ينقصنا موت آخر

(حوارية عبر المسافات)

 

جاكلين سلام

وأميرة سلامة  

 

ج: كرسيٌّ وحيد

طاولةٌ عتيقة

شرفةٌ

سيدةٌ بلا حاضر

الكرسيُّ لحلمٍ يقيمُ في السفر

الطاولةُ قبرُ شجرة

الشرفةُ انتظارٌ مفرطٌ في الثقل

سيدةُ الحزنِ العتيق

تحيِّرني،

تنصبُ شبكةً في وجه الحمام!

في بئرها تحلِّق

تقتنصُ صوراً فوتوغرافية

يرحلُ الحمامُ، فضلاتُه تقيمُ على الشرفة

أصواتٌ معقودة

أجنحةٌ ذاهلة

قلبٌ أشعث

العتمةُ تنغلقُ على المشهد

تبحرُ خارجها

تلتقطُ غيمةً، شعاعاً، مطراً، ريشة...

تعجزُ أن تقطفَ نجمة

تنهمرُ في دمعة

تتوالدُ في صورها

صوراً ينقصها الأصل

صوراً لا تعني شيئاً للكرسي والطاولة والشرفة

نادراً ما تكون ملائمة للتقصِّي: أهي الصورة أم السيدة؟

السؤالُ أم مشهدٌ – مُعدٌّ مسبقاً –

تعيشُه، كأنه حياتُها

الكرسيُّ ضَجِرٌ

وتنسابُ ممتلئةً بذاتها

تفيضُ موجاً من صور:

موجةٌ تقبِّل نورساً

موجةٌ ترتطمُ ويسيلُ الأزرقُ معطوباً

موجةٌ يدوسُها هواء

موجةٌ تقذفُ الطحالبَ بعيداً

موجةٌ تتبخترُ برسالة حبٍّ في قارورة

موجةٌ تتناسل

في رحمها سؤال:

العالمُ غرفتُنا،

من سَرَقَ مفاتيحَ الدروب إلينا؟!

كيف نعبُرُ إليها، حبيبتِنا

الأشد زرقةً من شرفة مهجورة

وأكثر وجلاً من طفلة على باب كهف

ينقصنا موت آخر... لتكتملَ في الحضور.

...

أ: خبِّروها أن صوتها أحياناً

أشبه بدويِّ رعد

لا يسبقُه ضوء

فلا أصغي!

بل أسمعُ جعجعةً

تباغتُ قرقرةَ الحمام

ويقظةَ مليكةِ النَّحل

خبِّروها أن صمتَها – أحياناً –

يهمسُ مثل بدر

يلقي على الماء أوراقي

يفتحُ أذنيَّ حتى أقصاها

فأحدسُ، مثل كلبة،

الأشياءَ قبل أن تأتي

خبِّروها: أن سماءَ قلبي قلقُ ضوء

في أولِ النهارِ شحيحاً يطلع،

يشتد ويشتد ليبصمَ تلك العتمة

خبِّروها: أني ترجمةُ لغةٍ غريبة

حِبْرُها من دماء غروب

تكتبُ على جبين الفضاء نورساً

يفتحُ كفَّ الأفقِ صديقاً لكفِّي

خبِّروها: صباحُكِ ياسمينة تمتدُّ وتمتد

إلى أين ولماذا؟ – لا تدري!

...

ج: وسوف أخبرها

أن تكفَّ عن مشاكسةِ طواحين الهواء

وأشرعةِ الفضاء

أن تدَّخرَ قليلاً من الصمت

وكثيراً من الرقص

...

أ: خبِّروها: أني مذْ خلعتُ أقنعةَ خوفي

في وجعِ تلك العتمة

اختارني الصَّمتُ عروساً

وهاجرَ من جبيني عريسُ اللغة!

...

ج: سأخبرها أيضاً أن تمتدَّ أكثر،

علَّها تصلُ إلى القعر...

ولكن مهلاً

هل أجيدُ لغةَ الريح!

وإنْ هي إلا ريحٌ!

حنينٌ رجيم

يحتلُّنا

...

أ: من ينقذُ عطرَ الورد

من قبضةِ الرِّيح؟!

...

ج: سيِّدةُ الياسمين، يهيمُ الأبيض

شبحاً في روحها

بين تلافيفِ شَجْوِها

تموتُ ريحٌ وتثملُ بعطر!

...

أ: خبِّروها:

أني لا أدَّخر بياضاً

ولا ضَوْعاً

حتى تقومَ الرِّيح!

...

ج: تلتفُّ عليها حبالُ مسافاتٍ غبية

في كفِّها بذورُ النشيد

وينقصُها التراب،

لتزهرَ أو تموتَ

...

أ: لأن القانونَ يمليه ماءٌ وانتظار

يستحيلُ جسدُها

تراباً

حجراً

وجسوراً من نار!

...

ج: كلُّ يقينها بلا جدوى كل شيء

ما زالت تؤمن أن "سارق نار" سيأتي – كما القيامة – بلا ميعاد!

...

أ: ربما يأتي هذا المساء!

فاتركوا النوافذَ يقظة

ربما يبثُّ في أصقاعِها ما لم تَرَهُ

ولم تسمعْ به

ناهباً بلا رحمة

شكَّها واليقين!

...

ج: كليلةٌ عيونُ الوقت

وتنكمشُ على بذورها

تتسربُ في دهليز غفوةٍ أخرى

بمزاجٍ محترق

...

أ: لم آخذْ إذناً منها!

لكنِّي دعوتُ الصباح

ليدسَّ ثورتَه في قطنِ وسائدها

لهذا،

لن تتذوَّقَ فنجانَ قهوةٍ عاديةَ المزاج

بل سترشفُ ما يحرقُ الشِّفاهَ والمدى!

شيءٌ يغلي... رفضاً يغلي!

على ماذا؟!

ربما على الموت ذاته...

من أجل قيامةٍ بلا ميعاد!

...

ج: تتوه، فنختلط علينا

بيننا طاولةٌ وشرفةٌ واحتراقُ الياسمين

من يوقظُ المدينة؟!

...

*** *** ***

عن الزمان، العدد 1341، 18/10/2002

  

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود