english

لا بديل عن سلمية الانتفاضة السورية

 

وائل السواح

 

هل لا يزال ممكنًا الحديث عن حل سلمي للأزمة السورية؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال، خصوصًا بعد تفجيري 17 آذار (مارس). فمن جانب، لا تزال النسبة الغالبة من المنتفضين في سورية لا يملكون إلا صوتهم وحناجرهم وأقلامهم التي يخطُّون بها شعاراتهم على اللافتات، ويثبت ذلك من جديد التظاهرات السلمية التي انطلقت في الذكرى الأولى للانتفاضة السورية. ومن جهة ثانية، تزداد في شكل بيِّن الأعمالُ العسكرية التي تتم بين جنود سوريين نظاميين ورجال أمن وميليشيات موالية للنظام وبين منشقين عن الجيش ومنتفضين امتشقوا السلاح باعتباره آخر ملاذ لهم: إما لأنهم مطلوبون أو لأنهم فقدوا عزيزًا على يد الأمن أو لخوفهم من أن تستباح بيوتهم ومواطن أمنهم. بيد أن رد السلطة في الحالين كان واحدًا. فسواء أكان الاحتجاج سلميًا أم مسلحًا، كان رد السلطة هو استخدام الذخيرة الحية وقتل المحتجين أو اعتقالهم وتعذيبهم وترويع أهلهم، وفق تقارير محلية، وأخرى صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية عالمية من مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

ينبغي الإقرار بأن ثمة انزياحًا في مواقف السوريين تجاه سلمية الثورة. فكلما ازدادت السلطات حدة وشراسة في مواجهة المحتجين السوريين، ازدادت قناعة أعداد متزايدة بأن سياسة اللاعنف التي اتبعوها حتى الآن ربما لا تكون صائبة تمامًا. ومع ذلك، يمكن القول حتى اللحظة إن سورية لم تنزلق بعد إلى لجَّة العنف غير المحسوب العواقب وإن كانت تسير في هذا الاتجاه وبسرعة متزايدة.

لكن، ولئن كان هذا القول صحيحًا حتى الآن، لا يمكن أن نكون بالثقة ذاتها ونحن نتحدث عن مقبل الأيام. لقد أخذت السلطة على ما يبدو قرارًا واضحًا باستخدام القبضة الحديد في معالجة الاحتجاجات. ويبدو أن السلطة لا تفرِّق كثيرًا بين تظاهرات سلمية ومظاهرَ مسلحة. ويتمتع النظام بتأييد نسبة من السوريين لا تقل عن ثلاثين في المئة، ويمكن أن تزيد عن ذلك قليلاً، وهي نسبة لم يتمتع بها نظام بن علي أو مبارك أو القذافي. في المقلب الآخر، يبدو أن جزءًا كبيرًا من السوريين قد قرر عدم العودة إلى البيت، وبخاصة بعد الخسائر الهائلة التي أُلحقت به، وجعلته لا يملك الكثير ليخسر من جديد. هؤلاء السوريون يثبتون يومًا بعد يوم أنهم لن يجعلوا مهمة النظام في القضاء على الثورة سهلة أو ممكنة.

هل لا يزال ثمة سوريون على الحياد؟ يبدو أن النسبة العالية من السوريين الذين كانوا يشكلون الفئة الثالثة آخذة في الانكماش. وهي تتآكل باتجاه اللحاق بأحد الطرفين. ولكن ثمة من لا يزال يتمسك بمكانه الوسطي لأنه يعتقد أن مسار الأمور في البلاد سيؤدي إلى تدمير صيغة العيش المشترك والتسامح، كما سيدمر النسيج الاجتماعي والبنية التحتية ومؤسسات الدولة، ولن يؤدي إلى التغيير الديموقراطي الحقيقي الذي كان الثوار يطمحون إليه حينما بدأوا ثورتهم.

كل ما سبق يجعل من الواجب التشديد على سلمية الثورة والتمسك بالحل السياسي. ولئن كانت سلمية الثورة يمكن أن تُبحَث من ناحية نفعية بحتة، فإنها بالدرجة الأولى مبدئية. ومن غير الصحيح محاجَّة مطلب السلمية بسؤال: "وما الحل إذًا؟". ذلك أن التسلح لا يمكن أن يكون حلاً لمجرد أنه لا يوجد حل آخر. ولا يجوز رفض التسلح فقط لأن المعارضة لا تستطيع مقارعة سلاح السلطة، ولا لأن التسلح سيضاعف عدد الضحايا فحسب، بل لأنه، أساسًا، يشكل طعنة للبنية الأخلاقية للانتفاضة ويغيِّر بنيتها الاجتماعية والجندرية، ويجعل من المستحيل مواجهة المسلَّح الذي سينتصر في نهاية المطاف إذا كان ثمة منتصر. باختصار، ستتحول فكرة الدولة الديموقراطية المدنية التي كانت تلهم المنتفضين السوريين مرة ثانية إلى سراب بعيد.

لقد بنى الجيل الأول (ونستخدم كلمة جيل مجازًا) من الذين قدحوا شرارة الانتفاضة الأولى رؤيتهم على أساس السلمية واللاعنف. وهم لم يكونوا يأملون قط أن تغير الثورة النظام، بل كان طموحهم كما قال أحدهم، يحيى الشربجي، مرة إلى تغيير المنظار الذي "ننظر من خلاله إلى الدين والمجتمع والسياسة". هذا الجيل رفض التخلي عن سلمية الثورة، وأكد أنه في حال لم ينجح الخيار السلمي حتى الآن فيجب أن نبحث في أسباب الفشل، لأن المشاكل والعقبات التي أدت إلى عدم نجاحه ستواجهنا نفسها في خيارات أخرى.

يحيى شربجي، الذي كان يفضل أن يكون قتيلاً على أن يكون قاتلاً، انتهى به المطاف في السجن، وثمة تقارير تفيد بأنه في وضع صحي صعب. ولكن يحيى ليس وحيدًا في مصيره: معظم قادة الحراك السلمي تم إبعادهم عن الشارع بالقتل والسجن والتهجير. وتمت تخلية الشارع لأشخاص تنقصهم المرونة وعمق الرؤية والكاريزما الضرورية للقيادة، فاستعاضوا عن ذلك بالتعصب والسطحية والتطرف الديني، محققين بذلك من دون أن يدروا رغبة السلطة، التي سعت من اليوم الأول إلى إضفاء طابع السلفية الإسلامية على الانتفاضة الديموقراطية في سورية، ليسهل عليها مواجهتها. فبعد أيام من بداية الاحتجاجات، تراجع النظام، في خطوة رمزية، عن قرار سابق بنقل معلِّمات منقَّبات من قاعات الدرس إلى وظائف أخرى، وطلب من إمام الجامع الأموي أن يظهر على شاشة التلفزة ليقول إن القيادة استجابت لاقتراحات القيادات الدينية، وعدد من هذه الاقتراحات تأسيس معهد للدراسات الشرعية وفتح قناة فضائية دينية "ترعى الإسلام الحق الذي لا يميل، لا الى الشرق ولا الى الغرب". وكان الهدف الإيحاء بأن السلطة تستجيب طلبات المحتجين، على رغم أن الأخيرين لم يرفعوا في أي من شعاراتهم مطالب دينية أو طائفية أو فئوية.

وترتفع الآن أصوات في الداخل والخارج لتسليح المعارضة. ويساهم القمع المعمم والقتل الممنهج الذي تتبعه السلطة بقبول هذه الدعوات قبولاً واسعًا. بيد أن أفضل ما يمكن أن يقال في هذه الدعوات إنها خاطئة براغماتيًا وسياسيًا وأخلاقيًا. ولن يساهم تسليح الثورة إلا في زيادة قمع النظام ضدها من دون أن تستطيع أن تحقق مكاسب حقيقية على الأرض في المقابل، سيساهم التسليح في تحويل الثورة الشعبية إلى حرب بين طرفين مسلحين، قتال بين جيشين، سيكون من الصعب انتزاع النصر من يدي أي منتصر بينهما. وهو، إلى ذلك، سيدفع بمدنية الثورة إلى الوراء، ويخفي الشعارات المدنية الأساسية التي انطلقت الانتفاضة لتحقيقها وهي العدالة والحرية والمساواة وبناء دولة مدنية-ديموقراطية، لمصلحة شعارات حربية لا بد من أن تنتهج منحى طائفيًا، وهو ما سيدفع البلاد نحو مكان يصعب الرجوع منه.

الآن، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي التأكيد على رفض التسلح والاقتتال الطائفي وعسكرة الانتفاضة، وينبغي التشديد على ضرورة المخرج السياسي للأزمة، المخرج الذي يكفل إزالة الاستبداد وضمان كل مكونات المجتمع السوري في الوجود والعمل والتنقل وإعادة التأهيل والنشاط السياسي من دون آثار انتقامية ستسعِّر أوار الحقد ولن تقود إلى أي نتيجة.

*** *** ***

الحياة، الثلاثاء، 20 مارس 2012

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود