|
قيم خالدة
نحن نشبه صديقين يجلسان في الحديقة في يوم رائع ويتحدثان عن الحياة وعن مشكلاتهما، ويتساءلان عن طبيعة الوجود، ويسألان نفسيهما بجدية عن سبب تحوُّل الحياة إلى معضلة هائلة إلى هذا الحد. ولماذا، رغم أننا معقَّدو الذكاء، نعيش حياةً يومية مسحوقة، بلا أي معنى، غير البقاء – الذي يبدو أيضًا أمرًا مشكوكًا فيه؟ لِمَ تحوَّلَت الحياةُ، الحياة اليومية، إلى هكذا عذاب؟ قد نذهب إلى الكنائس ونتبع أحدَ القادة الروحيين أو السياسيين، إلا أن الحياة اليومية تبقى دائمًا مضطربة، فعلى الرغم من مرور بعض الفترات المفرحة والمرحة من وقت إلى آخر، إلا أن هناك دومًا غمامة مظلمة تظلل حياتنا. وهذان الصديقان، مثلنا، أنت والمتحدث، يتحدثان بودٍّ، وربما بعاطفة واهتمام، عما إذا كان من الممكن أن نعيش حياتنا اليومية من دون أية مشكلة. ومع أننا متعلمين تعليمًا عاليًا وأصحاب مهن وتخصصات رفيعة، إلا أننا لم نجد بعد حلولاً لصراعاتنا، للألم وللعذاب، رغم أننا نشعر أحيانًا ببعض البهجة ونشعر أننا لسنا أنانيين بالكامل.
لقد أصبحت قيمة السعادة تشكِّل يومًا بعد يوم موضوعًا يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للإنسان المعاصر، الذي بدأ بالفعل يشكِّك فيما تقدمه له الحضارة من أشياء تدعي أنها السبيل الوحيد لتحصيل السعادة، وهذه الأشياء بالخصوص هي مجموع المعدات التي تسهل حياته وتخلق له نوعًا من الراحة والرفاهية مثل التلفاز، المحمول، السيارة... وهذا هو ما يمكن تسميته بالسعادة المدجنة، بالإضافة إلى الأكل والملبس وكل ما له علاقة بالحياة الرغدة، وكلها أمور أصبحت الحضارة المعاصرة تتفنن في توفيرها للجميع وبثمن قد يكون في متناول أغلب الناس. - فهل السعادة المرتبطة بالمظاهر المادية والعدد التقنية من شأنها أن تمثل بالنسبة للإنسان سعادة حقيقية؟ - هل تكمن السعادة فقط في إرضاء الجانب المادي أم أن هناك جوانب أخرى ينبغي استحضارها حتى تكتمل سعادة الإنسان؟ - كيف يستقيم القول في السعادة وهي من الكمالات في عالم كثرت فيه المآسي والأحزان والكوارث وأصبح فيه الإنسان تائهًا حيرانًا كالطفل الضائع كما وصفه بودلير؟
في هذا المحفل الكريم سأتحدَّث عن أمرين، أحدهما الحاجة المؤكدة للأخلاق في المجتمعات البشرية المعاصرة، والآخر: صعوبة الحياة الأخلاقية في هذا العصر، وعندما يجتمع هذان الأمران فإنَّ كل شخص يشعر بالتحرق على حال البشرية فسوف يشعر بالحاجة لدراسة القضية في إطارها الأخلاقي وماذا ينبغي أن يصنع؟
حين سألتُ المفكر المغربي الدكتور كمال عبد اللطيف عن المفكر جان جاك روسو، فيلسوف عصر التنوير وتأثيره عربيًا، استغرب ولم يُخف تعجُّبه. مصدر الاستغراب أن روسو الذي تحتفل البشرية بمرور 300 عام على ميلاده مفكر إنساني، لعبت أفكاره دورًا أساسيًا في الثورة الفرنسية (النصف الثاني من القرن 18) التي أعطت الانطلاقة الفعلية للعلمانية منهجًا سياسيًا واجتماعيًا. ويُعتبر الدكتور كمال عبد اللطيف من أبرز المفكرين العرب الذين قرأوا جان جاك روسو ودرسوا أفكاره ودرَّسوها، كما يُنظر إليه أيضًا بوصفه من أهم المتابعين للمفكرين والفلاسفة العرب الذين تأثروا بهذا الفيلسوف الفرنسي–السويسري. يقول الدكتور عبد اللطيف "توحي لي عبارة أو جملة جان جاك روسو عربيًا بأشكال التلقي التي مارستها النخب ورجال الفكر العربي في موضوع قراءة أعمال جان جاك روسو. وفي هذا الباب أستطيع أن أتحدث عن أشكال مختلفة من تلقي الفكر العربي لمنجزات وأعمال روسو".
|
|
|