لقاء إسلامي–مسيحي

بدعوة من الهيئة القبطية الإنجيلية

مفهوم العنف مرفوض

في المسيحية والإسلام

 

أديب نجيب سلامة

 

بدعوة من منتدى "حوار الحضارات" في الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية في مصر، عُقِدَ لقاء فكري حول ظاهرة العنف في المجتمع المصري: إشكالياتها وتحولاتها، في الفترة من 4-6 أيلول 2002، بمشاركة نحو مئة من أساتذة الجامعات والمفكرين والقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية من محافظات مصر الوسطى (بني سويف والمنيا وأسيوط).

وعلى مدى ثلاث جلسات عمل وثلاث مجموعات بحث، وعرض للرؤى الفكرية حول الموضوع، دارت أعمال الملتقى الذي بدأ بكلمة للمهندس نبيل صموئيل أبادير، المدير العام للهيئة، رحَّب فيها بالمشاركين، وعرض لموضوع اللقاء، كما استعرض مسيرة منتدى "حوار الحضارات" عبر السنوات العشر الماضية، والمراحل التي مر بها المنتدى، والتعاون القائم بينه وبين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، التي شارك منهما في هذا اللقاء الشيخ فوزي الزفزاف، رئيس اللجنة الدائمة بالأزهر الشريف للحوار بين الأديان، ود. محمد إبراهيم الفيومي، أستاذ الفلسفة في جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

تحدث د. محمد نور فرحات، الأستاذ بحقوق الزقازيق، فقدم نظرة تحليلية لمفهوم "العنف"، وقال إن مفهوم العنف ينتمي إلى طائفة المفاهيم المستخدمة في العلوم السلوكية. كما أن قانون العقوبات يتضمن إشارات متعددة لمصطلح العنف ومترادفاته، كـ"القوة" و"الإكراه" و"التهديد" و"الترويع"، لكنها لا ترقى إلى وضع صياغة قانونية فقهية منضبطة لمعنى العنف. وقد حاول د. عصام أحمد محمد (1988) صياغة تعريف قانوني للعنف، فقال إنه "استخدام أو تهديد باستخدام القوة تجاه المجني عليه، كي يحقق الجاني هدفاً معيناً ضد إرادة شخص آخر، مما يؤدي إلى إزهاق حياة المجني عليه أو إلحاق الأذى بسلامة جسمه".

وأوضح د. فرحات أن هناك نوعين من العنف: أولهما، يمكن تسميته بـ"العنف الرسمي"، وينبع من خلط ممثلي السلطة العامة بين "السلطة" و"التسلط"؛ وثانيهما هو "العنف المؤسَّسي" أو غير الرسمي، الذي يمارسه المواطنون، باعتباره عادة شعبية تحظى بالاعتراف الصريح، أو بالتغاضي الضمني عنه من جانب أجهزة تطبيق القانون. ويعتبر العنف الأسري الذي يمارَس ضد الأطفال والنساء أحد أبرز أنواع العنف المؤسَّسي غير الرسمي. ومن أمثلته ما تتعرض له المرأة من عنف، وإن كان هذا العنف يتخذ مظاهر مختلفة يتسامح معها المجتمع لأسباب تعتمد على الفهم غير الصحيح للدين أو لقواعد الأعراف والأخلاق.

لذلك صدر "الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة" (عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 1993). ووفقاً للتعريف الذي نصَّ عليه هذا الإعلان، فالعنف ضد المرأة يتضمن ثلاث صور هي: العنف الجسدي أو الجنسي الذي يقع في إطار الأسرة؛ أو الإطار العام للمجتمع، أو العنف الذي تعترف به الدولة أو قانونها؛ أو يُتغاضى عنه، مثل ختان الإناث والزواج المبكر.

ورأى د. قدري حفني، أستاذ علم النفس السياسي في جامعة عين شمس، أن العنف هو "سلوك ظاهر يستهدف إلحاق التدمير بالأشخاص أو الممتلكات". ويُقصَد بكلمة "ظاهر" أن العدوانية، لكي تكون عنفاً، ينبغي أن تتوفر لها شروط الظهور. ومصطلح "العنف" قد يختلط في الأذهان بمصطلحات أخرى عديدة منها: "التطرف"، "التعصب"، "الإرهاق"، "الأصولية"، "التضحية".

واستعرض د. محمد حافظ دياب، أستاذ الفلسفة في كلية آداب بنها (جامعة الزقازيق)، وجهة النظر الإسلامية حول العنف، وأوضح مفهوم "العنف المقدس"، والعنف والخطاب الإسلامي الراديكالي، وعرض لبداية هذه الظاهرة، فأرجعها لحركة "الإخوان المسلمين" بقيادة مرشدها الشيخ حسن البنا الذي وضع مقدمات القطيعة بين فكر هذه الحركة وفكر الإصلاح الذي سبقها والذي بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. فكانت فكرة "الحاكمية" تمثل ذروة التعبير عن تلك القطيعة، بعد أن أودت بفكرة الدولة الوطنية. تلك الفكرة، إلى جانب أنها أنجبت ثقافة العنف والتكفير، أساءت فكرة استخدام "الجهاد"، وفتحت المجالين السياسي والاجتماعي على الفتنة والحرب الأهلية. وجاءت بعض التجارب "لتعطي زخماً على صعيد قدرتها المادية".

وقد أكد على أهمية الدور الذي يقع على عاتق العلماء والمفكرين وأولي الأمر في الدول المختلفة والمنظمات الدولية للتعاون في ما بينهم من أجل محاصرة العنف، عن طريق الإسهام في إعادة تأهيل الذاكرة الاجتماعية للشعوب، والتواصل بين الأفراد والجماعات، كسبيل لإعطاء الديموقراطية مضموناً إيجابياً يطلقها من أسر الإعلام الموجَّه والاستثمارات الطبقية والبيروقراطية، وتنمية المنظمات الأهلية غير الحكومية، مع إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الأفراد للمشاركة في نقد الواقع، ووسائل الإعلام كمدخل أساسي لخلق مؤسَّسات للتواصل الاجتماعي والفكري.

المسيحية والعنف

عن وجهة نظر المسيحية في العنف، تحدث الباحث المهندس سمير مرقص، فأكد أن العنف، فكراً أو ممارسة، هو دخيل على الطبيعة البشرية. وإذا مارسه المسيحي، فذلك يعني أنه فكَّ ارتباطه بإيمانه. ولتوضيح ذلك يجب الاقتراب من موضوعات ثلاثة هي: فهم الرؤية الإلهية الإيمانية للإنسان. فالله في المسيحية هو "الإله المحب"، الذي خلق الإنسان على صورته، بعد أن خلق السماوات والأرض، وهيأ له الكون لاستقباله (سفر التكوين 1: 26، 27، 31). والمحبة هي نقطة انطلاق، منها ننطلق لنتعامل مع الآخرين. لذلك علينا أن نفصل بين الفعل الذي يمارسه الإنسان لإحقاق الحق، وإن تكلَّف بعض التضحيات، وبين العنف الذي يعني الأذى والتدمير للآخرين.

ومن جهة أخرى، فالإنسان هو مصدر أفعاله بسبب اختياره الحر وفقاً للسياق التاريخي، من دون تدخل الله. فهو القادر على فعل الشر والخير. فيدُ الإنسان التي تمتد لتقتل هي اليدُ نفسها التي يمكن أن تمتد لتحمي روحاً من القتل. فالعنف ظاهرة اجتماعية، قد يوظَّف الدين لتبريرها. وهذا يعني سوء فهم لجوهر الدين.

العنف ومجتمع المعلومات

وقال السيد يسين، مستشار مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أننا نعيش اليوم مرحلة حاسمة من تاريخ الإنسانية، انتقلنا فيها من النموذج الأساسي، "الأنموذج الصناعي"، إلى ما يطلق عليه الآن "أنموذج مجتمع المعلومات العالمي". وقد ساعد الأنموذج الصناعي على نقل أوروبا من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، صاحَبَ ذلك ثورة فكرية عُرِفَت باسم "الحداثة" Modernism، التي كان شعارها "العقل هو مصدر الحكم على الأشياء". وبالتالي، استطاعت أوروبا أن تتخلص من سلطان النص الديني الجامد الذي كان يعوق التطور ويمنعه. وكانت الفردية أحد أهم الأسس التي قام عليها مشروع الحداثة. فهي تعنى تحرر الفرد من النظام الإقطاعي، وإعطائه كيانه، واعتماده على العلم والتكنولوجيا الحديثة.

وجاء "أنموذج مجتمع المعلومات العالمي" نتيجة تراكم آثار الثورة العلمية والتكنولوجية، من ناحية، وثورة الاتصالات الكبرى والإنترنت، من ناحية أخرى، مما أدى إلى إزالة جميع الفواصل بين الزمان والمكان. كما أدى إلى ظهور صيحة جديدة عرفت باسم "ما بعد الحداثة" Post-modernism، حاولت تجاوز قصور الحداثة في ما يتعلق بسوء استخدام العقلانية ومحاولة الطغيان على الفرد وقهره في ظل ما يعرف بالشمولية Totalitarianism، مع إعادة صياغة نظريات كبرى شاملة تدَّعي امتلاك الحقيقة المطلقة.

وقد أفرزت تلك التحولات مشكلات جوهرية، من أهمها "فقد الهوية"، والخصوصيات الثقافية. وهو ما أدى إلى ظهور حالات جديدة من العنف، باعتباره تعبيراً عن الاحتياجات الثقافية لجماعات معينة، مثل ما حدث في حرب البلقان. كما ظهرت صور جديدة من العنف، مثل التطهير العرقي وغيره، نتيجة الحروب الأهلية التي تركزت حول موضوع الهوية.

ورأت د. نيفين مسعد، الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أنه يجب الربط بين ممارسة العنف وحقوق الإنسان. ومن ألوان العنف التي تتعارض وحقوق الإنسان العنف من خلال التأديب بالعقاب، والعنف ضد السكان الأصليين في بعض الدول.

وقال د. سمير نعيم أحمد، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، أنه يجب دراسة عامل سيادة إيديولوجيا العنف على المستوى الدولي بفضل ثورة الاتصالات والمعلوماتية، التي لا يمكن الحيلولة دون وصولها لكل مواطن مصري، أينما كان، ولا يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية ضدها ومواجهة آثارها بعد وقوعها.

وطالب بوضع سياسة إعلامية وتربوية شاملة لدعم كل القيم الإيجابية. وقال إننا لا نستطيع أن نحجب صور القتل والمجازر وسفك الدماء وتدمير المنازل وسوى ذلك مما يرتكبه إسرائيل يومياً في حق الشعب الفلسطيني. فكيف تؤثر هذه الصور لأبشع أشكال العنف على وعي الجمهور، وبخاصة الأطفال والشباب؟

وأكد د. طه عبد العليم، نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أن مصر تمتلك منظومة متقدمة من العلماء والمفكرين وخططاً للنهضة، ولكن ينقصها تحديد الهدف والسعي لبلوغه بجدية شاملة، مذكراً أن هذا المناخ، حين يتاح لأحد أبنائها في الخارج، يحقق تقدماً على نظيره الأجنبي، وأن العقل المصري والعربي قادر وقوي وناضج، مما يساعد جدياً في فحص أي سبب للإرهاب أو التعصب الفكري. وقال إن تجارب مصر عبر العصور تؤكد أن أبناءها بخير، والدارس للموازنات الاقتصادية المتعاقبة والمنصف في التحليل يرى أن تقدماً واضحاً يتحقق على أرضها.

وقال نبيل عبد الفتاح، نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أن ثمة أزمة في أداء المؤسَّسات الإعلامية والدينية، يفترض أن لها دوراً في أحداث العنف، وأيضاً في إمكان التغلب عليه – وهذا يستلزم الخطاب الإصلاحي. وهذا الخطاب له في مصر تاريخه الطويل ومشروعيته.

ودعا إلى عقد برامج وورش عمل للعاملين في وسائل الإعلام حول الخطاب الإصلاحي، ووضع سياسات تحريرية حول العقلانية، وتفعيل ميثاق العمل الصحفي، وتطوير برامج اللغة.

وجرت مناقشات في مجموعات العمل حول أشكال العنف ضد المرأة، والعنف المعنوي، والعنف في مؤسَّسات التنشئة، وذلك وفق أوراق عمل أعدها د. سمير نعيم أحمد. ثم نوقشت تلك الأشكال في جلسة عامة.

*** *** ***

عن النهار، الأحد 6 تشرين الأول 2002

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود