english arabic

رحلت عن 95 سنة وإليوت قرأ باكورتها الشعرية

كاثلين راين سَعَتْ إلى الروحانيات

 

سوزانا طربوش

 

تُعتَبَر الشاعرة والناقدة كاثلين راين، التي توفيت [في 6 تموز 2003] عن 95 سنة، من أبرز رموز الأدب الإنكليزي المعاصر. اشتهرت راين بسلسلة دواوين شعرية، أولها حجر وزهرة: قصائد 1935-1943، نُشِرَتْ في العام 1943 مع رسوم للفنانة البريطانية الشهيرة بربارة هيبورث.

 

لم تهتم راين بالتيارات الرائجة في الشعر، فحاولت أن تخطَّ لنفسها مسارًا يميِّزها. كانت تقدِّر الطبيعة وسلطان الخيال، وتشعر بميل كبير نحو الشاعر وليم بليك، ولها دراسات مهمة عن أعماله. وضعت مؤلَّفات عدة عن شعراء آخرين، من أمثال هوبكنز، كولريدج، شيلي وييتس. ومن مؤلفات راين المنشورة: رحلة الشاعر الداخلية، الشعر وحدود الوعي واللغة الإنكليزية والروح الهندية.

نالت راين عددًا من الجوائز، بينها جائزة W.H. Smith الأدبية في العام 1972 عن مجموعتها البلد الضائع، وميدالية الملكة الذهبية للشعر في العام 1992؛ كما نالت وسام الإمبراطورية البريطانية من رتبة كوماندور (CBE) في العام 2000، ونالت في السنة ذاتها وسام نقابة الفنون والآداب من رتبة كوماندور في فرنسا، حيث نالت أعمالُها تقديرًا كبيرًا.

كانت راين منفتحة على الأعمال الأخرى، خصوصًا تلك الآتية من الشرق. وكانت الشاعرة على صداقة مثمرة مع البروفسور سهيل بشروئي، رئيس المجلس البهائي للسلام العالمي ومركز التنمية الدولية وتدبير النزاعات – جامعة ميريلاند، الذي يرأس أيضًا مشروع الدراسات والأبحاث حول جبران خليل جبران. وقد وضعت راين تصديرًا لكتاب جبران خليل جبران: الرجل والشاعر الذي وضعه البروفسور بشروئي والباحث الاختصاصي في جبران جو جنكنز.* كتبت راين في تصديرها:

ليس بغريب أن يولِّد هذا التعاون المميَّز سيرة كاتب تخطَّى الحواجز الفاصلة بين الغرب والشرق، وأن يؤلِّف هذه السيرة شاعران عربي وكِلْتي، موحَّدان بإيمان مشترك بقدرة الروح على شفاء عالم مضطرب.

وقد أشارت في ذلك التصدير إلى زيارتها اليتيمة إلى لبنان في العام 1985، التي لم تستمر أكثر من 48 ساعة، بدعوة من البروفسور بشروئي لإلقاء كلمة عن وليم بليك بمناسبة معرض ومؤتمر نُظِّما احتفالاً بأعمال جبران (ألغي المؤتمر قبل وصول طائرتها إلى مطار بيروت بسبب عودة الاقتتال). وقد جاء أيضًا فيه:

أعاد جبران، المسيحي والماروني بالولادة، رؤية يسوع، لا كشخصية جامدة في التاريخ، بل كحضور أبدي يشع في قلب الإنسان، تمامًا كـ"بشرية بليك الإلهية" – ذلك الأساس الإلهي في كلِّ حياة، الحاضر في الناس من كلِّ الأديان أو من غير المتديِّنين.

وكانت راين تؤمن أن جبران يلبِّي بذلك "حاجة دفينة في العالم الغربي المتعطش إلى غذاء الروح".

قال ستيفن أوفيري، مدير "أكاديمية تيمينوس" لـالحياة: "كانت لراين شبكة واسعة من الأصدقاء في كلِّ أنحاء العالم، يُكِنُّون لها مشاعر المحبة والتقدير. وكان الآلاف يقدِّرون ما تقوم به، متأثِّرين بشخصيتها وما تدافع عنه."

وفي نعي راين في جريدة The Independent تسترجع المغنية والكاتبة الإيرانية شوشا غوبي ذكريات لقائها بالشاعرة البريطانية في مطلع الثمانينات، حين قامت غوبي بتلحين بعض أشعار بليك وغنَّتْها في كنيسة سانت جيمس – بيكاديللي: "أصبحتُ واحدة من أصدقائها الشباب الكُثُر الذين كانت لهم بمثابة المرشد ومصدر الإلهام بفضل شجاعتها التي لا تُقهَر وطاقتها الدؤوب وحبِّها للحياة."

دخلت راين منعطفًا جديدًا في حياتها في العام 1982، وهي في الثانية والسبعين؛ إذ شاركت في تأسيس Temenos Academy Review – وهي مجلة متخصصة في فنون الخيال. وكانت المجلة تُفرِد مساحات واسعة للشعراء والفنانين والكتاب والمفكرين المؤمنين بأن الإنسان مخلوق روحي، قبل أيِّ شيء آخر، وبأن له حاجات روحية عليه بتغذيتها إذا أراد تطوير قدراته وسلوك درب السعادة.

في العام 1990 أسَّستْ راين "أكاديمية تيمينوس" التي يرأسها فخريًّا أمير ويلز. وكانت ترى تيمينوس (كلمة يونانية تعني "محمية مقدسة") كـ"جمعية مكرَّسة للتعليم ونشر الحكمة المستدامة، أساس كلِّ حضارة". تعرفت راين إلى الأمير تشارلز عبر صديق مشترك هو لورانتس فان دير بوست. وكان تعليقها على أول زيارة لها للأمير: "يا له من رجل مسكين، قلت في سرِّي. لو أمكنني لما ترددت في مساعدته لأنه وحيد للغاية!"

تسرد كاثلين راين قصة حياتها المدهشة في مجلدات أربعة مخصصة لسيرتها الذاتية. نُشِرَتْ المجلدات الثلاثة الأولى – وداعًا أيتها الحقول السعيدة، الأرض المجهولة وفم الأسد – منفصلة، ثم معًا في مجلد واحد حمل اسم سيرة ذاتية. ونُشِرَ المجلد الرابع الهند من بعيد في العام 1990. وتغوص راين، التي زارت الهند للمرة الأولى في السابعة والأربعين من عمرها، في "هند صنع الخيال" عبر فلسفتها وحكمتها.

ولدت راين في العام 1908 في إيلفورد، مقاطعة إسِكس، من أب إنكليزي وأم اسكتلندية. أمضت القسم الأكبر من طفولتها مع عائلة أمها في أحضان نورثمبرلاند، على الحدود بين إنكلترا واسكتلندا. وكتبت أنها "عاشت طفولتها في عالم من الزهور" واكتسبت "حسَّ الأماكن المقدسة والمعابد الطبيعية".

اختارت راين في السنوات الأخيرة من الجامعة دراسة العلوم بدلاً من الأدب، لأنها كانت تجد العلوم مادة مثيرة، من جهة، ولأنها لم تشعر أنها في حاجة إلى أن تُلقَّن الأدب، من جهة أخرى، لاسيما أنها كانت قادرة على استكشاف معالم الأدب بنفسها. فازت بمنحة في معهد غيرتون – جامعة كمبريدج، حيث خبرت النتاج الفكري للفترة الممتدة بين الحربين العالميتين. قرأت كتبًا لمؤلِّفين من أمثال ألدوس هكسلي، فرجينيا وولف، فورستر وليتون ستارتشي. وقرأت بروست بالفرنسية وأحبَّتْه، فضلاً عن Ulysses لجيمس جويس الذي كان كتابًا محظورًا. تعرفت إلى أعمال تي إس إليوت عبر مجلة، ووجدت أن قصيدته "الأرض اليباب" تخاطب جيلها.

إلا أنها لم تكن مسرورة تمامًا بالمناخ الفكري السائد في كمبريدج؛ إذ أدركت أن ذوقها في الشعر والرواية يُصنَّف بـ"التقليدي". لم تكن تحب روايات دي إتش لورانس، وتفضل عليها روايات توماس هاردي وأشعار شيلي، وولتر دو لامار، ييتس، وسواهم من الشعراء الإيرلنديين.

نشرت أشعارها للمرة الأولى في مجلة Experiment عندما كانت في كمبريدج. تزوجت هيو سايكس ديفيس بعد تخرُّجها – وكان هذا الأخير عضوًا في حلقات كمبريدج الأدبية وصديقًا مقربًا من مالكوم لوري، الذي ذاع صيته لاحقًا بفضل روايته تحت البركان. واعترفت راين أنها لم تكن مغرمة بزوجها الأول، وهجرتْه لتقترن بتشارلز مادج، أحد ماركسيي الطبقة المخملية، الذي أنجبت منه بنتًا وابنًا؛ إلا أنها ما لبثت أن هجرته أيضًا بعد وقوعها في حبِّ رجل آخر، لم يبادلها، لسوء الحظ، المشاعر الجياشة عينها.

في بداية الحرب العالمية الثانية قصدت كاثلين مقاطعة ليك في أقصى شمال إنكلترا مع ولديها. وعلى رغم أنها عانت الأمرَّين لتأمين قوتها عبر قيامها بأعمال مراجعة الكتب، إلا أنها كانت سعيدة للغاية لعيشها في كوخ محاط بالطبيعة.

كانت راين تدرك ضرورة ذهابها إلى لندن لفرض نفسها كشاعرة، وتأمل في أن ينشر لها إليوت، الموظف لدى الناشر فابر، شعرها. إلا أنه أعاد لها مسودة مجموعتها الأولى ونصح لها بالتمهُّل سنتين أو ثلاث.

أما المنعطف الحقيقي في حياة الشاعرة البريطانية فتمثَّل بلقائها مع تامبيموتو، من السريلانكيين التاميل الذي كان يُصدِر شعر لندن. وكان تامبيموتو يثق بعمل راين، ونشر لها مجلدها الأول حجر وزهرة (1943) ومجموعتها الثانية العيش في الزمن (1946). وحظيت هاتان المجموعتان ومجموعتها الثالثة كاهنة المعبد وقصائد أخرى (1952) بالكثير من الثناء. وقرأ ييتس أشعارها وأغدق عليها الثناء بعد أن نصح له إليوت بذلك. استمرت راين بإنتاج الشعر في السنوات الخمسين التالية، ونشرت في العام 1992 مجموعتها الأخيرة العيش مع السر.

عاشت راين سنوات عدة في بولتونز سكوير في تشيلسي؛ وكان بيتها ملتقى للكتاب والشعراء من مختلف أنحاء العالم. كانت تشعر بإعجاب شديد نحو إيلياس كانيتي (الذي نال جائزة نوبل للأدب لاحقًا)، وتعتبره أكثر الرجال ثقافة في حياتها، بل ربما أذكاهم.

أما حبها الأكبر فكان من نصيب الكاتب غافين ماكسويل، الذي استلهم عنوان كتابه الأكثر مبيعًا خاتم الماء الرائق من إحدى قصائدها. وكانت راين تشعر بتقارب روحي وميل نحو ماكسويل، على الرغم من كونه لوطيًّا؛ وهما لم يذوقا طعم الحبِّ في شكل حسيٍّ. وبلغ التأثر بعلاقتها بماكسويل حدًّا جعلها تعتمد علاقتها به موضوعًا للمجلد الثالث، فم الأسد.

وفي خاتم الماء الرائق كتبت راين عن حياة ماكسويل في كوخ معزول في هضاب اسكتلندا. وتسرد كيف رافق الرحالة المشهور ويلفريد ثيزيغر في العام 1956 وقضى عامين مع عرب جنوب العراق. وكان ماكسويل يرغب في اقتناء حيوان "ثعلب الماء"، فأخبره ثيزيغر بوجود هذا النوع من الحيوانات في دجلة. وسُمِّي "ثعلب الماء" الذي اشتراه ماكسويل من العراق "ميغبيل"؛ وكانت راين تعتني به في غياب ماكسويل، فتعلَّق هذا الأخير والشاعرة البريطانية بالحيوان المرح هذا.

وفي إحدى الليالي، حين كان الألم ينهش أحشاء راين، لما تعانيه من عذاب نتيجة غرامها بماكسويل، قصدت شجرة كانا يحبانها، وراحت تجهش بالبكاء، غامرة جذع الشجرة بيديها، مطالبة إياها بالعدالة: "فليتألم غافين في هذا المكان، كما أتألم أنا الآن."

***

عن الحياة، الخميس 24 تموز 2003

ترجمة: جولي مراد

تنضيد: نبيل سلامة

 

اللحظة

لو قُدِّر لي كتابة كلِّ ما يعتمل فيَّ هذه اللحظة

لسكبتُ الصحراء في ساعة رملية

والبحرَ في ساعة مائية

حبة حبة، قطرة قطرة،

ولأفرغتُ في أعماقي البحار والرمال المتناهية المتقلبة!

الأرض، بنهارها وليلها، تغمر كياني،

الأمواج والرمال تجتاح وجودي،

وما لي سوى يدين وقلب يتيم لاحتضان الصحراء والبحر.

كيف لي أن أحتويها،

وأنا أراها تفلت من يدي وتنأى عني.

المدُّ والجزر يلطمانني

والصحراء تنسلُّ من تحت قدمي.

كاثلين راين

*** *** ***

 

نشير كذلك إلى أن كاثلين راين كانت مستشارة في "المركز الدولي للأبحاث والدراسات العبرمناهجية" CIRET، الذي يرأسه صديقنا، عضو هيئة معابر الاستشارية، الفيزيائي والإبستمولوجي بَسَراب نيكولوسكو، الذي حرَّر كتابها عالم الخيال الحي ضمن سلسة "عبرمناهجيات". وقد نعاها نيكولسكو إلى أعضاء المركز بالعبارات المؤثرة التالية، كما أشار إلى أحد المقالات التي نعتها في الصحافة الأمريكية، نورِده بنصِّه بعد نعي نيكولسكو مباشرة. (المحرِّر)

 

Kathleen Raine, Scholar and Poet With Mystical Bent, Dies at 95

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود