في
شتاء عام 1878م وقف شابٌّ في منتصف العشرينيات من عمره في إحدى قاعات جامعة سان
بطرسبورغ الروسية ليبدأ سلسلة من المحاضرات بعنوان محاضرات في الإنسانية
الإلهية
Сhtenia o bogochelovechestvo.
كانت المحاضرات حدثًا ملفتًا في الوسط الثقافي والأكاديمي الروسيِّ في ذلك
الوقت. ومن بين الحضور كان الروائيان ذوا الشأن الكبير فيودُر دوستويفسكي وليف
تولستوي الذي دخل شبه متسلّلٍ من دون أن ينبِّه الآخرين إلى وجوده وهو الذي لم
يكن معروفًا بالوجه لكثيرين ومنهم دوستويفسكي نفسه[1].
كان المحاضر هو فلاديمير سيرغييفيتش سولوفيوف المولود في موسكو عام 1853
للمؤرِّخ الشهير سيرغي سولوفيوف. كان سولوفيوف الابن قد نال درجة الدكتوراه في
الفلسفة عن الأطروحة التي قدَّمها بعنوان نقد المبادئ المجرَّدة في
العام الذي سبق، 1877، وهي رسالة ضمَّنها نقدًا للفلسفة الغربية الغارقة في
التجريد بحسب رأيه التي لن تؤدِّي - كما رأى في تلك المرحلة - إلَّا إلى
العدمية والعبث. أطروحته هذه كانت قد سُبِقت بأطروحة الماجستير التي قدمها في
عام 1874 بعنوان أزمة الفلسفة الغربية: ضدَّ الوضعيين، التي كما يبدو من
عنوانها، كانت مخصَّصة لنقد المدرستين الفلسفيتين الرئيسيتين آنذاك؛ أي
العقلانية ومن ضمنها المثالية من جهة، والتجريبية ومن ضمنها الوضعية المادِّية
من جهة أخرى.
ارتبطت
نظريَّة غاندي عن طبيعة الإنسان إلى حدٍّ بعيدٍ بوجهتيِّ نظره تجاه الله
والدين. كانت معقَّدة، وفي مواضع كثيرةٍ شديدة الغموض، وغير متماسكةٍ. في
اختصار، مع المجازفة ببعض مخاطر التبسيط الشديد، اعتقد بأنَّ ثلاث حقائقٍ
جوهريَّة تميِّز الكائنات البشريَّة: أولها أنها تعتبر جزءًا مكمِّلاً للكون؛
ثانيها، يرتبط وجود أحدهما على وجود الآخر بالضرورة، ينموان معًا أو يموتان
معًا؛ وثالثها، إنَّها كائنات رباعيَّة الأبعاد، تتكوَّن من: الجسد، الماناس
manas
(العقل)، الأتمان atman
(الروح)، والـ سوابهافاswabhava
(البنية النفسيَّة والأخلاقيَّة المميزة لكلِّ فرد)، والتي
بتفاعلها مع بعضها تفسِّر تصرُّفاتهم وتشكِّل منظومتهم الأخلاقيَّة. وسوف
نتناول كلاً منها على حدة.