منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى إلى فهم نفسه وفهم ما يحيط به وفهم هذا
الكون الواسع الذي يعيش به. كانت المفاهيم الأولى بدائية جدًا، قامت
على عبادة قوى الطبيعة من شمس وقمر ومطر وجبال ورعد وولادة وموت ونار
وريح... إلخ، ولكنها كانت إلى حد كبير بسيطة لكن متوازنة وفيها الكثير
من التواضع والاعتراف بأن إدراكنا بسيط جدًا أمام تلك القوى الهائلة.
كانت العبادات تجمع بين فلسفة بسيطة مصحوبة بتقاليد وشعائر بسيطة.
مع تطور الإنسانية، وحصول إدراك أكبر للإنسان لما يحصل حوله، بدأت تلك الفلسفات
الدينية تتعقد وتأخذ مفاهيمًا أكبر، وبنفس الوقت تطورت الحالة الاجتماعية
والمدنية بشكل أكبر وظهرت المدن ومن ثم الدول، مما تطلب وضع قوانين وشعائر. هذا
التطور كانت له طبعًا فوائد جمة على حياة الإنسان وقيمه الاجتماعية والفكرية،
ولكن حمل معه تناقضًا لم يكن موجودًا سابقًا على كافة الأصعدة، فظهرت القوانين
مثلاً، والتي طبعًا تنظم العلاقات بين الناس وتحفظ حقوقهم وواجباتهم، ولكن بنفس
الوقت فقدت الشفافية التي كانت موجودة، وأصبح القانون بطشًا أحيانًا وأصبح بيد
الأقوى. ظهرت بنفس الوقت التصنيفات والطبقات الاجتماعية. على مستوى العبادة، لم
تعد العبادة بالانسجام والبساطة نفسهما، وظهر تياران واضحان جدًا وأحيانًا
كثيرة متناقضان: التيار الأول وهو الفلسفة، ويقوم على محاولة فهم الكون
والألوهة من خلال تجارب عقلية ونفسية وروحية معينة؛ والتيار الثاني وهو الدين،
والذي يقوم على ممارسة شعائر وطقوس معينة، واعتبار الألوهة أمرًا خارجيًا يجب
تقديم الأضاحي والقرابين وصلوات معينة نحوها.
الصفر – إمكانيَّة
لانهائيَّة
العمليَّة الروحية هي دائمًا إمَّا أنْ تصبح صفرًا أو تصبح لانهائيًا.
فأنت تتعامل معها بأيَّة طريقةٍ تناسبك، لكنهما ليسا مختلفين. فأي شيءٍ
دائمًا نهائيٌ. واللاشيء لانهائي. فكيف للاشيء واللانهائي أنْ يكونا
الشيء ذاته؟ إذا كنت تريد رقمًا كبيرًا حقًا، فهل تضيف 1 أو 2 أو 3 أو
4 أو 5 أم تضيف 0، 0، 0، 0، 0؟ الصفر يعني لاشيء، ولكن اللاشيء هذا
يجعل العدد رقمًا لانهائيًا. الشيء الأكثر روعة في الرياضيات هو الصفر،
وهذا لم يحدث عن طريق الصدفة. إنَّما حدث نتيجة تحقُّق معيَّن. عندما
نظر النَّاس إلى الداخل وسقطوا في فراغ العدم، وُلد الصفر. ليس من قبيل
الصدفة أنْ يأتي الصفر من الشَّرق، لأنَّ هذا هو نتاج مسعى حياتِهم
كلِّها.