|
رسالة
مفتوحة
إلى
البابا يوحنا بولس الثاني
شري
سوامي دايانندا سرسفتي
يا صاحب القداسة، بالنيابة عن هندوس كثيرين
أعرفهم شخصياً، أرحِّب بزيارتك للهند. فهذه
بلاد ذات حضارة عريقة وثقافة دينية فريدة،
استضافت منقولات دينية عديدة أتتها على كرِّ
القرون. باعتبارك رأس دولة الفاتيكان،
وكذلك الكنيسة الكاثوليكية ذات الأتباع
الكُثُر في العالم أجمع، أنت تتمتع بمنزلة
سامية الجلال وبوسعك أن تلعب دوراً هاماً في
إحباط النزاعات الدينية وصون ثقافات العالم
الغنية. في رسالتك الرسولية في مقدم
الألفية الثالثة، 38 (تشرين الثاني، 1994)
أعربت عن نيَّتك باستدعاء مجمع خاص لسينودس
مطارنة آسيا. وبعد اطلاعي على تقرير اللجنة
التحضيرية للسكريتاريا العامة لسينودس
المجمع الخاص لمطارنة آسيا الذي عيَّنتَه
بنفسك، أود أن ألفت نظرك إلى هموم هندوس
كثيرين في هذه البلاد فيما يخص الهداية
الدينية. ففي المجمع الفاتيكاني الثاني كانت
المنزلة الممنوحة للأديان العالمية بمثابة
وسيلة لتحضيرها للمسيح. كلُّنا يعلم أن
الديانة الكاثوليكية لا تستضيف الأديان
الأخرى إلا ضمن هذا السياق. لكني ألتمس منك
هنا الاعتراف بأن لكلِّ شخص حرية اعتناق دينه
الخاص. في الماضي القريب، ذكرتَ ضرورة
احترام العقل. فعلى أساس من العقل، ما من
معتقد صحَّتُه غير قابلة للإثبات يمكن أن
تجري الحال به خيراً من أيِّ معتقَد آخر
صحَّتُه غير قابلة للإثبات. لذا، بمقتضى
العقل، لا أساس للهداية في أمور الإيمان. وبمعزل عن العقل، ثمة قضية هامة
أخرى أطلب منك إمعان النظر فيها. فبين
المنقولات الدينية العالمية هناك مَن يدعو
إلى الاهتداء وهناك مَن لا يدعو. والمنقولات
الدينية التي لا تدعو إلى الاهتداء، من نحو
الهندوسية واليهودية والزردشتية، تمنح
الآخرين حرية ممارسة دينهم، سواء اتفقتْ مع
عقائد الآخرين أو لم تتفق. وهي، إذ لا ترغب في
هداية الآخرين، لا يسعني إلا أن أنعتها بعدم
العدوانية. أما الأديان الملتزمة لاهوتياً
بالهداية، من جهة أخرى، فهي بالضرورة عدوانية، بما أن الهداية تنطوي على اقتحام
واعٍ للحياة الدينية لشخص ما، لا بل للشخص
المتديِّن نفسه. إن هذا الاقتحام اقتحام عميق
للغاية، بما أن الشخص المتديِّن هو الأعمق
والأشد أساسية في أيِّ فرد. عندما يتخلخل ذلك
الشخص فإن أذى عميقاً جداً يقع؛ إذ إن حرمة
الشخص المتديِّن تُنتهَك. والإثبات على عمق
هذا الأذى هو أن انتهاك شعور ديني قد يودي
بصاحبه إلى الشهادة. والناس المرتبطون بشخص
مهتدٍ يتأذون كذلك تأذياً عميقاً. وحتى الشخص
المهتدي قد يعاني شيئاً من الأذى في سريرته؛
إذ إنه لا بد أن يتفكَّر فيما إذا كان قد فعل
الصواب. لا بل أكثر من ذلك، عليه أن يواجه
استلاباً داخلياً من طائفته – وهي طائفة
انتمى إليها منذ أجيال – وبالتالي استلاباً
من أسلافه. ولا أحسب أن هذا الأذى من شأنه أن
يندمل تماماً. فالاهتداء الديني يدمِّر طوائف
عمرها قرون ويحرِّض على العنف الطائفي. إنه
عنف وهو ينسل عنفاً. من هنا فإن من واجب كلِّ شخص
إنساني النزعة احترامُ كلِّ شعور ديني لدى كلِّ
شخص، سواء كان شعوراً إسلامياً أو شعوراً
مسيحياً، شعوراً هندوسياً أو شعوراً يهودياً. إضافة إلى ذلك، فإن الدين، في
العديد من المنقولات الدينية، بما فيها
المنقول الهندوسي، مندمج في نسيج الثقافة. من
هنا فإن تدمير دين ما يكافئ تدمير ثقافة دينية.
فاليوم، مثلاً، لم تعد الثقافة الإغريقية
القديمة موجودة؛ لم تعد هناك إلا صروح خاوية.
والثقافة الماياوية والرومانية والعديد من
الثقافات الغنية الأخرى ضاعت إلى الأبد
وافتقرت الإنسانية من جراء ذلك. فلنسمح على
الأقل للإنسانية أن تنعم بثروات المتبقي من
فسيفسائها الثقافية. إذ إن لكل دين جماله، وما
يسهم به في إغناء الإنسانية. تُجمِع المنقولات على أن من
الغلط ضرب الأعزل. ففي المنقول الهندوسي
يُعتبَر هذا الأمر من المنكَرات التي يعاقَب
عليها أشد العقاب. البوذي والهندوسي واليهودي
عُزَّلٌ جميعاً، من حيث إنهم لا يدْعون إلى
الهداية. فلا يحق لك أن تطلب منهم التخلِّي عن
أصالة منقولاتهم والشروع في الهداية حتى
يقاوموا الهداية. وباعتبار أن من الموروث في
هذه الأديان والثقافات عدم الدعوة إلى
الاهتداء فإن محاولات هدايتها هي عدوان من
طرف واحد، وهي تدخُل في باب ضرب العُزَّل. أنا
أحترم حرية المسيحي أو المسلم أو اليهودي في
ممارسة دينه. لا أقبل بالكثير من معتقداتهم،
لكني أريد لكلٍّ منهم أن ينعم بحرية اتِّباع
دينه. ليس لك أن تدعوني إلى الردِّ
على الهداية بهداية الآخرين إلى ديني لأن هذا
ليس جزءاً من موروثي؛ إذ نحن لا نؤمن بالهداية.
بذلك فإن الهداية ليست مجرَّد تعنيف الناس؛
إنها تعنيف لأناس ملتزمين باللاعنف. أنا متأذٍّ من الهداية الدينية، وكثيرون غيري متأذُّون. الملايين
يتأذون. هناك الكثير من القضايا التي ينبغي
مناقشتها فيما يتعلق بالهداية، لكني أود أن
ألفت نظرك إلى القضية المركزية الوحيدة هنا،
ألا وهي العنف من طرف واحد. الهداية الدينية
عنف وهي تنسل عنفاً. ففي الهداية أنت تهدي
اللاعنيف إلى العنف أيضاً. إن كل احتجاج على الهداية
الدينية يوصَم دوماً بالاضطهاد، إذ يقال إن
الناس يُمنَعون من ممارسة دينهم، وإن حريتهم
الدينية تُكبَح. بيد أن الحقيقة هي غير ذلك
تماماً. فالشخص الآخر حرٌّ أيضاً في ممارسة
دينه بدون تدخل؛ ذلك حقُّه الطبيعي. والحرية
الدينية لا تشتمل على برنامج مخطَّط للهداية.
فمثل هذا البرنامج لا بد أن يؤوَّل على أنه
اعتداء على الحرية الدينية للآخرين. إبان سِني خدمتك البابوية، قمت
بتغييرات في موقف الكنيسة ومنظورها.
فبالنيابة عن ديانات العالم غير العدوانية،
الهندوسية، الفارسية، اليهودية، وغيرها من
الأديان الأهلية في بلاد مختلفة، ألتمس منك
تجميد نشاط الهداية وإيجاد المناخ الذي
تستطيع فيه الأديان جميعاً أن تحيا وتترك
غيرها يحيا. *** *** *** |
|
|