الوضع غير الطبيعي الجديد: تأملات في أحداث باريس
مايكل ناغلر
ترجمة: محمد الطبل
نسمع
عبارات الصدمة والتعاطف مع باريس من كافة الأطراف، وهو أمر ملائم إلى
أبعد مدى - ولكن هذا لا يكفي.
فمن الواضح الآن أننا بحاجة إلى الخروج من هذا المسار الكارثي، بدلاً
من الترنح بين أزمة وأخرى.
وبعد الإعراب عن تعازينا، ينبغي علينا القول: "لنتعهد الآن بفهم جذور
هذه المشكلة" - وأن نمتلك الشجاعة لمتابعة هذا التحقيق، كائنة ما كانت
النتائج.
عندما كتب المهاتما غاندي "هند سواراج" أو "الحكم الهندي" في عام 1909،
لم يوجِّه مقاله (الكلاسيكي الآن) إلى البريطانيين، ولكن لمواطنيه (نشر
المقال الأصلي باللغة الغوجاراتية؛ وعندما حظره البريطانيون، أصدر
الترجمة الإنكليزية، فوصل إلى جمهور أكبر بكثير). فقد قال لهم:
إن بريطانيا لم تأخذ الهند؛ نحن أعطيناها لهم.
لم يكن هدفه الإساءة لمواطنيه، ولكن إيقاظهم، أي تنبيههم إلى حقيقة
أنهم ليسوا عاجزين، كما كانوا يفترضون. كان ثمة تفويض ينتظر التنفيذ،
وكذلك الأمر بالنسبة لنا.
داعش وحش، لكنه ليس الوحش الذي ظهر ببساطة على وجه البسيطة من دون سبب.
فداعش والإرهاب الحديث هما وحش اقترفته أيدينا جزئيًا؛ وحش خلقناه بـ
"الصدمة والترويع"، حيث دمرنا بلدًا يبلغ عدد سكانه نحو 37 مليون نسمة
لـ "سبب" اتضح أنه كان كذبة، في فظائع سجن أبو غريب، في عدد لا يحصى من
أفعال التعصب التي يرجح أن تزداد، في نقاط التفتيش في فلسطين حيث تفقد
النساء الحوامل أطفالهن لأنه لا يُسمح لهن بالعبور - وجميع ممارسات
الإذلال والقهر التي يلقاها الشعب الفلسطيني ونحن نتكلم. في هذه
الأماكن بالذات، يمكننا القضاء على هذا الوحش. نحن لا نستطيع الدفاع عن
أنفسنا ضد الإرهاب عن طريق خلق المزيد منه. ومن ثم، كيف يكون ذلك؟
ثمة جوهرة أخرى لغاندي تستحق المشاركة، عندما نضجت فكرة اللاعنف لديه
في وقت لاحق. فلدى حديثه عن تجربته الخاصة، قال قولته الشهيرة:
لقد تعلمت، من خلال التجربة المريرة، الدرس الأسمى؛ ألا وهو أن أملك
نفسي عند الغضب. وكما أن الحرارة المحفوظة تتحول إلى طاقة، فكذلك يمكن
تحويل غضبنا المكظوم إلى قوةٍ تحركُ العالم.
تتطلب الأزمة التي نجد أنفسنا في خضمها، أولاً وقبل كل شيء، أن نتعلم
"الدرس الأسمى". بالطبع نحن غاضبون. فكيف يمكن أن لا نكون كذلك؟ ولكن
ماذا نفعل بهذا الغضب؟ مطاردة الجناة ومعاقبتهم جنبًا إلى جنب مع
المارة الأبرياء (لأنه دعونا أن لا نخدع أنفسنا، فالضربات "النظيفة
والجراحية" في عصر الطائرات بدون طيار هي خرافة)؟ شن هجوم ضد مسلمين أو
عرب آخرين (أو ما شابه) عبر هجمات عشوائية - وبعبارة أخرى؛ الرد
بالمثل؟ أو أننا، كما قال مارتن لوثر كينغ، "نعبر عن الغضب بانضباط
لتحقيق أكبر قدر من التأثير؟".
لذلك فإن الخطوة الأولى في هذا التحول الجبار – أي تغيير المسار الذي
سيعيد الأمان الذي يفلت من بين أيدينا - ستكون مواجهة حقيقةِ أننا لسنا
مجرد ضحايا؛ فنحن غارقون في دوامة من العنف، هي على الأقل من صنعنا
جزئيًا.
ثمة إرهابيون هناك، ولكن من أجل التعامل معهم بنجاح، يجب التصدي أيضًا
لعدوين داخليين: السخط الصالحين (ويعرف أيضًا باسم الغضب للحق
RI)،
والرضا عن النفس. وبالإضافة إلى الحزن الذي يعترينا والغضب الكامن
وراءه، تقول بعض الافتتاحيات أن نيويورك ومدريد ومومباي وباريس هي الآن
"الوضع الطبيعي الجديد
new normal".
ليس ثمة "وضع طبيعي" يقود الحضارة إلى شفير ما يسميه مارتن لوثر كينغ
"الموت الروحي". يجب أن نتصدى للعنف الذي جعلنا أنفسنا طرفًا ناشطًا
فيه سلبًا أو إيجابًا.
فالخوف والغضب والحزن هي مواد أولية لإيقاظنا، إذا كنا سنستخدمها على
هذا النحو. وإذا لم نستخدمها على نحو بناء – مع بعض الاقتراحات اللاحقة
- فإنها ستنقلب علينا.
لا تدع نفسك تنجر إلى خطاب الكراهية، ضد أي شخص. ادعموا بعضكم البعض في
حزنكم، ولكن دون أي رغبة في الانتقام.
لا تنجروا قط إلى الاعتقاد بأن هذا شيء له علاقة بـ "الإسلام"، تمامًا
كعلاقة القوات الأمريكية التي تضع آيات الكتاب المقدس على أسلحتها مع
دين يسوع.
لا تقبلوا البتة بأن هذه الحالة المتدهورة هي "وضع طبيعي". لدينا
تفويض.
تعرفوا على التاريخ الحقيقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ما يعني رؤية
تتجاوز الرؤية الأحادية من جانب وسائل الإعلام الرئيسة لدينا، مثلاً:
www.ifamericansknew.org.
ثم:
تعرفوا على بدائل بناءة لهذا الصراع وغيره، (على سبيل المثال، كتاب
مايكل ليرنر
Healing Israel-Palestine)
– وادعموها. وأنا أتفق بشدة مع جورج لاكي في مقالته الأخيرة**
في موقع
Waging Nonviolence
من أنه
لكي يحمي المواطنون أنفسهم من الإرهاب في جميع البلدان، فإنهم بحاجة
للسيطرة على حكوماتهم وإجبارها على التصرف بحكمة.
إن اتخاذ إجراءات بناءة لا يستثني قول "لا" حيث يجب أن تقال. فيجب
مطالبة حكوماتنا باستشراف علاقات غير عسكرية مع دول الشرق الأوسط (ورفض
طلب إسرائيل للحصول على مساعدات عسكرية أكثر، على سبيل المثال). ثمة
شيء من هذا القبيل، كما الحب القاسي.
ويمكن تعزيز هذه الاقتراحات إلى أبعد حد إذا قمنا بتأسيس إطار عمل
بعدها، حيث يمكن في نهاية المطاف تغيير ثقافتنا بعيدًا عن اعتمادها على
العنف. لقد وجدنا خمسة أشياء فعالة يمكن لأي شخص القيام بها لبناء هذه
البنية التحتية من الألف إلى الياء:
-
الحد من تعرضنا لأعمال العنف والابتذال في وسائل الإعلام.
-
تعلم كل ما بوسعنا عن اللاعنف: موقع
www.mettacenter.org
قد يساعدنا في هذا الأمر.
-
النظر في اكتساب الممارسة الروحية، إذا لم يكن لدينا ممارسة بالفعل.
-
التواصل شخصيًا مع الجميع، بقدر ما نستطيع.
-
أن نكون ناشطين! وأن لا نخجل من شرح لماذا نفعل كل هذا: لأن كل حياة
ثمينة ومترابطة للغاية، كما عرف ذلك دائماً أكثر البشر حكمة.
هذا ليس وقت الانتقام؛ هذه لحظة التعلم. لا يسعنا إلا أن نتعلم الدرس.
14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015
*** *** ***