|
حتماً
وحيد
رزان
عز الدين
هل
تعلمون الكائن الوحيد كيف
يحيا؟ عندما
تريدون أن تراقبوه ادخلوا
من الباب الخلفي للمسرح،
ربما، وحاولوا ألا تُشعِروه
بوجودكم. القناع
سيكون معلقاً في منتصف الخشبة
لأن لا أحد يجب أن يرى
وجهه، وسيقف معطياً ظهره
لكم. يبدأ
عرضه كالتالي: يترك
الورقة والقلم ويقف في المنتصف
تحديداً ويقول بثورة و غضب:
"أنا لا أستطيع أن أحب!" ويبكي. ولنكون
أكثر دقة فإنه لا يكذب.
ثم ينظر إلى القناع: "لو
أنك تختفي لربما صار العالم بدون
بعوض. لو
أنك تختفي لصارت السماء بدون
حدود." وهنا بالذات قد يخطر
لأحدكم أن يقول: "لكن السماء
بدون حدود!" عندها سيقول:
"لم تصرون أن تتدخلوا في
حياتي؟! بحدود أو بدون حدود،
ما الفرق مادامت الوحدة تحيا في
كل مكان!" يتكور
على الكرسي في الزاوية ويحاول
أن يخبئ رأسه ما بين قدميه.
"عندما هربتُ من كلِّ الناس
أراد أن يعيدني
إليهم. هربتُ وهربت لكنه
لحق بي وألحقني بهم. كان
الصمت وسيلة رائعة لهروب
جديد. وذهب
الصمت يوماً وأعرف أنه
بحبٍّ أراد ذلك كلَّه." "حاولتُ
أن أقترب منها، و ابتسمتْ
بدورها." معترضة صغيرة
– إذا سمحتم – هنا هو يقول الحقيقة
أيضاً ،
يهتاج كثيراً، ينهض ويضرب الكرسي،
يلطم القناع. "لماذا تحاولون
أن تذكِّروني بها؟!" "المهم ،
أخي، المهم رحلتْ،
وأنت أيضاً وحيد، وهي لا تستحق
المعاناة... مستغلة ،
تافهة." بالطبع
أنتم لا تفهمون شيئاً. الرجل
الأول هو صديقه المقرَّب الذي
أراد أن يُخرِجَه من الوحدة ،
لكنه رحل. والأخرى
فتاة أحبَّها وفشل لعدة
أسباب. "أحمق،
أنا أحمق!" "القناع وسيلة مريحة
ترسم على الوجه ابتسامة. تحب
كل الناس ويحبونك." "آه ...
لكني أكره نفسي!" ويرمي
القناع بقوة. يدير
ظهره إلى الوراء فيرى الناس
يختلسون النظر إليه ،
يرتجف، يبحث عن القناع ،
يضعه. يضحك
الناس بأصوات عالية. "هذا
ما لم نتفق عليه!" يرمي القناع.
وحده من يستحق، و يغرق في
بكاء شديد يسقط بعده على الأرض. ربما
ستشاهدونه يوماً. وعلى أية
حال، هذه النماذج تنتهي بسرعة،
ودون أن تسبب أيَّ رعب
لمن حولها. *** هاجسها
مازال محلقاً
أناس
للعزلة، حزن كاسد في العيون،
غربة متفشية في الصدور،
وهم ينتشر على الأرصفة
المتسكعة إلى المجهول. بصمات
كثيرة لاهية مع، ضد ،
لا مع، لا ضد... إلى متى؟ ملاجئ
للوهم، صمت أصم ،
ثرثرة بكماء. وهي واقفة تنصت
لهذيان الاعترافات و الهواجس
المهاجرة. بصمتٍ
أسدلتِ الستار، لملمتْ حوائجها،
واحتضنها الطريق ،
تحمل الهروب في كل جزء من أجزائها،
حتى في
عينيها الخضراوين. *
المشهد الأول: الجامعة
جاثمة كعجوز و أحاديث
الطلبة تفوح في كل زاوية،
وهي هاربة، ينأى السلام عن
معاقل ضياعها. *
المشهد الثاني: كانت
الحافلة تلتهم الطريق مرتعشاً،
والبرد عربيد مؤلم يبحث
عن مرتع مناسب يمزق خطايا
الآخرين. جلستْ
وبجانبها فتيات يتبادلن أحاديث
متنوعة ويرمين ضحكاتهن
هنا وهناك. - ستقيم حفل عيد ميلادها اليوم. - آه إنه الخامس من الشهر. سَرَتْ
رعشة مهولة في جسدها. "الخامس
من الشهر؟ لم الآن؟ لم
حزني يتناسل؟!" *
المشهد الثالث: مازالت
الحافلة تتمايل بين الهنا والهناك.
كان الشارع عارياً إلا من
أضواء باهتة وزفرات طويلة للبرد
تثلج صدره الكهل والأرض
شربت من خمرة المطر حتى
الثمالة. كان هذا المكان الذي
اعتادا ارتياده في أيام مضت،
وقد اعتادت مجيئه الآن وحيدة ،
تستذكر ثرثرة الأمسيات، تهرب
من العزلة وتجدها هنا أكثر
من أي مكان آخر. *
المشهد الرابع: أحاسيسها
المرتبكة قادتها إليه. كان
رقيقاً تبرق عيناه بألوان حبِّها.
عانقها، عانقها كثيراً، انهال بقبلات
كثيرة. -
أحبكِ! - وأنت صديق عزيز... - أريد أن أكون حبيباً! - لكن... حملتْ
انتفاضتها وغادرتْه. فلن تقوى أن
تنتزع الحقيقة من داخلها. *
المشهد الأخير: الأيام
تنهش عينيها، ودموعها تزداد
عمقاً عمق الحنين، الحب ،
الانتهاء، وماذا بعد؟ كيف تحطمت
أعراس أحلامها و تجاوز
حلمُ الموت كلَّ حزنها و هاجسها
مازال محلقاً؟! ***
*** ***
|
|
|