصُّ وبالمعنى افتتنتُ سأصيرُ حجرَ الكرامة بيد الفتى خلْفَ الجدار أرضٌ/ أمامَ الجدار بحرٌ أنا النصُّ والريحُ ترجمَتي أنا النصُّ والغيمُ محبَرَتي لا حاجةَ لي إلى الجسد الميْت يا جثَّةَ الشَّاعر الذي يأْسُرُني إني أضرمتُكِ فاشتعلي أنا لا أريدُ أن أموتَ بك تونس *** *** ***
|
|
|