|
علم نفس الأعماقأحب،
قبل أن أخوض غمار قضية الشعور بالنقص، أن
أستهل موضوعي بطرح مبدأ الكمال على بساط
البحث، فأتساءل: كيف أنظر إلى الإنسان؟ هل
أنظر إليه باعتباره كائنًا "كاملاً" أم
كائنًا "ناقصًا"؟ كيف أنظر إلى العالم
بما هو كوكب الأرض؟ هل أعدُّه وجودًا "كاملاً"
أم وجودًا "ناقصًا"؟ وإذا كان الشعور
بالنقص مرتبطًا بكمال الكائن الأرضي الذي
ندعوه "الإنسان" أو بعدم كماله، بكمال
"العالم" أو بعدم هذا الكمال، فإن
الموضوع لن يستوفي حقَّه ما لم نتبيَّن
الحقيقةَ التي نعمل على معالجتها، دراستها،
توضيحها، وبلوغ غايتها القصوى النهائية.
والحق أن المدارس الفكرية، على تعدد أنواعها،
تكاد أن تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
سؤال:
أنا لست مهتمًّا بشيء على الإطلاق، لكن
غالبية الناس منشغلون باهتمامات كثيرة. لستُ
مضطرًّا إلى العمل، لذلك لا أعمل. هل ينبغي
عليَّ أن أقوم بعمل مفيد ما؟ كريشنامورتي:
فتصيرَ عاملاً اجتماعيًّا أو عاملاً
سياسيًّا أو عاملاً دينيًّا – أهذا ما تعني؟
بما أنك تعدَم أيَّ شيء آخر تفعله، تريد أن
تصير مُصلِحًا! إذا لم يكن لديك ما تفعل، إذا
كنتَ سئمًا، لِمَ لا تكون سئمًا؟ لِمَ لا تكون
ذلك؟ إذا كنتَ تشعر بالحزن، كن حزينًا؛ لا
تحاول أن تفتش عن مخرج منه، لأن لكونك سئمًا
مغزًى هائلاً – على أن تستطيع فهمه وتقبُّله.
إذا قلتَ: "أنا سئم، ولهذا سأفعل شيئًا آخر"،
فأنت تحاول الهروب من الملل ليس إلا؛ وبما أن
غالبية نشاطاتنا مهارب فعلاً، فأنت تتسبب
في المزيد جدًّا من الأذى اجتماعيًّا وعلى
الأصعدة الأخرى كلِّها. الأذى عندما تهرب
أعظم بكثير منه عندما تكون ما أنت إياه وتثبُت
عليه. والصعوبة هي في كيفية ثباتك عليه وعدم
فرارك؛ ولما كانت غالبيةُ نشاطاتنا سيرورة
هروب، فمن الصعوبة عليك بمكان أن تكف عن الهرب
وتواجهه. لذا فأنا مسرور إذا كنتَ سئمًا حقًّا،
فأقول: "حسبك، لنقف هناك، ولننظر في الأمر.
لِمَ يجب عليك أن تفعل شيئًا أصلاً؟"
أغنية بلا
كلمات إن عدم نطق الطفل الصغير للكلام لا يعني أنه لا يتلقفه: فإذا كانت الدقائقُ التي تتضمنها اللغةُ ما تزال تفوته إلا أنه يلتقط معناها بفضل حدسه المباشر للشخص الذي يكلِّمه، أيًّا كان اللسان الذي يستعمله هذا الشخص لمخاطبته. إنه يفهم الألسُن كونه يفهم لغةَ العلاقة الوجدانية بشخصه ويفهم علاقات الحياة أو الموت المحيطة به. وأحسب أن الأمر يتم بصورة رئيسية على هذا النحو: يدرك الطفل العلاقات التي تعضد الحياة أو التي تعوقها، العلاقات التي تُخِلُّ بالتناغم أو تكون تناغُمية. ولكن كيف لأصوات من نحو الابتسام أن يسجِّلها الوليد؟ لقد نُطِقَ بهذه الكلمة في أذنه للمرة الأولى عندما كشَّر قسرًا وهو يخرج من الرحم. إننا جميعًا نكشِّر على هذا النحو الذي يكون للوالد بمثابة اللغة، بما أن هذا الأخير يقول حينئذٍ، وصوتُه يترجم عن اللذة التي تجتاحه: "آه! يا للبسمة الجميلة!" وحسب المرء بعدئذٍ أن يطلب: "بسمة أخرى أيضًا"، حتى يبتسم الطفل من جديد، الأمر الذي يبرهن أن صوتًا قد تَقاطَع مع إحساس داخلي. إن واحدهما ينادي الآخر. والواقع أن الآخر (الوالد) يستدرُّ حنانَه الواحدُ، هذا الواحد، هذا الوليدُ الذي تحرِّك تكشيرةٌ منه الوالدَ الذي ألبس انفعالَه كلمةَ "بسمة".
|
|
|