|
الحرية
الأولى والأخيرة
جِدُّو
كريشنامورتي
2. في القومية
سؤال:
ما هو ذاك الذي يأتي عندما تزول القومية؟ كريشنامورتي:
من الواضح أنها الفطنة. لكني أخشى ألا يكون
ذلك هو مؤدَّى السؤال. مؤدَّاه هو: ماذا يمكن
أن يستعاض به عن القومية؟ إن أية استعاضة فعلٌ
لا يجلب الفطنة. إذا تخليتُ عن دين لأنضوي تحت
آخر، أو تركت حزباً سياسياً لأنضمَّ فيما بعد
إلى شيء آخر، فإن هذه الاستعاضة الدائمة تشير
إلى حالة تنعدم فيها الفطنة. كيف
يمكن للقومية أن تزول؟ فقط بفهم منطوياتها
فهماً تاماً، بالفحص عنها، باستيعاء المغزى
منها في العمل الخارجي والداخلي. إنها،
خارجياً، تجلب الانقسامات بين الناس، تجلب
التصنيفات، تجلب الحروب والدمار، الأمر الذي
لا يخفى على كل امرئ دقيق الملاحظة. وداخلياً،
نفسانياً، جليٌّ أن هذا التواحد مع الأعظم،
مع الوطن، مع فكرة، هو ضرب من ضروب توسيع
الذات. مادمت أعيش في قرية صغيرة أو في بلدة
كبيرة، أياً كانت، فأنا لاأحد؛ أما إذا
تواحدت مع الأوسع، مع الوطن، إذا دعوت نفسي
هندوسياً، فإن هذا يدغدغ غروري، يمنحني
المرضاة عن نفسي، والجاه، وإحساساً
بالارتياح؛ وذلك التواحد مع الأوسع – وهو
ضرورة نفسانية لأولئك الذين يحسون بأن توسيع
الذات أمر جوهري – يوجِد كذلك الصراع، يوجِد
النزاع بين الناس. بذلك فإن القومية لا توجِد
صراعاً خارجياً وحسب، بل إحباطات داخلية أيضاً؛ أما عندما يفهم المرء
القومية، يفهم
سيرورة القومية برمَّتها، فإنها تتهافت. إن
فهم القومية يتم عبر الفطنة، بالرصد
المتأنِّي، بسبر سيرورة القومية، أو الوطنية، برمَّته. ومن ذلك الفحص تولد
الفطنة؛ وعندئذٍ نكف عن الاستعاضة عن القومية
بشيء آخر. فما إن يستعيض المرء عن القومية
بالدين يصير الدينُ وسيلة أخرى لتوسيع الذات،
مصدراً جديداً للكرب النفسي، وسيلة لتغذية
المرء نفسَه عبر معتقَد. لذا فإن أيَّ شكل من
أشكال الاستعاضة، مهما كان نبيلاً، هو شكل من
أشكال الجهل. مثل ذلك كمثل استعاضة المرء عن
التدخين بمضغ اللبان أو جوز التنبول أو أي شيء
آخر؛ بينما إذا فهم المرء مشكلة التدخين
برمَّتها، مشكلة العادات، الإحساسات،
المتطلبات النفسانية، إلى ما هنالك كلِّه، إذ
ذاك فإن التدخين يزول من تلقاء نفسه. ليس
بوسعك أن تفهم إلا عندما تتفتح الفطنة، عندما
تشتغل الفطنة؛ وهذه لا تشتغل في حال وجود
الاستعاضة. الاستعاضة مجرد شكل من أشكال رشوة
النفس، إغراؤك نفسَك بأن لا تفعل هذا بل بأن
تفعل ذاك. والقومية، بسُمِّها، ببؤسها،
وبنزاعها العالمي، لا يمكن أن تختفي إلا
بوجود الفطنة، والفطنة لا تأتي بمجرد النجاح
في الامتحانات وبدراسة الكتب. الفطنة تنوجد
عندما نفهم المشكلات لحظة نشوئها. وعندما
يوجد فهمٌ للمشكلة على مختلف مستوياتها، ليس
لجزئها الخارجي وحسب، بل ولمنطوياتها
الداخلية، النفسانية، عندئذٍ، في تلك
السيرورة، تنوجد الفطنة. إذن عندما توجد
الفطنة تزول الاستعاضة؛ وعندما توجد الفطنة
إذ ذاك فإن القومية، الوطنية، بما هي شكل من
أشكال الغباء، تتلاشى. ***
|
|
|