الصوفي يهزم الفيلسوف؟

قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري

 

تركي علي الربيعو

 

في كتابه الشهير المُعَنْوَن بـالخطاب العربي المعاصر كتب الجابري ما يلي: "يبدو أن معطيات علم النفس، والتحليل النفسي بكيفية خاصة، تجد ما يزكِّيها في سلوك العرب الفكري إزاء مشروع النهضة."[1] والذي يقرأ كتاب الجابري السالف الذكر يستنتج لماذا يستدعي الجابري التحليل النفسي لقراءة الخطاب النهضوي. فهذا الخطاب، من وجهة نظره، خطاب تضخيمي: "فكلما اشتدت عليهم [المقصود هنا العرب] وطأة هذا الواقع المرفوض، كان هروبهم إلى الأمام أشد وأعنف. نقصد بذلك أن طموحهم النهضوي يزداد ويتضخم بازدياد وتضخم وَقْع الحاضر عليهم، لا فرق في ذلك بين من يدعو إلى بعث النموذج الإسلامي، وبين من يطالب بالاقتداء بالنموذج الأوروبي، أو بين من يقول بأخذ أحسن ما في النموذجين."[2] هذا من ناحية. من ناحية أخرى، "فعندما يتحدث العرب عن النهضة أو الثورة، فإنما يتحدثون عن مشروع لم يتحقق بعد كاملاً، بل يجب القول، عن مشروع لم يكتمل بعد على صعيد التصور الذهني."[3] النخبة المثقفة العربية التي تساهم في صياغة خطابنا المعاصر، بمفكِّريها وسياسييها، هي نخبة مريضة وتحتاج إلى محلِّلين نفسيين من شأنهم أن يكشفوا لنا عن سبب الهروب المستمر إلى الأمام الذي تمارسه النخبة إزاء حالة التخلف المستمرة. هذا ما أخبرنا به الجابري؛ وعبره كنا ننتظر، بفارغ الصبر، اكتمال التصور الذهني للملامح العامة للاستراتيجية الرشدية التي بشَّرنا بها في كتابه الصادر مع بداية عقد الثمانينات المعنون بـنحن والتراث؛ وفيه يقول: "إن الروح الرشدية يقبلها عصرنا لأنها تلتقي مع روحه في أكثر من جانب، في العقلانية والواقعية والنظرة الأكسيومية والتعامل النقدي. تبنِّي الروح الرشدية يعني القطيعة مع السينوية (المشرقية) الغنوصية الظلامية."[4]

عندما صدر الخطاب العربي المعاصر بعد كتابه السابق الذكر عاد الجابري ليبشِّرنا بأنه يبحث عن الطريق من داخل الغابة، لا من خارجها. فهذا البحث من شأنه أن ينهي القطيعة بين الفكر والواقع في الإيديولوجيا العربية المعاصرة. إذ إن غياب العلاقة بين الفكر والواقع في الخطاب العربي المعاصر "جعل الخلافات النظرية والإيديولوجية لا نتيجة الاختلاف في تأويل الواقع وتفسيره، بل نتيجة اختلاف السلطة المعرفية المعتمدة كمرجع. فالخطاب العربي المعاصر لا يطرح قضايا الواقع الملموس، بل قضايا تقع خارج الواقع، قضايا مستعارة من النموذج–السلف"[5].

وفي إطار نقده للعقل العربي، أصدر الجابري كتابه الموسوم بـتكوين العقل العربي (1984)؛ وبعده بسنتين، صدر كتابه بنية العقل العربي الذي يشكل الجزء الثاني في إطار "نقد العقل العربي". وبذلك يكون المشروع قد اكتمل على صعيد التصور الذهني، واتَّضحت ملامحه وملامح الاستراتيجية الرشدية. وعبر هذا فإن أية محاولة نقدية لمشروع الجابري لا تستدعي، أو تتطلب بالضرورة، استحضار محلِّلين نفسيين! فالحكم هنا يتم على مشروع قد اكتمل على صعيد التصور الذهني.

عقلانية ابن رشد وصوفية ابن سينا

يمكن القول بدقة أن مشروع الجابري هو آخر وأكبر تظاهرة في حركتنا النقدية العربية الجديدة من أجل الاعتراف بالمعقول وإقصاء اللامعقول عن حياة العرب. فالاستراتيجية الرشدية التي بشَّرنا بها في كتابه نحن والتراث عاد ليوضح لنا ملامحها في كتابه تكوين العقل العربي. يقول الجابري: "إننا نعتقد أن الاستراتيجية الرشدية، أعني التي دشَّنها ومارسها ابن رشد، هي وحدها الكفيلة بتحرير العقل العربي من تشنجات المعقول الديني وردَّات اللامعقول العقلي. إن تحقيق مصالحة عقلانية بين المعقول الديني والمعقول العقلي (=العقل الكوني) على الطريقة الرشدية التي تعتمد الفصل بين الدين والفلسفة، وبالتالي تجاوز الحاجة إلى الغنوص gnose – إن تحقيق مصالحة من هذا النوع شرط ضروري لتحرير العقل العربي من الدوافع والأهداف التي جعلته يقيم اللامعقول العقلي وسيطاً بين الله والناس، بين الدين والفلسفة؛ الشيء الذي جعله يعاني من الحضور المكثف للغيب ومقولاته، ويجد نفسه، بالتالي، مهيأ للهروب، تحت وقع أي صدمة، من عالم الشهادة إلى عالم الغيب... من المعقول إلى اللامعقول."[6]

سوف أسترسل قليلاً في توضيح ملامح الاستراتيجية الرشدية لكي تأخذ المناقشة مجراها الواضح. ففي كتابه نحن والتراث (الذي نعود إليه كأساس وكمحطة أساسية في مشروعه) قام الجابري بشنِّ هجوم حاد على الفلسفة السينوية (نسبة إلى ابن سينا) وجذورها التاريخية. فمن وجهة نظره، ومن خلال حفرياته في تاريخ الفلسفة المشرقية وذلك عبر نوعين من القراءة، مباشرة وغير مباشرة (إسقاطية)، استنتج ما يلي:

أ‌.        ابن سينا هو المدشِّن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط.[7]

ب‌.   عمل ابن سينا على تكريس لاعقلانية صميمة في الفكر العربي الإسلامي تحت غطاء عقلانية موهومة.[8]

ت‌.   كانت الفلسفة المشرقية السينوية، في آن واحد، تعبيراً عن وعي قومي مهزوم ووعي إيديولوجي مقلوب؛ فهي إحدى تجلِّيات الوعي القومي الفارسي المهزوم، لكنْ الحي دوماً، المتطلِّع إلى استعادة نفسه باستمرار وبكبرياء. ولذلك كان هدفه هو إنشاء فلسفة مشرقية ذات خصوصية قومية فارسية.[9]

ث‌.   يجب أن ننظر إلى العمل على دمج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين كجزء من نضال عام – سياسي اجتماعي ثقافي – ضد الحصار السني للدولة، قام به أبناء الشعوب المضطهَدة قومياً وطبقياً.[10] وعبر هذا نستطيع أن نفهم الدوافع القومية–الإيديولوجية في فلسفة ابن سينا؛ وكذلك لماذا كانت الإسماعيلية – كرافد أساسي في تكوينية ابن سينا – إيديولوجيا الطبقات والقوميات المضطهَدة.

مثَّلت الفلسفة المشرقية السينوية، وامتداداتها النظرية على صعيد الفكر المجرد في المشرق العربي، نظاماً فكرياً في التراث الثقافي العربي الإسلامي يتميز عن نظام فكري آخر وجد تعبيره في الفكر النظري في المغرب. يرى الجابري، بهذا الصدد، أن ثمة قطيعة إبستمولوجية بين النظامين، قطيعة تمسُّ، في آن واحد، المنهج والمفاهيم والإشكالية.[11] وقد وجد هذا النظام الفكري المغربي تعبيره في الاستراتيجية الرشدية؛ إذ إن المشروع الفلسفي لابن رشد كان يقوم أساساً على الفصل بين الفلسفة والدين حتى يتأتَّى لكل منهما الحفاظ على هويته الخاصة ويصبح في الإمكان رسم حدودهما وتعيين مجال كل منهما، من ناحية؛ والبرهنة، من ناحية أخرى، أنهما معاً يرميان إلى نفس الهدف. من هنا يمكن القول إن "المدرستين، الرشدية والسينوية، تمثلان مظهرين أساسيين، ومتمايزين، من مظاهر العقلانية في الإسلام؛ بل يمكن اعتبارهما اتجاهين عقلانيين، ليسا فقط متمايزين، بل متناقضي الاتجاه: العقلانية الرشدية عقلانية واقعية، والعقلانية الفارابية–السينوية عقلانية "صوفية""[12]. ويضيف الجابري: "إن ابن رشد يرفض القول القائل بأن الله هو الملابِس لجميع ما ههنا والمحرِّك له، لأن هذا القول يؤدي في نظره إلى القول بأن ما يُدرَك من الأسباب والمسبِّبات باطل، لأن المعرفة بالمسبِّبات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها. فرفع هذه الأشياء – أي إنكار ارتباط المسبِّبات بالأسباب – هو مبطل للعلم ورفع له."[13]

الاستراتيجية الرشدية تقول بالسببية، وبذلك ترفض التوسط وتنحاز للمعقول على حساب اللامعقول. فهدفها هو اجتثاث اللامعقول من حياتنا الذي يدفع باستمرار إلى الهروب إلى الأمام؛ خاصة وأن هذا اللامعقول وافد على الثقافة العربية الإسلامية – يسميه الجابري بـ"العقل المستقيل" – الذي تغذيه ثلاثة تيارات رئيسية:

أ‌.        المانوية (نسبة إلى ماني) التي تجمع بين الزرادشتية والمسيحية والبوذية والتي استهدفت تقويض الأساس الفكري للدولة الإسلامية في العهد العباسي الأول؛

ب‌.   الهرمسية (نسبة إلى هرمس) التي تقوم أساساً على نزعة صوفية إشراقية؛

ت‌.   التيار الثالث هو الأفلاطونية المحدثة.

هذه التيارات الثلاثة – إلى جانب تيار رابع يتمثل في الإسرائيليات كرافد أساسي من روافد اللامعقول الذي قدم للفكر العربي الإسلامي الحديثَ حول البداية والنهاية – تزامنت جميعاً في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي وجمعها قاسم مشترك في كونها قد نهلت من الموروث الأسطوري البابلي القديم – وهذا ما يعتقده الجابري – لتبدأ بضخِّه من جديد عبر قنوات الموروث العربي الإسلامي. وقد توقف الجابري لشرحها في كتابه المعنون بـتكوين العقل العربي.

الهرمسية في ثنايا العقل العربي

في إطار نقده للعقل العربي يقول الجابري: "إن العقل العربي الذي سنقوم بتحليله (تحليل تاريخي وبنيوي ومن موقع إيديولوجي واعٍ) تحليلاً نقدياً ليس مقولة فارغة ولا مفهوماً ميتافيزيقياً ولا شعاراً إيديولوجياً للمدح والذم، وإنما نقصد به جملة من المفاهيم والفعاليات الذهنية التي تحكم، بهذه الدرجة أو تلك من القوة والصرامة، رؤية الإنسان العربي إلى الأشياء وطريقة تعامله فيها في مجال اكتساب المعرفة، مجال إنتاجها وإعادة إنتاجها."[14]

وانطلاقاً من أن عصر التدوين هو الإطار المرجعي للثقافة العربية الإسلامية، فإن الجابري يحدد الإطار الذي يعمل فيه – وهو إطار الثقافة العالِمة التي دشَّنها عصر التدوين – وينحِّي جانباً الذاكرة والمعيش والخرافة والأسطورة. يقول: "إننا قد اخترنا عن وعي التعامل مع الثقافة العالِمة وحدها، فتركنا جانباً الثقافة الشعبية، من أمثال وقصص وخرافات وأساطير وغيرها."[15] وفي ضوء اختياره للثقافة العالِمة كإطار، يتوجَّه من جديد لدراسة الأسطورة العالِمة – إن جازت لنا التسمية – بوصفها الإطار المرجعي للامعقول، التي تغلغلت في ثنايا العقل العربي وفرضت عليه رؤية ميثولوجية (= أسطورية) للكون ولعلاقة الإنسان بالطبيعة، وجدتْ تعبيرها في نظام العرفان. والجابري بذلك يقتفي أثر الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان في بحثه عن دور الخيال imaginaire (الأسطورة) في الفلسفة الشيعية الإسلامية. إن المكونات الأساسية للعقل العربي الإسلامي، كما يرى الجابري، كناية عن ثلاثة أنظمة: نظام البيان، ونظام العرفان، ونظام البرهان. وانطلاقاً من أن المعقول الإسلامي يتحدد انطلاقاً من اللامعقول، يبدأ الجابري بالبحث عن اللامعقول في ثنايا العقل العربي الذي يجد تعبيره في نظام العرفان. يميِّز الجابري هنا بين عرفانين: العرفان كموقف (فردي ونفسي وعملي، يتلخص في رفض العالم ونشدان الاتصال بالإله والدخول معه في نوع من الوحدة)[16]؛ والعرفان كنظرية (يطغى فيه التفسير والتأويل ومحاولة تشييد نظرية دينية فلسفية تشرح تطور الخليقة من المبدأ إلى المعاد)[17].

ما يهمنا هو العرفان كنظرية، كرؤية ميثية (= أسطورية) لله وللكون والإنسان، وجدت تعبيرها في ملحمة التكوين الهرمسي (رؤيا هرمس)، وشكَّلت، بتفرعاتها المانوية والزرادشتية والأفلوطونية المحدثة والإسرائيليات، حلفاً قوياً ساهم في رفد وغزو نظام البيان العربي الإسلامي (المعقول العقلي الديني العربي الذي يتحدد بثلاثة عناصر: القول بوجوب معرفة الله، والقول بوحدانيَّته، والقول بالنبوة)[18] بكل عناصر اللامعقول الذي تتحدد عناصره بعكس عناصر المعقول الديني العربي الذي يمتح من الموروث القديم.

في كتابه الهام المُعَنَْوَن بـبنية العقل العربي حظيت الرؤية الهرمسية الأسطورية للكون وبدء الخليقة بالكثير من التفرد. فبعد أن عرض لها في كتابه الموسوم بـتكوين العقل العربي، قام في بنية العقل العربي بنقل هذه الرؤية الأسطورية بنصها إلى العربية، وقام بالشرح والتعليق عليها، وتابع تغلغلها في الفكر العربي الإسلامي عند الشيعة (أول من تَهَرْمَس في الإسلام)، ثم تابع تحولاتها داخل هذا الفكر، كما تجسدت في فكرة الإمامة، ثم انتقالها إلى المتصوفة الإسلاميين من السنة، كما يتجلَّى في شرحه لنصَّيْ الجنيد وابن عربي.

ويركز الجابري على رؤيا هرمس لأنها، من وجهة نظره، تنحو منحى أسطورياً يقدم الحل لمشكلة الشرِّ في العالم. وفي دراسته لأسطورة الخليقة الهرمسية، باعتبارها المنهل الذي ينهل منه جميع العرفانيين، يميز الجابري بين عدة مراحل (مراحل الخلق):

-         المرحلة الأولى: التقرير بأولوية النور؛ فالنور هو العقل (الإله الأب).

-         المرحلة الثانية: انفصال النور عن النار انفصالاً نهائياً.

-         المرحلة الثالثة: إنجاب الإله الأب للابن (الإله الصانع).

-         المرحلة الرابعة: ظهور الإنسان السماوي الأول على صورة الإله الأب الكلِّي.

-         المرحلة الخامسة: تتضمن حديثاً عن يوم المعاد ومرحلة ما بعد الموت وعودة الروح إلى بارئها.[19]

الرؤيا الهرمسية هي البئر الذي يمتح منه العرفان كموقف والعرفان كنظرية. وهذه الرؤية سوف تمهِّد للانسحاب من عالم الواقع إلى عالم العقل المستقيل، وسيتاح لها، في القرنين الخامس والسادس الهجريين، أن تغزو نظام البيان العربي الإسلامي من خلال المتصوفة (ابن عربي والجنيد وغيرهما) الذين سعوا إلى تأسيس البيان على العرفان، بعكس ما فعله ابن رشد الذي عمل على تأسيس البيان على البرهان؛ وبذلك مهَّدوا لاستقالة العقل العربي في المشرق العربي أولاً، وفي المغرب العربي والأندلس لاحقاً، لتُكتَب عليه الغربة في أرض أخرى – وطوبى للغرباء!

إن العرفاني الذي يمتح من الأسطورة الهرمسية ويدَّعي الكشف والرؤيا والحلم والتأويل ("الشطح"، على حد تعبير الجابري) يمارس أبسط أنواع التفكير وأدنى درجاته، ويكرِّس باستمرار الهروبَ إلى عالم العقل المستقيل؛ بالإضافة إلى أنه يساهم في تكريس نظرة سحرية للعالم من خلال العرفان، كموقف وكنظرية. ولنترك للصياغة الجابرية أن تأخذ مجراها:

أ‌.        العرفان، كموقف وكنظرية، تكريسٌ للنظرة السحرية للعالم، أولاً وأخيراً؛ فهو تكريس أيضاً للبنية العامة للثقافات القديمة التي يشكل فيها الفكر السحري، وليس العلم، الفاعلَ الأساسي – هذا حسب معلوماتنا الراهنة (القول للجابري). وهل يمكن تحقيق نهضة بالسحر؟[20]

ب‌.   العرفاني يهرب باستمرار إلى عالم الميثولوجيا المفلسفة.[21]

ج الكشف العرفاني ليس شيئاً فوق العقل، كما يدعي العرفانيون، بل هو أدنى درجات الفعالية العقلية؛ ليس شيئاً خارقاً للعادة، ليس منحة من طرف قوة عليا، بل هو فعل العادة الذهنية غير المراقَبة، فعل المخيِّلة التي تغذِّيها، لا المعطيات الذهنية الموضوعية الحسية، ولا المعطيات العقلية الرياضية، بل معطيات شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع والتكيُّف معه والعمل على السيطرة عليه سيطرة مادية أو عقلية أو كليهما معاً، فيلجأ إلى عالم خيالي خاص به، ينتقي عناصره من الدين والأساطير والمعارف الشائعة.[22]

باختصار، إن الجابري، من خلال حفرياته في تاريخ الأسطورة العالِمة، يعزو تخلُّفنا الحضاري وانحطاطنا الفكري، في المشرق والمغرب، إلى ارتدادنا إلى أشكال من الفكر الأسطوري، كان أجدادنا ممَّن أسَّسوا البيان العربي الإسلامي (المعقول العقلي) قد تجاوزوه – خاصة وأن الخطاب القرآني الذي يؤسِّس للبيان هو خطاب عقلاني، كما يرى الجابري – إلى أشكال من الفكر الأسطوري، استطاعت الشعوبية الفارسية أن تجعل منه باطناً للحركات الثورية الإسلامية المضادة (الشيعة الإسماعيلية) التي بقيت تحمل في ثنايا إيديولوجيتها تناقضاً صارخاً بين الشكل الثوري (من حيث هي إيديولوجيا الطبقات الفقيرة والمحرومة) وبين المضمون الباطني "المُؤسْطَر" المتخلف. صحيح أن للأسطورة منطقها الخاص، كما يكتب الجابري، "بوصفها شكلاً من أشكال التعبير ونمطاً من أنماط التصور له منطقه الخاص"[23]؛ غير أن ما يقلقه هو هذا التوظيف العرفاني للأساطير، كما تمثَّل في الإيديولوجيا الشيعية؛ التوظيف الذي بلغ ذروته في التأويلات الباطنية للفكر الشيعي التي وجدت تعبيرها الحيَّ في فلسفة ابن سينا الشعوبية مثلاً.

باختصار أيضاً، يدعونا الجابري إلى نفي اللامعقول نفياً نهائياً. ففي ذلك وحده الخلاص!

وراء الجابري مركزية أوروبية

بدلاً من عقل اللامعقول، يدعونا الجابري إلى تجاوزه في إطار رؤيته الإيديولوجية للموروث العربي الإسلامي. وعبر هذا فإن هذه المناقشة سوف تدور حول ما يصطلح على تسميته باللامعقول وتجلِّياته. بصورة أدق، سوف أتوقف عند مصطلح الأسطورة وما يتفرع عنه من إشكال وسوء فهم يدفع إلى مواقف إيديولوجية في قراءة الموروث العربي الإسلامي، على الرغم من حرص الجابري على أولوية الإبستمولوجي على الإيديولوجي. الأسطورة، في مشروع الجابري، ترتدُّ إلى أشكال دنيا من التفكير الإنساني، إلى مغامرة من مغامرات العقل الأولى، تحمل في ثناياها رؤية سحرية للعالم؛ والمطلوب، عبر ذلك، هو الانتقال من الفكر التأملي إلى الفكر المجرد، من الميثوس إلى اللوغوس، من الأسطورة إلى الفلسفة كرؤية عقلية للكون والإنسان. إذ "إن التقدم في الفلسفة، عند اليونان، كان مرتبطاً بالتقدم في العلم ارتباطَ معلول بعلَّة"[24].

أقول، منذ البداية، إن هناك مركزية أوروبية ثاوية وراء خطاب الجابري تحكم توجُّهه، بل وتحكم الخطاب العربي المعاصر بشكل عام. "ففي كل مرة يعطي فيها كاتب عربي عن مجتمعه تشخيصاً يوضح نواقصه وعيوبه، فإن صورة معينة للغرب تندرج في هذا التشخيص، كما يقول العروي في الإيديولوجية العربية المعاصرة.[25] فالغرب، بنظامه البرهاني، يظل إطاراً مرجعياً للفكر التقدمي العربي. وهذه المركزية تجد تعبيرها في خطِّية للتطور، أو لنقل، لوحة خماسية تناظِر اللوحة الخماسية في المادية التاريخية، وتفسر التطور الفكري للبشرية؛ وهي:

سحر أسطورة فلسفة عقل علم

هذه التطورية، التي يعتمدها الجابري كمرجع، تضفي هالة كبيرة على العقل الإغريقي الذي عرف الفلسفة والتفكير المجرد، وتحظى بحكم ذي دلالة قِيَمية، على الرغم من تأكيد الجابري على أنها تحظى بدلالة منهجية. ويفوت الجابري أن هذه التطورية التي تم تجاوزها في حقل العلوم الإنسانية (الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا) تفتح الباب على مصراعيه لعدد كبير من الأشياء التي من شأنها أن تغني الاستراتيجية الرشدية، كرؤية سياسية، أو لنقل كخطاب سياسي لنهضة جديدة.

ما هو السحر؟

يعيدنا خطاب الجابري حول السحر مباشرة إلى فرضية جيمس فريزر التي تقول بأسبقية السحر على الدين في تاريخ الجنس البشري؛ وهي الفرضية التي لاقت استحساناً عند فرويد في كتابه الطوطم والتابو وعند كل من دوركهايم ويونغ. إذ إن الإنسان البدائي يؤمن بالسحر لأنه يقوم بتعليل عقلي خاطئ انطلاقاً من المعاينات الحسية؛ وهي فرضية بات يرفضها الأنثروبولوجيون الذين جاؤوا من بعده.[26] إذ إن القول بأن السحر شكلٌ أوليٌّ من العلم والمعرفة، كما يرى رسل في حكمة الغرب،[27] يُفقِدنا الوسيلة، كما يرى ليفي–شتراوس، التي لا بدَّ منها لفهم الفكر السحري. فالسحر والعلم نسقان معرفيان متوازيان – هذا ما أكده ليفي–شتراوس في الفكر البري – ولكن غير متساويين من حيث النتائج؛ إذ إن التوازي، وليس التقابل، هو الذي يتيح فهم السحر، كما يرى ليفي–شتراوس.[28]

وقد أخبرنا ابن خلدون في المقدمة بأن الكيميائي المعروف جابر بن حيان كان من كبار السحرة. وقد أفرد ابن خلدون للسحر في مقدمته فصلاً خاصاً، ميز فيه بين أنواع السحر الثلاثة (السحر والطلسمات والشعوذة)، وكتب عن معاينته ومعايشته للسحر (كتجربة شخصية عاشها)؛ هذا على الرغم مما يقال فيه بأنه من رُوَّاد المنهج العقلي.[29] باختصار، فإن المطلوب هو فهم هذه الظاهرة وعقلها بدلاً من نفيها – فهي لا تزال سائدة حتى قرننا هذا، وكثيراً ما نسمع عن شخصيات سياسية كبيرة تمارسها –، خاصة وأن هناك جهداً تنظيرياً كبيراً حولها، يمتد من فريزر إلى ليفي–شتراوس، مروراً بمعاينات مرسيل موس،[30] وتجارب والتر كانون عن أفراد يموتون بالسحر،[31] ودراسات برتشارد عن العين والتبصير والسحر عند الأزندي.[32] فقد بيَّن برتشارد أن العين والتبصير والسحر تشكل نظاماً مركباً من المعتقدات والطقوس له بنية منطقية. وهذا يقودنا إلى طرح السؤال المهم الذي يغيب عن أغلب دراساتنا الفلسفية المعاصرة: كيف انتقل أجدادنا من السحر إلى الأسطورة، أو لنقل من السحر إلى الدين، أو من بنية منطقية إلى أخرى؟

ما هي الأسطورة؟

يشير الجواب الذي قدمه الجابري، كما بينَّا، إلى أنها مغامرة من مغامرات العقل في آفاقه الأولى (المحدودة)؛ وهي الأساس لنظام العرفان، أو بالأصح، الأساس لنظام اللامعقول الذي يستند في جذوره على رؤية هرمسية، تستند، بدورها، على أساطير بابلية قديمة تقدم الجواب – من خلال السرد الميثولوجي – عن أصل الخلق والخليقة ومشكلة الشر في العالم. والمطلوب هو إسقاط نظام العرفان، وإعادة تأسيس البيان العربي الإسلامي (الذي يجعل من العربي "حيواناً فصيحاً"، على حد تعبير الجابري) على البرهان ونظامه؛ خاصة وأن هذا الإسقاط يأخذ منحى إيديولوجياً وسياسياً، لأن الفكر العرفاني هو فكر شعوبي.

يذهب عالم الأديان مرشيا إلياده في كتابه المقدس والدنيوي: رمزية الطقس والأسطورة الذي يهدف إلى إعادة اعتبار لهذا المصطلح (الأسطورة) نتيجة سوء الفهم الناجم عن استخدامه الذي يقود إلى توزيع اتهامات على شتى الجبهات. كما أن هذا المصطلح يرتبط تاريخياً بالمقدس وتجلِّياته من خلال النقاط التالية:

1.     تروي الأسطورة لنا تاريخاً مقدساً؛ بعبارة أدق، تصف لنا مختلف تفجُّرات القدسي في العالم.

2.     تروي الأسطورة لنا كيف جاءت حقيقة ما إلى حيِّز الوجود ولماذا جاءت.

3.     تكمن وظيفة الأسطورة في تثبيت النماذج المثالية لجميع الطقوس والفعاليات الميثولوجية الهامة: طعام، جنس، شغل، تعليم، إلخ.[33]

إن كون الأسطورة تاريخاً مقدساً يعني الربط بين الأسطوري والقدسي؛ وبصورة أدق، ربط العلاقة الوثيقة بين الإنسان والمقدس وتفجُّراته في الزمان والمكان. وهذا من شأنه أن يعيد طرح القضية بصورة أشمل. بعبارة أخرى، ما هو موقع المقدس والدنيوي في تاريخ البشرية؟ وهل يجوز الاحتكام إلى التجربة الأوروبية وحدها – كمثال يُحتذى الآن – في علاقتها بالمقدس وسعيها، في آن واحد، إلى محاصرة الإله وموته، كما أعلن نيتشه، ومن بعدُ السعي إلى محاصرة المقدس وتجلِّياته قاطبة؟ ما نعتقده أن هناك أنوية حضارية تتحكم في الخطاب العقلاني الحديث وتفرض عليه رؤيتها السلفية التي تمت إلى عقلانية القرن التاسع عشر، لا إلى عقلانية الثلث الأخير من القرن العشرين والإنجازات الحديثة في مجال العلوم الإنسانية.

في دراسته عن "بنية الأسطورة" يرى ليفي–شتراوس أن "كثيراً من النظريات الحديثة العهد حول الميثولوجيا تصدر عن غموض مماثل"[34]. ويتساءل ليفي–شتراوس: "إذا كان محتوى الأسطورة عرضياً كلُّه، فكيف لنا أن نفهم أن الأساطير تتشابه إلى هذا الحد، من أداني الأرض إلى أقاصيها؟"[35] ويذهب إلياده إلى القول بأنه "يمكن أن يؤلَّف عمل كامل عن أساطير الإنسان الحديث، عن الميثولوجيات المموَّهة في المشاهد التي يحبها، والكتب التي يقرأها. فالسينما – هذا "المصنع للأحلام" – تتناول ما لا حصر له من الموضوعات الميطيقية [الميثية]: الصراع بين البطل والهَوْلة، القتال والتجارب الاستسرارية، الأشخاص والصور النموذجية ("البنت الصبية"، "البطل"، "المرائي الفردوسية"، "الجحيم"، إلخ). حتى القراءة تتألف من وظيفة ميثولوجية، لا لأنها تحل محل تلاوة الأساطير في المجتمعات القديمة والأدب الشفاهي الذي لم يزل حياً في المجتمعات الزراعية في أوروبا وحسب، وإنما لأن القراءة تتيح للإنسان الحديث "خروجاً من الزمن" شبيهاً بالخروج الذي يتم بواسطة الأساطير. "قتل" الوقت برواية بوليسية، أو الدخول في عالم زماني غريب، كل هذا يزجُّ به خارج ديمومته الشخصية ويجعله جزءاً متمماً من إيقاعات أخرى تحييه في تاريخ آخر"[36]. يقول ليفي–شتراوس "إن الأسطورة موجودة ضمن اللغة ووراءها في آن واحد"[37]، "و"التفكير الأسطوري ملازم للعقل البشري". هذا ما أكده في كتابه الفاخورية الغيور (1985) من خلال دراسته للمنطق الأسطوري في ميثولوجيا الهنود الحمر. إذ إن من وجهة نظره أن التفكير الأسطوري لا يتعارض والعقل التحليلي.[38] ويضيف في دراسته عن "بنية الأسطورة": "لقد ظهر لنا أن منطق الفكر الأسطوري له من المتطلبات ما للمنطق الذي يعتمد عليه الفكر الوضعي، وأنه يختلف عنه، في العمق، اختلافاً طفيفاً. ذلك أن الفرق يكمن في طبيعة الأشياء التي تجري عليها العمليات الذهنية أكثر مما يكمن في نوعية هذه العمليات. ولقد تنبَّه التكنولوجيون، فضلاً عن ذلك، إلى هذا الأمر في ميدانهم الخاص منذ زمن طويل: فليست الفأس الحديدية بأرقى من الفأس الحجرية بسبب أنها "تفضلها صنعاً"؛ إذ كلتاهما جيدة الصنع، ولكن الحديد غير الحجر. وقد نكتشف، في يوم ما، أن المنطق نفسه يشتغل في الفكر الأسطوري اشتغاله في الفكر العلمي، وأن الإنسان كان، على الدوام، يفكر بالطريقة الجيدة نفسها."[39]

ليس التفكير الأسطوري سمة تسم الإنسان البدائي، وليس حكراً على مجتمع دون آخر، كما حاول الجابري أن يُظهِر لنا في قراءته المؤدْلَجَة للموروث، المنحازة تماماً للمشروع الثقافي الغربي. فالأسْطَرة سمة ملازمة للعقل البشري. فكل كائن بشري، كما يقول إلياده، مكوَّن، في الوقت نفسه، من فاعليته الواعية واختباراته غير العقلانية.[40]

التناقض في خطاب الجابري

يكتب الجابري في كتابه نحن والتراث ما يلي: "إن الخطاب القرآني هو خطاب عقلاني، وليس خطاب غنوص أو عرفان أو إشراق."[41] ثم يضيف في كتابه الموسوم بـتكوين العقل العربي: "إن الخطاب القرآني يستعمل الإشارة والرمز والاستعارة وغير ذلك مما يقتضي التأويل ولا بد."[42] سوف أضرب صفحاً عن هذا التناقض في خطاب الجابري، لأشير إلى أن الدراسات الحديثة في مجال العلوم الإنسانية تذهب إلى القول بأن الكتب المقدسة هي نماذج رائعة للتعبير الميثي (= الأسطوري).[43] إن خطاب الجابري، الذي يهدف إلى التأكيد على أن الخطاب القرآني هو خطاب عقلاني، يلتقي في ذلك مع الدراسات الإسلامانية (الاستشراقية) في تقديم القصص القرآني والحديث النبوي والسيرة على أنها تشكيلات استدلالية عقلانية؛ في حين أنها مدينة جداً، كما يرى أركون، لفعالية الخيال الذي يبلور الأساطير الخاصة بأصول كل فئة أو ذات جماعية ويساهم في تأسيسها وإنجاز هويتها.[44] بالإضافة إلى هذا، فإن القراءة الإيديولوجية، التي من المفروض أن تحتل مركزاً ثانوياً أمام القراءة الإبستمولوجية، تضعنا في مواجهة بين المعقول الديني واللامعقول الذي لا يزيد عن كونه "تشنُّجات" (التعبير للجابري) تقع مهمة إقصائها على عاتق الاستراتيجية الرشدية – مع أن الغائب، والمفارِق، والمقدس، وحديث الجنة والنار، ويوم المعاد، وأهل الكهف، ويأجوج ومأجوج، والطير الأبابيل، إلخ، تشكل تعابير ميثية أساسية داخل الخطاب القرآني، وليس خارجه، ولا تزال تلعب دوراً كبيراً في الاجتماع البشري، وتساهم في تجييش واسع للجماهير. فالتاريخ المعاصر، كما يتجلَّى من أحداثه، يشير إلى فاعلية واستمرار الرمز والأسطورة والغيب والمقدس في الاجتماع البشري، لا على صعيد المسلمين وحدهم، بل على صعيد المجتمعات البشرية ككل. فالدين، كظاهرة عامة، يؤسِّس نفسه على أساس الغائب والمفارق. وكذلك السياسة؛ إذ إن نقد الثابت الإيديولوجي للدين والسياسة، كما قام به ريجيس دوبريه في نقد العقل السياسي،[45] يبين أن الاجتماع البشري يتأسَّس على وهم في جانبه الديني أو الدنيوي (السياسي). فالإيمان بالغيب ركن أساسي في الدين – أي دين؛ فكيف يتم إلغاؤه بجرة قلم بحجة انتمائه إلى حيِّز اللامعقول والأساطير؟!

العشيقات الثلاث

في كتابه الموسوم بـالأنثروبولوجيا البنيانية يذكر لنا ليفي–شتراوس "عيشقاته الثلاث": الجيولوجيا تحديداً، والتحليل النفسي الفرويدي،[46] والفكر الماركسي.[47]

لماذا الجيولوجيا تحديداً؟ الجواب أن النفس الإنسانية هي مركَّب جيولوجي بحق. فوراء الظاهر باطن، هو مزيج من بنى ومعتقدات وأساطير، تعمل على مستوى البنية الخافية؛ وإن أهم حظوظنا في العثور على أهم الدلالات يكمن على مستوى هذه البنية وفي مدى قدرتنا على عقلها. إن هذا المزيج المعقَّد يؤوَّل، في فهم الجابري له، إلى "معطيات شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع فيلجأ إلى الخيال"[48]. وبذلك يعيدنا الجابري إلى ماركس – حيث أخبرنا في بداية الخطاب العربي المعاصر أنه لا يستطيع التنفس بدون بعض المقالات الماركسية[49] – ورؤيته للأسطورة التي أذكاها في المقدمة التي عقدها على نقد الاقتصاد السياسي، حيث يرى ماركس أن "كل الميثولوجيات تقوم بإخضاع قوى الطبيعة وبالسيطرة عليها وتكييفها بواسطة الخيال". وقد بشَّر ماركس بزوال الميثولوجيا، التي هي وليدة عجز فكري وتكنولوجي عند الإنسان، عندما تتحقق السيطرة الفعلية للإنسان على قوى الطبيعة؛ عندها يُهزَم فولكان (إله النار) وجوبيتر (إله الصواعق) أمام التقدم العلمي والتقني، ويُهزَم أخيل (بطل الحروب الطروادية) أمام اختراع البارودة والطلقة النارية إلخ.[50]

تعكس وجهة نظر ماركس هذه، بصورة مباشرة، وجهة النظر التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر التي تجد تعبيرها في كتابات ماكس موللر الذي كان يرى أن الأسطورة "مرض من أمراض اللغة". وقد عبَّر عن ذلك في كتابه قراءات في أصل الدين وتناميه وبشَّر بزوال الأساطير والدين أمام التقدم التقني: "إن زمن الدين قد ولَّى، وإن الإيمان وهمٌ أو مرض طفولي، وإنه قد تم الاكتشاف أخيراً بأن الآلهة لم تكن إلا من اختراع البشر وبأنها فقدت من بعدُ رصيدها."[51]

إن استلهام وجهات النظر التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فيما يخص الدين والأساطير، والتي كانت تعمل كنظام للفكر من تأثيرات فلسفة عصر الأنوار والتطورية الثقافية، لم يعد يجدي لحفريات جديدة في تاريخ اللامعقول وتجلِّياته. وحدها القراءة المُؤدْلَجَة والمحكومة بهدف سياسي تبرِّر ذلك.

مكانك سر!

هناك سؤال على غاية من الأهمية ويشكِّل واحداً من فيض الأسئلة التي لا نعثر لها على جواب في الاستراتيجية الرشدية. لماذا قُدِّر للعقل العربي ألا يرتقي درجة من العقلانية إلا وارتقى درجة مماثلة في اللاعقلانية؟ هذا السؤال يطرحه الجابري بصيغة التحقيق: "لقد قُدِّر للعقل العربي أن لا يرتقي درجة من العقلانية إلا وارتقى درجة مماثلة في اللاعقلانية."[52] لكنه – كما أرى – يؤوَّل إلى لماذا أخرى. لماذا هذا التلازم بين الأسطورة والعقل؟ لماذا هذا التلازم بين الأسطورة والتاريخ (التلاحم الكبير بين الإله وشعبه في صنع التاريخ)؟ ما علاقة الحلم (الرؤيا) بالتاريخ؟ حين يرى الرسول (ص) رؤيا، قبل غزوة أحد، يكون التاريخ فيما بعد مسرحاً لأحداثها. "قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم من عند ضبَّته، ورأيت بقراً تُذبَح، ورأيت كأني مردف كبشاً. فقال الناس: يا رسول الله فما أوَّلتها؟ قال: أما الدرع الحصينة فالمدينة، فامكثوا فيها؛ وأما انقصام سيفي من عند ضبَّته، فمصيبة في نفسي؛ وأما البقر المذبح، فقتلى في أصحابي؛ وأما مردف كبشاً، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله."[53] إن هذا يؤوَّل إلى طرح السؤال؟ كيف استطاعت الأسطورة أن تهزم العقل؟ وبصورة أدق، لماذا هُزِمَت وفشلت عقلانية ابن رشد في الوسط الإسلامي؟ ولماذا ازدهر الخيال الخلاق لابن عربي في المشرق العربي والمغرب؟ كيف استطاع الصوفي أن يهزم الفيلسوف؟ وهل حدثت هذه الهزيمة في زمن انهيار حضاري شامل؟ وهل التصوف نقيض للعقل؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى حفريات جديدة تلازم سعينا إلى كتابة التاريخ وإعادة تدوينه.[54]

الفصل بين الدين والفلسفة

الاستراتيجية الرشدية تقوم على الفصل بين الدين والفلسفة وتقول، كما مرَّ معنا، بالسببية. فابن رشد يرفض القول القائل بأن الله هو "الملابس لجميع ما ههنا والمحرِّك له"، وذلك في إطار دفاعه عن العقل وانحيازه له. إنه بذلك يقطع مع المقدس وتجلِّياته في الزمان والمكان، وهكذا يحيلنا إلى مقدس جديد في صورة المعقول. ومن هنا حماسة الجابري لهذه الاستراتيجية الرشدية؛ خاصة وأن "فكرة الإله مستبعَدة تماماً – كما يقول – في العلم الحديث والمعاصر، دون أن يعني هذا بالضرورة عدم الاعتراف بوجوده"[55].

يعيد العلم في منظوره الجديد طرح القضية من جديد بناءً على التقدم الكبير في ميدانه، ويُفضي إلى النتيجة التي يقودنا إليها فيلسوف معاصر وأستاذ لمادة الفيزياء النظرية، حيث يقولان: "ففي النظرة الجديدة نجد أن أصل الكون وبنيته وجماله تفضي جميعاً إلى النتيجة نفسها، وهي أن الله موجود."[56] ويختمان كتابهما بالقول: "في وسعنا أن نتوقع تحول الفلسفة المعاصرة، تشجِّعها على ذلك النظرة الجديدة، عن يأسها الفكري إلى بحث صحي ونشيط عن حكمة ترتكز على يقينيات الخبرة العامة. أما فيما يتعلق بالدين، فالظاهر أن مستقبل النظرة الجديدة يوحي بالعودة بثقافتنا إلى الإيمان بوجود الله الواحد، وبإعادة التأكيد على الجانب الروحي في طبيعة الإنسان."[57] ما أعتقده هو أنه إذا كانت البيولوجيا (الحياوة) في القرن التاسع عشر، على يد دارون، قد ساهمت بتعميم تطوريَّتها لتطال حقل العلوم الاجتماعية والدراسات حول المجتمع القديم (من مورغان إلى إنجلز)، فإن النظرة الجديدة، والتطور الحاصل حديثاً في ميدانها، سوف يدفع في القريب العاجل للتراجع، في ميدان العلوم الاجتماعية والفلسفية، عن الكثير من الآراء التي بدت وكأنها قارة.

البيان والبرهان

في إطار الاستراتيجية الرشدية نلحظ باستمرار ميلاً عند الجابري لإقامة تعارُض بين ما يسميه "العقلية البيانية العربية الإسلامية" وبين "العقلية البرهانية" التي تمتد جذورها على طول الامتداد الثقافي اليوناني–الأوروبي. يقول الجابري: "هنا في الثقافة العربية الإسلامية يُطلَب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها: الله. وهناك في الثقافة اليونانية–الأوروبية يتَّخِذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة، أو على الأقل، ضامِناً لصحة فهمه لها. هذا إذا لم يستغنِ عنه بالمرة."[58] ويضيف في إطار حماسته لهذه العقلية التي تجاوزت الميثوس (الأسطوري) ووصلت إلى اللوغوس (العقل الكوني): "إذا كان مفهوم العقل في الثقافة اليونانية والثقافة الأوروبية الحديثة والمعاصرة يرتبط بـ"إدراك الأسباب"، أي بالمعرفة، فإن معنى العقل في اللغة العربية، وبالتالي في الفكر العربي، يرتبط أساساً بالسلوك والأخلاق."[59] هنا يجتهد الجابري في البحث عن مختلف الدلالات لمادة "ع – ق – ل"، ليؤكد على أن مختلف دلالاتها يرتبط بالحَجْر والنهي؛ والعقل، ضد الحمق، وهو مأخوذ من "عُقِلَت البعير إذا جُمِعَت قوائمه"؛ وبهذا يرتبط بالسلوك الأخلاقي. وعبر هذا يتجلَّى للعيان هذا اللقاء الحميم بين الاستشراق والاستراتيجية الرشدية في الوصول إلى النتيجة التالية: "إن العربي حيوان فصيح وأخلاقي." وهذه النتيجة عريقة في تاريخ الاستشراق، وتجد امتدادها من رينان إلى برنارد لويس وكتبه الإسلام في التاريخ (1975)، العرق واللون في الإسلام (1970)، التصورات الإسلامية للثورة (1971)، وإلى دراسات إي. شوبي عن "تأثير اللغة العربية على التركيب النفسي للعرب".

إن برنارد لويس يبحث في العربية الكلاسية عن الثورة فيجدها في الجذر "ث – و – ر" الذي يعني "النهوض" (نهوض جمل). ويعلق إدوارد سعيد بقوله: "لماذا لا تُقحَم فكرة الناهض كجذر اشتقاقي للثورة العربية الحديثة إلا كطريقة بارعة لتجريح الحديث وإضعافه؟ وغرض لويس هو بشكل مكشوف أن يحط الثورة من المكانة العالية المعاصرة لها إلى ما لا يعدو في نبله (أو جماله) جملاً يكاد يرفع نفسه عن الأرض."[60] ويخلص سعيد إلى النتيجة التي تهم صانعي القرار والسياسة المهتمين بالشرق الأوسط: إن التحركات الثورية بين العرب هي من الأهمية والعواقب بقدر ما هو نهوض جمل عن الأرض.[61]

وقد حذَّر سعيد في كتابه الهام المُعَنْوَن بـالاستشراق من أن نظام الاستشراق يغزو بتحليلاته الفكر العربي. يقول سعيد: "بيد أن الاستشراق، رغم إخفاقاته، ومصطلحه المعاضل الذي يثير الشفقة، وعرقيَّته التي تكاد لا تُحجَب، وجهازه الفكري الرقيق رقَّة الورق، يزدهر اليوم بأشكال عدة؛ وبالفعل فإن ثمة ما يدعو إلى القلق في كون تأثيره قد انتشر إلى الشرق نفسه. فصفحات الكتب والمجلات باللغة العربية تمتلئ بتحليلات من الدرجة الثانية لـ"العقل العربي والإسلام وأساطير أخرى"[62].

لكي يُفهَم الإسلام يجب تقليصه إلى الخيمة والقبيلة؛ هذا ما يصر عليه نظام الاستشراق. ولكي نفهم المبادئ التي تحكم الرؤية البيانية أو نظام البيان العربي الإسلامي، وفي مقدمتها مبدأ الانفصال ومبدأ التجويز، يجب البحث عنهما في بيئة الإعرابي وخيمته وقبيلته وطبيعة صحرائه، كما يرى الجابري. فالأعرابي هو صانع العالم العربي و"هو فرد، وحدة ضائعة في أرض شاسعة، حيث الكثافة السكانية ضعيفة إلى حدود الصفر، والمباني غير موجودة، وإنما خيام منفصلة متمايزة ومتنقلة. أما القبيلة فهي مجموعة من الأفراد المتفرِّدين"[63]. وهذا ما يجعل الرؤية البيانية للزمان والمكان رؤيةً تقوم على الانفصال، وليس على الاتصال؛ باختصار رؤية تجد تعبيرها في بيئة الأعرابي وامتداداتها الزمانية والمكانية، وتجسِّد في ذاتها رؤية غيبية؛ إذ إن هناك ترابطاً بين البيئة الصحراوية والرؤية الغيبية، كما قادنا الجابري إلى ذلك، يقوم على إلغاء السببية والقول بالواسطة.[64]

إن مجمل الملاحظات السابقة التي نعتقد بمنهجيَّتها لا يهدف، بأي شكل من الأشكال، إلى التقليل من أهمية القراءة الإبستمولوجية والإيديولوجية للتراث العربي الإسلامي، وإنما تهدف إلى إغناء هذه الدراسة من خلال إعادة الاعتبار لما يُصطلَح على تسميته باللامعقول، وما يدخل في إطاره، الذي يحظى بحكم قيمة سلبي في إطار الدراسات العديدة للتراث العربي الإسلامي التي سرعان ما تنزلق إلى إصدار أحكام ذات طابع سياسي إيديولوجي، بعيدة كل البعد عن الإنجازات الحديثة في ميدان العلوم الإنسانية، وبالأخص ميدان الحفريات الحديثة في تاريخ الأسطورة ومقارباتها، وتظل محكومة بشواغل إيديولوجية ظرفية جامحة. ومن هنا حرصنا على أن لا يقع الجابري فيما حذَّرنا هو منه.

*** *** ***


[1] محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية، طب 2، دار الطليعة، بيروت، 1985؛ ص 19.

[2] المرجع السابق، ص 19.

[3] المرجع نفسه، ص 17.

[4] محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءات في تراثنا الفلسفي، طب 1، دار الطليعة، بيروت، 1980؛ ص65.

[5] الجابري، الخطاب العربي المعاصر، ص 185.

[6] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، طب 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988؛ فصل 7، ص 134-162. أنظر أيضاًَ مقالته المنشورة بعنوان "المعقول واللامعقول في الفكر العربي الإسلامي"، الفكر العربي المعاصر، أعداد 20/21/22، بيروت، صيف 1982؛ ص 11-25.

[7] الجابري، نحن والتراث، ص 131.

[8] المرجع السابق، ص 131.

[9] المرجع نفسه، ص 206.

[10] المرجع نفسه، ص 193.

[11] المرجع نفسه، ص 232.

[12] المرجع نفسه، ص 282-283.

[13] المرجع نفسه، ص 248-249.

[14] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 17.

[15] المرجع السابق، ص 7.

[16] محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظام المعرفة في الثقافة العربية، طب 1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986؛ ص 255.

[17] المرجع السابق، ص 255.

[18] تكوين العقل العربي، ص 14.

[19] بنية العقل العربي، ص 260-268.

[20] بنية العقل العربي، ص 379؛ تكوين العقل العربي، ص 343.

[21] بنية العقل العربي، 378.

[22] المرجع السابق، ص 378.

[23] المرجع نفسه، ص 378.

[24] تكوين العقل العربي، ص 336.

[25] عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، نقله إلى العربية محمد العيتاني، دار الحقيقة، بيروت، 1970؛ ص 44.

[26] إ. إيفنز برتشارد، الإناسة المجتمعية وديانة البدائيين في نظريات الإناسيين، بترجمة حسن قبيسي، طب 1، دار الحداثة، بيروت، 1986؛ ص 184-185.

[27] برتراند رسل، حكمة الغرب، بترجمة فؤاد زكريا، سلسلة "عالم المعرفة" 62، الكويت، شباط 1983؛ ج 1، ص 30. يرى رسل أن السحر، كطقس، مبني على الاعتراف بمبدأ السببية.

[28] كلود ليفي–شتراوس، الفكر البري، نقله إلى العربية نظير جاهل، طب 1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1984؛ ص 33-34.

[29] ابن خلدون، المقدمة، طب 4، دار القلم، بيروت، 1981؛ الفصل 22، "في علوم السحر والطلسمات"، ص 496-504. يستطيع القارئ كذلك العودة إلى البحث الذي قدمه د. حسن قبيسي بعنوان: "نظرة ثانية إلى ابن خلدون (1)"، الفكر العربي، عدد 50، آذار، 1988؛ ص 237-251.

[30] مرسيل موس، "في المفعول الجسدي"، بترجمة حسن قبيسي، الفكر العربي، عدد 41، آذار 1986. راجع في العدد نفسه من المجلة دراسة د. قبيسي "في الاستماتة: كيف نقرأ مقالاً لمرسيل موس؟"، ص 19-20.

[31] والتر كانون، "الموت بالسحر"، الفكر العربي، عدد 41، ص 226-236.

[32] إيفنر برتشارد، الإناسة المجتمعية، ص 116.

[33] مرسيا إلياد، المقدس والدنيوي: رمزية الطقس والأسطورة، بترجمة نهاد خياطة، طب 1، دار العربي، دمشق، 1987؛ ص 90-93.

[34] كلود ليفي–شتراوس، "بنية الأسطورة"، نقل النص عن الفرنسية مصطفى كمال، بيت الحكمة، عدد 4، سنة 1، الدار البيضاء، كانون الثاني 1987؛ ص 63-93.

[35] المصدر السابق، ص 65.

[36] مرسيا إلياد، المقدس والدنيوي، ص 190-191.

[37] كلود ليفي–شتراوس، "بنية الأسطورة"، ص 66.

[38] كلود ليفي–شتراوس، "الفاخورية الغيور"، مراجعة عبد الكريم بزاز، مجلة العلوم الاجتماعية، مجلد 15، عدد 2، جامعة الكويت، خريف 1987؛ ص 341-344.

[39] ليفي – شتراوس، "بنية الأسطورة"، ص 66.

[40] مرسيا إلياد، المقدس والدنيوي، ص 194.

[41] محمد عابد الجابري، نحن والتراث، ص 61.

[42] محمد عابد الجابري، "صراع المعقول واللامعقول في الفكر العربي الإسلامي"، ص 11-25.

[43] محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، بترجمة هاشم صالح، طب 1، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1986؛ ص 210.

[44] أركون، المصدر السابق، ص 15.

[45] رجيس دوبريه، نقد العقل السياسي، بترجمة عفيف دمشقية، طب 1، دار الآداب، بيروت، 1986؛ ص 73 وما بعدها.

[46] يعتقد ليفي–شتراوس بأن هناك تطابقاً حقيقياً بين الحياة النفسية للبدائيين وبين المحللين النفسيين؛ وبذلك يمكن القول إن التفكير الفرويدي تفكير أسطوري بامتياز.

[47] مؤمن السميحي، "المغامرة البنيوية"، بترجمة مصطفى كمال، بيت الحكمة، عدد 4، 1987.

[48] الجابري، بنية العقل العربي، ص 378.

[49] الجابري، الخطاب العربي المعاصر، ص 12.

[50] كارل ماركس، نصوص حول أشكال الإنتاج ما قبل الرأسمالية، بترجمة لجنة بإشراف صادق جلال العظم ومراجعته، طب 2، دار ابن خلدون، بيروت، 1981؛ ص 158.

[51] وجهة نظر ماكس موللر منشورة في الإناسة المجتمعية، ص 272.

[52] محمد عابد الجابري، "صراع المعقول واللامعقول"، ص 23.

[53] راجع نص الرؤيا في كتاب المغازي للواقدي، بتحقيق ماريسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، 1962؛ ج 1، ص 209.

[54] محمد أركون، تاريخية الفكر الإسلامي، ص 209. راجع أيضاً: علي حرب، "التصوف الإسلامي: هل هو نقيض للعقل أم عجز عن التحقيق؟"، الفكر العربي، عدد 15، حزيران 1980.

[55] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 28.

[56] روبرت أغروس وجورج ستانسيو، العلم في منظوره الجديد، بترجمة كمال خلايلي، سلسلة "عالم المعرفة" 134، الكويت، شباط 1989؛ ص 78.

[57] المصدر السابق، ص 147.

[58] تكوين العقل العربي، ص 29.

[59] المصدر السابق، ص 30.

[60] إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، إنشاء، نقله إلى العربية كمال أبو ديب، طب 1، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981؛ ص 212.

[61] المصدر السابق، ص 213.

[62] نفس المصدر، ص 391.

[63] الجابري، بنية العقل العربي، ص 241-242.

[64] المرجع نفسه، ص 243.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود