english arabic

دعوة للواقعية*

 

باسم عيد**

 

لقد حان الوقت للشعب الفلسطيني لأن يعترف بحقيقة الواقع الذي يعيشه. فبعد قرن من النضال الوطني و34 سنة من مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية، لم يتحقق لنا السلام، ولم نمارس حقنا في تقرير المصير. و"عملية السلام" غير المجدية إلى حد كبير تميزت بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي المحتلة، والإغلاق المتكرر للمعابر، والإهانات المستمرة للشعب الفلسطيني المحبَط. لقد انبثقت انتفاضة الأقصى من عقود من الظلم والاستياء، ولم تنفجر من فراغ.

والواقع الذي نعيشه الآن هو صراع غير متوازٍ لا تتوفر فيه للمقاتلين الفلسطينيين، على الرغم من بسالتهم، الفرصة للصمود في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية. إنه واقع يتسم بالمناشدات غير المثمرة للمجتمع الدولي وللعالم العربي، اللذين يعتمد عليهما الفلسطينيون للدفاع عن قضيتهم. المجتمع الدولي يبدي التعاطف مع النضال الفلسطيني؛ ولكن للتعاطف في مجال السياسة الدولية والدبلوماسية وزناً بسيطاً وحسب في وجه القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لإسرائيل وحلفائه.

أعتقد أن طريق العنف الذي اختاره الفلسطينيون في انتفاضة الأقصى قد أخفق. إذ لم يحقق هذا العنف إلا القليل، باستثناء ردود الفعل الإسرائيلية العسكرية الهائلة. والفلسطينيون، الذين لا تتوفر لديهم وسائل تحقيق الانتصار العسكري، يدفعون ثمناً باهظاً في هذه المواجهة. فإن استخدام الفلسطينيين للأسلحة النارية يحجب القضية ويوفر للإسرائيليين وللمتعاطفين معهم في الخارج الوسيلة لتبرير "الرد" غير المتناسب للجيش الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك فإن العنف يحوِّل اهتمام العالم عن القضية الحقيقية، أي الظلم الذي يعاني منه الفلسطينيون، الأمر الذي يؤدي إلى تصوير الشعب الفلسطيني على أنه شعب عنيف في الأساس وغير مسؤول، ولا يمكن تحقيق السلام معه.

لقد عجِّل العنف الذي يميز انتفاضة الأقصى في انهيار اليسار الليبرالي الإسرائيلي، الذي تزامن مع جنوح الطيف السياسي الإسرائيلي لليمين، وتشجيع الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة أرييل شارون على رفض أي تنازلات أو تسويات. لقد حان الوقت للشعب الفلسطيني لكي يقبل هذا الواقع، ويوجِّه نضاله باتجاه استراتيجية أكثر براغماتية. وهذا لا يعني أن النضال يجب أن يتوقف، بل العكس. فمع أنه لا يبدو أن الكفاح المسلح سيؤدي إلى تحقيق تحرير الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية، إلا أن الوقف الفوري للانتفاضة سيبدو وكأنه انتصار لحكومة شارون، الأمر الذي سيؤكد أن القمع الوحشي للانتفاضة كان له ما يبرِّره.

المقاومة المبنية على اللاعنف، برأيي، هي أفضل السبل الممكنة للخروج من المأزق الراهن. اللاعنف لا يوحي بالرضوخ في وجه الاحتلال. اللاعنف، على العكس، يمكن أن يكون وسيلة قوية جداً للمقاومة، تتطلب بسالة وبطولة مماثلتين لتلك المطلوبة في العمليات المسلحة.

وفي الآونة الأخيرة تم تنظيم عدة نشاطات لاعنفية، من بينها تلك التي شهدتها جامعة بير زيت والتي أظهرت عجز الجيش الإسرائيلي في مواجهة مثل هذا النوع من المقاومة. ويمكن لجميع شرائح الشعب الفلسطيني المشاركة في المقاومة اللاعنفية، بما في ذلك إعطاء دور بالغ الأهمية للنساء والأطفال.

اللاعنف سوف يسهل على الشعب الفلسطيني إيصال رسالته بطريقة أكثر فعالية، عبر مطالب مشروحة شرحاً أوضح. ولنأخذ مدينة الخليل على سبيل المثال، حيث يعيش 40 ألف فلسطيني في ظل حظر تجول صارم، مستمر لمعظم الوقت منذ بدء انتفاضة الأقصى. ماذا سيحدث إذا قام الفلسطينيون كل يوم في الرابعة بعد الظهر بالجلوس أمام أبواب منازلهم مدة ساعة يحتسون الشاي أو يدخنون النرجيلة، دون استخدام الحجارة أو ترديد الشعارات؟ سوف يكون ذلك تجاهلاً صارخاً لحظر التجول المفروض عليهم. ومع أنه لا توجد أية ضمانات بأن يتسم ردُّ فعل الجيش الإسرائيلي باللاعنف، لكن الرسالة ستكون واضحة وقوية: من غير المقبول حبس 40 ألف نسمة داخل منازلهم من أجل أمن 400 مستوطن إسرائيلي.

اللاعنف سيكون وسيلة أكثر براغماتية لمقاومة الاحتلال. ولكن، بمقدار ما يُظهِر الفلسطينيون من براغماتية في كيفية مقاومة الاحتلال عليهم أن يُظهِروا واقعية مماثلة في الأهداف التي يريدون تحقيقها من خلال المقاومة. وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بوجود إسرائيل في العام 1988 فإن العديد من الفلسطينيين يجدون صعوبة في الاعتراف العلني بحق إسرائيل في الوجود. أعتقد أن مستقبلاً في وجود إسرائيل هو أفضل من عدم وجود مستقبل على الإطلاق. على الفلسطينيين أن يقولوا بوضوح لا لبس فيه أنهم لا يشكِّكون بوجود دولة إسرائيل ضمن حدودها قبل 1967، وأن الهدف الوحيد لانتفاضة الأقصى هو تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية. وعلى المفاوضات المستقبلية حول مسائل، مثل حق العودة، أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل. واعتماد مثل هذا الموقف هو أمر مؤلم بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين الذين تنازلنا عن الكثير. ولكن الوقت قد حان لمواجهة الواقع.

*** *** ***


* هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات حول الآراء المتعلقة باللاعنف التي تُنشَر بالاشتراك مع مؤسَّسة Common Ground News Service بدعم من الاتحاد الأوروبي واليونسكو.

** باسم عيد هو مؤسِّس ومدير المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الإنسان في القدس.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود