|
|
شباط 2004
|
في هذا
الإصدار
|
|
|
البحث
عن المعرفة الكاملة حلمٌ راود الإنسان
منذ آلاف السنين. فما أساطيره ودياناته
القديمة وفلسفاته وسِرَّانياته وشعائره إلا
تعبيرات عن محاولة سبر أغوار المطلق وتمثُّل
شكل الحقيقة. لقد أراد الإنسان أن يعرف
العالم، فاخترع أدوات كثيرة، منها الحساب
ومنها الفيزياء. ومذ ذاك، أصبح دور العلوم
دورًا رائدًا في تقدُّمه وازدهاره. ولكن، إلى
أيِّ حدٍّ ستستمر العلوم في تقديم المعرفة
للإنسان؟ هل التقدم العلمي لانهائي وبلا
حدود؟ أم أن هناك حدودًا للعلم لا يستطيع
تجاوزها؟ وما الذي يقدِّمه العلم فعلاً؟ هل
يكتشف العلمُ القانونَ الطبيعيَّ، أم يصفه،
أم يفسِّره؟ وكيف نميِّز بين هذه الحالات؟ ما
هي النظرية العلمية؟ وإلى أيِّ حدٍّ تُعتبَر
مبادئ الفيزياء وقوانين الطبيعة والثوابت
الكونية التي يكتشفها العلم حدودًا لا تقبل
التغيير أو التعديل؟ ألا يمكن أن يقودنا
العلم إلى عوالم جديدة مختلفة كليًّا عن
مداركنا، وحتى عن قوانيننا العلمية الحالية؟
هل يستطيع العلم، في النهاية، أن يصل بنا إلى
معرفة كاملة ونهائية؟ وإذا كانت الفيزياء
تستطيع تفسير كلِّ شيء فماذا سيحصل عندئذٍ
للنوع البشري، الذي يقوم تطورُه، بل ووجوده،
على تقدُّم المعرفة؟
تمثِّل
ورقة ديفيد بوهم حول الجسد/المغزى، المنشورة
بعد وفاته، إرثًا لا يُقدَّر بثمن، ومخطَّطًا
يضع الأساس للصرح الميتافيزيائي الضخم الذي
كان يتبلور في ذهن المؤلِّف في أيامه الأخيرة.
كما أن من البيِّن أيضًا في العمل التعاوُني
غير المنتهي الذي كان ينجزه بوهم عند مماته أن
تفكيره كان يتطوَّر بسرعة باتجاه أنموذج
إرشادي للعقل والمادة جديد كلَّ الجِدَّة،
يدلُّ على الطريق إلى سواحل مشهد علمي/فلسفي
مازال بِكرًا. ولعله قد كُتِبَ على بوهم، على
نحو ما، مثله كمثل موسى، ألا يحظى بمشاهدة
الأرض التي قادتْه إليها رؤياه إلا من بعيد
وحسب. فإذا كان الأمر على هذه الحال، فإنه
منوط بنا، كأنما بإيحاء من تَرِكَة بوهم
الكريمة، أن نكمل رحلته الاكتشافية الفريدة
إلى تلك البحار الشاسعة، المجهولة المسالك،
لما سوف أسمِّيه "الميتافيزياء الكوانتية".
ثنوية العقل والمادة
ازدهرتْ
في الأعوام
الأخيرة طرقُ تفكير جديدة في حقل الرياضيات
العائد لنظرية التعقيد/ الشواش – هذا الحقل
الذي استمر في النمو والتطور بسرعة في
اتجاهات عديدة، بكلِّ ما تحمله من إمكانات
للتطبيق على مدى واسع ومتنوع من الظواهر.
وتمثل التبصُّرات والأدوات والمفاهيم التي
تزوِّدنا بها هذه النظرية قطيعةً جذريةً مع
الأساليب الرياضية السائدة التي أسَّستْ
للعلم الحديث منذ غاليليو وديكارت ونيوتن،
وتمكِّننا من رؤية العالم رؤية مختلفة
جذريًّا عن السابق ومن فهم أفضل لقواه
المحرِّكة وتنظيمه الذاتي وتطوره.
|