|
خمسُون عامًا من الحبِّ والحَربالرومانسية والرومانسيون الجُدُد في لبنان
هي ذي أنثولوجيا لشعر الحب اللبناني، كان صديقنا الشاعر جبران سعد، من أسرة معابر، قد بذل في اختيارها جهدًا كبيرًا وأرسلها إلى صحيفة النهار للنشر يوم 14/2/2005، على أن يتم نشرها على التوازي في معابر. لكن الصحيفة المذكورة، بكلِّ أسف، حذفت من التقديم مقاطع كاملة وعبارات وكلمات أساسية لا يكتمل المعنى المقصود من دونها، كما أهملت تمامًا نشر "أنثولوجيا بيت الحب الواحد اللبناني" (على فرادة طريقة الاختيار) ولم تنشر من الأنثولوجيا الأساسية (التي تضم حوالى 55 مقتطفًا من شعراء شيوخ ومخضرمين وشباب) غير بضع عشرة مقتطفًا، مختزلة بذلك عمل صديقنا الشاعر إلى ما يشبه الظل الهزيل لعمله الأساسي. وقد حالت كذلك ظروف قاهرة دون تمكننا من الالتزام بموعد النشر نفسه في معابر، فاضطررنا إلى تأخيره مدة أسبوع. يبقى أن نشير إلى حدس صديقنا الثاقب في العبارة الأخيرة من تقديمه وإلى "صلاته" التي هي صلاتنا جميعًا! (المحرِّر) ***
توقفتْ هجرةُ الشعراء من محيط لبنان إلى بيروته عشية الحرب الطويلة والجارحة في سبعينيات القرن المنصرم. في تلك الأيام، عَبَرَ إلى لبنان نزار قباني ويوسف الخال وفؤاد رفقة ونذير العظمة وأدونيس. تبعهم الماغوط وكمال خير بك وفاتح المدرس والبقية. لبنان كان لهؤلاء – ولسواهم – مدى مفتوحًا لتطلعاتهم ولكلِّ ما يُرى وما لا يُرى. هناك أثْروا نفوسَهم وعرفوا ذاتَهم الحَيِيَّة وفُتِنوا بها. لبنان الحبِّ والحرب وفلسطين والمقاومة والتحرير والقمر وأرز جلجامش والشمعات الذهبيات الأنفاس وأغاني مهيار الدمشقي وماء إلى حصان العائلة ولن ومقدمته ومجلة شعر و"خميسها" وتوفيق صايغ وحواره وخليل حاوي و"جسره" والنثر والشعر وأنطون سعادة وشارل مالك ومحمود درويش والحيوات المتعددة والمتمردة والمتناقضة تناقُض الورد... لبنان الذي وصل شعراؤه بين الغرب، بلغاته الفرنسية والإنكليزية، وبين الشرق، بمتصوِّفيه وحرياته الموقوفة. هكذا خرج صلاح ستيتية وناديا تويني وجورج شحاده وهدى أديب وفينوس خوري غاتا وصباح خراط زوين وإيتل عدنان وفؤاد غبريال نفاع... حتى آلان تاسو. لبنان العالم الرحباني، وميشيل طراد وطلال حيدر وعصام العبد لله، بعدما فتح سعيد عقل بوابة الزجل على الشعر. حتى في الحروب، في زمن الوجوه المحروقة والشوارع الميتة والمخيلات المقطوعة، بقي الشعراء "أحصنة مذبوحة تتدحرج من أعالي صهيلها"، كما يقول بول شاوول. الشعراء في لبنان بأمِّ أعينهم رأوا تحولات المكان، فقاتلوا بأسلحتهم التي هي أسلحة المسيح – أسلحة الضعف والعدم والأبدية ونقطة اللاشيء، مليكة العالم الفريد، وسيدة السيطرة الشعرية إلى آخر الأزمنة. من الجنوب خرج أنسي الحاج – "الأمير" الذي نادى على المرأة كي "تقتل الوقت الذي يقتلنا" – ومحمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وآخرون. ومن الحروب خرج يوسف بزي واسكندر حبش وفادي أبو خليل ويحيى جابر وزاهي وهبي وشارل شهوان وشبيب الأمين وبلال خبيز وندى الحاج وآخرون أيضًا. ومن المهاجرين خرج وديع سعادة وجاد الحاج وميراي سابا وغسان علم الدين وآخرون. ومِمَّن بقي خرج بول شاوول وعقل العويط وأنطوان أبو زيد وعبده وازن وإسماعيل فقيه وعناية جابر وبسام حجار وعباس بيضون وآخرون. ثم من سلامِه القَلِق أكمل المقيمون حبَّهم وتوجُّسهم وصمتهم في أشعار وقصائد جديدة، فخرج باسم زيتوني وسامر أبو هواش وغسان جواد وفيديل ولوركا سبيتي، والقادمة التي حوَّلتْ أنوثتَها إلى إشارات شعرية: جمانة حداد. خمسون عامًا من الشعر، و36 شاعرًا وشاعرة كتبوا عن الحبِّ كمقدس يولِّد نفسه ويتجدد كلَّ يوم وكلَّ عمر. قصائد عارية وعابرة إلى القلب والزمان، في بلد محبوب. فيها من الحسِّية – سمة القصيدة الحديثة – ما هو أرقى مما وَرَدَ في بعض الكتب الدينية؛ وفيها من الشعر الشخصي المتخلِّص من الإيديولوجيات والأفكار المسبقة ما يكفي للتعبير عن حنان الأنفاس والحياة المحلومة كلما اقتربتْ شفتان من شفتين، في وطن سرقتْه المشاريعُ الضخمة والاحتلالاتُ وسياساتُ بنيه من جماله وصحَّته. بالمتابعة المحمومة والمتواترة كهمٍّ شعريٍّ لأيِّ شاعر أولاً، وبالظنِّ ثانيًا، أحسب أني قرأت معظم النتاج الشعري في لبنان – البلد المتفوِّق في سجاله الشعري، الحيوي والمتعدد. هاهنا مختارات من قصائد النثر والتفعيلة، إضافة إلى أنثولوجيا بيت الحبِّ الواحد اللبناني – التي تحدث لأول مرة في العالم العربي – من دون أن أعني أنني أهملت الكبير سعيد عقل وناثر مهمٍّ كفؤاد سليمان. فقط حاولت أن أفرد حساسيتي على المشهد الشعري، برجاء وأمل إلى إله ذي عينين صافيتين، كي يكون الحاضر والمستقبل بلا حروب أو هجرات، وكي يظل الشعراءُ مشاةَ الأحلام الملكيين، وكي تظل الحريةُ عطر بيروت... الناصرة، سوريا 14/2/2005 *** *** *** |
|
|