صوت يهودي ينادي بحقوق الفلسطينيين

"نحن المعتدون وهم يدافعون عن أنفسهم وبلدهم"

 

جوديث ستون

 

أنا يهودية. كنت من المشاركين في "التجمع من أجل حق العودة إلى فلسطين". وكان هذا عملاً صائباً.

سمعت عن المحرقة [النازية] ضد اليهود مذ كنت طفلة صغيرة. وزرت الأنصاب التذكارية المقامة في واشنطن والقدس إحياء لذكرى نفوس يهودية أُزهِقَتْ. وبكيت حين أدركت أيَّ مستوى من الفظاعة يمكن للبشرية أن تنحط إليه.

أين هم أصحاب الضمائر من اليهود؟ لا حقد حقيقياً يمكن إضماره للناجين من محرقة هتلر؛ فقد كان هؤلاء، مِزَقُ الإنسانية، في وضع لم يُتِحْ لهم خيارات، ما عدا خيار السلامة الشخصية. ويجب ألا ننسى أن كون المرء ناجياً أو أخاً في الدين لضحايا المحرقة اليهودية لا يبيح فتوى بعدم التقيد بقواعد الإنسانية. إن عبارة "أبداً بعد الآن"، كشعار، ذات رنة جوفاء حين تعني "أبداً بعد الآن بالنسبة إلينا وحدنا".

قد رُبِّيَ جيلي على الاعتقاد بأن الأرض التوراتية كانت صحراء شاسعة آهلة بحفنة من الفلسطينيين المعدمين الذين كانوا يعيشون مع جِمالهم ويتدبرون معيشتهم في الرمال بشقِّ الأنفس. وقد زُيِّنَ وصول اليهود كمنفعة هائلة لساكني الصحراء. بل إن غولدا مئير أكدت لنا أن "لا وجود لمشكلة فلسطينية".

نحن نعرف الآن أن هذه الصورة لم تكن كما رُسِمَتْ. ففلسطين كانت أرضاً مملوءة بأناس سمُّوها وطناً. كانت هناك بلدات، وقرى مزدهرة، ومدارس، ومستشفيات. وكان هناك يهود، ومسيحيون، ومسلمون. وفي الواقع، مثَّل اليهود قبل الاحتلال مجرد 7 في المئة من السكان، وامتلكوا 3 في المئة من الأراضي.

وبإزالة الغشاوة عن عينيَّ للحظة، أرى فظيعة ثانية يُديمُها الأناس أنفسهم الذين ينبغي لهم أن يكونوا حسَّاسين إلى أبعد الحدود حيال معاناة الآخرين. هؤلاء الأناس يعرفون كيف يشعر من يُطرَدُ من بيته تحت تهديد السلاح، ويُرغَم على السير ليلاً على غير هدى، أو يواجه الإعدام التعسفي. والذين هجَّروا الفلسطينيين يعرفون حق المعرفة ماذا يعني أن يرى المرء بيتَه يحترق وأن يتخلَّى عن كل عزيز عليه من دون إمهاله لحظة واحدة. لقد سوَّتْ الجرافات مئات القرى بالأرض، ومعها رفات سكان القرى، الشيوخ منهم والشباب. وما كان هذا بجديد بالنسبة إلى العالم.

بولونيا مقبرة مترامية الأطراف ليهود أوروبا. وإسرائيل هو المثوى الأخير للشعب الفلسطيني المذبوح. وعلى مسافة قصيرة من النصب التذكاري للأطفال اليهود الذين فُقِدوا في المحرقة في أوروبا، هناك مرآب للسيارات؛ وتحت هذا المرآب بقايا قرية كانت زاهرة فيما مضى، وأجداث رجال ونساء وأطفال، كانت جريمتهم الوحيدة أنهم شغلوا ما احتاجوا إليه من مكان ولم يغادروا مذعنين. هذا المدفن تحديداً رُفِعَتْ عليه لافتة: "مرآب للعموم".

لقد تحدثت إلى فلسطينيين، وعليَّ الآن أن ألتقي فلسطينياً لم يفقد واحداً من أسرته بسبب الإسرائيليين، أو لا يستطيع أن يسمي قريباً أو صديقاً له يقاسي تحت وطأة ظروف غير إنسانية في سجن إسرائيلي. وبين حين وآخر، يُستشهَد بإسرائيل كمنتهك لحقوق الإنسان، لكن من دون جدوى.

في رحلة أخيرة إلى إسرائيل، زرت مخيمات اللاجئين الآهلة بسكان ينتظرون في هذه المخيمات "المؤقتة" منذ 35 عاماً للعودة إلى ديارهم. وفي وسع كل فلسطيني طاعن في السن أن يذكر اسم قريته، واسم شارعه، والمكان الذي زرع فيه أشجار زيتون. ولئن كان الأحفاد بعيدين عن الديار فإن في إمكانهم تحديد الأماكن التي دُفِنَ فيها أجدادُهم وتحديد مواقع قراهم.

لقد غزت الصحافةَ صورةُ الإرهابي الفلسطيني. أما الضحايا الذين هبَّوا في وجه الإهانة الإنسانية في غيتو وارسو فإنهم يسمَّوْن أبطالاً، والذين ماتوا يسمون شهداء. الفلسطيني الذي يرمي حجراً وهو يائس يسمى إرهابياً.

قبل عامين، جُلْتُ بسيارتي في فلسطين، وشاهدت أنظمة أنابيب مياه متشابكة تروي مصاطب خضراء يانعة أمام بيوت مستوطنين صهيونيين في مجمَّعاتهم الجديدة، المحاطة بحراس مسلحين وأسلاك شائكة وسط مجتمع فلسطيني يخلو من مياه صالحة للشرب وحقوله المحيطة به رملية وجافة. وقد ذكر الأستاذ الجامعي موشيه تسيمِّرمان في جيروزاليم بوست

(30/4/1995) أن "الأطفال [اليهود] في الخليل هم مثل شبيبة هتلر تماماً".

نحن اليهود نرفع دعاوى لاسترداد ما كان لنا في أوروبا أو للحصول على تعويضات. فهل أنا خائنة لليهود لأني أؤيد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن ولادتهم وفي التعويض عما أُخِذَ ولا يمكن إعادته؟

الموتى اليهود لا يمكن إحياؤهم، والفلسطينيون الذين ذُبِحوا لا يمكن بعثهم. وقد قال بن غوريون: "دعونا لا ننسى الحقيقة في ما بيننا... سياسياً، نحن المعتدون وهم دافعوا عن أنفسهم... البلد لهم، لأنهم يسكنون فيه، بينما نحن نريد المجيء إلى هنا والاستقرار. وفي رأيهم أننا نريد انتزاع بلدهم منهم."

فلسطين أرض احتُلَّتْ وأُفرِغَتْ من سكانها. ومعالمها الثقافية والمادية أُزيلت واستُبدِلَتْ بها لافتاتٌ عبرية أنيقة. وكان تاريخ شعب أول شيء اقتلعه المحتلون. لقد استؤصِل تاريخ السكان الأصليين كما لو أنهم ما وُجِدوا قط. وهذا كله هلَّل العالم له كما لو أنه عمل إعجازي من الله!

يجب أن ندرك أن وجود إسرائيل ليس حتى مسألة شرعية بقدر ما هو واقع قائم غير شرعي تحقق من خلال استخدام قوة دعمتْها القوى الغربية. والبعثات التي وجَّهتها الأمم المتحدة إلى إسرائيل في محاولة لتصحيح انتهاكاتها كانت بلا طائل.

في كتاب هرتسل الدولة اليهودية قال أبو الصهيونية: "يجب أن نتحرر ونحرر الوطن اليهودي الجديد بواسطة كل وسيلة حديثة." وأظن أني أوافق إيهود باراك في قوله في 3 حزيران (يونيو) 1998: "لو كنتُ فلسطينياً لانضممتُ أيضاً إلى مجموعة إرهابية." وربما أذهب أبعد من ذلك لأقول: بدلاً من رمي أحجار صغيرة وأنا يائسة، أقذف بصخرة ضخمة.

إن ما يبعث على الأمل هو أن كل يهودي ذي ضمير يعرف في قرارة نفسه أن ما حدث [في سنة 1948] لم يكن حرباً، وأنه لم يكن تعويضاً أعاد فيه الله الأرض المقدسة إلى أصحابها الحقيقيين. نحن نعلم أن فظيعة إنسانية كانت ولا تزال مستديمة ضد شعب بريء لم يستطع الحصول على أسلحة وأموال للدفاع عن نفسه ضد قوى غربية عكفت على قتله كشعب.

لا يمكننا الاستمرار في القول: "لكن ماذا كان علينا أن نفعل؟" فالصهيونية ليست مرادفة لليهودية. أنا أمحض التأييد كله لـ"التجمع من أجل حق الشعب الفلسطيني في العودة".

*** *** ***

© Jewish Chronicle

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود