|
إسرائيل
لا يفعل ولا يتكلَّم باسم كلِّ يهوديٍّ أكتب
بصفتي يهوديًّا وعضوًا في كنيس. أكتب بصفتي
شخصًا مازال عملُه الأكاديمي يعالج مسائل
الهوية اليهودية وإرث "المحرقة". مع ذلك،
أكتب مع حسٍّ متنامٍ بالعار. ومصدر هذا الشعور
بسيط: يزعم إسرائيل أنه يواصل التصرف باسمي! تصرُّ الجالية اليهودية في
سيدني وأماكن أخرى على التماهي مع الممارسات
الإسرائيلية. وهذه الأفعال جزءٌ من تقليد
جعلتْ منه دولةُ إسرائيل معيارًا للانتماء
إلى اليهودية. والبرهان على ذلك هو المنطق
الشاذُّ الذي يتخذ فيه الردُّ على السياسات
الإسرائيلية – وهي سياسات تتجلى في جَرْف
المنازل في غزة وقصف المدنيين في قانا – شكلَ
هجمات على الكُنُس والمراكز الثقافية
والمقابر اليهودية. كلما تصرَّف إسرائيل
بطريقة معينة، تُكثَّف الإجراءاتُ الأمنية
حول الكُنُس. لماذا؟ الجواب الصريح يشهد
لانتصار أولئك الذين ربطوا، ومازالوا
يربطون، الانتماء إلى اليهودية بإسرائيل،
وتاليًا، أولئك الذين يخلطون بين اليهودية
والصهيونية. والنتيجة هي أن انتقاد الصهيونية
أو عدم الموافقة على السياسات الإسرائيلية
يُعتبَر، في أفضل الأحوال، انتقادًا لليهود،
وفي أسوئها، عداءً للسامية. والبرهان واضح:
فالهجمات على كُنُس في سياتل وباراماتا خير
دليل على ذلك. إنها نتيجة السياسات التي
تعتمدها دولة قومية. في نظر اليهودي، إسرائيل هو
اسم دولة، ومعقل مثل عليا وأفعال على السواء.
إسرائيل، كمكان تجري فيه مفاوضاتٌ أزلية
ومعقَّدة مع الآخرين، هو إسرائيل الموجود ضمن
اليهودية. إنه إسرائيل المذكور في الليتورجيا.
من هنا يجب الحكم على دولة إسرائيل بالنظر إلى
إسرائيل الآخر. هناك انتقاد يهودي لإسرائيل
من شأنه، عند التعبير عنه، أن يسمح لبعض
اليهود أن يضعوا حدًّا للمشروع الذي لا يزال
يقيم تماهيًا بين سياسات دولة، من جهة،
وثقافة وديانة، من جهة أخرى. حتى ذلك الحين،
ستستمر مراكزُ الجالية اليهودية – الدينية
أو العَلمانية – في التعرُّض لهجمات.
فإسرائيل، في تجلِّيه الحالي، يغذِّي العداء
للسامية. ومع ذلك، سيحاججون بأن "المحرقة"
جعلتْ قيام دولة إسرائيل أمرًا ضروريًّا:
كانت هناك حاجة إلى دولة لئلا تتكرر أحداثٌ
مماثلة. إن إنشاء دولة يؤدي دائمًا
إلى تهجير شعب. ويجب الإقرار على الدوام
بنتائج ذلك التهجير التأسيسي وفهمه وإيجاد
حلٍّ له في نهاية المطاف. غير أن ما يثير سخط الكثيرين
هو استغلال إسرائيل المحرقة من أجل تحقيق
غاياته السياسية: تُستعمَل المحرقةُ لتدعيم
حالة جيوسياسية معينة. منذ بضعة أيام، دافع خطيبٌ
في كنيس سيدني الكبير عن غزو لبنان على أساس
أنه يمنع وقوع محرقة أخرى! أمام حجج من هذا
النوع، ثمة أسئلة لا مناص من طرحها. ما هو "الحق"
الذي يخوِّل حكومةً وطنيةً النطقَ باسم مَن
ماتوا؟ ما الذي يجيز بسطَ ذلك الإرث لتبرير
قصف لبنان؟ هذان، في نظر اليهودي، وفي نظر
الآخرين أيضًا، سؤالان عميقان ومهمان. فهم المحرقة واقتفاء
وَقْعها على طريقة تفكيرنا الآن مشروعٌ
متواصل لا يقبل التبسيط السهل. والقول إنه
يمكن إدراجه عنصرًا في سياسة دولة فضيحة
فكرية وأخلاقية على حدٍّ سواء. هذه إشارة لا
بدَّ من قولها. ما لم يصبح اليهود
مستعدِّين للتعبير عن الحاجة إلى وضع حدٍّ
لمماهاة اليهودية بإسرائيل، سيزدهر العداءُ
للسامية. وما لم يصبح اليهود مستعدِّين للقول
إن المحرقة وإرثها ليسا من اختصاص دولة قومية
ولا يبرِّران الصهيونية بالأحرى، سنستمرُّ
في خيانة مسؤوليتنا حيال الموتى. يجب أن نطالب أنفسنا بأفضل
من هذا! ***
*** *** عن
Sydney
Morning Herald،
4 آب 2006 ترجمة:
نسرين ناضر [1]
أستاذ في "جامعة التكنولوجيا" في
سيدني وزميل أبحاث في "الأكاديمية
الأسترالية للعلوم الإنسانية"، مؤلِّف الترجمة
وطبيعة الفلسفة، Rowtledge،
1989. |
|
|